المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > من التغيّرِ المُناخي إلى التطرف العنيف “مساراتُ التفاعلِ في منطقة الساحل والصحراء”
من التغيّرِ المُناخي إلى التطرف العنيف “مساراتُ التفاعلِ في منطقة الساحل والصحراء”
- نوفمبر 10, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
إعداد: آية أشرف
باحث مساعد ف برنامج الإرهاب والتطرف
تُعتبرُ منطقةُ الساحل والصحراء بمثابة بؤرةِ التوتر والاضطرابات الأعنف في القارة الأفريقية، حيث تتقاطع فيها العديد من التحديات الأمنية المتشابكة بدايةً من الاختلافات العِرقيةِ والإثنية مروراً برخاوة الحدود وعمليات الجريمة المنظمة والتهريب والاتّجارِ بالبشر والمواد المخدرة والأسلحة بالإضافة إلى الهشاشة السياسيةِ والاقتصاديةِ وصولاً لتفاقم النشاط الإرهابي المتطرف بشكلٍ متصاعد لاسيَّما في الآونة الأخيرة وقد تضافرت هذه التحديات مع الخطر الأهم الذي يهددُ البشرية بأسرها وهو التغيّرُ العنيف في الظواهر المناخية، فقد فاقمت ظواهر الجفاف والتصحّر ونقْصُ الموارد الطبيعية من مأساة شعوب هذه المنطقة، مما خلق بيئةً خصبةً لتنامي الجماعات المتطرفة التي تستغل هذه الظروف لتوسيع نفوذها في منطقة الساحل والصحراء ومنها للقارة الأفريقية بالكامل.
وعليه يسلط هذا التقرير الضوء على العلاقة بين التغير المناخي الحاد الذي تشهده منطقة الساحل والصحراء الأفريقية وتوسّعِ النشاط الإرهابي في المنطقة من خلال مناقشة البعد الأمني للمتغير الأول المتمثل في التغير المناخي وتحليل جدلية العلاقة بينه والانتشار الإرهابي.
الأبعادُ الأمنيةُ لظاهرة التغيّر المُناخي
منذ مطلع الألفية بدأت دول العالم تواجهُ عدداً من الأخطار غير التقليدية التي باتت تمثل تهديداتٍ حقيقيةً لمنظومة الأمن العالمي ويأتي التغيّرُ العنيف في الظواهر المناخية على رأس قمة هذه الأخطار لا سيَّما في ظل تداعياته التي تجاوزت الأبعاد البيئية والتنموية والاقتصادية التقليدية لتشتمل على أبعادٍ أمنيةٍ غير تقليدية لا تقلُ خطورةً عن التهديدات التقليدية بالنسبة للأمن القومي للدول والأمن العالمي على حد السواء، الأمرُ الذي دفع العديد من الأكاديميين إلى العمل على طرْحِ منظورٍ أوسع للأمن القومي للدول يشمل التهديدات التي تفرضها التغيرات المناخية و أفرزت هذه الجهود بعداً أمنياً جديداً أُطلقَ عليه “الأمن المناخي” كمحاولة لوضْعِ استراتيجية ملائمة لاحتواء التداعيات التي يفرضها تغير المناخ على أمن الدول والعمل على فَهْمِ العلاقة المعقّدة بين التغير المناخي والتهديدات الأمنية الأخرى لا سيما الأنشطة الإرهابية والمتطرفة حيث أثبت الأدلة الواقعية على وجود علاقةٍ إيجابيةٍ بين التغيرات المناخية الحادة وزيادة توسع النشاط الإرهابي خاصة في المناطق ذات الهشاشة السياسية والأمنية.([1])
قد أكد الأمين العام للأمم المتحدة “انطونيو جوتيرش” عام 2021م على صِحةِ هذه الفرضْيةِ حيث صرح بأن الظواهر المناخية المتطرفة تعمل على تفاقم احتمالات وقوع الأعمال الإرهابية وتوسع نطاقها وأن التدهور البيئي يُعرّضُ أي منطقة غير مستقرة لمزيد من التهديدات الأمنية وهو ما يظهر جلياً في القارة الأفريقية لا سيما في منطقةِ الساحل والصحراء وهي المنطقة الأكثر هشاشةً ورخاوةً في القارة الأفريقية على كافة المستويات الأمر الذي يجعلها عُرضةً بشكل أكبر للتأثر بالتغيرات المناخية التي تؤدي إلى تفاقم أزمات كأزمة الغذاء والمياه وتُعمقُ من حِدةِ الصراع على الموارد التي تعاني منها المنطقة بالفعل فضلاً عن موجات الهجرة والنزوح الأمر الذي يجعل منها منطقةَ جذبِ وبيئة خصبة لتوسّع وتمدد الأنشطة الإرهابية.([2])
وبالرغم من أن القارة الأفريقية بما فيها إقليم الساحل والصحراء لا تساهم سوى بنسبة ( 4% ) من إجمالي الانبعاثات العالمية وذلك وفق مؤشر ND_GAIN إلا أنها تُعدُّ أكثر المناطق معاناة جراء التغيرات العنيفة في الظواهر المناخية التي تهدد التوزان البيئي والأمني في المنطقة والتي تتمثل أبرز تداعياتها في ([3]):
-
عدمِ استقرار معدلات سقوط الأمطار الأمر الذي يترتب عليه انتشارُ موجات الجفاف الحادة وما يصاحبها من ظواهر التصحر وحالات فيضانات غير متوقعة تكون نتائجها كارثية.
-
ارتفاعِ معدلات درجات الاحترار العالمي المرتبط بنسب الاحتباس الحراري و الانبعاثِ الكربوني بشكل متسارع فوفق تقارير الهيئة العالمية للأرصاد الجوية فإن منطقة الساحل والصحراء حققت خلال الفترة ما بين عامي 2021 و 2022 ثالثَ أعلى معدل لدرجات الحرارة على مستوى العالم.
-
زيادةِ انعدام معدلات الأمن المائي الناتج عن موجات الجفاف الحادة حيث يعاني ما يقارب من 400 مليون مواطن في إقليم الساحل والصحراء من انعدام مصادر المياه الصالحة للشرب.
-
ارتفاعاتٍ شديدةٍ في معدلات النزوح المناخي حيث تُجبرُ الظواهر المناخية الحادة المواطنين على الهجرة من موطنهم الأصلي إلى مكان أكثر أمناً استقراراً من الناحية المناخية.
-
انعدامِ الأمن الغذائي حيث يعاني أكثر من 7 ملايين مواطن من أزماتٍ غذائيةٍ حادة في منطقة حوض بحيرة تشاد نتيجة الظواهر المناخية التي أثرت على النشاط الزراعي والرعوي الذي تعتمدُ عليه المنطقة بشكلٍ أساسي في تأمين احتياجاتها الغذائية .
بشكلٍ مباشر تنعكس هذه التداعيات على النظام الاقتصادي والتنموي المتآكل بالفعل لدى المنطقة لتزدادَ معها حدةُ أزمةِ دولِ الساحل والصحراء، فقد كشفت التقارير الأممية عن أنه من المتوقع انخفاضُ الناتجِ المحلي لدول هذه المنطقة بمعدل (20%) عام 2050م مع قابليةٍ شديدة للزيادة في حال عدم اتخاذ خطوات جادة لاحتواء هذه الأزمات المركبة. ([4])
جَدليةُ العلاقةِ بين التغيّر المُناخي و النشاط الإرهابي
وفي ظل هذا الوضع فرضت الجماعات والتنظيمات الإرهابية نفسها بقوةٍ في المشهد السياسي والاجتماعي والأمني في منطقة الساحل والصحراء مستغلةً حالةَ اليأس لدى شعوب المنطقة من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى عدم قدرة الحكومات على القيام بأدوارها في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وتوفير الحماية تجاه ظواهر التغير المناخي العنيفة، وظهر ذلك كالآتي:
-
في “حوض بحيرة تشاد” استغلت التنظيمات الإرهابية مثل “بوكوحرام” و “القاعدة” و “داعش” ظاهرةَ الجفاف الشديد التي تشهدها المنطقةُ وما صَاحبَ ذلك من تفاقمٍ في أزمة الأمن المائي والغذائي وأزمات النزوح والهجرة في استقطاب العديد من المدنيين في صفوف هذه الجماعات مستغلين عدم قدرة الحكومات على التعامل مع حالة الصراع على الموارد التي نشبتْ بين قبائل المنطقة بل وفرضت نفسها كبديلٍ للدولة الأمر الذي أدى بشكل كبير إلى توسّعِ هذه التنظيمات في كلٍ من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد ([5])،كما فسّرتْ العديد من الدراسات على رأسها دراسة تابعة “للمعهد الأمريكي للسلام” أعدها “أرون سيان” عام 2011م أن واحداً من أهم أسباب نشأة تنظيم “بوكوحرام” في نيجيريا في ثمانينات القرن الماضي كان استجابةً للتغيرات المناخية الحادة التي شهدتها نيجيريا .والتي نتج عنها موجاتٌ غير مسبوقةٍ من الهجرة والنزوح خاصة من تشاد وانعدام الأمن الغذائي والمائي وهو ما استغله محمد مروي بشكلٍ كبير في تعزيز وجود التنظيم من خلال توسيع دائرته في المنطقة. ([6])
-
وفي منطقة “لبيتاكو غورما” استغل تنظيما “القاعدة” و “داعش” حالةَ التنافس على الموارد بين الرعاةِ والمزارعين التي تسببتْ بها حالاتُ الجفاف والتصحر في زيادة نفوذها ورقعتها الجغرافية في المنطقة من خلالِ تجنيدِ المزيدِ من المواطنين لصالحها باعتبارها الفاعلَ الوحيد القادرَ على توفير احتياجاتهم المعيشية في ظل غياب وتجاهلٍ تامٍ لدور الدولة. ([7])
-
في “الصومال” عمل تنظيم ” وحركة “الشباب” الصومالية على استغلال مستويات الجفاف المرتفعة التي أدت إلى انعدام الأمن الغذائي وزيادة معدلات الفقر في فَرْضِ المزيد من السيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرتها فضلاً عن أنها منعتْ وصولَ المساعدات الإنسانية لمستحقيها وتوظيفها لصالحها فضلاً عن تجنيد العديد من الشباب والأطفال لصالحها مقابل عوائد مادية.([8])
الأمرُ الذي دفعَ مجلس الأمن لإصدارِ القرار رقم 2349 في 2017م بإجماع أعضاء المجلس لإدانة ممارسات التنظيمات الإرهابية التي تعمل على استغلال ظواهر تغيّرِ المُناخِ في توسيع نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي بشكلٍ عام ومنطقة “حوض بحيرة تشاد” على وجه التحديد ويُعدُّ هذا القرارُ بمثابة اعترافٍ دولي صريح على خطورة انعدام الأمن البيئي في المناطق ذات الهشاشة السياسة والأمنية لذلك حثَّ القرار على ضرورة العمل على دعم الحكومات الوطنية لدول الساحل والصحراء وتعزيز قدرتها على ممارسةِ أدورها التنموية والاصلاحية في كافة المجالات بما فيها احتواء خطر التغيرات المناخية الحادة بما لا يدعُ مجالاً للتنظيمات الإرهابية لاستغلال الأزمات العميقة في المنطقة لصالحها .([9])
النتائج والتوصيات
وبناءً على العرض السابق يمكن استنتاج إلى عدة نتائج أبرزها:
-
أن التوسعَ في النشاط الإرهابي بشكلٍ عام وفي منطقة الساحل والصحراء الأفريقية على وجه التحديد كان ولا يزال من أخطر وأبرز التداعيات الأمنية لظاهرة تغيّرِ المُناخ التي فَشلَ المجتمع الدولي في التعامل معها بأدوات فعالة، إلا أن هذا الواقع المتأزم سيجبر الدول مستقبلاً للتعامل معها نتيجة تداعياتها الخطيرة التي تفرضها هذه الدول على منطقة الساحل والصحراء ومحيطها الإقليمي ثم العالمي .
-
أن التغيرَ المناخيَ وتداعياتهِ وعلى الرغم من خطورتها فهي لا تُعتبرُ السببَ الوحيدَ في توسع النشاط الإرهابي في منطقة الساحل والصحراء والقارة الأفريقية بشكل عام إلا أنها تعمل كمحركٍ للأزمة في ظل وجود عوامل أخرى محفزة كالهشاشة السياسية والغياب الأمني والوضع الاقتصادي والتنموي المتأزم.
-
أن التنظيمات الإرهابية تستغل التداعيات الخطيرة التي تسببها التغيرات المناخية في طرْحِ نفسها كبديلٍ للدولة الرسمية خاصة في ظل ضعف هذه الدولة ومؤسساتها ثم العمل على تحقيق النمو والتمدد من خلال الاستقطاب والتجنيد واستغلال الموارد غير المُدارة بشكل جيد وبالتالي اكتساب شرعية الوجود كمنافس للدولة.
-
التغير المناخي والإرهاب علاقة ديناميكية تتسمُ بالتعقيد الشديد يؤثر ويتأثر كلٌ منهما بالآخر وهو الأمر الذي يُضفي طابعاً من التشتت عن محاولة وضع استراتيجيات ملائمة لاحتواء خطر هذا الثنائي خاصة في ظل حالة الاستقطاب الدولي الشديد التي تحاول استخدام طرفي هذه العلاقة المناخ والإرهاب كأدواتٍ لتحقيق غايات جيواستراتيجية في منطقة الساحل والصحراء باعتبارها ساحةً للتنافس الدولي الجديد للقوى العظمى التي تفضّلُ الانهماكَ في صراعات نفوذ السيطرة عن الاضطلاع بمسؤوليتها تجاه البشرية التي تتعرض لأخطارٍ متزايدة جراء الممارسات البيئة الخاطئة التي تمارسها هذه القوى.
وبناء عليه يمكن تقديم عددٍ من التوصيات في هذا الإطار:
-
ضرورةُ تحييدِ قضايا التغير المناخي والبيئية عن الصراعات الجيوسياسية بين القوى العظمى إدراكاً لخطورة تسييس هذا النوع من القضايا.
-
ضرورةُ وجود اتفاقٍ دولي تحت مظلة الأمم المتحدة يُقرُ بالأبعاد الأمنية للتغير المناخي وتصنيفها تهديداً أمنياً، مع العمل على تكثيف الجهود الدولية لتحقيق العدالة المناخية خاصةً في الدول الأكثر هشاشة كمنطقة الساحل والصحراء الأفريقية.
-
العمل على ترسيخ مفهوم الأمن المناخي وتضمينه في إطار اختصاصات مجلس الأمن الدولي وتفعيل أدوات الدبلوماسية المناخي والسلام البيئي للتعاطي مع مثل هذه التحديات المعقدة وتوفر المعلومات والخبرات اللازمة للدول والمناطق ذات الخبرة الأقل في هذه المجالات.
-
ضرورةُ توسيع نطاق الحماية المقدم للاجئي المناخ في الداخل والخارج حتى لا يكونوا عرضةً للتجنيد من قبل التنظيمات الإرهابية.
-
ضرورة دعم شرعية النُظم السياسية في القارة الأفريقية لا سيما منطقة الساحل والصحراء والعمل على مساعدة هذه الدول للخروج عن دائرة الدولة الهشّة والفاشلة لتكونَ قادرةً على بناء مؤسساتٍ رسميةٍ قادرةٍ على القيام بأداء أدوراها وعدم ترك فراغٍ سياسي أو أمني أو اجتماعي أو اقتصادي أو بيئي تتغلغلُ خلاله التنظيمات الإرهابية.
-
ضرورةُ الاستثمار في مرافق الأرصاد الجوية ومراقبة الطقس وتمكين الدول الإفريقية من الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ إجراءاتِ التكيّف والتخفيف من آثار المُناخ.