إعداد : مروة سماحة
المقدمة:
احتفى العالم قبل أيام، بيوم الطفل العالمي، الذي تم الإعلان عنه، في 20 نوفمبر 1954، وأصبح العالم يحتفي به كل عام، في العشرين من شهر نوفمبر، ابتداء
من عام 1990؛ فتحظى تلك المناسبة بأهمية دولية كبيرة، وخلال ذلك اليوم تُجري الجهات المختصة من حول العالم فاعليات متعددة، وحملات توعوية؛ بهدف تحسين جودة حياة الأطفال في المقام الأول، كما تؤكد على حقوق الأطفال، في العيش ببيئة آمنة وصالحة، دون المساس بهم، بأي نوع من الاستغلال، سواء كان هذا الاستغلال مرتبطًا بالعمل أو السياسة، أو كل ما يُشوِّه مرحلتهم العمرية.
ولا تقتصر أهمية هذا التاريخ على كونه اليوم العالمي للطفولة فقط، ففي مثل هذا اليوم، عام 1959، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، إعلان حقوق الطفل، كما تم اعتماد اتفاقية حقوق الطفل، في 20 نوفمبر 1989، ومنذ عام 1990، يُحتفل باليوم العالمي للطفل، بوصفه الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل، والاتفاقية المتعلقة بها.
وبينما يندد العالم بحقوق الطفولة، تنتهك إسرائيل القانون الدولي، في تعاملها مع الفلسطينيين، بالغين كانوا أم أطفالًا؛ لذلك أصبح الشعب الفلسطيني يعاني من القلق والخوف على مصير أبنائه، في ظل منظومة تتربص بهم وبمستقبلهم، تعتمد سياسة القتل المنفلت، والاعتقال الممنهج، ومحاولات الترهيب، وغسل الأدمغة، من خلال تخويف الأطفال القُصَّر أثناء فترة اعتقالهم وسجنهم، وفي ضوء ذلك، سيتم تسليط الضوء، على بعض حقوق الطفل الأساسية، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل، التي اعتمدتها الأمم المتحدة، عام 1989، وفي سياقٍ متصلٍ، سيتم تقديم لمحةٍ موازيةٍ، عن وضع الأطفال الفلسطينيين عام 2022.
الحق في التعليم
تنص المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل، على أن لجميع الأطفال الحق في التعليم، على أساس تكافؤ الفرص، وبصدد مناسبة اليوم العالمي للطفل، سلطت وزارة التعليم الفلسطينية الضوء، على عددٍ من القضايا التي يواجهها تلاميذ المدارس الفلسطينية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية؛ حيث تقاتل العائلات الفلسطينية؛ من أجل حق أطفالها في دراسة المنهج الفلسطيني، بدلًا من المنهج الذي فرضته إسرائيل، والذي يصرحون، بأنه يُشوِّه ويُزيِّف الحقائق التاريخية، كما تواجه المدارس الفلسطينية في القدس الشرقية – التي ترفض تدريس المناهج الإسرائيلية- تمييزًا في التمويل، وقد تشهد إلغاء تراخيص التدريس الدائمة الخاصة بها.
كما تواجه قرابة خمسين مدرسة في الضفة الغربية والقدس الشرقية هدمًا وشيكًا، أو تهديدًا بالهدم، وفي ذلك الصدد، تواجه مدرسة عين سامية شمال القدس – التي تخدم حوالي 40 طالبًا، ليس لديهم مدرسة أخرى قريبة- الهدم، بحلول 31 ديسمبر 2022، بعد أن رفضت محكمة القدس المحلية، في 30 أكتوبر، التماس السكان؛ لتجميد أمر الهدم، وفي مسافر يطا جنوب الخليل؛ حيث يواجه نحو 1200من السكان تهجيرًا قسريًّا، وهناك أربع مدارس مهددة حاليًّا بحكمٍ صادرٍ عن المحكمة العليا الإسرائيلية، يمهد الطريق لهدمها.
وعلاوةً على التهديدات التي تتكبدها المؤسسات التعليمية بفلسطين، يتعرض تلاميذ المدارس أيضًا لعددٍ متصاعدٍ من الاعتداءات الجسدية على الطلاب، من جانب كُلٍّ من المستوطنين الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي على حد سواء؛ حيث يعاني الطلاب بشكلٍ مستمرٍ من استنشاق الغاز المسيل للدموع، والجروح والكدمات؛ الناجمة عن الاعتداءات الجسدية، والغارات العسكرية النهارية على الفصول الدراسية.
الحق في المسكن
حسبما تنص المادة 27: “بحق كل طفل في مستوى معيشي مُوَاتٍ لنموه البدني والعقلي والروحي والأخلاقي والاجتماعي، ولا سيما فيما يتعلق بالتغذية والملبس والمسكن”، وفي ضوء الانتهاكات الإسرائيلية لذلك، تم تشريد نحو 409 أطفال، في الأشهر العشرة الأولى من2022؛ بسبب عمليات هدم المنازل في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
وكثيرًا ما تواجه المنازل والهياكل المملوكة للفلسطينيين في القدس الشرقية، والمنطقة “ج” من الضفة الغربية، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وفقًا لاتفاقات أوسلو لعام 1994، عمليات هدم؛ بذريعة أنها تفتقر إلى تصاريح بناء، يكاد يكون من المستحيل، الحصول عليها من السلطات الإسرائيلية، حتى لو كانت المنازل مبنية على أراضٍ فلسطينية، مملوكة ملكية خاصة.
يتأثر الأطفال في القدس الشرقية بشكلٍ كبيرٍ، بشأن عمليات الهدم والتشريد، ووفقًا لدراسة أجراها مركز حماية الطفل: “يعاني 33٪ من الأطفال المتأثرين بهدم المنازل، من صدمةٍ نفسيةٍ شديدةٍ، ويعاني 60٪ من صدمةٍ متوسطةٍ، ويعاني ما يقرب من 80٪ من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة المتوسطة أو الشديدة”.
وفي غزة، نزحت 97 أسرةً، تؤوي مئات الأطفال داخليًّا، بعد أن لحقت أضرار جسيمة بمنازلهم، أو دُمِّرت بالكامل، خلال حملة القصف الإسرائيلية، التي استمرت ثلاثة أيام على القطاع، في بداية آب/أغسطس، وتعرَّض 1800 منزلٍ آخر لمستويات متفاوتة من الضرر.
الحق في الرعاية الصحية
تكفل المادة 24 من الاتفاقية، حق الطفل في التمتُّع بأعلى مستوى صحي، يمكن بلوغه، وفي مرافق علاج آمنة، فضلًا عن إعادة التأهيل الصحي، ولكن واقع الطفل الفلسطيني من تلك المادة في الاتفاقية التي قامت إسرائيل بالتوقيع عليها مختلفٌ تمامًا؛ فقد كان لكلٍّ من الحصار المفروض من قِبَلِ السلطات الإسرائيلية على قطاع غزة، الذي تواصل لمدة أكثر من 15عامًا، وكذلك الحروب والضربات بين عامي 2008 و 2022 تأثيرٌ مدمرٌ على القطاع الصحي في غزة، وفي ذلك السياق الزمني، كان على الأطفال المصابين بأمراض وإصابات بالغة، التماس العلاج في مستشفيات القدس الشرقية، ومن أجل السفر إلى تلك البقعة، يتوجب أن يحصل أي من الطفل أو الوالد أو الوصي المرافق، على تصاريح من السلطات الإسرائيلية.
وتبين وفقًا لتقارير من جانب أطباء معنيين بحقوق الإنسان في إسرائيل، أن ما يقارب 31٪ من الأطفال، طلباتهم في الحصول على تصاريح للعلاج، يتم رفضها أو تأخيرها لمدةٍ زمنيةٍ طويلةٍ؛ قد تجعل الحالة الصحية للطفل تزداد سوءًا، ويعرض فرصتهم في التعافي للخطر، كما تضاعفت نسبة التصاريح المرفوضة بين عامي 2020 و 2021؛ حيث تم رفض 17٪ في عام 2020 و 32٪ في عام 2021، وبشكلٍ مؤسفٍ، تُوفِّيَ ثلاثة أطفال من غزة، في عام 2022، بعد حرمانهم من تصاريح العلاج الطبي في القدس الشرقية.
ومن ناحيةٍ تعسفيةٍ أُخرى، يتم رفض وجود مرافقٍ مع الطفل بشكلٍ غالبٍ، في حال تم قبول التماسه بالسفر إلى القدس الشرقية للعلاج؛ ما يسفر عن اضطرار أكثر من 40٪ من الأطفال إلى السفر، وتلقي العلاج بمفردهم، أو مع شخصٍ آخر غير أحد الوالدين.
الحق في الحماية من التعذيب والاحتجاز التعسفي
تنص المادة 37، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، على أنه لا يجوز تعريض الأطفال للتعذيب، أو غيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو أي شكلٍ غير آدمي، فضلًا عن عدم حرمانه من حريته، بصورة غير قانونية أو تعسفية، و أَلَّا يُستخدم السجن إلا كملاذٍ أخيرٍ، ولأقصر فترة زمنية مناسبة.
وفي سياقٍ متصلٍ لانتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية، اعتقل الجيش الإسرائيلي أكثر من 750 طفلًا حتى الآن، في عام 2022، ولا يزال حوالي 160 منهم، رهن الاحتجاز، علاوةً على ذلك، اعتقلت القوات الإسرائيلية حوالي 50000 طفل، منذ عام 1967، بما في ذلك أكثر من 9000 في السنوات السبع الماضية وحدها، كما يجْدُرُ بالذكر، أنه يتم احتجاز 7 أطفالٍ على الأقل يوميًّا، بشكلٍ تعسفيٍّ، دون تهمة أو محاكمة، ودون معرفة الأدلة المحتجزة ضدهم، وفقًا لأوامر الاحتجاز الإداري، التي تصل مدتها إلى 6 أشهر في المرة الواحدة، وقابلة للتجديد إلى أجلٍ غير مُسمَّى، ويُحاكَمُ الأطفال الفلسطينيون من الضفة الغربية بشكلٍ منهجيٍ أمام المحاكم العسكرية، ويخضعون للقانون العسكري، بينما يخضع الأطفال الفلسطينيون في القدس الشرقية للقانون المدني الإسرائيلي.
ولطالما أن نسبةً مئويةً كبيرةً من العدد الإجمالي للأطفال المحتجزين، يعيشون عادةً في القدس الشرقية، فإن الأطفال المقدسيين يُشكِّلون هذا العام الغالبية العظمى في المعتقلات، وكثيرًا ما يخضع الأطفال المقدسيون للإقامة الجبرية، ولا سيما الأطفال الأصغر سنًّا؛ لأن القانون الإسرائيلي لا يسمح بسجن الأطفال دون سن 14، ويُوجد حاليا نحو 130 طفلًا فلسطينيًّا في القدس رهن الإقامة الجبرية، وبالرغم من هذا القانون، تم اعتقال الفلسطيني المقدسي، أحمد مناصرة، عن عمر يناهز 13 عامًا، في عام 2015، وسجن عن عمر يناهز 14 عامًا، لمدة تسع سنوات ونصف، يبلغ الآن من العمر 21 عامًا، وقد أمضى العام الماضي في الحبس الانفرادي، ويقول محاميه وأطباؤه: إن وضعه الصحي العقلي حَرِجٌ.
بالتوازي مع ذلك، فتعتبر ظروف اعتقال واحتجاز الأطفال الفلسطينيين من قِبَلِ الجيش والشرطة الإسرائيلية، لا تختلف بأيِّ شكلٍ عن الشروط المفروضة على البالغين، ووفقًا للجنة شؤون المعتقلين: “تم العثور على تقرير صادرٍ عام 2016، عن منظمة الدفاع عن الأطفال الدولية، يشير إلى أن 75٪ من الأطفال المحتجزين، عانوا من العنف الجسدي أثناء احتجازهم، 69٪ تم تفتيشهم عراة، 97٪ تم استجوابهم دون حضور أفراد الأسرة أو المحامي، 88٪ لم يتم إبلاغهم؛ بسبب اعتقالهم، 33٪ أُجبروا على التوقيع على وثائق باللغة العبرية، و15 % محتجزون في الحبس الانفرادي لأكثر من 48 ساعة”، وانطلاقًا مما سبق، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم، التي تقاضي الأطفال بشكلٍ منهجيٍ في المحاكم العسكرية، بمعدل إدانةٍ يزيد عن 99٪.
الحق في الحياة
تتكفل المادة رقم 6، بالحق الأصيل لكل طفلٍ في الحياة، ووفقًا للوثائق التي تم التوصل إليها، بالإضافة إلى الأطفال الثلاثة الذين تُوفُّوا بعد حرمانهم من تصاريح العلاج الطبي إلى القدس الشرقية، فإن أعداد القتلى من الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة برصاص الجيش الإسرائيلي أو المدنيين من إسرائيل، وصلت إلى 54 قتيلًا حتى الآن، في 2022، وكان آخرهم ، فولا رمزي مسالمة، البالغة من العمر 14 عامًا، التي أُصيبت برصاصة في رأسها وصدرها، أثناء جلوسها في مقعد الراكب بمركبة، بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر.
وبصدد ذلك، يُعدُّ عام 2022، هو العام الأكثر دمويةً في الضفة الغربية، منذُ عام 2003، في ذروة الانتفاضة الثانية؛ التي أسفر عنها سقوط حوالي 56 طفلًا قتيلًا بنيران إسرائيلية.
مستقبل الطفولة الفلسطينية في ضوء تصاعد اليمين المتطرف بإسرائيل
في ظل انتهاك إسرائيل لمواثيق المجتمع الدولي في تعاملها مع الفلسطينيين، ولا سيما الأطفال، تجْدُرُ الإشارة، أن هناك احتماليةً بتصاعد انتهاكات؛ ارتباطًا بتنامي حركات اليمين المتطرف بالمجتمع الإسرائيلي مؤخرًا، بشكلٍ واضحٍ، فضلًا عن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جاءت تِبَاعًا بمنظومةٍ سياسيةٍ، أكثر يمينيةً وتطرُّفًا، فتشير استطلاعات الرأي الأخيرة، إلى ارتفاع تأييد الشارع الإسرائيلي لقتل الفلسطينيين، حتى في الحالات التي لا يُشكِّلون فيها خطرًا على الجيش، وزيادة دعم تطبيق عقوبة الإعدام على الفلسطينيين، وشنّ المزيد من الحروب على غزة؛ لمنع إطلاق الصواريخ منها، وفي تطور أخير، على نتائج الانتخابات، توصل بنيامين نتنياهو، في مفاوضاته لتشكيل حكومته الائتلافية، مع زعيم حزب القوة اليهودية، اليميني المتطرف، بن غفران، بمنحه حقيبة الأمن الداخلي، بصلاحياتٍ مُوسَّعةٍ، ويطالب زعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، اليميني المتطرف، بوزارة الجيش، والتي تُمكِّنه من التدخُّل أيضًا في الأراضي الفلسطينية، ورغم عدم حصول “سموتريتش” على ما يريد بعدُ، في ظل رغبة “نتنياهو” باحتفاظ حزبه، بحقائب الخارجية والحربية والمالية، تبدو الأمور الأمنية للفلسطينيين متجهةً نحو الأسوأ، فضلًا عن عمليات السلام.
ختامًا
بالاستناد إلى المُعطيات والشواهد التي سبق عرضها، يمكن التكهُّن، بأن الأمور الأمنية للفلسطينيين وعمليات السلام، ستتجه نحو الأسوأ، لا سيما في ظل الحكومة اليمينية الأكثر تشدُّدًا في تاريخ إسرائيل، المُشكَّلَة حديثًا، برئاسة بنيامين نتنياهو،علاوةً على ذلك، فمن المحتمل بشكلٍ كبيرٍ، مواصلة إسرائيل اختراق اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وممارسة كافة الأشكال العدائية على الطفل الفلسطيني؛ ما سيسفرعن زيادة الكراهية وحركات المقاومة، إزاء القوات الإسرائيلية، وهذا من شأنه، تراجع عمليات السلام بين كلٍّ من إسرائيل وفلسطين.