إعداد : ميار هاني
“الدوحة – قطر” اصطفَّ المنتخب الإيرانى جنبًا إلى جنب، وأذرعهم متدلية على أكتاف بعضهم البعض؛ لأداء النشيد الوطنى خلال عزفه قبل مباراتهم الأولى ضد إنجلترا فى كأس العالم، لكن على غير المعتاد، بقيت أفواههم مغلقةً، ممتنعين عن أداء النشيد الذى يمجِّد الجمهورية الإسلامية؛ تضامنًا مع الحركة الاحتجاجية التى تعصف بالبلاد، فى عرضٍ مُتَّحِدٍ على أكبر مسرح فى العالم.
فقبل أربعة أيام من المباراة، أشار قائد المنتخب، أنه ستتم مناقشة مسألة أداء النشيد الوطنى من عدمه، وأن القرار سيُتّخذ جماعيًّا، ومع تلك الخطوة الشجاعة، علت أصوات الجماهير فى ساحة الملعب، فيما بدت الدموع ظاهرةً على وجوه البعض.
ولما لا؟ فقد تأثرت كرة القدم مثلها مثل أى شيء آخر فى إيران، بموجة الاحتجاجات والفوضى والعنف، التى اشتعلت شرارتها الأولى، بوفاة الشابة “مهسا أمينى”، البالغة من العمر 22 عامًا، بعدما تعرَّضت للتعنيف من قِبَلِ شرطة الأخلاق فى طهران، بزعم ارتدائها الحجاب بشكلٍ غير لائقٍ؛ حيث بدأت الاحتجاجات كصرخةٍ؛ من أجل حقوق المرأة، لكن سرعان ما تحوَّلت إلى أحد أخطر التهديدات للجمهورية الإسلامية منذ سنوات الفوضى التى أعقبت تأسيسها.
ولذا، فلم تكن المباراة الافتتاحية لإيران بكأس العالم تتعلق بكرة القدم فحسب، بل كانت تدور حول الصراعات السياسية التى تجتاحها على النحو الآتى:
حيث دعا العديد من المتظاهرين ومجموعات داخل وخارج البلاد الفيفا، الهيئة الإدارية لكرة القدم، بمنع إيران من المنافسة فى كأس العالم؛ بسبب القمع الحكومى، ومنها على سبيل المثال: مجموعة من الرياضيين الإيرانيين البارزين الذين ضغطوا على الفيفا، عبْر شركة محاماة؛ لتعليق الاتحاد الإيرانى لكرة القدم (FFIRI)، وحظره من المشاركة فى كأس العالم، قائلين فى بيانٍ صحفى لهم: إن “وحشية إيران وعداءها تجاه شعبها وصلت إلى نقطة تحوُّل؛ حيث نطالب بفكِّ ارتباطٍ واضحٍ وحازمٍ بعالم كرة القدم والرياضة”.
كما انضمت إليهم فى هذا السياق، مجموعة حقوق الإنسان المعروفة باسم “الملاعب المفتوحة”، والتى تصف نفسها، بأنها حركةٌ نسائيةٌ تسعى إلى إنهاء التمييز، والسماح للنساء بحضور ملاعب كرة القدم.
فضلًا عن حثِّ الاتحاد الأوكرانى لكرة القدم الفيفا على “النظر فى استبعاد” المنتخب الإيرانى، مشيرًا إلى “الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان” هناك، و”التورُّط المحتمل لإيران فى العدوان العسكرى على بلادها”.
إلا أن دافع رئيس الفيفا “جيانى إنفانتينو” عن إدراج إيران فى مونديال قطر 2022، خلال مؤتمره الصحفى قبل البطولة، قائلًا: “هذا لأنه ليس نظامان يلعبان ضد بعضهما البعض، ليست أيديولوجيتان تلعبان ضد بعضهما البعض، فريقان لكرة القدم يلعبان ضد بعضهما البعض، إنها كرة القدم، إنها كرة القدم “، “لسنا الأمم المتحدة، نحن لسنا شرطة العالم، لسنا … لا أعرف أصحاب الخوذ الزُّرق”.
ودعا الممثل الكوميدى، “أوميد جليلى”، إنجليزى المَولد لأبويْن إيرانييْن، لاعبى المنتخب الإنجليزى، الذين يسجلون هدفًا فى مرمى إيران بقصِّ شعرهم، وهو ما تبنته النساء فى إيران كعلامةٍ على تحدِّى قواعد ارتداء الحجاب الإجبارى، قائلًا عبْر منصته على تويتر: “رسالتى إلى لاعبى إنجلترا – الآن- هى أن لديك فرصة للقيام بمبادرة صغيرة جدًا جدًا؛ لإحداث تأثيرٍ عالمىٍّ هائلٍ”، “أعتقد أن لاعبى إنجلترا، ولاعبى “ويلز” والولايات المتحدة الأمريكية – عندما يسجلون، قم بقص الشعر، فهذا يرسل رسالةً كبيرةً إلى النساء والفتيات فى إيران”.
وفى مشهدٍ غير مألوفٍ، حاول المشجعون، خلال مباراة الإثنين الماضى، الدخول إلى المدرجات بالأعلام الفارسية، التى سبقت الثورة الإيرانية عام 1979، متخذةً معنىً جديدًا فى ضوء المظاهرات الأخيرة المتأججة، إلى أن تم منعهم من دخول المباراة ما لم يسلموا أعلامهم.
وعلى هامش رفض اللاعبين أداء النشيد الوطنى لبلادهم، أطلق بعض المشجعين صيحات الاستهجان منه، فضلًا عن أداء البعض للنشيد الوطنى الفارسى، كما ظهر بمقاطع الفيديو.
وفى وقتٍ لاحقٍ من المباراة، حدث تضامن صارخ، عندما لوَّح المشجعون الإيرانيون بلافتات مطبوعة، كُتب عليها شعار الانتفاضة – “امرأة ، حياة ، حرية”، وارتدى آخرون قمصانًا، تحمل أسماء متظاهرات قُتلْن على أيدى قوات الأمن الإيرانية فى الأسابيع الأخيرة.
مشجع يرفع لافتة كتب عليها “امرأة حياة حرية مهسا أميني” قبل مباراة كأس العالم بين إنجلترا وإيران يوم الاثنين فى الدوحة ، قطر. (أليساندرا تارانتينو / أسوشيتد برس)
ومن الجدير بالذكر، أن قائد المنتخب الإيرانى “إحسان حاج صفى”، قد أدلى بتصريح يوم الأحد، أن عليه ورفاقه أن يكونوا “صوت” الشعب فى المباراة ضد إنجلترا، كما رأى أنه “علينا أن نقبل أن الظروف فى بلادنا ليست صحيحة، وأن شعبنا ليس سعيدًا”، “نحن هنا، لكن هذا لا يعنى أننا يجب ألا نكون أصواتهم أو لا نحترمهم”، “كل ما نحن عليه هو منهم، علينا أن نقاتل، علينا أن نُقدِّم أفضل ما فى وسعنا، ونحرز الأهداف، وآمل أن تتغير الظروف نحو توقُّعات الناس”.
Source:Getty\ Anthony Stanley\ ATP Images
وأخيرًا، شهدت كرة القدم أعمال تحدٍ صغيرةٍ ضد نظام البلاد، وسط احتجاجات واسعة النطاق؛ حيث تُعدُّ كرة القدم “الرياضة الأولى” فى إيران، إلى جانب العديد من بلدان العالم؛ لذا استغل المنتخب الإيرانى تلك المنصة القوية؛ للتعبير خلالها عن دعمه للمتظاهرين، ومن المبهم ما إذا كان الفريق الوطنى أو مشجعوه سيقدمون على مخاطر؛ جرَّاء ذلك التصرف الجريء، (خسر الفريق الإيرانى فى النهاية أمام إنجلترا، (2-6)، لكن من الصعب تخيُّل أن هذه هى آخر مظاهر الاحتجاج السياسية التى سنراها خلال المباريات الكروية…