إعداد : رضوى الشريف
بعد أيامٍ قليلةٍ، من لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، زار القاهرة وفدٌ من اليونان، ضمَّ وزير الخارجية، نيكوس ديندياس، ووزير الدفاع، نيكولاوس بانايوتوبولوس، وأعقب زيارتهما، إعلان القاهرة، الأربعاء 30 نوفمبر، عن توقيع مذكرة تفاهم، في مجال البحث والإنقاذ الجوي والبحري مع اليونان، واهتمام الجانبيْن، بتنمية العلاقات على مستوى التنسيق السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري.
يجمع مصر واليونان علاقات ثنائية متبادلة، تجمعهما على كافة الأصعدة والمجالات، لكن تلك العلاقة الغائبة عن الأنظار، أخذت تتصاعد شيئًا فشيئًا، بالسنوات الأخيرة، حتى تحوَّلت إلى شراكةٍ إستراتيجيةٍ، ولعل تحركات البلديْن الأخيرة تؤكدها، والمصالح المشتركة تُوحِّدُ هدفها.
وتنطوي الأهمية الكبرى التي تُقام عليها العلاقة بين الجانبيْن، هي الارتباط المباشر بعمليات التنمية المستدامة بين الدولتيْن والأمن الإقليمي؛ ما يتمثل في المشروعات المشتركة، ومنها، مشروعات الربط الكهربائي بين مصر واليونان، إضافةً إلى التنسيق المشترك، والتعاون الإستراتيجي في كافة الملفات بالنسبة لمصر، وأهمها، مشروعات التنقيب عن الغاز، شرق المتوسط.
تعاون عسكري استراتيجي
كذلك يحرص الجانبان، على توسيع التعاون بين القوات المسلحة في القطاعات الأخرى، وتعزيز العلاقات الممتازة، والتعاون الإستراتيجي، متعدد المستويات بين البلديْن؛ بهدف الإدارة الفعَّالة للتحديات الأمنية، من خلال التعاون الثنائي، والمتعدد الأطراف في المنطقة.
ففي تلك الأثناء، نفَّذت مصر في أواخر شهر نوفمبر الماضي، فعاليات التدريب البحري الجوي المصري “ميدوزا -12″، بالبحر المتوسط، بمشاركة عناصر من القوات الجوية والبحرية، والقوات الخاصة المصرية واليونانية والقبرصية والسعودية والأمريكية، وكل من الإمارات والبحرين وألمانيا وفرنسا والمغرب والأردن والكونغو ورومانيا بصفة مراقب.
ويصف مراقبون، بأن تلك المناورة العسكرية هي الأهم على الإطلاق في المنطقة، فضلًا عن طبيعة المصالح الإستراتيجية متعددة الأطراف بين الدول المشاركة، والتوافق في المواقف والسياسات بين الأطراف المشاركة في التمرين.
رسائل إلى أنقرة
تُعدُّ زيارة وزير الخارجية اليوناني للقاهرة، هي الثانية خلال شهريْن متتاليْن، فالزيارة الأولى، جاءت في أكتوبر الماضي، أعقاب توقيع أنقرة لعددٍ من الاتفاقات مع حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها في ليبيا، بينما جاءت الثانية، في أعقاب المصافحة، التي وُصِفَت “بالتاريخية”، بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على هامش افتتاح كأس العالم في قطر.
ومن هنا، يمكن فهْم طبيعة التحرك اليوناني، والذي يستهدف ضمان التنسيق مع الجانب المصري، وتأكيد الثوابت المصرية واليونانية، تجاه التفاعلات في منطقة شرق المتوسط، كما أن الزيارة، وما صاحبها من تصريحات من الطرفيْن، تحمل رسائل طمأنة من قِبَلِ مصر لليونان، لا سيما في ظل تصاعُد تصريحات المسؤولين في أنقرة، وعلى رأسهم، الرئيس التركي، حول رغبته في تحسين العلاقات من القاهرة.
كيف تقرأ أنقرة المشهد؟
عقب الإعلان عن مُخْرَجات زيارة وزير الخارجية اليوناني للقاهرة، أكدت وزارة الخارجية التركية، أنه “لتناقضٌ خَطِرٌ، أن تبرم اليونان مذكرة تفاهم مع مصر، في شأن البحث والإنقاذ في شرق البحر المتوسط، في الوقت الذي تدفع فيه أثينا طالبي اللجوء إلى بحر إيجة، معرضةً حياتهم للخطر، في انتهاكٍ للقانون الدولي”.
وذكر البيان التركي، أن اليونان تجنَّبت دائمًا التعاون مع تركيا، في شأن هذه القضية، ورفضت مُقْتَرَحات الاتفاقية التي قدمت في الماضي؛ لأن اليونان تزعم أن مناطق خدمة البحث والإنقاذ، هي منطقة السيادة، وتربطها بمطالبها المتطرفة، بخصوص الصلاحيات البحرية، بحسب وصفه.
ويحدد التوازن العسكري بين أثينا وأنقرة، من يتحكم في بحر إيجة، ذي الأهمية الجيوستراتيجية، مع الإشارة، بأن العلاقات بين البلديْن تدهورت بشكلٍ حادٍّ، لدرجة أن الصراع العسكري في بحر إيجة، أصبح احتمالًا ممكنًا، فقد طلبت اليونان 6 طائرات مقاتلة جديدة، من طراز “رافال” من فرنسا، من المقرر، أن تصل عام 2024؛ ليصل العدد الإجمالي لطائرات “رافال” في سلاح الجو اليوناني إلى 24 طائرة مقاتلة، بالتوازي مع محاولة ضغط الحكومة اليونانية على واشنطن؛ لوقف بيْع المزيد من طائرات “إف – 16” لأنقرة، كما تسعى اليونان إلى تعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة تركيا، من خلال تحديث البحرية، والحفاظ على تفوق نوعي في القوات الجوية، مقابل التفوق الكمي لتركيا، من حيث عدد الطائرات المقاتلة، التي تصل إلى ضعف ما بحوزة اليونان.
سياقات متعددة
بالرغم من ذلك، يُذكر، أن أنقرة كانت قد سبقت لقاء الرئيسيْن المصري والتركي، بالدعوة إلى مفاوضات جديدة، حول بحر إيجة، والدخول في مرحلةٍ تفاوضيةٍ مباشرةٍ؛ ما يشير بأن تركيا تريد تصفية المشكلات وتصفيرها، تجاه الدول الرئيسة في الإقليم، وقد فعلت ذلك مع السعودية والإمارات وإسرائيل، وتحاول الآن مع اليونان ومصر.
يتسم التحرك الدبلوماسي التركي بشكلٍ عامٍ، بأنه يتحرك في سياقاتٍ متعددةٍ، تجاه الدول المستهدفة، ففي أثناء المصافحة التي بعثت بشائر أمل لعودة العلاقات بين الجانبيْن المصري والتركي، لُوحظ تصعيد تركي لافت على الجبهة السورية، ومع التوقُّع باستمرار النهج التركي في التصعيد المباشر، وعدم الإنصات إلى بعض المطالب المصرية المعلنة، التي من ضمن شروطها على المستوى الإقليمي، توقُّف الممارسات التركية في الإقليم، خاصةً في سوريا والعراق.
لكن لُوحظ التصعيد التركي اللافت على الجبهة السورية، يقابله تهدئة على الجبهة الليبية – على رغم ما يجري وراء الستار- والرسالة الأولية التي تحاول تركيا إرسالها، أنها تريد “نصف حلٍّ وشبه خيار”، وهي إستراتيجية تركيا الخارجية، التي تعتمد مقاربة قائمة بالعمل على حلول موقتة وسريعة، وتفاهمات جزئية، وليست كلية أو نهائية، بما يسمح بمزيدٍ من التفاهمات الدورية، والتوصل إلى حلول نفعية وسريعة، وبما يحقق الأهداف الرئيسة للسياسة التركية؛ ما سيصطدم بالموقف المصري، وربما يُوتِّر الأجواء، ولن يصل إلى نتائج حقيقية، في ظل هذه الإستراتيجية.
في المجمل
على رغم المساعي التركية الملحوظة خلال السنوات الماضية، فإن مجمل حركة السياسة الخارجية المصرية، يشير إلى أنَّ أيَّ تقارب مع تركيا، لن يخصم من العلاقة الإستراتيجية مع اليونان، كما لا يمكن أن يكون بديلًا عنها، خاصةً ما يربطهما من تفاهمات في منطقة شرق المتوسط، وأن أيَّ محاولات لأنقرة في منطقة شرق المتوسط، سواء تمَّ ترميم العلاقات مع القاهرة أو لا، يجب أن يحكمها القانون الدولي، والابتعاد عن عسكرة التفاعلات، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ولكن من الممكن، أن يؤثر التقارب “المصري – التركي”، في حال نجاحه، على التحوُّلات في منطقة شرق المتوسط، كما يمكن أن يكون مقدمةً لوساطةٍ مصريةٍ بين تركيا واليونان؛ لتسوية الخلافات والملفات العالقة، لا سيما ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، ويرجح أن تكثف أنقرة جهودها؛ لإتمام التقارب، في ظلِّ رغبتها في تجاوز العزلة المفروضة عليها، وحاجتها لضمان تهدئة التوتُّرات مع قوى إقليمية كبرى ومؤثرة.