المقالات
تداعيات أزمة مُخَيَمّى الهول وروج على الجوار العراقي
- سبتمبر 4, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد فى برنامج الإرهاب والتطرف
مُقدمة:
لا يزال ملف عوائل وأطفال داعش، وأزمة مُخيمَّي الهول وروج، لا يحظى بإهتمام كبير على أجندات مكافحة التطرف والإرهاب، وربما يعود ذلك إلى تراجع ملف التطرف والإرهاب، وانشغال العالم بالصراعات الدولية التي أصبحت هي الأخرى أكثر خطورة وتهديدًا من الإرهاب والتطرف نفسه، ولأسباب تتعلق بإمكانية قيام نظام دولي جديد، والتغيرات السياسية، وموازين القوى حول العالم.
تنتشر مخيمات النازحين واللاجئين في مختلف أنحاء المنطقة، في سوريا والعراق وتركيا والأردن، ففي الأردن، توجد مخيمات تؤوي أكثر من 120 ألف لاجئ سوري، وأهمها مخيما الزعتري والأزرق، وفي تركيا، يعيش نحو 260 ألف لاجئ سوري في 22 مخيمًا وفقًا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأهمها مخيمات أقجة قلعة وحران والإصلاح.[1] كما يوجد في العراق نحو 40 مخيمًا منتشرة في بغداد وكربلاء وديالى والسليمانية والأنبار وكركوك ونينوى، وهي مُخصصة للنازحين العراقيين الذين فروا من ديارهم أثناء الحرب على داعش، في حين توجد مخيمات أخرى مُخصصة للاجئين السوريين، ويستضيف العراق حوالي 260 ألف لاجئ سوري، تعيش الغالبية العظمى منهم في إقليم كردستان، بما في ذلك أكثر من 95 ألف شخص يعيشون في المخيمات، ويتلقى 72 ألفًا منهم مساعدات غذائية ونقدية مُنقِذَة للحياة من برنامج الغذاء العالمي، بينما تقدم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مجموعة من الخدمات، بما في ذلك الدعم القانوني وخدمات التسجيل والمساعدات النقدية ودعم التعليم وخدمات أخرى.[2]
وهناك مخاوف من ظهور جيل جديد من المتطرفين المسلحين، لأن أغلب الأطفال يتلقون دروسهم من أمهاتهم، وتخلّت العديد من النساء اللواتي التحقن بالتنظيم عن بطاقات الهوية وجوازات السفر، في حين ترفض أغلب الدول النظر في قضيتهن، بسبب ولادة الأطفال على أراضي خارج حدودها، ووجود أطفال من جنسيات متعددة، وليس لديهم شهادات ميلاد معترف بها من حكومة رسمية، مما يمنعهم من إثبات جنسياتهم والحصول على وثائق شخصية، وأصبحت هذه المخيمات بؤر للتطرف والإرهاب ويمثلوا تهديدًا كامنًا لأمن واستقرار المنطقة برمتها، نظرًا للعدد الكبير من السكان المقيمين فيه وسيطرة الأفكار المتطرفة عليه، ما يجعله بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة خلال الفترة المقبلة، وهو ما يستدعي معالجة الوضع داخل هذه المخيمات وأهم آليات داعش للسيطرة عليه وأبرز التهديدات الأمنية المحتملة لتلك السيطرة على أمن واستقرار المنطقة والعالم.
تسعى هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على ملامح مُخَيَمّى الهول وروج، واستعراض أبرز الإشكاليات والتداعيات المُتعلقة بهما، وتوضيح أهم مجهودات العراق ومساعيه في التصدي لخطر هذه الأزمة، وكذلك مسارات الموقف العراقي والتحديات التي تواجهه، مع محاولة استشراف السيناريوهات المستقبلية.
أولًا: مُخَيَمّى الهول وروج .. النموذجان الأخطر
-
مخيم الهول:
يُعتَبر أكبر تجمع للاجئين والنازحين على الأراضي السورية، يقع المُخيم على المشارف الجنوبية لبلدة الهول الواقعة على بُعد 45 كم شرق مدينة الحسكة، وعلى بُعد حوالي (14 كم) من الحدود العراقية، أُنشئ مُخيم الهول عام 1991 أثناء حرب الخليج الثانية، من قِبَل مُفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالتنسيق مع الحكومة السورية، وبعد الحرب ضد العراق عام 2003 أُعيد افتتاحه لاستقبال النازحين الذين تركوا مناطق إقامتهم وعبروا الحدود نتيجة الحرب، وقُدِّر عددهم بحوالي (15000) لاجئ، وفي عام 2013، سيطر تنظيم “داعش” الإرهابي على المخيم وطرد سكانه، بعد أن سيطر على عدد من المدن السورية، من بينها بلدة الهول، ما اضطر السوريين إلى مواجهة ذلك التنظيم وتحرير المناطق التي سيطر عليها، فظهرت على الساحة السورية (قوات سوريا الديمقراطية) المعروفة اختصارًا باسم “قسد”، والتي استطاعت بمساعدة العشائر المتحالفة معها طرد عناصر تنظيم “داعش” من بلدة الهول، واستعادة المُخيم في 13 نوفمبر 2015، ليُصبح تحت سيطرتها بدعم من التحالف الدولي.[3]
كما أُعيد فتح مُخيم الهول في 2016، إثر العمليات العسكرية لتحرير المُدن العراقية من براثن تنظيم “داعش” الإرهابي، والتي أسفرت عن نزوح آلاف المواطنين، ثم تغيرت التركيبة السكانية للمخيم بشكل كبير وتزايدت أعداد النازحين، مع انطلاق حملة (عاصفة الجزيرة) التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية عام 2018، لإنهاء وجود تنظيم “داعش” الإرهابي على الأراضي السورية بعد الهزيمة التي تعرض لها في العراق، وأنهت العملية العسكرية (عاصفة الجزيرة) بقايا التنظيم في سوريا بسقوط منطقة الباغوز (الملاذ الأخير لتنظيم “داعش” الإرهابي في المنطقة)، وأسفرت هذه المعارك عن سقوط عدد كبير من قيادات التنظيم من المتطرفين (الجهاديين)، وعناصره في أيدي قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة الذين فرّوا بعد هزيمتهم في العراق، بالإضافة إلى عدد كبير من عائلات قتلى التنظيم من العرب والمرتزقة الأجانب وأطفالهم.[4]
-
مُخيّم روج:
المُخيم الثاني من نوعه الذي أنشأته الإدارة الذاتية “قسد” بعد مُخيم الهول، الواقع على طريق قرية الزهيرية قرب ديريك/المالكية في محافظة الحسكة، اُفتتح في 2015، بعد نزوح الإيزيديين بسبب هجوم تنظيم “داعش” الإرهابي على قضاء سنجار في محافظة نينوى، وبلغ عدد اللاجئين الواصلين إلى مُخيم روج نحو (3000) لاجئ عراقي معظمهم من (سنجار، ربيعة، تلعفر، زمار) الذين اضطروا للنزوح نتيجة الضغوطات التي فرضتها عليهم عصابات تنظيم “داعش” الإرهابي بين الانضمام إلى صفوفه أو تصفيته، كما يضم المخيم (32) عائلة سورية، وعدد كبير من أهالي محافظة الحسكة الذين قدموا مؤقتًا، بالإضافة إلى احتوائه على نحو (600) طفل من أطفال تنظيم “داعش” الإرهابي من جنسيات مختلفة.[5]
ثانيًا: تداعيات خَطِرة
يُحيط بالعراق أخطار وتداعيات أمنية وسياسية واجتماعية بسبب مُخيّمي الهول وروج اللذان يؤوان عائلات أفراد تنظيم “داعش”، التي ما زال أغلبها يحمل الفكر المتطرف.
وتتفاقم المشكلات والعقبات الأمنية في مُخيمّي الهول وروج، إلى درجة التهديد بالانفجار الحتمي ويمثلان أكبر مُخيمات الاعتقال بأخطاره الجاثمة، لما يشملونه من آلاف العائلات من عناصر تنظيم “داعش” بدايةً من (2013 – 2019) وتم العثور بمُخيم” الهول” على أسلحة، من بينها ثمانية قطع رشاش كلاشينكوف، وأربعة ألغام، وحزامين ناسفين، كما عُثر على 25 صاعقًا للتفجير، وقذيفة (أر بي جي) واحدة، وكميات من الذخيرة والعتاد العسكري والمواد المُخدرة، وتدمير خمسة أنفاق، وتحدَّث بيان قوات “قسد” عن تدني مستوى الاهتمام الدولي تجاه ملف خَطِر ومتفاقِم، لاسيّما من المنظمات والمؤسسات الدولية المَعنية، مما يجعل حل هذه المُعضِلة أمرًا بالغ الصعوبة، ويترك “الإدارة الذاتية” ومؤسساتها الأمنية والعسكرية وحيدة في تحمل الأعباء كافة المتعلقة بمنع تعاظم الخطر الإرهابي في مُخيمّي الهول وروج.
ويَعتبِر مستشار الأمن القومي العراقي “قاسم الأعرجي”، مُخيم الهول “تهديدًا مباشرًا ” لأمن بلاده والمنطقة، وشدّد في كلمة له ألقاها في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث رفيع المستوى لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب بنيويورك في يونيو 2023، على ضرورة تحرك دول العالم لسحب رعاياها من المُخيم وتفكيكه.[6]، و أن “الحكومة العراقية أكدت مرارًا أن مخيم (الهول) السوري يُشكل تهديدًا خطرًا على العراق والعالم ويجب تفكيكه”، مُشددًا على “أهمية تماسك المجتمع الدولي، والعمل على حث الدول على سحب رعاياها من المُخيم”، كما اقترح عقد مؤتمر دولي على مستوى وزراء الخارجية لإيجاد حل وغلق هذا المُخيم.[7]
ثالثًا: مساعي حميدة
على مدى العامين الماضيين، وضعت العراق خُطة “طموحة” لإعادة تأهيل العراقيين داخل مُخيم الهول السوري ودعم قدرتهم على إعادة الاندماج في المجتمع، ولا تزال عودة أقارب الإرهابيين تثير الجدل بين السكان في العراق، الذين خاضوا حربًا دامت ثلاث سنوات وانتهت أواخر عام 2017 بطرد التنظيم بعد سيطرته على نحو ثلث مساحة البلاد، وفي مسعى للحد من العداء الذي قد تواجهه هذه العائلات عند عودتها من سوريا، يتم إيواء أفرادها أولاً في مخيم “الجدعة”، حيث يخضعون لإجراءات أمنية و”مرحلة تأهيل نفسي”، بحسب مسؤولين عراقيين، وأعلن مستشار الأمن الوطني العراقي “قاسم الأعرجي” نقل 1567 عائلة من مخيم “الهول” وإدخالها إلى مخيم “الجدعة” لإعادة تأهيلها، مشيرًا إلى أن “900 عائلة عراقية أعيدت إلى مناطقها الأصلية”، بحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية، وكشف عن عودة “2945 متهمًا عراقيًا بالإرهاب”، معظمهم “حوكموا وفق القوانين العراقية”.[8]
كذلك دعم خُطة الحكومة لإعادة النازحين العراقيين، مع التزام الحكومة بإجراء التحقيقات الأمنية عليهم وتقديم الخدمات والتعويضات اللازمة للمتضررين من الصراع مع داعش، وضمان جاهزية المجتمعات لقبول الأُسر النازحة العائدة لتحقيق إعادة الاندماج المستدام، مؤكدًا التزام البرنامج بإعداد المجتمعات لهذه المرحلة من أجل تنفيذ “حلول دائمة للسلام والتماسك الاجتماعي في العراق”، ويدعم برنامج التماسك المجتمعي مشروع المصالحة المجتمعية وإعادة الاندماج، ويهيئ المجتمع لعودة وإعادة دمج النازحين والأُسر التي تعرضت للوصم بسبب ارتباط أحد أفرادها بتنظيم داعش، وهي غالبًا الأكثر تهميشًا وضعفًا.[9]
رابعًا: تحديات قائمة
رغم تسارع خُطوات الحكومة العراقية نحو استعادة مواطنيها من “عوائل الدواعش” من مخيم الهول خلال العامين الماضيين، إلا أن هناك بعض المشاكل التي لا تزال تواجه هذا المسعى، ومنها:[10]
-
رفــض المجتمعــات المحليــة لعودتهــم:
وبعد مرور ما يقارب 5 سنوات، لا تزال هناك صعوبات كثيرة مرتبطة بعودتهم إلى مناطقهم، وتختلف هذه الصعوبات والعقبات من منطقة إلى أخرى، حيث تقول العشائر في منطقة الحضرة جنوب غرب نينوى إنها لا تؤمن بمعاقبة أقارب عناصر داعش لمجرد وجود روابط عائلية، وترى الأسر المتضررة من إرهاب التنظيم وجرائمه الوحشية أن صمت الُأسر في مواجهة انتهاكات أقاربها وعدم تدخلها لمنعهم سبب لاعتبارهم شركاء لأبنائهم، وسبب لرفض السماح لهم بالعودة، وفي تلعفر غرب نينوى، اشترطت قوات الحشد الشعبي أنه مقابل السماح للأسر بالعودة يجب على الحكومة تقديم الخدمات لأسر الضحايا، ورافق ذلك تعبير أُسر الضحايا عن غضبهم بسبب تأخر تحقيق العدالة أو الحصول على التعويض، وفي هذه الحالة تواجه السلطات مشكلة إرضاء أسر الضحايا وإعادة أُسر الجناة إلى مناطقهم، ولا يزال قضاء سنجار في محافظة نينوى ممزقًا بالانقسامات بين سكانه العرب والإيزيديين؛ ويرفض الإيزيديون الناجون من المجازر التي ارتكبها تنظيم داعش بحقهم عودة جيرانهم العرب الذين يتهمونهم بالتورط في عمليات الخطف والقتل، وفي مناطق أخرى، قد تكون خطوط الصدع قبلية أو بين السكان السُنة والشيعة، بحسب تاريخ المنطقة وتركيبتها الديموغرافية.
-
عقبــات إداريــة:
صعوبة الحصول على الوثائق المدنية نتيجة للصراع المطول، تظل حالات فقدان أو سرقة أو مصادرة الوثائق المدنية متكررة، كما أن من عاشوا تحت حكم داعش يحملون وثائق لا تعترف بها الحكومة العراقية، ويتطلب القانون العراقي الحصول على وثائق مدنية من المنطقة الأصلية للشخص، وغالبًا ما تكون الأُسر النازحة غير قادرة على الوصول إلى مناطقها للحصول على الوثائق لأنها غير مرحب بها وتخشى الانتقام، وتتيح هذه الوثائق الوصول إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك الصحة والتعليم والخدمات المدنية مثل الاعتراف بالحالة الزوجية والأبوة وحقوق الملكية وفرص العمل وحرية التنقل وفرص التعويض المعتمدة من الحكومة ومستحقات الحماية الاجتماعية.
- الظــروف المعيشــية:
تُعانــي بعــض العوائــل العائــدة مــن غيــاب تفاصيــل حياتيــة واقتصاديـة كثيـرة، تتعلـق بتأميـن شـروط الحيـاة والتعويــض، وتوفيــر مســاكن لائقــة وفــرص عمــل، خاصــة وأن البنــى التحتيــة شــبه مدمــرة فــي العديــد مــن مناطقهــم الأصليــة، وهــي بحاجــة لترميــم، بــل واعــادة بنــاء مــن جديــد، كما أن احتياجــات إعــادة الإعمــار ضخمـة وينظـر إليها أنها عمليـة بطيئــة، وتعتمــد علــى مجموعـة مـن الإجـراءات الإداريـة المعقـدة، وتعثـر إعــادة الإعمــار يعنــي بالنســبة للكثيريــن بقــاء منازلهـم فـي حالـة دمـار، مـع الإفتقـار الـى فـرص العيـش الكريـم، أو أن المناطـق الأصليـة التـي نزحــوا منهــا تفتقــر إلــى الوظائــف أو الخدمــات العامـة مثـل التعليـم والرعايـة الصحيـة.
-
عــودة “داعــش” مــرة اخــرى:
منــذ ســقوط الباغــوز فــي مــارس 2019م وحتـى مـارس 2020م، تبنـّى تنظيـم”داعـش” نحـو 2000 عمليـة إرهابيـة فـي العـراق وسـوريا، شــهدت محافظــة ديــر الــزور في ســوريا 580 هجومًـا، ومحافظـة ديالـى في العـراق 452 هجومًـا، تزايـدت العمليـات التـي يقـوم بهـا التنظيـم فـي عـدة مناطـق ومـدن عراقيـة خـلال عـام 2021م، وبـات يسـتهدف قـوات الأمـن ومحطـات الطاقـة والبنيــة التحتيــة والعناصــر المدنيــة علــى نحــو يشـير إلـى اسـتمرار الخطـر الـذي تُشـكله بقايـاه فــي شــمال العــراق وشــمال شــرق ســوريا.
خامسًا: جرس إنذار
تُندد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمخاطر التحديات الأمنية التي تُمثلها المخيمات السورية، وبالتحديد مُخيم “الهول”، وتطالب بإعادة الجهاديات مع أطفالهن إلى الدول التي تنحدرن منها، كما تنادي “قوات سوريا الديمقراطية” أيضًا بضرورة اتخاذ اللازم لمحاكمة أسرى داعش بالسجون السورية، لإنهاء الخطر “الداعشي” ، الذي بدأت هذه الملفات تثيره مرة أخرى وتهدد باحتمالية عودة التنظيم الإرهابي، ولكن على الرغم من خطورة الموقف وتهديده للأمن الإقليمي والدولي بشكل عام، لم تتسلم الدول سوى عدد ضئيل من رعاياها بالمخيم من النساء والأطفال، مع تأكيد أغلب دول العالم عدم الرغبة في استعادة مواطنيها، باعتبار أنهم يشكلون تهديدًا جديدًا للأمن بمجتمعاتهم، كما لم تستجب أطراف المجتمع الدولي أيضًا إلى النداءات الكردية من أجل الحاجة إلى إنشاء محاكم لمقاضاة أسرى “داعش”[11]، مما دعا “قسد” إلى إعلان عزمها محاكمة أولئك “الدواعش” من الرجال الأجانب دون النساء بنفسها، إلا أن هذه الخطوة لم تحظى بالقبول والتوافق الدولي آنذاك .[12]
ويؤكد موقف “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” على حالة الإحباط من التقاعس الدولي في التعاطي مع هذه القضية، فهذا الموقف الذي تلتزم به دول العالم بات يهدد استقرار المنطقة بأكملها وبالتالي الأمن الدولي، وبالطبع العام سوف ينعكس هذا كله على أمن واستقرار العراق كونها دولة جوار.[13]
سادسًا: سيناريوهات التعامل مع أزمة مُخَيّمي “الهول”، ” وروج”:
رغم أن قوات سوريا الديمقراطية اتخذت خُطوات عديدة لإعادة تأهيل “نساء داعش”، إلا أن ذلك لم ينجح مع كافة حالات النساء في المخيم، ومن ناحية أخرى عملت العناصر المتطرفة بينهنّ على الترويج لفكر التنظيم الإرهابي ومحاولة استقطاب عناصر جديدة إليه، كما أنه في ظل كل التهديدات الداخلية والخارجية لأمن مخيمي الهول وروج التي ذكرناها آنفًا، ومع الفشل الدولي في التعامل مع قضية نساء وأطفال المخيم، يمكن تصور المستقبل المتوقع للمخيم من خلال السيناريوهات التالية:
أولاً: سيناريو بقاء الوضع على ما هو عليه: ويتضمن هذا السيناريو استمرار الوضع الحالي، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا حاليًا، في ظل فشل العديد من الدول في القيام بمسؤولياتها تجاه مواطنيها في المخيمات والسجون السورية، ما دفع المنظمات الدولية إلى الدعوة لإعادة الأطفال من دون أمهاتهم[14]، وهو ما ينذر بأسوأ النتائج في حال فقدان الأكراد السيطرة على المخيم، وهروب آلاف المعتقلين من الجهاديين والأطفال، خاصة مع استمرار التهديدات التركية التي تؤثر سلبًا على الأكراد ودورهم في الحفاظ على أمن المخيم والسجون الكردية التي تضم معتقلين من التنظيم.
ثانياً: سيناريو استعادة الدول لرعاياها من المعسكرات والسجون السورية: ويتضمن هذا السيناريو نجاح تفكيك معسكر الجهاديين الأجانب الأكثر تطرفًا وأطفالهم، من خلال التوصل إلى اتفاقيات دولية تضمن استعادة الدول لرعاياها المنتمين إلى التنظيم الإرهابي، على الأقل في المعسكرات السورية، لإعادة تأهيل النساء والأطفال ودمجهم في المجتمعات التي ينتمون إليها، إلا أنه لا يبدو من السهل نجاح مبادرات الدمج والتأهيل في تحقيق أهدافها المرجوة، خاصة في ظل اعتبار النساء المنتميات إلى التنظيم إرهابيات محتملات في بلدانهن في حال عودتهن، إضافة إلى المصير المجهول الذي ينتظرهن، والرفض المجتمعي لهن باعتبارهن عائلات لتنظيم “داعش” الإرهابي، ولذلك فإن مجموعة من القيود تُفرض على تحقيق هذا السيناريو، لعل أهمها خوف الدول والمجتمعات من هؤلاء النساء والأطفال من أفكارهم المتطرفة ورفضهم للآخرين، ونشأ معظمهم على أسس عدوانية تؤمن بفكر التنظيم الإرهابي، وفي حلم عودة ما يصفونه بـ”الدولة الإسلامية”.
لذلك يبدو أن البيئة المُكتظة بالمخيم، وسوء الأوضاع المعيشية، إضافة إلى التهديدات الأمنية المرتبطة بالهجمات التركية، واستمرار عمل خلايا داعش النائمة في سوريا والعراق، ويُشكل اليوم مخيمي “الهول وروج” بيئة خِصبة مُناسِبة لازدهار التنظيم الإرهابي، لِذا يتوجب على المجتمع الدولي أن يستجيب بفعالية وإيجابية كبيرة لهذه المُعضِلة، وأن يُقدم المساعدات الإنسانية اللازمة، ويقترح رؤى وحلول قابلة للتنفيذ لتفكيكها، لِذا أصبح من الضروري التعامل بحذر شديد مع مخاطر سيناريو بقاء الأمور على ما هي عليه، وأن يتخذ المجتمع الدولي خطوات مسؤولة وأكثر جدية تجاه قضية تفكيك المخيمات السورية، والتي بدأت تُهدد الأمن والسِلم الدوليين.
ختامًا:
وبناءً على ما تقدم، فمن الممكن أن يكون من المبكر جدًا الوصول إلى حل لمشكلة مُخيمّي الهول وروج، في ظل العدد الهائل من “عوائل داعش”، ورغم الجهود العراقية، فمن المؤكد أن حل المشكلة لا يتوقف على الجانب العراقي فقط، ومن ناحية أخرى، هناك تفاوت في مدى إعادة دمج العائدين في الحياة الطبيعية في بلدانهم، كما يعتمد الأمر على طبيعة الإجراءات من حيث القوانين وبرامج التأهيل، والتي تختلف أيضًاً من بلد إلى آخر.
المصادر:
[1] السيد، دلال محمود،” تهديدات جديدة بالشرق الأوسط: المخيمات الإنسانية والتطرف”، مجلة السياسة الدولية، العدد (224) إبريل 2021، ص: 184.
[2] العراق: اللاجئون السوريون سيفقدون إمكانية الحصول على الأغذية الأساسية ما لم يوفَّر تمويل عاجل، موقع أخبار الأمم المتحدة، بتاريخ 17 مايو 2022، على الرابط، https://2u.pw/Nxbg8
[3] فاضل، فاطمة حسين،” أماكن التطرف والإرهاب… المخيمات السورية مخيم (الهول نموذجًا)“، الجمعية العراقية للدراسات التربوية والنفسية، مجلة العلوم السياسية، العدد 64، تم النشر بتاريخ:1/6/2023، متاح على الرابط التالي: https://jcopolicy.uobaghdad.edu.iq/index.php/jcopolicy/article/view/652/515?fbclid=IwY2xjawExnbxl
[4] فاضل، فاطمة حسين،” أماكن التطرف والإرهاب… المخيمات السورية مخيم (الهول نموذجًا)”، الجمعية العراقية للدراسات التربوية والنفسية، مجلة العلوم السياسية، العدد 64، تم النشر بتاريخ:1/6/2023، مرجع سابق، متاح على الرابط التالي: https://jcopolicy.uobaghdad.edu.iq/index.php/jcopolicy/article/view/652/515?fbclid=IwY2xjawExnbxleHRuA2FlbQIxMAABHR_p7BNLp33wBPov-Q5yrJsqOl-0TtZueWv8z-
[5] بلدي نيوز، ” ديلي تليغراف: أطفال عناصر داعش يدفعون الثمن ولا رجعة لأمهاتهم”، تم النشر بتاريخ: 6 نوفمبر 2018، متاح على الرابط التالي: https://baladi-news.com/ar/articles/36910/%D8%AF%D9%8A%D9%84%D9%8A-
[6] رستم، مصطفي،” أنفاق وأحزمة ناسفة داخل “الهول” أكبر مخيم اعتقال للدواعش في سوريا“، اندبندنت عربية، تم النشر بتاريخ: الجمعة 9 فبراير 2024 ، متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/546931/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%A3%D9%86%D9%81%D8%A7%D9%82-
[7] زيدان، جبار،” تحذير عراقي من تحول “مخيم الهول” إلى “مصنع إرهابي”،اندبندنت عربية، تم النشر بتاريخ: 17 يونيو 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/463701/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1-
[8] “إعادة 192 عائلة عراقية من “الهول” السوري“،اندبندنت عربية، تم النشر بتاريخ: 12 نوفمبر 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/516971/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-192-
[9] “العراق: جهود أممية وحكومية لضمان إعادة إدماج العائدين من مخيم الهول في مجتمعاتهم الأصلية“، أخبار الأمم المتحدة، تم النشر بتاريخ: 18 أغسطس 2021، متاح على الرابط التالى: https://news.un.org/ar/story/2021/08/1081552
[10] صنــدي، وفــاء،” مرتبطات بداعش.. تحديات العودة واعادة االدماج للنساء واالطفال” ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فى العراق، تم النشر بتاريخ: أكتوبر 2022، متاح على الرابط التالي: https://www.undp.org/sites/g/files/zskgke326/files/2022-10/Families%20Affiliated%20with%20ISIS%20-%20Arabic%20Version.pdf
[11] John saleh, The Women of ISIS and the Al-Hol camp, fikra forum, 2 August 2021, Op.cit.
[12] انتقادات قانونية تطال قرار “الإدارة الذاتية” محاكمة أسرى “داعش” بسوريا، شبكة شام، 12 يونيو 2023،
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/bcjNR
[13] عبد الرحمن، وليد، ” تسجيلات البغدادي… أحاديث متكررة عن العودة”، الشرق الأوسط، 13 أكتوبر 2019،
متاح على الرابط التالي: https://shorturl.at/apy16
[14] “خبراء أمميون يحثون على إعادة الأطفال المحتجزين في شمال شرق سوريا إلى أوطانهم بشكل عاجل“، أخبار الأمم المتحدة، 31 مارس 2023.