في خطوةٍ تصعيديةٍ تزيد من تعقيدات الأزمة السودانية، قامت قوات الدعم السريع وقوى سياسية وحركات مسلحة سودانية، بتوقيع ميثاقٍ سياسيٍّ؛ لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها؛ لتتحدَّى الحكومة المركزية التي تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمةً مؤقتةً لها؛ الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز الانقسام الداخلي وتوسيع الفجوة بين الفصائل المختلفة، ويهدد بإطالة أَمَدِ النزاع وتفشِّي الفوضى في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
توقيع قوات الدعم السريع ميثاقًا تأسيسيًّا لتشكيل حكومة موازية
وقَّعت قوات الدعم السريع وقوى سياسية وحركات مسلحة سودانية، في 22 فبراير الماضي، ميثاقًا سياسيًّا؛ لإنشاء ” حكومة سلام ووحدة” في مناطق سيطرة الدعم السريع، وبحسب نصِّ الميثاق، اتفق الموقِّعون على أن السودان يجب أن يكون “دولة علمانية ديمقراطية غير مركزية، ذات جيش وطني واحد”، لكنه في الوقت ذاته، احتفظ بحق الجماعات المسلحة في الاستمرار بالوجود [1].
وفي السياق ذاته، حدَّد هذا الميثاق مهام الحكومة التي تتمثل في “توحيد البلاد وإنهاء الحرب”، وهي المهام التي لم تتمكن الحكومة المتحالفة مع الجيش والتي تعمل انطلاقًا من مدينة بورتسودان من تحقيقها، حسب الميثاق، وتضمن الميثاق أيضًا حظْر تأسيس أيِّ حزبٍ أو تنظيمٍ سياسيٍّ على أساسٍ دينيٍّ أو القيام بالدعاية السياسية على أساسٍ دينيٍّ أو عنصريٍّ، كما نصَّ على تأسيس جيشٍ وطنيٍّ جديدٍ ومُوحَّدٍ ومهنيٍّ وقوميٍّ بعقيدةٍ عسكريةٍ جديدةٍ، على أن يعكس التعدُّد والتنوُّع اللذيْن تتسم بهما الدولة السودانية، بالإضافة إلى تأسيس قوات شرطة مهنية وجهاز أمن ومخابرات مستقل، وتضمن الميثاق الحاجة إلى إنهاء الحروب وتحقيق السلام الشامل والعادل وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب وتخفيف معاناتهم.
وشدَّد الميثاق، على ضرورة الالتزام بالعدالة والمحاسبة التاريخية وإنهاء الإفلات من العقاب؛ بمحاكمة كُلِّ من ارتكب جرائم بحق الوطن والمواطنين السودانيِّين، بالإضافة إلى ضرورة حلِّ وتفكيك حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وجمعياتهما ومنظماتهما وواجهاتهما ومصادرة كل ممتلكاتهما.
استضافة كينيا لمحادثات التوقيع على ميثاق الحكومة الموازية
استضافت الحكومةُ الكينيةُ قياداتِ الدعم السريع وحلفاءها السياسيِّين، في 22 فبراير الماضي؛ لتوقيع ميثاقٍ لتشكيل حكومةٍ في غضون شهرٍ واحدٍ، وتأسيس هياكل للسلطة مُكوَّنة من مجلس للسيادة، وآخر للوزراء، ومجلس تشريعي، وقد أثارت استضافة كينيا اجتماعًا لقوات الدعم السريع السودانية في نيروبي جدلًا واسعًا؛ حيث انتقدت الحكومة السودانية هذه الخطوة واعتبرتها انحيازًا لطرفٍ على حساب الآخر في الأزمة المستمرة منذ نحو عامين، واتهمت الخارجية السودانية الرئيس الكيني، وليام روتو، بالتحرُّك بناءً على مصالح شخصية معلومة مع قائد الميليشيا ورعاتها، في المقابل، على الجانب الآخر، دافعت الخارجيةُ الكينيةُ عن موقف بلادها، مؤكدةً في بيانٍ، أن هذه الاستضافة تأتي ضِمْن دورها التقليدي كوسيطٍ إقليميٍّ يسعى إلى إنهاء النزاعات عبْر الحوار، وليس من منطلق الانحياز لأيِّ طرفٍ[2].
موقف القوى المدنية السودانية من خطوةٍ تشكيل الحكومة الموازية
أثارت خطوةُ تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، في ظلِّ وجود حكومة يقودها الجيش في بورتسودان جدلًا كبيرًا وأدَّت إلى انقسامٍ في التحالف المدني المؤيد لوقْف الحرب الذي كان يُعرف بتحالف “تقدُّم”، وتشكيل تحالُفٍ جديدٍ سُمِّيَ بتحالُف “صمود” بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، الذي أعلن وقوف التحالف الجديد في موقف الحياد، وأوجد التباين داخل “تقدُّم” موقفين، يرى أحدهما مواصلة النضال بوسائل العمل المدني الديمقراطي، دون تشكيل حكومة، وتبنَّتْهُ المجموعة التي انضوت تحت “صمود”، وآخر يرى، أن تشكيل حكومة هو أحد الأدوات المطلوبة، وهو الموقف الذي تبنَّتْهُ المجموعة المجتمعة حاليًا في نيروبي.
وأعلنت نحو 60 من الأجسام السياسية والمهنية والأهلية والشخصيات المُكوّنة لتحالف ” صمود ” في بيانٍ، رفضها لمقترح تشكيل الحكومة الموازية، وقالت: إنها ستلتزم طريقًا مستقلًا لا ينحاز لأيٍّ من أطراف الحرب ولا ينخرط فيها بأيِّ شكلٍ من الأشكال، وأكَّدت أنها ستتصدَّى لكل فعلٍ أو قولٍ يُهدِّدُ وحْدة البلاد ويُمزِّقُ نسيجها الاجتماعي.
ورأت مجموعة “صمود”، أن الخطوة ستُعقِّدُ أوضاع البلاد التي تمُرُّ بحربٍ “إجرامية خلفت أكبر كارثة إنسانية في العالم وما زالت رحاها تدور بشكلٍ وحشيٍّ يتزايد يومًا بعد يوم؛ ليدفع ثمنها ملايين السودانيِّين الأبرياء، ويتكسَّبُ منها دعاة الحرب وعناصر النظام السابق، الذين يريدون تصفية ثورة ديسمبر وإحكام الهيمنة على البلاد، وإعادة إنتاج نسخة أكثر توحُّشًا من نظامهم الفاشي الإجرامي صاحب الباع الإرهابي الطويل في زعزعة الاستقرار والمُجرَّب ومعروف النتائج والآثار في محيط جوارنا الإقليمي والدولي”[3].
المواقف الدولية والإقليمية من إنشاء قوات الدعم السريع لحكومة موازية
أعربت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، عن قلقها البالغ، من تداعيات قيام حكومة موازية في السودان؛ خوفًا من أن يفاقم ذلك الصراع المسلح الذي يهدد بتفكيك السودان وأحدث استمرار القتال لنحو عامين، انقسامًا حادًّا في البلاد، بين ولايات الوسط والشمال والشرق؛ حيث يسيطر الجيش، ومناطق غرب البلاد وجنوبها؛ حيث تسيطر قوات الدعم السريع، خصوصًا في مناطق دارفور وكردفان وجنوب النيل الأزرق،
وحذَّرت الأمم المتحدة أيضًا من أن توقيع الميثاق من شأنه أن يزيد التشرذُم في البلاد.
وفي السياق ذاته، عبَّرت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها من إعلان قوات الدعم السريع وحلفائها عن دستورٍ انتقاليٍّ وحكومةٍ موازيةٍ في السودان قبْل أيام، وقال مكتب الشؤون الأفريقية التابع الخارجية الأمريكية: إن “محاولات إنشاء حكومة موازية لا تساعد في تحقيق السلام والأمن في البلاد، وتُهدِّدُ بمزيدٍ من عدم الاستقرار والتقسيم الفِعْلي للبلاد، وعلى الجانب الآخر، أعربت السفيرة البريطانية “باربرا وودورد”، عن قلقها العميق إزاء هذه الخطوة، مؤكدةً أن الحفاظَ على سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه – كما ينُصُّ عليه ميثاق الأمم المتحدة – أمرٌ ضروريٌّ؛ للتوصُّل إلى حلٍّ مُسْتَدَامٍ لهذا النزاع.
وأعربت وزارة الخارجية السعودية، عن “رفْض المملكة لأيِّ خطواتٍ أو إجراءاتٍ غير شرعية تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية لجمهورية السودان قد تمسُّ وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه الشقيق؛ بما في ذلك الدعوة إلى تشكيل حكومة موازية” بينما رفضت الخارجية المصرية أيَّ محاولات تهدد وحدة وسيدة وسلامة أراضي السودان؛ بما في ذلك السعْي نحو تشكيل حكومة سودانية موازية، مضيفةً أن الخطوة تُعقِّدُ المشهد وتُفاقِمُ الأوضاع الإنسانية[4].
مخاوف من التقسيم
أثارت خطوة تكوين حكومة موالية لقوات الدعم السريع بموازاة حكومة الجيش في بورتسودان، مخاوف بين عددٍ من السودانيِّين، من أن تؤدي لتفاقُم القتال وتجزئه السودان؛ حيث أدَّت الخطوة إلى تقسيم أكبر تحالف لقوى مدنيةٍ في البلاد المعروف باسم “تقدُّم”، إلى مجموعتيْن، إحداهما بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، التي غيَّرت اسمها الآن إلى تحالف “صمود”، وهي تُعارِضُ قيام حكومة موازية، بينما المجموعة الأخرى، تؤيد قيام مِثْل هذه الحكومة، وتُنسِّقُ مع الأطراف الأخرى في تحالف “تأسيس”.
ختامًا:
يعكس تشكيل حكومتيْن في مناطق سيطرة كُلِّ طرفٍ من أطراف الأزمة السودانية، حالة الفوضى والانقسام السياسي التي أصبحت تعاني منها السودان في الوقت الراهن، كما يعكس فشل الجهود الإقليمية والدولية في التوصُّل إلى تسويةٍ سياسيةٍ للأزمة السودانية، فمع ظهور حكومتيْن متنافستيْن، سيصبح من الصعب إيجاد أرضية مشتركة للحوار أو الوصول إلى حلولٍ سلميةٍ؛ ما يزيد من تفشِّي الفوضى وانعدام الثقة بين الأطراف السودانية، كما أن التداعيات المحتملة لهذه الحكومة الموازية قد تتجاوز الحدود الوطنية؛ حيث قد يؤدي انعدام الاستقرار إلى تدخُّلات خارجية من دول ومنظمات إقليمية ودولية؛ ما يزيد من تعقيدات الأزمة السودانية وسيؤدي ذلك إلى إطالة أَمَدِ الحرب.
المصادر:
[1] أحمد يونس، قوات الدعم السريع تعلن اكتمال ترتيبات تشكيل الحكومة الموازية، الشرق الأوسط، 2025م، متاح على: https://2u.pw/aPDVSQ04
