” نجاح جزئي مُعلق”: دلالات تنصيب رئيس جمهورية وتكليف رئيس وزراء عراقي
إعداد:حسناء تمام كمال
بعد شهور من التعثر السياسي في العراق، الناتج عن الصراع بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، نجح البرلمان أن يكمل النصاب القانوني اللازم لانتخاب رئيس الجمهورية. فقد انتخب البرلمان العراقي عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية بعد حصوله على الأغلبية في الجولة الثانية من عملية التصويت على المنصب التي تنافس فيها مع المرشح برهم صالح، وحصل رشيد على 162 صوتاً، فيما نال صالح 99 صوتاً واعتبرت 8 أصوات باطلة، من مجموع عدد المقترعين البالغ 269 نائباً.
وعقب انتخاب البرلمان العراقي عبد اللطيف رشيد رئيسا للعراق، كلف الأخير محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة، وجرى يوم الأُثنين 17 أكتوبر مراسم تنصيب عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية. وجملة التغيرات هذه تحمل معها العديد من التحولات، نحاول فهمها واستشراف الموقف العراقي في ظلها.
ماذا يعني انتخاب رئيس جمهورية، وتكليف رئيس الوزراء “الشياع”.
يحمل اختيار رئيس الجمهورية عدة دلالات علي مواقف التحالفات والاحزاب المختلفة في العراق ، لعل أبرزها ما يلي:
موقف الحزبان الكرديان:
طوال الفترة الماضية وبالتوازي مع التفاعلات الصدرية- التنسيقية الحادة، كان هناك خلاف كردي –كردي حول اختيار الرئيس، فانقسم الحزبان الكرديان بشأن المرشح الرئاسي لمنصب رئيس الجمهورية، إذ يرفض الحزب الديمقراطي الكردستاني، تسلم منافسه الكردي المنصب للمرة الخامسة منذ أول انتخابات جرت في عام 2005. فيما حاول الاتحاد الوطني الكردستاني، التمسك بالمنصب.
وبالرغم من التصريحات الاستفزازية التي يصدرها زعيم الاتحاد الوطني، بافل طالباني، ومنها إنه تمكن من «كسر» الحزب الديمقراطي باستبعاد مرشحيه الأساسيين، إلا أن واقعيًا فإن صعودا جديدا يؤخذ في الاعتبار للديموقراطي الكردستاني، وفي الوقت ذاته يمكن أن يحدث توافق كردي-كردي بناء عليه.
إقليم كردستان ودولة القانون وسيادة يرجحان المؤسسية والمسار الدستوري:
لفترات طويلة تعذر على البرلمان إتمام الانتخابات الرئاسية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، ولاعتبارات سياسية مرتبطة بموقفهم من مطالب الصدر، وكان التعويل في الحضور على الأحزاب صاحبة المقاعد الأكبر في البرلمان، وهما تحالف «السيادة» – أكبر تحالف سنّي عربي، له 36 مقعدًا في البرلمان – و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» – أكثر من 30 مقعدًا.
واكتمال النصاب القانوني لانتخاب الرئيس، يعني أن القوتين الأكبر في البرلمان، اختارتا المؤسسية والمسار الدستوري في مواجهة الضغط السياسي الميداني للتيار الصدري، الأمر كذلك بالنسبة لائتلاف دولة القانون.
مكاسب الإطار بترشيح محمد شياع:
بدا تصعيد التيار الصدري واللجوء إلى الشارع في أواخر يوليو، بعد أن صوّت “الإطار التنسيقي” في العراق على اختيار محمد شياع السوداني مرشحاً لمنصب رئاسة الوزراء، ورفض التيار الصدري مرشح الإطار، وبدأت سلسلة التظاهرات في المنطقة الخضراء. ومن حينها تعدد الأطروحات التي تدعو الإطار لتقديم التنازلات التي تتمثِّل في عدة اشكال ومن ضمنها استبعاد محمد سودان الشياع، واختيار رئيس وزراء يكن توافقيًّا غير «الكاظمي» غير أن ذلك لم يحدث.
والوصول إلى نتيجة تكليف محمد شياع السوداني بحكومة جديدة، دون أي تسوية مع التيار الصدري، هو مكسب للإطار التنسيقي، وحسم الجولة لصالحة، بصرف النظر عن تداعيات ذلك أو استمراريته.
ثانيا ما هي خيارات الصدر بعد تكليف الشياع؟
فيما أعلن رئيس الوزراء المكلف ” السوداني” البَدء بمفاوضات تشكيل الحكومة، أعلن التيار الصدري أعلن عن رفضه المشاركة في الحكومة المقبلة في العراق، التي ينوي تشكيلها مرشح الإطار التنسيقي المنافس كما حذر من مشاركة أي من التابعين للتيار في التشكيلة الحكومية التي يترأسها السوداني.
استغرق الأمر يومان من التيار الصدري قبل أن يعلق على موقف الحكومة وهذه الحالة من الصمت محل ارتياب من التيار الصدري صاحب المواقف التصعيدية مؤخرًا، خصوصا أن مخاوفه بتشكيل حكومة الشياع أصبحت واقعًا. ورد الفعل هذا يحمل عدة سيناريوهات، وفي هذا الصدد نحاول استيضاح الخيارات المتعددة أمام التيار الصدري التي يمكن أن يلجأ إليها في محاولة التسوية الأخيرة وهي.
اللجوء إلى الشارع:
وهذا هو الخيار المفضل مؤخرا لدى التيار، والذي استخدمه في الشهور الثلاث الأخيرة في أشكال مختلفة، سواء للدعوة إلى شعائر دينية مغطاة بأهداف سياسية، أو بالدعوة الصريحة للاحتجاجات بالمنطقة الخضراء أو تصعيدا بالتوجيه باقتحام بعض المؤسسات البرلمان، أو دار القضاء، وقد اثبت قدرته على الحشد بفاعلية، هذا الخيار يبقى حاضرا بالرغم من عدم إثبات فاعليته في تحقيق أي مطالب سياسية.
الموافقة على أن يكون جزء من الحكومة:
وهذا يمكن تفسيره في إطار الصمت الذي يمارسه التيار الصدري، ويتوقع بناء عليه أن يكون نتيجة موافقة ضمنية من الصدريين تضمن لهم عدداً من الوزارات بينها وزارات سيادية. وهذا الطرح وبالرغم من أنه يبدوًا عمليًا وقادر على تهدئة الأوضاع بين الطرفين، لكن هذا يطرح تساؤل حول ما هي استفادة الصدر إذا كانت هذه نتيجة التسوية، فكان بإمكانة أن يشكل الحكومة بذاته وبصلاحيات أوسع إذا لم يتجه إلى الاستقالة من البرلمان منذ البداية.
التحول للمعارضة غير ممثلة:
ويتوقع هذا السيناريو أن يصر التيار الصدر علي موقفه في مقاطعة الحكومة المقبلة، مع استمرار الحكومة في عملها واستئناف مشاورات التشكيل والإعلان عنها دون وجود للتيار الصدري فيها، وبقاء التيار الصدري في موقعة كمعارضة مسلحة للحكومة، لحين استكمال مهمتها، وبدء انتخابات تشريعية مبكرة، على أن يكون موقعه في مواجهة الإطار التنسيقي ميدانيا دون وجوده في الحكومة.
إجمالا يمكن القول إن انتخاب رئيس دولة جديدة، وتكليف رئيس وزراء هو نجاح جزئي معلق اكتماله على التوافق بين التيارات المتنافسة على أن تمثل هذه التيارات في الحكومة، أو التوصل معها إلى تسوية مرضية. وتبدو صعوبة في هذا الشرط في ظل تعاظم رغبة الإقصاء لدى كافة الأطراف، فرغبة التيار الصدري الأولى في تشكيل حكومة أغلبية والتي أدت إلى تعثر المشهد السياسي لا تقل في رغبتها الاقصائية عن تمسك الإطار التنسيقي بمرشحه بالرغم من كونه غير توافقي بالنسبة للتيار الصدري.
ومن ثم يبقي السيناريو الأخير والذي يتوقع أن يتحول التيار الصدري لتيار معارضة مسلحة غير ممثلة في الحكومة الحالية هو السيناريو الأقرب، وهذا يعني حلقة مفرغة من التنافس بين التيارين الرئيسيين.