المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > علاقةٌ مركّبة: إيران و تنظيم القاعدة ما بين الاستقرار المؤقت والمصالح المتناغمة
علاقةٌ مركّبة: إيران و تنظيم القاعدة ما بين الاستقرار المؤقت والمصالح المتناغمة
- أكتوبر 13, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
إعداد/ جميلة حسين محمد
منسق برنامج الإرهاب والتطرف
فى وقتٍ يمرُ فيه تنظيم القاعدة المركزى بفترة من الضعف والتراجع لاسيَّما على المستوى العملياتى تنامت بعد اغتيال زعيم التنظيم (أيمن الظواهرى) فى أغسطس لعام 2022، وسيطرة “داعش” التنظيم المنافس على المشهد الجهادى، وربما بعد اختيار المصرى (محمد صلاح الدين زيدان) المعروف باسم (سيف العدل) والمقيم فى إيران منذ أكثر من عِقْدين بشكل غير رسمى قيادة تنظيم القاعدة خلف الظواهرى، اختلفت توجّهات التنظيم المركزى بشكلٍ ما فى الأبعاد الأمنية والتنظيمية والمالية، لتأسيس لمرحلة جديدة من العمل الجهادى ولكن تمَّ التشكيك فى قدرات العدل على إحياء التنظيم وفروعه المتنوعة وإعادة لملمة الانقسام الذى طالَ شبكةَ القاعدة خاصةً وإن أوامر القيادة المركزية للعدل تأتى من إيران مما يسلّط الضوء على العلاقة الرابطة بين طهران وتنظيم القاعدة والتى تجعل الأولى تستمر فى توفير البيئة الحاضنة والملاذ الأمن لقادة التنظيم فى إيران.
فى ضوء تلك الفكرة طرح الباحث (Guido Steinberg) فى المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية دراسة بعنوان”The Nexus between al-Qaeda and Iran Tactical cooperation despite strategic opposition”[1] من أجل فهمٍ أعمق للعلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران، وما الأسباب التى تقف وراء استقبال إيران لقادة تنظيم القاعدة منذ عام 2001 حتى الآن، الأمر الذى يثير خلافات فى أوساط الجهاديين من تنظيم القاعدة حول التعامل مع طهران. وذلك فى إطار طرح عدد من الأفكار والتى سيلى عرضها وتحليلها فيما بعد:
-
تاريخُ تنظيم القاعدة فى إيران 2001 وحتى 2015.
-
العلاقة بين طرفى المعادلة.
-
الدوافعُ المشتركة بين إيران والقاعدة.
-
المقرُّ الجديد لتنظيم القاعدة فى سوريا 2015 وحتى 2020 “حراس الدين”.
أولا: تاريخُ تنظيم القاعدة فى إيران 2001 وحتى 2015
بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر والاجتياح الأمريكى لأفغانستان لمجابهة كل من تنظيم القاعدة وحركة طالبان، قام غالبية أعضاء التنظيم وعوائلهم بالفرار إلى باكستان وبعضهم إلى إيران، وحتى ذلك الحين تطورت العلاقة بين أعضاء التنظيم والجمهورية الإسلامية، وقد قسّمها الباحث منذ عام 2001 وحتى عام 2015 إلى 3 مراحل أساسية يتم التطرق إليهم فيما يلى:
-
المرحلة الأولى: 2001- 2003
مع وصول أول زعيمٍ لتنظيم القاعدة الذى يُعرفُ ب (أبو حفص الموريتانى) قام بعقْد اتفاق مع فيلق القدس التابع للحرس الثورى مفاده تواجد الجهاديين فى الأراضى الإيرانية مقابل الامتناع عن أي أنشطة عنيفة، وعليه ارتفع عدد عناصر التنظيم بسرعة وكان من أبرزهم (سيف العدل)، وعوائلهم مثل زوجة بن لادن الأولى خيرية، وأبنائه سعد وحمزة وفق ما ذكرته الدراسة. ولكن سرعان ما تدهورت العلاقة بين هؤلاء العناصر والجهورية الإسلامية فى نهاية تلك المرحلة لأن عدداً من الوافدين نقضوا العقد بين “الموريتانى وفيلق القدس” وعليه بدأت موجةٌ من الاعتقالات للجهاديين وتمَّ تسليمُ بعض منهم من إيران إلى بلدانهم الأصلية أو دول مثل “باكستان أو ماليزيا أو تركيا”، أو مساعدة بعض منهم إلى العبور لدول فى الشرق الأوسط مثل انتقال (أبو مصعب الزرقاوى) وأتباعه إلى العراق وقتاله ضد القوات الأمريكية.
-
المرحلة الثانية: 2003-2009
بعد الغزو الأمريكى للعراق خشيت طهران من مهاجمة واشنطن لأراضيها بعد تدخلاتها فى أفغانستان والعراق بحجة مكافحة الإرهاب والقضاء على الجهاديين، وعليه بدأت فى أبريل عام 2003 موجة ثانية من الاعتقالات طالت القيادى (سيف العدل) وأتباعه، وربما ما زاد من خطورة الأمر عندما أصبح العدل على اتصالٍ وثيقٍ مع التنظيم حين نفذَّ هجوماً في العاصمة السعودية “الرياض”بتاريخ 12 مايو 2003، مما أسفر عن مقتل 35 شخصًا بينهم 9 أمريكيين. وأبرز القادة تم زجهم فى السجن لمدة عامين تقريباً، ثم وُضعوا تحت الإقامة الجبرية لاحقاً مع أسرهم في قواعد تابعة للحرس الثورى. وعلى الرغم من أن قادة القاعدة فى إيران فى تلك المرحلة لم يؤثروا على عمليات التنظيم المركزى ولكن اسُتخدمت إيران “كدولة عبور” للمجندين فى التنظيم على حد تعبير الباحث وذلك من العالم العربي حيث السعودية واليمن والعراق والجزائر وكذلك أوروبا إلى إيران ومن هناك بشكل غير قانونى إلى باكستان وأفغانستان، وكذلك الحال فى الاتجاه العكسى وذلك فى سبيل الحفاظ على الاتصال مع الجماعات التابعة للقاعدة.
-
المرحلة الثالثة: 2009–2015
اتسمت تلك الفترة بالتحسّن النسبى فى العلاقات بين الطرفين حيث نوّه الباحث أنه بين عامى 2009 و2010 منحت إيران قادةَ تنظيم القاعدة الذين تم اعتقالهم فى إيران من ذى قبل قدراً أكبر من الحركة بعد إطلاق سراح بعضٍ من قادتها ومسؤوليها كجزء من عملية تبادل الأسرى بين الجانبين حيث أفرجت القاعدة عن الدبلوماسي الإيرانى الذي اختطفه تنظيم القاعدة في بيشاور في نوفمبر 2008، كما أفرجت طهران عن القادة الخمسة الرئيسيين لتنظيم القاعدة الذى سيلى ذكرهم بالتفصيل فيما بعد بما فيهم (سيف العدل).
أشارت الدراسة إلى محاولات إحياء التنظيم لأنشطته فى العالم الغربى منذ عام 2009 وتنفيذِ هجماتٍ كبيرةٍ على أهداف غربية مرة أخرى لاسيما وأن آخر عملياته حينها كانت الهجومَ على وسائل النقل العام في لندن في يوليو 2005، وعليه حاول إرسال المجنديين الغربيين من باكستان إلى بلدانهم الأصلية الأوروبية، ولعلَّ حريةَ الحركة والعمل الممنوحة من طهران لقادة ومسؤولى القاعدة فى تلك المرحلة بإمكانها أن تعزز من تلك الخطة بشكل واضح، ولكن العواقب ظلت محاطةً بالتنظيم وعرقلت قدرته على تنفيذ مشروعه أو ما عرّفه الباحث باسم “المؤامرة الأوروبية” بسبب اغتيال (أسامة بن لادن)، أردفتها الولايات المتحدة الأمريكية بشنِّ حربٍ واسعةٍ بطائرات بدون طيار ضد قيادة تنظيم القاعدة فى منطقة شمال “وزيرستان”.
ثانياً: العلاقة بين طرفى المعادلة
وجّه الباحث تحليله إلى التأكيد على عدم استقرار العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة بالرغم من وجود العديد من قيادات التنظيم المتواجدين تحت سيطرة قوات الأمن الإيرانية، بل وأثارت ماهية تلك العلاقة خلافات لدى الجانبين من ناحية فى أوساط الجهاديين وداخل القيادة ذاتها، ومن ناحيةٍ أخرى داخل السلطات الأمنية فى الجمهورية الإسلامية. وكما سلف الذكر فقد نشأت العلاقة بينهما بدافع الضرورة بعد هجمات 11 سبتمبر وخاصة بعد أن أصبح قادةُ تنظيم القاعدة آمنين فى باكستان وقرر جزءٌ منهم الفرار إلى إيران التى وصفها بن لادن فى إحدى رسائله كما جاءت فى الدراسة محل العرض أنها ” أهم شريان بالنسبة لنا للتمويل والموظفين والاتصالات”. بمعنى آخر كانت محطةَ عبورٍ هامة من وإلى التنظيم، وكما أوردَ الباحثُ أصبح الخبير اللوجستى فى تنظيم القاعدة السورى (ياسين السورى) ينقل المقاتلين الأجانب براً إلى باكستان وأفغانستان منذ عام 2005 ويُرشدهم إلى الشرق الأوسط، ناهيك عن نقل التبرعات إلى مقرّ تنظيم القاعدة.
وعلى الرغم من المجابهة التى واجهها التنظيم من جانب إيران بعد الغزو الإمريكى للعراق، إلا أن بعض أعضاء التنظيم يُقدّر الحماية التى يتمتع بها داخل إيران فى مواجهة الولايات المتحدة والخسائر التى مُنِىَ بها قادتهُ وكوادرهُ الوسطى والرئيسية فى السنوات الأخيرة فى باكستان وأفغانستان بين عامى 2007 و2012، فى مقابل نجاة قادة القاعدة وأتباعهم المتواجدين داخل إيران فى هذا الفترة، وفى مقابل تقديم تلك الحماية نوّه الباحث إلى اتخاذ الزعيم (أيمن الظواهرى) نهجاً بوقف الهجمات على “الأهداف الإيرانية والشيعية” واهتمام قيادة التنظيم فى باكستان بسلامة أتباعه في إيران، وامتثلت الجماعات الأخرى التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم القاعدة في أفغانستان بالأوامر فى حين خالف (أبو مصعب الزرقاوى) زعيم تنظيم قاعدة الجهاد فى العراق وتبنى استراتيجية مناهضة للشيعة ونفّذ مئات الهجمات على السياسيين الشيعة وكبار الشخصيات الدينية والمدنيين.
ثالثاً: المصالحُ المشتركة بين إيران والقاعدة
استقبال إيران لعناصر التنظيم والسماح باستخدام أراضيها كمنطقة عبور للأفراد والأموال رغم الاختلاف الإيدولوجى يحكمهُ عددٌ من المصالح الأمنية المشتركة والذى يقع فى مقدمتها العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد قسّمهم الباحث إلى نوعين من الدوافع أحدهما دفاعية والأخرى هجومية، وسيتم عرضهم فيما يلى:
-
مصالحُ دفاعية:
تحاولُ إيران من خلال إيواء عناصر القاعدة على المدى الطويل لاسيما قادات الصف الأول منهما إلى حماية الشيعة من القاعدة “المعادية للشيعة” والحول دون حدوث اضطرابات بين الأقليات العرقية والدينية داخل إيران وخارجها. كما ذكرت الدراسة أن جميع “الأكراد” فى الشمال الغربى و”البلوش” فى جنوب شرق البلاد من السنة، وكذلك أقلية كبيرة من العرب فى الجنوب الغربى، وعليه تُعتبرُ هذه المجموعات العرقية خطراً أمنياً على إيران وتتعرض لمجموعة متنوعة من التمييز وغالباً ما تكون معارضة للنظام، وتشكّل خطراً كبيراً لأن مناطق استيطانهم تقع على الحدود الخارجية لإيران، ولذلك تشعر القيادة الإيرانية بالقلق من محاولات حشْد الأقليات ضد الدولة في حالة نشوب صراع، كذلك تخشى طهران أيضاً من أن يسعى تنظيم القاعدة العابر للحدود إلى تحريض السنة في إيران ومن بينهم جماعات انفصالية ضد النظام، ولكن ما دام للتنظيم عناصر أفراد وعائلات محتجزون وتحت سيطرة وحماية طهران فإن تنظيم القاعدة مجبرٌ على ممارسة ضبط النفس، وانتهاج سياسة بعيدة عن الأهداف الإيرانية والشيعية.
-
مصالحُ هجومية:
وعلى صعيدٍ آخر أثار وجود القوات الأمريكية فى أفغانستان منذ أكتوبر لعام 2001، وفى العراق منذ مارس لعام 2003 تخوفاتٍ وتحدياتٍ أمنية لدى طهران من وقوع هجوم أمريكى متتالى، وفى ذات الوقت تقليل المشروع التوسعى فى العالم العربى، لاسيما بعد إرسال الولايات المتحدة قواتِها إلى جيران إيران ووصفِ إيران بأنها جزء من “محور الشر”. وما كان للتحرك الإيرانى إلا أن يتخذَ مجموعةً من الإجراءات ضد القوات الأمريكية والبريطانية فى العراق كما أوردت الدراسة فعلى سبيل المثال قام فيلق القدس بإنشاء مجموعات شيعية منذ عام 2003 ، كما ساعد الحرس الثوري عدداً من الجهاديين التابعين لتنظيم القاعدة ومسؤوليها والذين فرّوا من أفغانستان وقاموا بالسفر إلى الشرق الأوسط عبر إيران ناهيك عن الاستخدام غير المباشر لهؤلاء العناصر كورقة ضغط فى الصراع مع الولايات المتحدة، لتتسبب فى نهاية الأمر فى أكبر عددٍ من المشاكل للقوات الأمريكية كرد فعل على اجتياحها.
رابعاً: المقرُّ الجديد لتنظيم القاعدة فى سوريا 2015 وحتى 2020 “حراس الدين”
وبالعودة إلى القادة الخمسة الرئيسين الذين أفرجت عنهم طهران فى عملية تبادل الأسرى مع تنظيم القاعدة فى مارس عام 2015 وهم (سيف العدل/ وأبو الخير المصري/ وأبو محمد المصري والأردنيين: خالد العاروري “أبو القسام الأردني”/ وساري شهاب “أبو خلاد المهندس”). وكما ذكرت الدراسة غادر الرجل الثانى فى التنظيم حينها بعد الظواهرى (ابو الخير المصرى) والأردنيين إلى سوريا الذين انضموا إلى جبهة النصرة، فرع سوريا التابع لتنظيم القاعدة تحت قيادة البوم محمد الجولاني فى ذلك الوقت، فيما بقى العدل وأبو محمد المصرى فى إيران، ولكن شكّل هؤلاء الخمسة قيادةً مشتركة تهدف إلى السيطرة على أنشطة التنظيم فى سوريا لمحاولتهم انشاء مقر جديد وتحديدا فى “شمال غرب سوريا” وتشكل ما يُعرفُ باسم (حراس الدين ) يمكن من خلاله تشكيل هيكل للتخطيط لهجمات فى الدول الغربية.
وسبق ذلك التحرك بناء تنظيم القاعدة لهياكل جديدة فى سوريا فى عام 2013 كما ذكرت الدراسة، وظهر ذلك من خلال إرسال قادة ومدربين ومقاتلين من أفغانستان وباكستان إلى سوريا عبر إيران وتم تشكيل مجموعة حينها أطلق عليها اسم “خراسان” ، فى إشارةٍ إلى منطقة أفغانستان وبعض المناطق المجاورة ، وكانت تهدف إلى تنفيذ عمليات خارجية فى العالم الغربى ولكن كما سلف الذكر أُحبطتْ الغارات الجوية التى شنتها الولايات المتحدة فى سبتمبر عام 2014 والتى أدت إلى سقوط عدد من قادة التنظيم.
-
صراعات التنظيمات من أجل البقاء: