إعداد: آية أشرف

مقدمة

تعتبر الحرب في غزة بمثابة نقطةٍ فاصلةٍ في تاريخ الصراع “العربي – الإسرائيلي”، بل إنها بمثابة ارتدادةٍ عكسيةٍ لها تداعيات محورية على السياسة الخارجية الإسرائيلية والاستراتيجية العسكرية والاستخباراتية لإسرائيل، خاصَّةً في ظلِّ فداحة الردِّ الإسرائيلي على هجمات السابع من أكتوبر، والذي تسبَّب في كارثةٍ إنسانيةٍ على كُلِّ المقاييس والمستويات، وصل إلى حدِّ وصْفها بالإبادة الجماعية المُمَنْهَجة، التي تسعى إسرائيل من خلالها إلى تصفية القضية الفلسطينية وإحكام السيطرة والنفوذ على قطاع غزة وكامل الأراضي الفلسطينية على حساب المدنيين، وفي هذا الإطار، تباينت الآراء وردود الفعل على المستوى الدولي، بشأن الأحداث الأخيرة في غزة، خاصَّةً في ظِلِّ الزَّخَم الإعلامي والشعبي غير المسبوق، حول هذه الأحداث، وعودة القضية الفلسطينية مرةً أُخرى لتفرض نفسها بقوةٍ في المشهد السياسي الدولي والإقليمي وفي المحافل الدولية المختلفة، وفي هذا الإطار، انقسمت دول العالم بين معارضٍ للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وبين من يرى أنه حقٌّ إسرائيلي مشروع للدفاع عن النفس.

ولعل التوجُّه الذي اتخذته الحكومة البرازيلية بقيادة “لولا دي سيلفا” تجاه القضية الفلسطينية والتطورات المحورية التي تشهدها بعد “طوفان الأقصى”، كانت الأبرز من بين كافَّة ردود الأفعال الدولية والإقليمية؛ حيث وصف الرئيس البرازيلي، يوم 18 فبراير الجاري، ما يحدث في الأرضي الفلسطينية بـ”الإبادة الجماعية”، التي تعيد للأذهان أحداث “الهولوكوست” التي ارتكبها النظام النازي بقيادة “أدولف هتلر” ضد اليهود في ألمانيا، في إطار الحرب العالمية الثانية، وذلك على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا؛ الأمر الذي ترتب عليه العديد من التداعيات الخطيرة على المستوى الدبلوماسي بين “إسرائيل، والبرازيل” كان أكثرها خطورةً، اعتبار الرئيس ” لولا دي سيلفا” شخصًا غير مرغوبٍ به في إسرائيل، وهو إجراءٌ خطيرٌ في العُرْف الدبلوماسي، وردًّا على ذلك، قامت البرازيل بطرْد السفير الإسرائيلي، وسحْب سفيرها من تل أبيب، وتُنْذِرُ بهذه الإجراء قطْع أو تجميد العلاقات الدبلوماسية بين “البرازيل، وإسرائيل” في تحوُّلٍ ملحوظٍ في السياسية الخارجية البرازيلية، تجاه الصراع “العربي – الإسرائيلي” في ولاية “دي سيلفا” صاحب الفكر اليساري المعتدل، كما أثارت هذه الخطوات ردود أفعالٍ متباينةٍ في الداخل “الإسرائيلي، والبرازيلي” على حدٍّ سواء، وعليه فإن هذا المقال يحاول تحليل تداعيات هذه التحركُّات الدبلوماسية المحورية في أعقاب التصريحات الخطيرة للرئيس البرازيلي، حول الحرب في غزة، من خلال تتبُّع طبيعة العلاقات بين كُلٍّ من “إسرائيل، والبرازيل” وملامح التحوُّل في السياسة الخارجية “البرازيلية – الإسرائيلية” بين التقارُب والتباعُد في إطار التطوُّرات الجارية.

التوتُّر الدبلوماسي بين إسرائيل والبرازيل على هامش الحرب في غزة:

شهدت الأيام القليلة الماضية أزمةً دبلوماسيةً خطيرةً بين كُلٍّ من “إسرائيل، والبرازيل”، على هامش تصريح الرئيس البرازيلي “لولا دي سيلفا”، الذي أدَّى إلى قطيعةٍ دبلوماسيةٍ بين كُلٍّ من “البرازيل، وإسرائيل”، وذلك في إطار الحرب الحالية في قطاع غزة، والتي وصفها “دي سيلفا”، بأنها غير عادلة ولا متوازنة، فقد قال: “إن هذه الحرب ليست حرب جنود ضد جنود، بل هي حرب بين جيش على درجةٍ عاليةٍ من الاستعداد ضد نساء وأطفال” وقارنها بجرائم النظام النازي.

وقد أدى هذا التصريح إلى خلْق أزمةٍ دبلوماسيةٍ تشهدها إسرائيل، ليس فقط في إطار علاقاتها الدبلوماسية مع البرازيل، التي تمر بمرحلة هي الأسواء على مدار تاريخ العلاقات “الإسرائيلية – البرازيلية”، بل على مستوى علاقاتها وسياستها الخارجية بشكلٍ عامٍ؛ إذ لم تكن البرازيل هي أُولى دول أمريكا الجنوبية التي تشهد علاقاتها توتُّرًا مع إسرائيل، فنجد على سبيل المثال، دول مثل “تشيلي، وبوليفيا، وكولومبيا” قامت بسحْب سفرائها من  إسرائيل، وطرْد السفراء والممثلين الإسرائيليين من دولهم، في إطار الغضب والاستياء من الانتهاكات الإسرائيلية غير المحدودة في الأراضي الفلسطينية، خاصَّةً في ظل عجز المجتمع الدولي عن التوصُّل لحلٍّ عادلٍ بشأن القضية أو الوضْع الإنساني للفلسطينيين، خاصَّةً أن دول أمريكا الجنوبية لديها تاريخٌ طويلٌ مع مناهضة الاستعمار؛ الأمر الذي يُنْذِرُ بشكلٍ كبيرٍ بتشكُّل رأيٍ عامٍ دوليٍّ مناهضٍ للحرب في غزة، واتّساع دائرة التوتُّر الدبلوماسي مع إسرائيل.([1])

لم يكن تصريح “دي سيلفا” الأخير هو الأوَّل من نوْعه من قِبَلِ البرازيل تجاه إسرائيل، بل سبقه عددٌ من الخطوات والإجراءات التي أثارت الغضب الإسرائيلي تجاه “دي سيلفا”، والسياسة الخارجية الذي حاول إعادة هيكلتها، في ظلِّ ولايته الثالثة خَلَفًا لسابقه “جايير بولسونارو” ذي التوجُّه اليميني المتطرِّف، فقد قام بإقالة السفير البرازيلي في أُولى فترات ولايته في تحرُّكٍ وصفه العديد من المحللين، بأنه خطوةٌ داعمةٌ تُبَشِّرُ بتحوُّلٍ محتملٍ في السياسة الخارجية البرازيلية، فيما يتعلق بالصراع “الفلسطيني – الإسرائيلي” ستكون بشكلٍ كبيرٍ في صالح الجانب الفلسطيني، كما أعلنت الحكومة البرازيلية الجديدة منذ تولِّيها الحكم في 2023م، عن أنها ستعمل بشكلٍ كبيرٍ على تعزيز العلاقات مع الجانب الفلسطيني والدول العربية بشكلٍ عامٍ، علاوةً على ذلك، فقد صرَّح “دي سيلفا” في محافل مختلفة عن دعمه ونصرته للحق الفلسطيني وعدالة القضية والمقاومة، وأنه سيعمل مع كافَّة الأطراف المعنيّة؛ للتوصُّل لحلٍّ في القضية، يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م، كم استقبل العديد من ممثلي السلطة الفلسطينية، وأكَّد بأنه على استعدادٍ للقيام بجهودٍ جديةٍ، في إطار إرساء السلام في الشرق للأوسط، الذي يتوقف بشكلٍ كبيرٍ على التوصُّل لحلٍّ عادلٍ بشأن القضية الفلسطينية.[2]

تعتبر هذه الخطوات دليلًا واضحًا على ظهور بوادر تغييرٍ وانتقالٍ محوريٍّ في العلاقات “الإسرائيلية – البرازيلية” في ولاية “دي سيلفا”، الذي يسعى بشكلٍ كبيرٍ إلى وضْع البرازيل في مكانةٍ دبلوماسيةٍ ذات تأثير، باعتبار أن البرازيل صاحبة أدوار وتجارب مميزة على المستوى الدولي، وتقود مسيرة دول الجنوب في خُطىً واضحةٍ وناجحةٍ إلى حدٍّ كبيرٍ، سواء على مستوى علاقاتها الثنائية مع مختلف دول العالم بما فيها القوى العظمى، أو في إطار الجهود الجماعية، سواء في الأمم المتحدة والتكتُّلات السياسة والاقتصادية التي تحتل فيها البرازيل مكانةً غايةً في المحورية والتأثير.

ويأتي هذا التحوُّل في التوجُّه البرازيلي نحو إسرائيل، في إطار تحوُّل الفكر والتوجُّه القائم على رأس السلطة البرازيلية؛ إذ شهدت البرازيل تحوُّلًا جِذْرِيًّا في السلطة من اليمين المتطرف برئاسة ” بولسونارو”، الذي كان له علاقة وطيدة مع الحكومة اليمنية في إسرائيل بقيادة “نتنياهو”، واتخذ العديد من المواقف الداعمة للسياسة الإسرائيلية، كما قام بتغيير النَّمَطِ المعتاد للبرازيل في الأمم المتحدة، بشأن الصراع “الإسرائيلي – الفلسطيني”؛ لتكون في إطار مقاربةٍ أكثرَ تأييدًا للحكومة الإسرائيلية، وأعلن بشكلٍ واضحٍ، أن إسرائيل هي أفضل حليفٍ للبرازيل في المنطقة، كما قام بتعزيز العلاقات مع إسرائيل، خاصَّةً في مجاليْ الدفاع والأمن والعلاقات العسكرية، وكان على وشك اتخاذ إجراءٍ على غِرَارِ الإجراء الأمريكي بنقل السفارة البرازيلية من تل أبيب إلى القدس، إلا أنه تراجع عن هذا القرار؛ نتيجة عددٍ من الضغوط الإقليمية.([3])

إلا أن هذا التقارُب “البرازيلي – الإسرائيلي” لم يستمر بعد وصول “دي سيلفا” للحكم بحكومةٍ يساريةٍ معتدلةٍ، فقد أدانت الهجمات التي شنَّتْها “حماس” في غلاف غزة وعددٍ من مناطق القطاع، في السابع من أكتوبر، إلا أنها رفضت واستنكرت بشدة الردَّ الإسرائيلي المبالغ فيه، وعملت بشكلٍ عاجلٍ على دعْم قنوات التفاوض بين الطرفيْن؛ للتوصُّل لقرارٍ يعمل على التخفيف من حدِّ التصعيد بين الجانبيْن، في إطار الأمم المتحدة، إلَّا أن التعنُّت الإسرائيلي والدعم لأمريكي غير المشروط للانتهاكات الإسرائيلية في غزة؛ أدَّى إلى وصول العلاقات “البرازيلية – الإسرائيلية” إلى هذا المُنْعَطَفِ الحَرِجِ؛ الأمر الذي جعل الإدانة البرازيلية لم تتوقفْ عن حدِّ إدانة إسرائيل فحسب، بل قامت بإدانة كافَّة الأطراف الدولية الداعمة لها، واستنكرت تعليق المساعدات المقدمة لوكالة “الأونروا”، وأعلن زيادة التمويل البرازيلي للوكالة، كما استنكر عدم الامتثال المتكرر من جانب إسرائيل للأعراف والقوانين الدولية، واعتبرها الدولة الوحيدة التي تقوم بهذا الفعل، وأيَّدت بشدة الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية بشأن الوضع المأساوي في غزة، واقترحت ضرورة إدخال تعديلات على نظام عمل الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة، خاصَّةً فيما يتعلق توسيع دائرة عضوية مجلس الأمن الدائمة، بما يضمن إلغاء حقِّ “الفيتو”، الذي يعيق تحقيق السلام والتوصُّل لحلٍّ عادلٍّ وجِذْرِيٍّ في العديد من القضايا التي تهدد الأمن والسِّلْم الدولييْن.([4])

تداعيات الأزمة الدبلوماسية بين البرازيل وإسرائيل:

خلقت هذه الأزمة الدبلوماسية تداعيات مختلفة وواقعًا مُعقَّدًا في الداخل “الإسرائيلي، والبرازيلي” على حدٍّ سواء، فقد بدأ العديد من المفكرين والباحثين في إسرائيل يشككون في مدى جدْوى الحرب على غزة، خاصَّةً في ظلِّ انعكاساتها السلبية على الدبلوماسية والسياسة الخارجية الإسرائيلية، إلى الحدِّ الذي وصل إلى وصْف البعض لهذه الحرب بالانتكاسة الدبلوماسية؛ إذ تسبَّبت في تدهور العلاقات الدبلوماسية مع العديد من دول العالم، وفي المقابل التأييد الشعبي والرسمي والإعلامي الواسع الذي حصل عليه الفلسطينيون، علاوةً على ذلك، فإن هذه الحرب عملت على إعادة إحياء القضية في المحيط العربي والغربي على حدٍّ سواء؛ الأمر الذي جعل إسرائيل تفقد مُبرِّرات الشرعية الدولية، التي كانت تستند عليها في سرديتها التاريخية للقضية، خاصَّةً في الوسط الدولي الرَّسْمي؛ الأمر الذي قد يؤدي مستقبلًا إلى وجود ضغوط دولية فعليّة على إسرائيل، تُمارس من قِبَلِ فواعل دولية ذات تأثيرٍ وثقلٍ دول؛ لمحاولة التوصُّل لحلٍّ عادلٍ للقضية، فضلًا عن ذلك، فإن هذا التدهور والتراجُع العكسي الذي تُحقِّقُه إسرائيل على المستوى الدبلوماسي والعسكري، قد يُجبرها على الجلوس على طاولة مفاوضات لن يكون لها فيها القول الفصل؛ ما يُنْذِرُ بفشلٍ سياسيٍّ ودبلوماسيٍّ حقيقيٍّ للحكومة الإسرائيلية بشكلٍ عامٍ، ورئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” بشكلٍ خاصٍ. ([5])

في السياق ذاته، استنكر المسؤولون في الحكومة الإسرائيلية هذه التصريحات البرازيلية، فقد وصفها زعيم المعارضة الإسرائيلية “يائير لبيد” بأنها: “مُشِينة ومُعادِية للسَّامية، وتدل على الجهل”، بينما أكَّد “نتنياهو”، أن مقارنة ما تقوم به إسرائيل بالمحرقة النازية هو تقليلٌ من شأن المحرقة، واعتبر هذه التصريحات على أنها تجاوزٌ لـ “الخطِّ الأحمر”، وتهدف للنيْل من الحق الإسرائيلي في الدفاع عن النفس، وفي هذا الإطار، قام وزير خارجيته باستدعاء السفير البرازيلي في متحف المحرقة اليهودية في القدس، في تصرُّفٍ غير معهودٍ في التقليد الدبلوماسي، وقام بتوبيخه وإبلاغه، بأن “دي سيلفا” أصبح شخصًا غير مرغوبٍ به في إسرائيل. ([6])

وفي البرازيل: خلقت هذه الأزمة ردود أفعالٍ متباينةٍ؛ إذ سارعت الجالية اليهودية في البرازيل _التي تعتبر ثاني أكبر جاليةٍ في أمريكا الجنوبية_  بالتنديد ضد التصريحات التي أدْلى بها “لولا دي سيلفا” حول الحرب في غزة، واستمرت الكونفيدرالية الإسرائيلية في البرازيل وضْع إسرائيل وحماس في إطارٍ مُوحَّد، وذلك على هامش وصْف “دي سيلفا” أن قتْل إسرائيل للأبرياء الأطفال دون أيِّ معيارٍ لا يقل خطورةً عن الهجوم الذي قامت به حماس في السابع من أكتوبر، وعليه وصفتْ الطائفة اليهودية هذا التصريح بأنه: “خاطئ وغير عادلٍ وخطير”، كما تقدمت بمذكرةٍ لتفنيد صحة هذه التصريحات، طالبوا فيها الحكومة الجديدة بقيادة “دي سيلفا” أن تكون متوازنة، كما عَلَتْ أصواتٌ تطالب الرئيس البرازيلي بضرورة الاعتذار والتراجُع عن هذه التصريحات، وهو ما رفضه الرئيس بشكلٍ قطعيٍّ؛ الأمر الذي قد يضعه في صدامٍ حقيقيٍّ في الداخل مع الطائفة اليهودية البرازيلية وأنصارها من الأحزاب اليمنية المتطرفة. ([7])

وعلى النقيض، فقد أيَّد غالبية الشعب البرازيلي هذا التوجُّه الذي يسعى إلى التعبير الصريح عن رفْض الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية في غزة والأراضي الفلسطينية منذ بداية هذه الحرب الأخيرة في قطاع غزة، وتصاعد حركة الاحتجاجات والمسيرات الشعبية في البرازيل، التي تحتج بشكلٍ كبيرٍ على المجازر الإسرائيلية في القطاع، كما ندَّد العديد من المسؤولين البرازيليين، استدعاء السفير البرازيلي وتوبيخه من قِبَلِ وزير الخارجية الإسرائيلي، وعليه أعلن الخارجية البرازيلية عن أنه تصرُّفٌ غير مقبولٍ، ويدُلُّ على فشلٍ دبلوماسيٍّ إسرائيليٍّ، وأشار إلى أن إسرائيل تعمل من خلال هذه التصريحات على التغطية على ممارساتها غير القانونية في غزة، وأكَّد على عدم تراجع بلاده عن موقفها في إطار القضية الفلسطينية والحرب العدوانية التي تقوم بها إسرائيل في غزة ضد المدنيين. ([8])

وعلى المستوى الدولي: أثَّر هذا الخلاف الدبلوماسي على العديد من التداعيات الخطيرة، أبرزها تأييد العديد من رؤساء الدول الأُخرى للتصريح البرازيلي، حول الوضع في غزة، كان أبرزهم الرئيس الكولومبي، الذي عبَّر عن تضامنه الكامل مع القضية الفلسطينية، وضرورة وقْف الإبادة الجامعية التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، فيما عبَّرت الولايات المتحدة الأمريكية عن رفْضها القاطع لهذه التصريحات؛ الأمر الذي يُنْذِرُ بإمكانية ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطًا سياسةً على البرازيل؛ للتراجع عن هذه التصريحات، في المقابل أعربت “حركة حماس” عن تقديرها للموقف الواضح الذي اتخذته البرازيل تجاه الحرب في غزة. ([9])

إجمالاً:

أدَّت التصريحات الأخيرة التي أدْلى بها الرئيس البرازيلي ” لولا دي سيلفا” على هامش الحرب في غزة إلى زيادة تعقيد وتعميق الصراع بين السرديات بشأن هذه الحرب، والصراع “الإسرائيلي – الفلسطيني” بشكلٍ عامٍ؛ الأمر الذي انعكس بشكلٍ خطيرٍ وحاسمٍ على الشرعية الدولية التي تمارس في إطارها إسرائيل انتهاكاتها المستمرة في الأراضي الفلسطينية، وترفع من مستوى التشكيك في مدى صحة هذه الزَّعْم الإسرائيلي حول هذه الحرب، خاصَّةً في ظل تصاعُد مشاعر الغضب تجاه عمليات القتل الجماعي للمدنيين في قطاع غزة والردود الإسرائيلية حول التساؤلات والتصريحات بشأن هذه الانتهاكات، والتي كان أبرزها تصريح الرئيس البرازيلي في هذا الشأن، ونجد أن ردود الفعل البرازيلية تجاه أيِّ تطوُّرٍ يتعلق بالقضية الفلسطينية يرتبط بشكلٍ مباشرٍ بمدى توجُّه الحزب الحاكم في البرازيل؛ إذ تميل أحزاب اليمين المتطرف إلى دعْم الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يأتي على النقيض حال تولِّي أحزاب اليسار التي تؤكد على الحق الفلسطيني التاريخي والعادل، فضلًا عن رؤية الرئيس “دي سيلفا” للبرازيل على أنها طرف دبلوماسي مهم وقادر على ممارسة أدوارٍ فعَّالة في إطار السياسة الدولية؛ الأمر الذي يُبرِّرُ التحوُّل المتكرر الذي تشهده العلاقات “البرازيلية – الإسرائيلية” في الآونة الأخيرة؛ الأمر الذي يؤكد على أن الحرب الحالية في غزة عملت بشكلٍ كبيرٍ على كسْر المفاهيم التقليدية التي تحاول إسرائيل إقناع مختلف دول العالم بها، ويُفَنِّدُ الحُجَجَ الإعلامية التي حاولت تصديرها للعالم.

إنَّ ما سبق طرْحُه، يضع إسرائيل أمام تحدٍّ دبلوماسيٍّ في غاية الخطورة، خاصَّةً أنَّ التصريح البرازيلي ليس الأوَّل من نوْعه، ومن المتوقع أنه لن يكون الأخير؛ الأمر الذي يجعل سياسة التطبيع والتقارب التي تتبعها إسرائيل مع مختلف القوى الدولية والإقليمية في اختبارٍ حقيقي؛ في حال عدم التوصُّل لحلٍّ عاجلٍ للوضع الحالي في غزة، كما أن الحرب في غزة كشفت عن هشاشة الوضع الداخلي في إسرائيل، وعدم قدرته على التجاوُب مع الأزمات الدبلوماسية التي يتعرض لها بقدْرٍ من الاحترافية والمهنية، في إطار العُرْف الدبلوماسي، وهو ما ظهر واضحًا من خلال ردِّ فعل الحكومة الإسرائيلية على تصريحات الرئيس البرازيلي، وعليه فإن هذه الأزمة تؤكد على فشل الدبلوماسية الإسرائيلية في إدارة علاقاها الخارجية، بل إنها تعمل على تحفيز العديد من الدول، خاصَّةً في أمريكا الجنوبية؛ لاتخاذ خطواتٍ مماثلةٍ للبرازيل، خاصَّةً في ظلِّ التوجُّه اليساري الذي تنتهجه معظم أنظمة الحكم في القارة.

قائمة المراجع

[1] ) محمد وتد، كيف أصابت الحرب على غزة الدبلوماسية الإسرائيلية في مقتل، الجزيرة (2023م) متوفر على: https://www.ajnet.me

[2] وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، في خطوة داعمة للقضية الفلسطينية: البرازيل تقيل سفيرها لدى إسرائيل (2023م)، متوفر على: https://www.wafa.ps

[3] )  أتزورا  كاريو، العودة للاعتدال: العلاقات البرازيلية الإسرائيلية في ظل رئاسة لولا، مركز الإمارات للسياسات (2023م) متوفر على:  https://epc.ae

[4] ) الشرق نيوز، لولا يشبه حرب غزة ب”الهولوكوست” وإسرائيل تستدعي سفير البرازيل، (2024م) متوفر على: https://asharq.com

[5] ) محمد وتد، كيف أصابت الحرب على غزة الدبلوماسية الإسرائيلية في مقتل، مرجع سابق.

[6] ) منال الوراقي، ماذا حدث بين رئيس البرازيل وحكومة الاحتلال، جريدة الشروق (2024م) متوفر على: https://www.shorouknews.com

[7] جريد الشرق الأوسط، الرئيس البرازيلي: إسرائيل تقتل الأبرياء من دون أي معيار (2023م) متوفر على: https://aawsat.com

[8] الحرة، وزير خارجية البرازيل :رد إسرائيل على تصريحات الرئيس لولا “غير مقبول” (2024م) متوفر على: https://www.alhurra.com

[9] RT، رئيس جديد يؤيد تصريحات نظيره البرازيلي حول ما تفعله اسرائيل بالفلسطينيين في غزة (2024م) متوفر على: https://arabic.rt.com