المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > القمة الخليجية الـ(46): قراءةٌ في الدلالات الاستراتيجية والأمنية
القمة الخليجية الـ(46): قراءةٌ في الدلالات الاستراتيجية والأمنية
- ديسمبر 4, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
انطلقت – الأربعاء 3 ديسمبر – أعمالُ الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي استضافتها مملكة البحرين، جاء ذلك بعد سلسلةٍ من الاجتماعات التحضيرية للوزراء واللجان المختصة، وتُعَدُّ هذه القمة الثامنة التي تستضيفها البحرين منذُ انطلاق المجلس، والرابعة لعام 2025، في سياق قِمَمٍ استثنائيةٍ؛ لإعادة التأكيد على الالتزام بالتعاون الخليجي وسط التوتُّرات الإقليمية المتزايدة.
وترأَّسَ العاهلُ البحرينيُّ الملكُ حمد بن عيسى آل خليفة الجلسة الافتتاحية للقِمَّة التي عُقِدَتْ في قصر الصخير، بحضور قادة دول مجلس التعاون وممثِّلِيهم، بما في ذلك وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما شاركت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني كضيفة شرفٍ في هذه الفعالية.
وتضمَّنَ جدول أعمال القمة لهذا العام قضايا محورية، أبرزها “تعزيز ودعم العمل الخليجي المشترك، وسُبل تطوير آليات التعاون بين الدول الأعضاء وشعوبها في مختلف المجالات”، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية والوضْع في قطاع غزة.
تكتسبُ قِمَّة المنامة أهميةً كبيرةً من حيث التوقيت، لا سيما في ظِلِّ الظروف الإقليمية الراهنة وما يرافقها من تحديات ومخاطر متصاعدة تواجه المنطقة، وهو ما يتطلَّبُ التنسيق المشترك للتعامل مع هذه التداعيات للحِفَاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، والدَّفْع بجهود إحلال السلام العادل الشامل في المنطقة.
سياق انعقاد القمة:
انعقدت القمة الخليجية الـ46 في المنامة في توقيتٍ يُعَدُّ من أكثر المحطَّات تعقيدًا وتحوُّلًا في المشهد الإقليمي منذ سنوات؛ إذ لا تأتي كاستحقاقٍ دوريٍّ فحسب، بل كقمة تعقب عامًا كاملًا من التحوُّلات العاصفة، منذ آخر اجتماع اعتيادي لقادة الخليج في الكويت ديسمبر 2024، وخلال هذا العام، شهدت البيئةُ الاستراتيجيةُ في المنطقة الخليجية نقْلَةً نوْعِيَّةً؛ حيث انتقلت من حالة التوتُّر السياسي إلى مرحلة إعادة تشكيل توازُنات القوى في الشرق الأوسط، فالقمة انعقدت بعد أشْهُرٍ قليلةٍ من التصعيد العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل، حين توسَّعت خطوط المواجهة لتشمل الأراضي الخليجية مباشرة، إِثْر إعلان الدوحة اعتراض صواريخ داخل نطاقها في سبتمبر 2025، في سابقةٍ أعادت التذكير بقُرْب الخطر من العُمْق الخليجي، وجعلت ملف الأمن المشترك بنْدًا طارئًا أكثر منه موضوعًا بروتوكوليًّا، وقد استتبعَ ذلك تحرُّكٌ سياسيٌّ خليجيٌّ سريعٌ، تُرْجِمَ في قمة الدوحة الطارئة التي خرجت بقرارات لتعزيز العمل الدفاعي المُوحَّد، في مؤشر ٍعلى شعور العواصم الخليجية، بأن المنطقة تدخل مرحلةً عنوانها الرئيسي “تهديدات تتجاوز الحدود التقليدية”.
على صعيدٍ آخرَ، يستمرُّ المشهد المأساوي في غزة كجُرْحٍ مفتوح لا يلتئم، فعلى الرغم من اتفاق وقْف اطلاق النار التي وقَّعت عليه إسرائيل؛ بفضل الجهود العربية إبَّان “قمة شرم الشيخ للسلام” في أكتوبر الماضي، لم تتوقف الغارات الإسرائيلية عن استهداف القطاع مجددًا، مع تصعيدٍ واضحٍ شَمِلَ رفح ومحيطها مطلع ديسمبر الجاري، بالتزامن مع عودة سياسة الإغتيالات وآخرها إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال علاء الدين خضري، قائد قوات النُّخْبَة في حركة الجهاد بمدينة غزة، بما حَمَلَ رسالةً واضحةً، مفادها أن إسرائيل لا تَنْوي إنهاء المعركة سياسيًّا في المدى القريب.
وترافق هذا التصعيد في غزة مع واقع إقليمي متوتِّر عند الخاصرة البحرية للأمن الخليجي؛ حيث وتيرة التهديدات في البحر الأحمر؛ على خلفية استهداف جماعة الحوثي لسفن الملاحة الدولية، وما رافق ذلك من ارتفاع مستوى الاشتباك العسكري مع إسرائيل، في ظِلِّ حرب غزة وما بعدها، تزامن ذلك أيضًا مع تزايُد العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا تحت ذريعة “حماية الأقليات”، والتي تجاوزت استهداف الجماعات المسلحة لتطالَ مواقع سيادية تابعة للحكومة السورية، كان آخرها الهجوم العنيف على بلدة بيت جن التي تحوَّلَتْ إلى مواجهة شعبية مع قوات الاحتلال، وأسفرت عن سقوط قتْلى وجرْحى.
جاء ذلك بالتزامن مع عودة اشتعال جبهة الجنوب اللبناني، بعد أن تحوَّلت الغارات الإسرائيلية من ردْعٍ إلى هجمات استباقية، وترافقت مع استئناف سياسة الاغتيالات النوْعِيَّة داخل صفوف حزب الله، ممثلة في اغتيال هيثم طبطبائي، الرجل الثاني في هيكل الحزب العسكري.
على الضفة الأُخرى من الخليج، يقف السودان غارقًا في نزاعٍ مستمرٍّ يصعب رؤية نهايته، مع تآكُل المؤسسات وتوسُّع الفاعلين المسلحين وتهديد المِلَاحة على البحر الأحمر، كل هذه التحديات تضع دول الخليج أمام مسؤوليات كبيرة، ليس فقط على صعيد الاستجابة الإنسانية، ولكن أيضًا لحماية مصالحها الحيوية المرتبطة بالأمن البحري ودعم استثماراتها الغذائية والاقتصادية.
دلالات القمة الخليجية:
شهدت القمةُ حضورًا مُوَسَّعًا من قِبَلِ قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وممثليهم؛ حيث سجلت أول مشاركة لسلطان عمان هيثم بن طارق منذ عام 2020، كما حضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وكذلك شارك نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بما يعكس مستوى التمثيل المرتفع وحرص الدول الأعضاء على المشاركة المباشرة في صياغة مُخْرَجات القمة واتخاذ قراراتها[1].
وقد أظهرت القمة من خلال البيان الختامي وكلمات القادة، عزْم دول المجلس على تعزيز الأمن المشترك، وتكثيف التكامل الاقتصادي والسياسي، ومواجهة التحديات العابرة للحدود عبر مقاربات جماعية ومنسقة. ويمكن تلخيص الدلالات الاستراتيجية لهذه القمة وفْق بيانها الختامي في النقاط الآتية:
ترسيخ مركزية القضية الفلسطينية ضمن الأجندة الخليجية؛ جاء تأكيد البيان الختامي على دعْم تعزيز جهود إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وضرورة استكمال خطة السلام في غزة ليظهر أن مجلس التعاون لا يكتفي بالمواقف التضامنية، بل يسعى إلى وضْع القضية الفلسطينية كبندٍ استراتيجيٍّ مستمرٍّ في منظومة القرار الخليجي، كما أكَّدَ الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أن معالجة القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، تعتمدُ على الحوار والدبلوماسية لتعزيز الاستقرار وتنمية مسارات التنمية المستدامة.[2]
الأمن في البحر الأحمر كأولوية استراتيجية؛ سلَّطَ الملك حمد الضوْء على حماية المِلَاحة البحرية والتجارة الدولية؛ ما يبرز أن أمْن البحر الأحمر تحوَّلَ إلى جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الخليجي، خاصَّةً في ظِلِّ التنافُس الدولي على مسارات الطاقة، ومع تصاعُد التهديدات التي برزت بوضوحٍ عقب تبادل القصْف بين جماعة الحوثيين وإسرائيل على خلفية حرب غزة؛ الأمر الذي أعاد إبراز هشاشة خطوط الملاحة وسيناريوهات تهديد باب المندب، هذه المُعْطَيَات دفعت المجلس إلى وضْع البحر الأحمر ضمن الدوائر الأمنية الأولى لا الثانوية، التي دفعت المجلس لوضْع هذا الملف ضمن أولويات الأمن ضمن دوائر الأمن الأولى لا الثانوية، وهو ما يُترجم إلى توجُّه نحو الاستثمار في المراقبة البحرية، بناء تحالُفات مينائية، وربما تطوير ترتيبات دفاع بحري مشترك أكثر شمولًا.[3]
ترسيخ مجلس التعاون كأداة قرار لا كمنصة اجتماعات؛ إذ دار حديث الملك البحريني حول صواب التوجُّه نحو تعزيز التكامل والاندماج، بجانب إشادة أمير الكويت بـالنَّهْج الثابت للآباء المؤسسين ودعم الشراكات الدولية؛ ليؤكد أن القمة لم تكن احتفالية بروتوكولية، بل رهان على قدرة المجلس على إنتاج قرارات قابلة للتنفيذ، من بين هذه القرارات إنشاء هيئة خليجية للطيران المدني وتطوير التعاون الدفاعي والاقتصادي؛ ما يعكس تطوُّر المجلس نحو نموذجٍ مؤسسيٍّ إقليميٍّ يمتلك أدوات تنفيذ قوية.
تعزيز الدفاع المشترك؛ دخلت المقاربة الخليجية مرحلةً جديدةً مع التركيز على مشروع القُبَّة الصاروخية المُوَحَّدة؛ إذ شدَّدَتْ القمة على مواجهة التهديدات العابرة للحدود، وأبرز البيان الختامي أهمية التعاون الدفاعي للتصدِّي لصواريخ ومُسيَّرات مثل تلك التي استهدفت قطر مؤخرًا جرَّاء المواجهة “الإيرانية–الإسرائيلية”، واعتبار أمن الخليج وحدة واحدة لا تتجزأ، وفي حال تَمَّ تطبيق هذا المشروع، فإنه سيُمثِّلُ تحوُّلًا نوْعِيًّا نحو بناء قدرات ردْع مستقلة تُقلِّلُ الاعتماد الدفاعي على الولايات المتحدة وتعزز منظومة دفاعية خليجية مركزة لا مجزأة قطريًّا. [4]
ترسيخ وحدة الموقف الخليجي تجاه الأزمات الإقليمية، أظهرت القمة دعم مجلس التعاون لمبادرات دولية، مِثْل جهود الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة واستقرار السودان، مع تأكيد الثوابت تِجَاه سوريا ولبنان واليمن؛ ما يعكس استراتيجية خليجية مُوَحَّدة قائمة على حماية السيادة، ورفْض التدخُّلات الأجنبية، والحفاظ على الأمن الإقليمي، مؤشرًا إلى تطوُّر قدرة المجلس على صياغة موقف جماعي متماسك يوازن بين الاستقرار المحلي والدور الدولي.[5]