المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > السياسة الخارجية التركية: قراءة في التحديات والإنجازات من خلال استطلاع للرأي العام
السياسة الخارجية التركية: قراءة في التحديات والإنجازات من خلال استطلاع للرأي العام
- أكتوبر 7, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: أحمد محمد فهمي
منسق برنامج دراسات الدول التركية
تُعدّ السياسة الخارجية التركية من أكثر السياسات الخارجية ديناميكية وتأثيرًا في الساحة الدولية خلال العقدين الأخيرين، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، شهدت السياسة الخارجية التركية تحوّلات جذرية في توجهاتها وأولوياتها، حيث انتقلت من التركيز على العلاقات التقليدية مع الغرب إلى الانفتاح على الشرق الأوسط، إفريقيا، آسيا الوسطى، والقوقاز. هذه التحولات جاءت في إطار سعي تركيا لتعزيز دورها الإقليمي والعالمي كلاعب مركزي يسعى لتحقيق مصالحه القومية على مختلف المستويات.
لكن هذه السياسة لم تكن خالية من التحديات، فعلى مدار السنوات الأخيرة وتحديدا منذ عام ٢٠١٣، واجهت تركيا ملفات معقدة بدءًا من الأزمات الإقليمية مثل الحرب في سوريا، الأوضاع المتوترة في ليبيا، والصراع المستمر في شرق المتوسط، وصولاً إلى العلاقات المتوترة مع بعض دول الإقليم وأبرزها مصر وكذلك مع بعض الدول الغربية والولايات المتحدة.
ومع كل هذه التحديات، لا يمكن إنكار الإنجازات التي حققتها السياسة الخارجية التركية، خاصة في إطار توسيع نفوذها الإقليمي وتحقيق مصالح استراتيجية في مناطق جديدة، مثل إفريقيا ومنطقة البحر الأحمر، ولعل النجاح الأكبر يمكن رصده في قدرتها على إدارة توازنات حساسة مع القوى الدولية الكبرى، وكذلك في تطوير علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع الدول الصاعدة.
انطلاقًا من هذا السياق، أجرت مؤسسة ASAL للدراسات التركية[1] استطلاعًا للرأي لرصد نظرة الشارع التركي تجاه سياسة البلاد الخارجية، وتم إجراء الاستطلاع في الفترة ما بين 17 و27 من شهر أغسطس الماضي، بمشاركة ألفي شخص من 26 مدينة. وخلال الاستطلاع المذكور، سُئل المشاركون عن مدى نجاح السياسة الخارجية التركية في ضوء الوضع العالمي والأوضاع في الشرق الأوسط، وقد قدم هذا الاستطلاع قراءات مهمة حول نظرة الأتراك لدور بلادهم في المنطقة، خصوصًا في ظل التغيرات العالمية والإقليمية المتسارعة.
أولا: الملامح العامة للسياسة الخارجية التركية في الفترة (2016-2024)[2]:
شهدت السياسة الخارجية التركية خلال الفترة المذكورة تطورات وتحولات بارزة، تأثرت بالتغيرات الإقليمية والدولية، وكذلك باستراتيجية أنقرة لتوسيع نفوذها وتعزيز مكانتها كلاعب إقليمي وعالمي رئيسي، يمكن القول إن هذه الفترة تميزت بتبني تركيا مزيجًا من الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية لتعزيز موقعها في عدة مناطق استراتيجية. في هذا السياق، تبرز عدة عوامل رئيسية ساهمت في تشكيل السياسة الخارجية التركية خلال هذه الفترة:
1- التوجه نحو القوة الصلبة والتدخلات العسكرية:
من أبرز سمات السياسة الخارجية التركية منذ عام 2016 هو اعتمادها المتزايد على القوة الصلبة، خاصة من خلال التدخلات العسكرية المباشرة، ومن أبرزها:
استمرار أنقرة في عملياتها العسكرية في شمال سوريا والعراق، مستهدفة مواقع حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية تحت عنوان “حماية الأمن القومي”، وقد بررت الحكومة التركية تلك العمليات كجزء من جهودها لمنع إنشاء “كيان إرهابي” على حدودها الجنوبية، كما أثرت هذه العمليات على ديناميكيات الصراع السوري، حيث دعمت تركيا للفصائل مسلحة موالية لها كالجيش الوطني السوري ضد النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية.
التدخل العسكري في ليبيا مثّل نقطة تحول مهمة في السياسة الخارجية التركية، حيث قامت تركيا بإرسال أسلحة ومستشارين أتراك ومرتزقة سوريين لدعم حكومات الغرب المتعاقبة في طرابلس ضد قوات الجيش الوطني الليبي، في خطوة هدفت إلى تعزيز نفوذها في شمال إفريقيا، وتأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، بما في ذلك حماية الاتفاقات البحرية مع الحكومة الليبية.
لعب تركيا دورًا رئيسيًا في دعم أذربيجان خلال الحرب مع أرمينيا حول «ناغورنو كاراباخ»، حيث ساهم دعمها العسكري، وخاصة الطائرات بدون طيار، في ترجيح كفة الصراع لصالح أذربيجان، وقد عززت هذه الحرب من نفوذ تركيا في جنوب القوقاز وكذلك بعلاقتها بأذربيجان، في حين أثارت قلق بعض القوى الإقليمية والدولية.
2- التنافس في شرق البحر المتوسط:
برزت قضية شرق البحر المتوسط كواحدة من أكثر القضايا توترًا في السياسة الخارجية التركية، حيث سعت جاهدة إلى تعزيز نفوذها البحري وتأمين مصالحها الاقتصادية في هذه المنطقة، خاصة فيما يتعلق بموارد الغاز الطبيعي. ونتيجة لذلك وجدت تركيا نفسها في مواجهة مباشرة مع اليونان وقبرص، بالإضافة إلى تحالفات إقليمية ضمت مصر وإسرائيل، حول حقوق التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط. وعلى الرغم من التصعيد العسكري المحدود بين الأطراف، استمرت أنقرة في إرسال سفن التنقيب إلى المناطق المتنازع عليها، مؤكدة حقها في الاستفادة من هذه الموارد بناءً على اتفاقية الحدود البحرية التي أبرمتها مع ليبيا.
كما أدى الخلاف حول شرق البحر المتوسط إلى توترات متزايدة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، خاصة مع اليونان وقبرص كأعضاء في الاتحاد، وقد نتج عنها فرض عقوبات محدودة من قبل الاتحاد الأوروبي. في المقابل قامت تركيا بخفض التصعيد ولكن دون حل جذري للأزمة.
3- تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية:
شهدت تركيا خلال هذه الفترة توسعًا ملحوظًا في علاقاتها مع الدول الإفريقية، من خلال السياسة الخارجية التي تُعرف بـ”التوجه نحو إفريقيا”، حيث سعت إلى تعزيز وجودها الاقتصادي والدبلوماسي في القارة السمراء، وأصبحت شريكًا تجاريًا مهمًا لكثير من الدول الإفريقية، وفتحت المزيد من السفارات لتعزيز العلاقات الثنائية، كما قدمت العديد من المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية في إفريقيا، إلى جانب توقيع اتفاقيات عسكرية مع بعض الدول مثل الصومال. كما زادت من تصدير منتجاتها الدفاعية إلى إفريقيا، خاصة الطائرات بدون طيار التي أصبحت جزءًا مهمًا من استراتيجيتها لتعزيز قوتها الناعمة والصعبة في آنٍ واحد.
4- إعادة ضبط العلاقات مع القوى الكبرى:
خلال الفترة المذكورة شهدت محاولات من تركيا لإعادة ضبط علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. في بعض الأحيان، كانت العلاقات تتسم بالتوتر، ولكن تركيا سعت دائمًا للحفاظ على توازن استراتيجي في تعاملها مع هذه القوى.
فعلى صعيد علاقتها مع الولايات المتحدة، شهدت العلاقات بين البلدين توترات مستمرة، خاصة على خلفية شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-400. ورغم هذه التوترات، حافظت الدولتان على تعاونهما داخل إطار حلف الناتو، وتحسنت العلاقات بينهما خاصة بعد موافقة تركيا على إنضمام السويد وفنلندا للحلف.
العلاقات التركية الروسية شهدت تحسنًا ملحوظًا على الرغم من بعض الخلافات حول سوريا وليبيا والقوقاز، لكن أنقرة لا تزال تحاول تحقيق توازن بين تعاونها مع موسكو في الملفات المشتركة بينهما، والاختلافات الجيوسياسية في مناطق النزاع.
كذلك بدأت تركيا في إعادة ضبط علاقاتها مع بعض الدول العربية، أبرزها مصر والإمارات، بعد سنوات من التوترات بسبب الصراعات الإقليمية، خصوصًا في ليبيا والخليج، وتأتي هذه الجهود ضمن مسعى تركيا لتجنب المزيد من العزلة الإقليمية وتخفيف الضغط الاقتصادي الناتج عن التوترات الدبلوماسية.
5- التحولات الداخلية وتأثيرها على السياسة الخارجية:
السياسات الداخلية في تركيا، بما في ذلك التحديات الاقتصادية وزيادة التركيز على القومية في الخطاب السياسي، كان لها تأثير واضح على سياسة تركيا الخارجية، حيث اعتمدت إدارة الرئيس أردوغان على الخطاب القومي والتدخلات الخارجية لتعزيز شعبيته في الداخل، خاصة في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا والتضخم والحرب الروسية الأوكرانية.
الوضع الاقتصادي في تركيا، كان له تأثير كبير على توجهات السياسة الخارجية، وسعت الحكومة التركية إلى توسيع أسواقها وتطوير علاقات اقتصادية جديدة للتخفيف من الضغوط الاقتصادية الداخلية. ولذلك، كان الانخراط في إفريقيا ودول آسيا الوسطى جزءًا من استراتيجيتها لمواجهة التحديات الاقتصادية.
6- القوة الناعمة والدبلوماسية العامة:
رغم التركيز على القوة الصلبة، استمرت تركيا في استثمار جهودها في الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة، من خلال الوكالات الإغاثية مثل “تيكا” والمنظمات غير الحكومية الأخرى، حيث قدمت مساعدات إنسانية في مناطق النزاع والكوارث، كما لعبت دورًا في دعم الدول الإسلامية والدفاع عن القضايا التي تخص العالم الإسلامي، مثل القضية الفلسطينة، مما أكسبها دعمًا شعبيًا واسعًا في هذه الأوساط.
ثانيا: قراءة في نتائج استطلاع “آصال“:
استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة “آصال” للأبحاث حول نجاح السياسة الخارجية التركية عكست تباينات واضحة في تقييم المواطنين لسياسة بلادهم الخارجية، وكذلك مزيجًا معقدًا من الرؤى والتقييمات المختلفة داخل المجتمع التركي تجاه الدور الذي تلعبه بلادهم على الساحة الإقليمية والدولية، كما عكست كذلك التحديات التي تواجه السياسة الخارجية التركية والطموحات التي تسعى لتحقيقها. حيث وفقاً للاستطلاع، أجاب 45.3% من المشاركين بأنهم يرون السياسة الخارجية التركية ناجحة، في حين قال 40.8% أن هذه السياسة غير ناجحة، بينما أبدى 13.9% من المشاركين عدم قدرتهم على التقييم.
1- تحليل نسبة المؤيدين (45.3%):
الفئة التي ترى السياسة الخارجية التركية ناجحة (45.3%) قد تكون متأثرة بعدة عوامل إيجابية، مما يجعلها تنظر بإيجابية إلى الأداء التركي في الخارج، من أبرز هذه العوامل:
تعزيز النفوذ الإقليمي: يعتقد مؤيدو السياسة الخارجية أن تركيا قد نجحت في توسيع نفوذها الإقليمي بفضل مواقفها الحازمة في عدد من الأزمات، منها التدخلات العسكرية في سوريا والعراق، والدور النشط في ليبيا وشرق المتوسط، وكلها أمثلة على تلك النجاحات التي يراها المواطنون دليلاً على قوة تركيا وتأثيرها في المنطقة.
القوة العسكرية: النجاح في تطوير الصناعة العسكرية المحلية وتعزيز الجيش التركي يعتبر من العوامل المهمة التي ساهمت في تكوين هذه النظرة الإيجابية، حيث يرى المؤيدون أن بلادهم قد حققت نجاحات ملموسة من خلال تحقيق استقلالية في مجال الصناعات العسكرية وتصنيع أسلحة محلية مثل الطائرات المسيرة المسلحة (بيرقدار)، التي لعبت دوراً مهماً في العمليات العسكرية وظهرت كأداة فعالة في تعزيز النفوذ التركي خارج الحدود.
السياسات الإنسانية والدبلوماسية: يرى المؤيدون أن بلادهم لم تعتمد فقط على التدخل العسكري، بل سعت أيضاً إلى ممارسة دور إنساني ودبلوماسي في مناطق النزاع، منها تقديم المساعدات الإنسانية، والقيام بمبادرات الوساطة في الصراعات، والتي يُنظر إليها كنقاط قوة تعزز صورة تركيا كدولة ذات تأثير إيجابي على الساحة الدولية.
التوسع الاقتصادي: يشير بعض المؤيدين إلى النجاحات الاقتصادية التي تحققت من خلال توسيع الأسواق التجارية التركية في إفريقيا وآسيا، وزيادة صادرات الصناعات الدفاعية. إضافةً إلى ذلك، تحركات تركيا لتعزيز اتفاقيات التجارة والطاقة مع دول في المنطقة، ساهمت في دعم الرؤية الإيجابية لسياسات أنقرة الخارجية.
2- تحليل نسبة المعارضين (40.8%):
على الجانب الآخر، نسبة 40.8% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن السياسة الخارجية التركية غير ناجحة، وهناك عدة عوامل تفسر هذا الرأي:
التكلفة الاقتصادية: الانتقادات الموجهة للسياسة الخارجية تركز بشكل كبير على التكلفة الاقتصادية الناتجة عن التدخل في الشئون الداخلية لدول الإقليم وأبرزها التدخلات العسكرية، حيث يشعر المنتقدون أن هذه التدخلات تستنزف موارد الدولة وتضعف الاقتصاد القومي، خاصة في ظل أزمة التضخم والبطالة التي تواجهها البلاد.
العزلة الدولية: بعض المعارضين يرون أن السياسات الخارجية التي أتبعتها تركيا خاصة تجاه دول الإقليم والقضايا الراهنة زادت من عزلتها الدولية، وساهمت في تشكيل صورة سلبية لتركيا لدى شريحة من المواطنين.
الرهانات الخاطئة: يرى بعض المعارضين أن تركيا ربما قد راهنت على بعض الأطراف السياسية الإقليمية التي فقدت قوتها، مثل دعمها لحركة الإخوان المسلمين في مصر، وهذا الدعم أدى إلى توتر علاقاتها مع بعض الدول القوية في المنطقة، مما أثر سلبًا على مكانتها الإقليمية.