المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > من الرَّدْع إلى الاحتلال: الأهداف الإسرائيلية وراء توسُّع العملية العسكرية في غزة
من الرَّدْع إلى الاحتلال: الأهداف الإسرائيلية وراء توسُّع العملية العسكرية في غزة
- مايو 7, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: رضوى الشريف
منسق وحدة شؤون الشرق الأوسط
منذ السابع من أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة تصعيدًا غير مسبوقٍ في العمليات العسكرية الإسرائيلية؛ حيث تحوَّلَ الهجوم من مجرد ردِّ فِعْلٍ على هجمات حماس إلى عملية استراتيجية شاملة تهدف إلى تغيير الواقع السياسي والجغرافي للقطاع، وفي هذا السياق، أعلنت إسرائيل عن توسُّع عملياتها العسكرية في غزة، وهو قرار يعكس تحوُّلًا في استراتيجيتها الأمنية والسياسية؛ حيث أفادت هيئة البثِّ العامة الإسرائيلية (راديو كان)، يوم الإثنين 5 مايو الجاري، بموافقة المجلس الأمني الإسرائيلي، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على توسيع تدريجي للهجوم على حركة حماس في القطاع.
وبحسب تصريحات مسؤولين إسرائيليِّين لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن المجلس الأمني المُصغَّر أقرَّ خطةً شاملةً للمرحلة المقبلة تتضمن السيطرة على قطاع غزة بشكلٍ تدريجيٍّ، مع التركيز على فكرة “الهجرة الطَّوْعية” للسكان، وهي الخطة التي سبق أن طَرَحَها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتشمل الخطة محاولة نقْل السكان إلى المناطق الجنوبية من القطاع لحمايتهم، بالإضافة إلى توسُّع نطاق العمليات العسكرية لتشمل السيطرة على الأراضي[1].
ولأول مرةٍ منذ بداية الحرب، تستخدم الحكومة الإسرائيلية مصطلح “احتلال قطاع غزة”، في إطار قرارٍ اتخذته بتوسُّع العملية العسكرية هناك؛ حيث أعلنت القناة 13 العبرية عن مسؤول في مكتب نتنياهو، بأن العملية في غزة ستختلف عن سابقاتها عن طريق الانتقال من أسلوب الاقتحامات المؤقتة إلى “احتلال” الأراضي والبقاء فيها، مشيرةً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيواصل الدَّفْع لتنفيذ خطة ترمب من أجل السماح بالمغادرة الطَّوْعية لسكان غزة.
وبحسب موقع “أكسيوس”، أكَّد مسؤول إسرائيلي، أن توسُّع العملية العسكرية في قطاع غزة لن يدخل حيِّزَ التنفيذ إلا بعد انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة للشرق الأوسط.
كل هذه التحوُّلات تثير العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذا التوسُّع؛ فهل تسعى إسرائيل إلى القضاء على حركة حماس بشكلٍ نهائيٍّ؟ أم أنها تسعى لفرْض واقع سياسي جديد يُمهِّدُ لتسويةٍ قسريةٍ؟ وما هي التحديات التي قد تواجهها إسرائيل في هذا السياق؟ وكيف ستتطور الأوضاع في ظلِّ هذه المعطيات العسكرية والسياسية المُعقَّدة؟
دلالات التوقيت
يتزامن إعلان إسرائيل عن توسُّع عمليتها العسكرية في غزة مع اقتراب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الشرق الأوسط، في منتصف شهر مايو الجاري، في أول تحرُّكٍ خارجيٍّ كبيرٍ – مخطط له – بعد عودته إلى الرئاسة؛ حيث سيقوم بجولة خليجية تبدأ بزيارة المملكة العربية السعودية، تليها قطر ثم الإمارات، وعليه لا يُعدُّ هذا التوقيت مجرد تفصيلٍ عابرٍ، بل يُمثِّلُ عنصرًا جوهريًّا في فهْم دوافع إسرائيل الاستراتيجية؛ حيث يتيح لها توظيف الأحداث السياسية الإقليمية والدولية لصالحها.
إسرائيل تسعى من خلال هذا التوقيت إلى استثمار البيئة السياسية العالمية، التي تتسم حاليًا بهشاشة المواقف الغربية وتراجُع الضغط الدولي، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي غير المشروط.
هذا الدعم يسمح لها بتثبيت وقائع جديدة على الأرض، قد يتم استخدامها لاحقًا كورقةٍ تفاوضيةٍ في أيِّ محادثات سياسية مستقبلية؛ حيث إن زيارة ترامب إلى المنطقة تتيح لإسرائيل فُرْصةً كبيرةً لإظهار “الحزم الإسرائيلي” أمام حليفها الأهم في وقتٍ حسَّاسٍ.
أما على الصعيد الداخلي، يواجه نتنياهو ضغوطًا سياسيةً غير مسبوقةٍ؛ بسبب الاحتجاجات الشعبية العارمة من عائلات الرهائن وأسْرِ الجنود، إضافةً إلى التَّمَلْمُلِ داخل المؤسسة العسكرية من طُولِ أَمَدِ الحرب واستنزاف القوات، هذه الضغوط تدفع نتنياهو إلى البحث عن “انتصار ميداني” يُعزِّزُ من صورته أمام الرأْي العام المحلي والدولي، ويُوفِّرُ له عنصرًا استراتيجيًّا للتخفيف من حِدَّة الأزمة التي يواجهها في الداخل.
المؤشرات الميدانية على نية إسرائيل في توسُّع عمليتها العسكرية
خلال الفترة الماضية، ظهرت على الأرض مؤشرات واضحة تدل على أن إسرائيل قد انتقلت إلى مرحلة جديدة من التصعيد العسكري في غزة، وتتضمن تلك المؤشرات مجموعةً من الإجراءات العسكرية واللوجستية التي تعكس نية إسرائيل في تبنِّي استراتيجية مُوسَّعة وطويلة الأمد، وهي كالآتي:
1- استدعاءٌ واسعٌ لجنود الاحتياط: أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، الأحد 4 مايو الجاري، أن الجيش الإسرائيلي أصدر عشرات الآلاف من أوامر الاستدعاء لجنود الاحتياط لتوسُّع العملية في غزة، وهي خطوةٌ تعكس استعدادًا حقيقيًّا لعمليات مُوسَّعة في القطاع.
وهذا الاستدعاء ليس مجرد تعزيز للقوة البشرية، بل يشير إلى أن إسرائيل تستعد لتوزيع مواردها العسكرية بشكلٍ يتسم بالتموْضع الطويل الأمد على الأرض؛ ما يعكس نيةً في إدامة الحملة العسكرية لأطول فترةٍ ممكنةٍ.
2- موافقة الكابينت الأمني على خطط هجومية جديدة: أقرَّ المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) خططًا لعمليات برية إضافية في غزة، وهو ما يدل على وجود توافقٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ داخل القيادة الإسرائيلية على ضرورة المٌضيّ قُدُمًا في التصعيد، ورغم عدم الكشف عن التفاصيل الدقيقة لهذه الخطط، فإن القرار يؤكد التوجُّه نحْو تصعيدٍ عسكريٍّ شاملٍ يهدف إلى إحداث تغييرات جِذْرِيَّةٍ في المشهد الأمني والعسكري في غزة.
3- تقدُّمٌ ميدانيٌّ في محاور مختلفة: أعلنت إسرائيل، في مطلع أبريل الماضي، عن إنشاء “محور موراغ” لفصْل خان يونس عن رفح جنوبي قطاع غزة، ويمتدُّ هذا الممرُّ عبْر القطاع من الشرق إلى الغرب؛ بهدف عزْل رفح عن باقي القطاع، ووفقًا لتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يشمل التحرُّك نشْر قوات من الفرقة 36، وهو جزء من استراتيجية “التفكيك التدريجي” التي بدأ الجيش الإسرائيلي في تنفيذها عبْر محاور استراتيجية، مثل نتساريم وكيسوفيم وصلاح الدين (فيلادلفيا).[2]
الهدف من هذه الاستراتيجية هو تحييد المقاومة الفلسطينية؛ عن طريق السيطرة التدريجية على مناطق جغرافية حيوية؛ ما يعوق قدرتها على التنقُّل والتنسيق بين مواقعها المختلفة، وبينما تسعى إسرائيل إلى تحجيم قدرة حماس على المناورة، يظلُّ هذا التوغُّل مهددًا بتفاقُم الأوضاع الإنسانية في القطاع، خاصَّةً مع احتمالية إخلاء سكان رفح.
وعليه تُجسِّدُ هذه المؤشرات الميدانية التوسُّع الممنهج والمتصاعد في العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتؤكد على نية إسرائيل الانتقال إلى مرحلةٍ أكثر ديمومةً في حربها ضد حماس والفصائل المسلحة في غزة.
ردود فعل متباينة
رغم الموافقة بالإجماع من قِبَلِ مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على توسُّع العملية العسكرية في قطاع غزة، التي تشمل تحرُّكاتٍ بريةً إضافيةً وتدمير البِنْيَة التحتِيَّة لحركة حماس، إلَّا أن القرار أثار العديد من ردود الفعل المتباينة بين دعم سياسي، ومعارضة داخلية، وبعض التحفُّظات العسكرية والشعبية.
فبالنسبة للمؤيدين، جاء القرار باعتباره خطوةً ضروريةً لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المعلنة للحكومة، وعلى رأسها هزيمة حركة حماس وإعادة الرهائن؛ فقد أيَّدَ المجلس الوزاري الأمني الخطة العملياتية التي اقترحها رئيس الأركان، وهو ما يعكس توافُقًا سياسيًّا في الحكومة على ضرورة الانتقال من الغارات الجوية إلى الاحتلال البري للقطاع.
وقال وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، خلال مؤتمر في القدس، الإثنين 5 مايو الجاري: “سنحتلُّ غزة، وسوف نتوقف أخيرًا عن الخوْف من كلمة احتلال”، مشددًا على أن قرار مجلس الوزراء المُصغَّر لن يكون فيه تراجعًا، حتى فيما يتعلق بإطلاق سراح الرهائن، مُرْدِفًا أن “الطريقة الوحيدة لتحريرهم هي هزيمة حماس”.[3]
أما بالنسبة للمعارضين، فقد أُثيرت العديد من التحفُّظات بشأن التصعيد العسكري؛ حيث اعتبر يائير غولان، رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي، أن القرار هو محاولةٌ لإنقاذ حكومة نتنياهو أكثر من كوْنه خطوة لتحقيق أمن إسرائيل، كما أشار إلى أن هذه العملية قد تُمهِّدُ لوجودٍ دائمٍ في غزة تحت مسمى “الاحتلال”، وهو ما يُعزِّزُ أهداف وزراء، مثل بن غفير وسموتريتش، في تعزيز الاحتلال والاستيطان. [4]
ومن جهةٍ أُخرى، تعالت أصوات رفْضٍ في صفوف القوات العسكرية الإسرائيلية؛ حيث أعلن العديد من الضباط والجنود في صفوف الاحتياط عن امتناعهم عن الامتثال لأوامر الاستدعاء؛ بسبب الإرهاق من الخدمة المستمرة، منذ بداية الحرب في أكتوبر، وتأثير ذلك على حياتهم الشخصية والمهنية.[5]
دوليًّا، قُوبلت الخطة بردود فِعْلٍ غالبيتها رافضة؛ حيث أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه البالغ، مُحذِّرًا من أن التصعيد العسكري سيزيد من معاناة المدنيين في غزة، وداعيًا إسرائيل إلى التحلِّي بـ “أقصى درجات ضبْط النفس”.
أمَّا النرويج، ممثلة بالمجلس النرويجي للاجئين، فقد رفضت بشكلٍ قاطعٍ آلية توزيع المساعدات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، واعتبرتها مخالفة صريحة للمبادئ الإنسانية.
الأمم المتحدة بدورها أدانت الخطة، مشيرةً إلى أنها جزءٌ من “استراتيجية عسكرية” تستخدم المساعدات الإنسانية كأداة ضغطٍ، وكشفت أن إسرائيل منعت إدخال أيِّ إمدادات إنسانية لغزة على مدى تسعة أسابيع متتالية؛ ما تسبَّبَ بأزمة مجاعةٍ خانقةٍ.
أمَّا السلطات في قطاع غزة، فوصفت المخطط بأنه ابتزازٌ سياسيٌّ وتجويعٌ متعمَّدٌ للسكان، وانتهاكٌ صارخٌ لاتفاقية جنيف الرابعة، متهمةً الاحتلال بتحويل المساعدات إلى وسيلة عقاب جماعي.
الأهداف السياسية والعملياتية
تسعى إسرائيل من خلال توسيع عملياتها العسكرية في غزة إلى تحقيق مجموعةٍ من الأهداف السياسية والعملياتية التي تندرج ضمن استراتيجيات طويلة الأمد؛ لضمان مصالحها الأمنية والجغرافية، والتي يمكن عرْضُها كالآتي:
أولًا: الأهداف السياسية
-
فرض واقعٌ سياسيٌّ جديدٌ: تسعى إسرائيل إلى إعادة هندسة المشهد السياسي في غزة عبْر توسيع عمليتها العسكرية، من دون الدخول في مفاوضات سياسية شاملة مع حماس؛ وتقوم هذه الاستراتيجية على خلْق فراغٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ في القطاع، يتمُّ ملؤه لاحقًا بترتيباتٍ بديلةٍ تخضع لمعادلة السيطرة الإسرائيلية، سواء من خلال السلطة الفلسطينية، أو من خلال كيانات محلية منزوعة السلاح وتحت رقابة أمنية إسرائيلية.
هذا الطَّرْح ينسجم مع هدف إسرائيل بإضعاف حماس كمصدر تهديد دائم، وتحويل القطاع إلى كيان هشٍّ غير قادرٍ على ممارسة أيِّ نفوذٍ سياسيٍّ أو عسكريٍّ فعَّالٍ، وهو ما يُعيد تشكيل الواقع بما يخدم أهداف تل أبيب.
-
إعادة الاعتبار للرَّدْع الإسرائيلي: تعرَّضت صورة الجيش الإسرائيلي لهزَّةٍ عميقة، عقب هجمات 7 أكتوبر 2023، التي كشفت عن ثغرات أمنية واستخباراتية جسيمة، ووضعت المؤسسة العسكرية في موضع مساءلة داخليًّا وخارجيًّا.
أمام هذا الفشل، تسعى القيادة الإسرائيلية إلى ترميم صورتها العسكرية، حيث ترى في توسيع العمليات في غزة فرصة لإعادة بناء قوة الردع التي لطالما اعتمدت عليها في ضبط التوازنات الإقليمية.
ولا يقتصر هذا المسعى على الرَّدِّ على حركة حماس فحسب، بل يمتدُّ ليشمل إرسال رسائل ردعية إلى أطرافٍ إقليميةٍ أُخرى، مثل حزب الله والحوثيَّين وإيران، مفادها؛ أن إسرائيل لا تزال تحتفظ بزمام المبادرة العسكرية، ومع استمرار الحرب لأكثر من 18 شهرًا دون تحقيق الأهداف المعلنة، كما أشارت تقارير حديثة لمجلة نيويورك تايمز، يبدو أن إسرائيل تحاول فرْض وقائع ميدانية جديدة تُعوِّضُ هذا الإخفاق، وتؤكد قدرتها على فرْض معادلات القوة في المنطقة.
-
الهروب من الأزمة الداخلية: يُمثِّلُ التصعيد العسكري وسيلة لبنيامين نتنياهو للتخفيف من الضغوط الداخلية المتصاعدة، سواء ما يتعلق بمحاكمته في قضايا فساد، أو الاحتجاجات الشعبية المستمرة ضد سياساته. وبالنسبة له، أصبحت الحرب في غزة وسيلة فعَّالة لصرْف الأنظار عن الأزمات الداخلية، من خلال خلْق حالة من “الوطن في خطر”؛ ما يمنحه فرصةً لإعادة صياغة المشهد الداخلي عبْر خلْق حالة طوارئ وطنية تُؤجل النقاشات السياسية الحادَّة، وتُعيدُ اصطفاف المجتمع الإسرائيلي خلْف قيادته، حتى ولو مُؤَقَّتًا.
-
توظيف ملف الرهائن كورقة تفاوضية: رغْم تعثُّر جهود استعادة جميع الرهائن، فإن الحكومة الإسرائيلية تستخدم هذا الملف كورقة ضغط في أيِّ مفاوضات مستقبلية، وعليه يُعدُّ استمرار وتوسُّع العمليات العسكرية وسيلةً لإبقاء الملف حاضرًا بشروط إسرائيلية، وعلى رأسها؛ نزْع سلاح حماس، كما يُظهر إصرارها على التصعيد بأنها تقاتل من أجل شعبها، وهو ما يعزز موقفها داخليًّا ويضعف الحَرَج الدولي إزاء الكلفة الإنسانية المرتفعة للحرب.
ثانيًا: الأهداف العملياتية
-
توسُّع المناطق العازلة: من أبرز أهداف التوسُّع العسكري هو إنشاء مناطق إخلاء تمتدُّ على أكثر من 70% من مساحة القطاع، خاصَّةً في شماله ووسطه، ويهدف هذا التوجُّه يهدف إلى تفريغ المناطق من السكان لإعادة تشكيلها كمناطق عازلة تحت السيطرة النارية الدائمة للجيش الإسرائيلي؛ بما يُقلِّصُ قدرة الفصائل الفلسطينية على إعادة التموْضع أو إطلاق الهجمات؛ فنموذج رفح الذي اعتمد على عزْل المدينة عن محيطها يُعادُ تطبيقه على مناطق أخرى، في إطار استراتيجية لتفكيك الكتلة المدنية والعسكرية معًا.
-
تفكيك الجغرافيا العسكرية للمقاومة: من خلال تقدُّمها على عدة محاور استراتيجية—نتساريم، كيسوفيم، وصلاح الدين (فيلادلفيا)—تسعى إسرائيل إلى تنفيذ استراتيجية “التفكيك التدريجي” للجغرافيا القتالية في غزة؛ تهدف هذه الاستراتيجية إلى عزْل مناطق نفوذ المقاومة وتفكيك شبكات التنقُّل والتنسيق بين وحداتها؛ ما يحُدُّ من قدرتها على الحركة والمناورة.
وبهذا، يسعى الجيش الإسرائيلي إلى فرْض سيطرة ميدانية على مناطق حيوية، تُفْضِي إلى إضعاف قدرة حماس على شنِّ هجمات مضادة، وتعزيز ميزان القوة العسكرية لصالحه في ساحة الصراع.
-
استنزاف القاعدة الشعبية للمقاومة: من خلال التدمير الممنهج للبِنْية التحتِيَّة المدنية وفرْض حصارٍ خانقٍ، تحاول إسرائيل ضرْب القاعدة الشعبية الحاضنة لحماس؛ حيث يدفع تفاقم الأوضاع الإنسانية بالسكان إلى الإحباط والغضب؛ في محاولةٍ لتحويل هذا الغضب من إسرائيل إلى الحركة المسيطرة على القطاع، وعليه يُعدُّ هذا الرّهان على “الاستنزاف الشعبي” امتدادًا لنهْجٍ يعتمد على الضغط غير المباشر لتفكيك النفوذ السياسي والاجتماعي لحماس.
-
إدارة الصراع بلا حسْمٍ: رغم التصعيد، تُظهر إسرائيل حِرْصًا على عدم التورُّط في احتلال شامل أو إدارة مدنية مباشرة للقطاع، وتقوم استراتيجيتها الحالية على “الإدارة العملياتية للصراع”؛ أيْ فرْض واقعٍ عسكريٍّ متغيرٍ دون تحمُّل أعباء إدارية أو التزامات سياسية تجاه غزة، ووفق مصادر عبرية، فإن إعادة تموْضع القوات واستدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط؛ تهدف إلى استمرار العمليات بشكلٍ متدرجٍ ومدروسٍ، يضمن لإسرائيل القدرة على التدخُّل عند الحاجة، دون السقوط في مستنقع إدارة طويلة الأمد للقطاع.