إعداد: شيماء عبد الحميد

مع امتداد تبعات الحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة إلى أذرع إيران فى المنطقة؛ حيث الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع الحوثيين، والضربات الأمريكية والإسرائيلية على أماكن تمركز المليشيات الإيرانية فى العراق وسوريا، فضلًا عن اشتعال الجنوب اللبنانى بسبب الاشتباكات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، استشعرت طهران الخطر الذى يهددها فى هذا التوقيت الحرج، ومن ثم؛ لجأت إلى استعراض قواها وتأكيد قدرتها على الردع، وذلك من خلال تكثيف تجاربها العسكرية والكشف عن سلسلة من أسلحتها الإستراتيجية فى الآونة الأخيرة، مما يطرح تساؤلات عن أهداف إيران من وراء تلك الخطوات، والرسائل المراد إيصالها فى المرحلة الراهنة.

إيران تستعرض قواها المختلفة:

عملت إيران مؤخرًا على تعزيز مختلف قواها العسكرية والتسليحية، فى ضوء توسع الحرب على غزة، وقد شمل هذا التحرك مختلف البرامج الإيرانية؛ سواء النووى أو الصاروخى الباليستى أو الفضائى، ومن أبرز الأسلحة التى أعلنت عنها طهران خلال الحرب:

1- فيما يخص منظومة الدفاع الجوى؛ أعلنت إيران فى 10 ديسمبر 2023، انضمام مجموعة من مسيرات “كرار” المسلحة بصواريخ “مجيد” الحرارية الجو- الجو، والتى يصل مداها إلى ثمانية كيلومترات، إلى وحدات قوة الدفاع الجوى للجيش الإيرانى، مما يعزز قدرات الدفاع الجوى لدى طهران.

فى السياق ذاته؛ كشفت إيران يوم 17 فبراير الجارى، عن منظومتين جديدتين للدفاع الجوى؛ وهما منظومة “آرمان” المضادة للصواريخ الباليستية، ومنظومة “آذرخش” للدفاع الجوى منخفض الارتفاع، حيث:

  • تُعد المنظومتان من المنظومات المحلية الصنع، وتم إنتاجهما من قبل وزارة الدفاع الإيرانية.
  • منظومة آرمان هى منظومة تشغيلية متوسطة المدى وذات ارتفاع عالٍ، تتميز بالمرونة العالية والجاهزية للتشغيل فى أقل من 3 دقائق، كما أنها توفر غطاءً موثوقًا به للدفاع؛ حيث يتم تقديمها فى نسختين برادارات مختلفة، إحدى نماذج هذه المنظومة تحتوى على رادار سلبى والأخرى تحتوى على رادار نشط، فضلًا عن أنها مزودة بصواريخ “صياد 3″، والتى يمكنها التعامل مع 6 أهداف فى وقت واحد، على مسافة تتراوح بين 120 إلى 180 كيلومترًا.
  • أما منظومة “آذرخش”؛ فهى منظومة قصيرة المدى ومنخفضة الارتفاع، تستخدم أنظمة الرادار والأنظمة الكهربائية الضوئية لاكتشاف الهدف وتتبعه، بالإضافة إلى استخدامها أجهزة استشعار حرارية، ومن ثم؛ يمكنها تحديد الأهداف وتدميرها بمدى يصل إلى 50 كيلومترًا، مع إمكانية إطلاق حتى أربعة صواريخ.

2- فيما يخص برنامج الصواريخ الباليستية؛ أعلنت طهران فى 19 نوفمبر 2023، عن الصاروخ الفرط صوتى “فتاح 2″، والذى تتراوح سرعته، وفقًا للتقارير الإيرانية، بين 5-20 ماخ، وهى وحدة قياس سرعة الصوت، ويساوى ذلك بين 6 آلاف و24 ألف كيلومتر فى الساعة، كما أنه يتكون من جزأين؛ محرك رئيسى ومركبة انزلاقية فوق صوتية “HGV” تنفصل عن الصاروخ نفسه، مما يوفر له قدرة أكبر على القيام بمناورات تجعل من الصعب التنبؤ بمساره، وبالتالى تفادى أنظمة الدفاع الصاروخية التقليدية.

وجدير بالذكر أن “فتاح 2” يُعد نسخة محدثة ومطورة من الصاروخ الفرط صوتى “فتاح 1″، الذى كشف عنه الحرس الثورى الإيرانى فى يونيو 2023، باعتباره أول صاروخ باليستى فرط صوتى محلى الصنع فى إيران، ويبلغ مداه 1400 كيلومتر، وبذلك أصبحت طهران الدولة الأولى فى الشرق الأوسط التى تمتلك هذه التقنية، والدولة الرابعة على مستوى العالم فى قائمة الدول المصنعة للصواريخ الفرط صوتية، بعد روسيا والولايات المتحدة والصين.

وفى السياق ذاته؛ قامت البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى يوم 13 فبراير الجارى، باختبار إطلاق صاروخ باليستى طويل المدى من سفينة حربية للمرة الأولى؛ إذ أطلقت صاروخين يصل مداهما لـ1700 كيلومتر من سفينة “الشهيد مهدوى” أثناء وجودها فى المحيط الهندى، وقد أعلن الحرس الثورى نجاح عملية الإطلاق وإصابة الصاروخين لأهدافهما المحددة.

3- فيما يخص قوة الجو-فضائى؛ أعلن الحرس الثورى الإيرانى، يوم 20 يناير 2024، نجاحه فى وضع القمر الاصطناعى الجديد “ثريا”، فى مدار على ارتفاع حوالى 750 كيلومترًا فوق سطح الأرض، بواسطة الصاروخ الباليستى “قائم100″، وذلك بعد أن تم إطلاقه من محطة “شاهرود” التى تقع على بُعد حوالى 350 كيلومترًا شرق طهران، وهى محطة مخصصة لإطلاق الأقمار الاصطناعية ذات الاستخدام العسكرى، وهو ما يعزز فرضية أن القمر له أهداف عسكرية، ويُذكر أن هذه هى المرة الأولى التى تنجح فيها إيران فى وضع قمر اصطناعى فى مدارات أعلى من 500 كيلومتر.

وفى الـ28 من الشهر ذاته؛ أطلقت طهران للمرة الأولى ثلاثة أقمار صناعية بشكل متزامن، وذلك عبر استخدام صاروخ “سيمرج” الحامل للأقمار الصناعية، وهما: “كيهان” و”هاتف-1″، والذى يزن كل منهما 10 كيلوجرامات، ويهدفان إلى اختبار الاتصالات ضيقة النطاق وتكنولوجيا المواقع الجغرافية، و”مهدا” وهو الأكبر بينهم حيث يزن 32 كيلوجرامًا، وصُمم لاختبار دقة الصاروخ “سيمرج” فى إيصال شحنات متعددة للفضاء.

4- فيما يخص القوة البحرية؛ أعلن الحرس الثورى تصميم زوارق بطول 6 أمتار تتمكن من إطلاق صواريخ يصل مداها إلى 30 كيلومترًا، فيما تسلمت بحرية الحرس سفينتين حربيتين عابرتين للمحيطات، ومجهزتين بصواريخ هجومية ودفاعية متعددة؛ فهما مجهزتان بنظام صواريخ “نواب” الدفاعية العمودية، وصواريخ كروز “صياد” بمدى 700 كيلومتر، كما أن السفينتين قادرتان على حمل ثلاث قاذفات صواريخ خفيفة، وطائرة هليكوبتر قتالية مسلحة، فضلًا عن أنهما يتمتعان بقدرة إبحار يصل مداها إلى 5500 ميل بحرى، وتصل سرعتهما إلى 45 عقدة.

5- فيما يخص القوة النووية؛ على عكس المعتاد من إيران، وهو التأكيد دائمًا على أن برنامجها النووى مخصص للأغراض السلمية، لوح مسؤول إيرانى بقدرة بلاده على إنتاج قنابل نووية؛ حيث صرح الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية “على أكبر صالحى”، يوم 11 فبراير الجارى، بأن طهران لديها كل القدرات التقنية التى تستطيع من خلالها الوصول إلى مرحلة امتلاك القنبلة النووية، مع استمرار الأبحاث والتطوير حول مكونات أخرى لازمة مثل المفجر النووى، مما أثار استياء المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل جروسى، الذى علق على تصريحات “صالحى” بأن إيران لا تتعامل بشفافية فى هذا الملف.

الرسائل ودلالات التوقيت:

بغض النظر عن حقيقة إمكانيات الأسلحة وأنظمة الدفاع المعلنة من عدمها، فلا شك أن إعلان طهران بشكل متتالٍ عن تلك الأسلحة، يحمل فى طياته العديد من الرسائل التى يريد النظام الإيرانى إيصالها سواء للخارج أو الداخل، ومن أبرزها:

1- التأكيد على قدرتها على ردع التهديدات الأمريكية والإسرائيلية؛ تتصاعد التهديدات الأمريكية التى تم توجيهها إلى إيران خلال الفترة القليلة الماضية، خاصةً بعد الهجوم على البرج 22 قرب الحدود الشمالية الشرقية للأردن مع سوريا يوم 28 يناير الماضى، والذى أدى إلى مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة 34 آخرين، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب فى أكتوبر الماضى، مما استدعى إلى تحرك واشنطن لقصف مواقع للحرس الثورى الإيرانى فى سوريا والعراق، هذا إلى جانب تكثيف واشنطن لتحشيداتها العسكرية فى المنطقة، وضرباتها المشتركة مع بريطانيا على مواقع الحوثيين فى اليمن.

وفى السياق ذاته؛ طالب نواب جمهوريون، الرئيس الأمريكى جو بايدن بأن يضرب إيران مباشرةً بعد الهجوم على البرج 22، فيما لوحت تقارير أمريكية بأن واشنطن هددت طهران بضربها والتصعيد ضدها فى حال التدخل بشكل مباشر فى الحرب، مؤكدة أن هذا هو السبب الأساسى الذى منع إيران من التصعيد والتدخل.

ولذلك سعت إيران إلى الترويج بأن لديها القدرة على ردع التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، من خلال الإعلان عن إنتاجها لعدد من الأسلحة النوعية التى باتت متحكمة فى شكل الحروب الراهنة مثل الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة، وأنها قادرة على ردع أى محاولة لتهديد أمنها وسيادتها.

2- إثبات عدم فاعلية العقوبات الأمريكية على برنامجها الصاروخى؛ رغم أنه كان من المفترض أن تنتهى العقوبات الأممية المفروضة على إيران فى 18 أكتوبر 2023، وذلك وفقًا لنص الاتفاق النووى المبرم فى عام 2015، إلا أن الولايات المتحدة والثلاثى الأوروبى؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قرروا تمديد العقوبات على البرنامج الصاروخى الباليستى الإيرانى، وآخر هذه العقوبات؛ إعلان واشنطن يوم 2 فبراير الجارى، فرض عقوبات على أربع شركات يقع مقرها فى إيران وهونغ كونغ بسبب توفيرها مواد وأدوات تكنولوجية لبرنامجى الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة فى إيران، وهى: شركة بیشتازان کافوش كوستار بُشرى الإيرانية، إف.واى إنترناشيونال تريدنغ، دولنغ تكنولوجى إتش.كيه ليمتد، وأدفانتدج تريدنغ ليمتد.

ومن ثم؛ إعلان طهران عن تطوير الصاروخ الفرط صوتى “فتاح 2″، وإطلاق صواريخ باليستية طويلة المدى من سفنها الحربية، ما هو إلا رد على تلك العقوبات، للتأكيد على أنها لن تحول دون امتلاك وتصنيع إيران لأحدث الأسلحة، التى يمكنها استهداف أية قوات أمريكية موجودة بمياه الخليج، والتى تزايد حجمها بشكل مقلق لطهران فى أعقاب اندلاع الحرب فى غزة.

3- التهديد بوصول صواريخها الباليستية إلى الأراضى الأمريكية والإسرائيلية؛ يبدو من مدى الصواريخ المعلن عنها، أن طهران ترسل رسالة مفادها أن نطاق عمل صواريخها الباليستية لم يعد مقتصرًا على منطقة الشرق الأوسط، بل بات بمقدورها الوصول إلى نقاط أبعد من خلال إطلاق تلك الصواريخ بعيدة المدى من السفن الإيرانية المنتشرة فى مياه الخليج العربى.

وهذه الرسالة تنعكس بوضوح فى تصريح القائد العام للحرس الثورى الإيرانى حسين سلامى، يوم 14 فبراير الجارى، بأن إيران اكتسبت القدرة على القتال فى الحروب عن بُعد، مؤكدًا أن صواريخ بلاده يمكنها الانتقال اليوم من بوشهر إلى السواحل الأمريكية.

4- إرسال تحذيرات للداخل مع اقتراب الانتخابات التشريعية؛ يتعرض النظام الإيرانى للكثير من الضغوط الداخلية؛ منها تزايد مساحات السخط الشعبى تجاه النظام بسبب استمرار تردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى البلاد، إلى جانب وقوع تفجيرات كرمان فى يناير الماضى، والتى تسببت فى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة العشرات.

وما يزيد الوضع حرجًا على النظام الإيرانى؛ أن هذه الضغوط تتزامن مع اقتراب الانتخابات التشريعية والتى ستُجرى فى مارس المقبل، حيث يحاول النظام دعم فرص تيار المحافظين الأصوليين فى الانتخابات، فيما تمثل تلك التحديات دافعًا لصعود الإصلاحيين فى الانتخابات القادمة.

وبالتالى حرصت إيران من خلال زيادة تسلحها وتعزيز برامجها المختلفة، لإرسال رسالة للداخل، مفادها أن النظام ما زال قادرًا على تحقيق نجاحات، وأن لديه القدرة على ردع التهديدات.

5- الاستعداد لعودة الجمهوريين إلى الحكم الأمريكى؛ لا شك أن إحدى مخاوف النظام الإيرانى فى الوقت الراهن، عودة الجمهوريين إلى السلطة فى الولايات المتحدة خلال الانتخابات القادمة المقررة فى نوفمبر المقبل، خاصةً مع استمرار تسييسهم لحرب غزة وتبعاتها على المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، لإثبات فشل الديمقراطيين وجو بايدن فى التعامل مع إيران ومليشياتها فى المنطقة، وذلك لأن إيران عانت الكثير فى عهد الرئيس الجمهورى السابق دونالد ترامب؛ إذ انسحب من الاتفاق النووى وأعاد فرض العقوبات على طهران، واغتال الرجل الأهم فى المشروع الإقليمى الإيرانى، وهو القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثورى قاسم سليمانى، والذى تعانى طهران من تداعيات اغتياله حتى الآن.

وبناءً على هذه التجربة؛ تخشى طهران من أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا، قد تعنى مزيدًا من التصعيد الأمريكى ضد أذرعها فى المنطقة، فضلًا عن إطلاق يد إسرائيل تجاه إيران، على اعتبار أن رؤى ترامب ونتنياهو كانت متقاربة فيما يخص سياسة الضغط الأقصى ضد إيران، وبالتالى أرادت الأخيرة توجيه رسالة تحذير استباقية، مفادها أن إيران جاهزة ومستعدة لأى تصعيد ضدها.

6- تعزيز موقفها التفاوضى فى المفاوضات النووية؛ فكما تستعد إيران لعودة الجمهوريين، فهى أيضًا تتأهب إلى استمرار الديمقراطيين وفوز بايدن بفترة رئاسية جديدة؛ حيث تحاول طهران من خلال تطوير قدراتها الصاروخية والعسكرية والنووية، أن يكون لديها أوراق ضغط على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تقوى من موقفها التفاوضى، فى حال استئناف المفاوضات النووية بعد توقف الحرب فى غزة.

استنتاجات ختامية:

– أسلوب البروباجندا الإعلامية عن مدى تطور الأسلحة الإيرانية وقدرتها على ردع كافة التهديدات، ليس بجديد على النظام الإيرانى، بل أنه أسلوب دائمًا ما لجأت إليه طهران عند استشعارها الخطر أو إحساسها بزيادة الضغط عليها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.

– دعم إيران لما يُسمى بمحور المقاومة سيظل دائمًا عائقًا أمام أى تفاهم بين واشنطن وطهران، وسيكون دائمًا عاملًا سيغير باستمرار الإستراتيجية الأمريكية ضد إيران، ومن ثم؛ من المرجح أن تظل التوترات بين البلدين قائمة، ولكن دون تخطى قواعد الاشتباك بينهما؛ حيث إن كلا الدولتين لا يرغبان فى اندلاع حرب مباشرة قد تؤدى إلى تعرض مصالحهما فى المنطقة للخطر، وبالتالى من المستبعد أن تقوم الولايات المتحدة بضرب أهدافًا داخل إيران، بل ستركز فقط على الوجود الإيرانى فى الخارج.

– بغض النظر عن مدى مصداقية إيران فيما أعلنته من أسلحة ومنظومات للدفاع، فهناك حقيقة لا يمكن إنكارها؛ وهى أن صناعة الأسلحة الإيرانية تنمو بسرعة، الأمر الذى يجعل طهران رقم مؤثر فى معادلة الشرق الأوسط الأمنية، كما يحول إيران إلى مصدر واسع النطاق للأسلحة منخفضة التكلفة وعالية التقنية، سواء للدول الحليفة لها مثل روسيا؛ وهذا ما حدث فى الحرب (الروسية – الأوكرانية) عندما سلمت طهران موسكو طائرات مسيرة كانت عامل فاعل ومؤثر فى مجرى الحرب، أو لمليشياتها المتحالفة معها فى لبنان والعراق وسوريا واليمن، وبالتالى؛ يمكن القول إن إيران تغير من موازين القوى فى المنطقة.