إعداد: شيماء عبد الحميد

“أصبح لدى الهند القوة لتشكيل النظام العالمى الجديد”، هكذا عبر رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى عن تنامى قدرات بلاده خلال السنوات القليلة الماضية، خاصةً بعدما تمكنت نيودلهى من تحقيق طفرة اقتصادية قوية، وضعتها ضمن أقوى خمسة اقتصادات على مستوى العالم، وذلك فى الوقت الذى بدأ يعانى فيه الاقتصاد الصينى من ضعف فى النمو وتصدعًا فى عددٍ من القطاعات المركزية بالبلاد، مما يطرح تساؤلات ملحة حول مدى إمكانية أن تكون الهند هى “الصين الجديدة” فى المستقبل، وأن يشهد العقدان المقبلان قصة صعود نيودلهى مثلما حدث لبكين فى العقدين الأولين من القرن الـ21.

مؤشرات الصعود الهندى:

لا شك أن الهند فى الآونة الأخيرة، باتت فى مصاف القوى الصاعدة على المستوى الدولى، معتمدة فى ذلك على مقوماتها الاقتصادية والبشرية، فضلًا عن تحركاتها السياسية والدبلوماسية المتوازنة، ومن أبرز مؤشرات الصعود الهندى؛ ما يلى:

1- على المستوى الاقتصادى:

أ. معدلات النمو الاقتصادى؛ فى الوقت الذى عانت فيه معظم اقتصادات العالم بما فيها المتقدمة، من أزمات متلاحقة على مدى ثلاثة أعوام بدءًا من جائحة كورونا إلى الأزمة الأوكرانية وتفاقم المخاطر الجيوسياسية فى الشرق الأوسط، شهد الاقتصاد الهندى نموًا بلغت نسبته 7.2% خلال عامى 2022-2023، أما فيما يخص الناتج المحلى الإجمالى؛ فقد بلغ بنهاية عام 2023، نحو 3.7 تريليون دولار، وبمعدل نمو يُقدر بنحو 6.3%.

وتشير التوقعات أن يستمر النمو الاقتصادى الهندى خلال العام الجارى متجاوزًا الـ4 تريليونات دولار لعام 2024-2025، فيما توقعت وزارة المالية فى الهند بأن يصبح اقتصاد البلاد ثالث أكبر اقتصاد فى العالم بحلول 2027 مع ناتج محلى إجمالى يبلغ 5 تريليونات دولار.

ب. المقومات البشرية؛ أضحت الهند منذ أبريل 2023، الدولة الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد السكان، ليصل تعدادها إلى 1.427 مليار نسمة، متخطية بذلك الصين التى يُقدر عدد سكانها بـ1.425 مليار نسمة، فيما تمتلك الهند أكبر جالية منتشرة فى جميع دول العالم تُقدر بنحو 25 مليون هندى، تشكل تحويلاتهم داعمًا مهمًا للاقتصاد الهندى؛ ووفقًا لتقرير البنك الدولى عن الهجرة والتنمية خلال عام 2022، نجحت نيودلهى فى تحقيق رقمًا قياسيًا من تحويلات العاملين بالخارج بلغ 100 مليار دولار.

يُضاف إلى ذلك؛ أن أكثر من نصف الهنود تحت سن الـ25 عامًا، وبالتالى وفقًا للأمم المتحدة؛ فإن ما يقرب من خُمس الأفراد الذين ستتراوح أعمارهم بين 15 إلى 64 عامًا فى العالم، سيكونون من الهنود بحلول عام 2030، وهذه القوة البشرية الهائلة ستكون بالتأكيد فى صالح الاقتصاد الهندى.

ج. مقومات تكنولوجيا المعلومات؛ فى ضوء الحرب التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، وخاصةً فيما يخص الرقائق الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات، باتت الهند وجهة مقبولة من جانب الشركات متعددة الجنسيات للاستثمار فيها؛ حيث:

  • قام موردو شركة آبل مثل “Pegatorn” و”Foxconn” بتشييد مصانع جديدة فى الهند عام 2023، وذلك لبدء تصنيع آيفون 15 فى الهند، بالإضافة إلى إعلان شركة جوجل عزمها بدء تصنيع هواتفها النقالة فى الهند، لا سيما هاتف بيكسل 8 فى أكتوبر 2023.
  • وافق مجلس الوزراء الهندى على خطة شركة ميكرون التكنولوجية المتخصصة فى صناعة الرقائق، لضخ استثمارات فى البلاد بقيمة 2.7 مليار دولار؛ بهدف إنشاء وحدة جديدة لاختبار أشباه الموصلات عام 2023، ويُضاف إلى ذلك إعلان شركة أمازون نيتها لاستثمار حوالى 13 مليار دولار فى الهند بحلول 2030 فى مجال البنية الأساسية للحوسبة السحابية.
  • أعلنت الحكومة الهندية فى 29 فبراير 2024، موافقتها على إنشاء 3 مصانع لأشباه الموصلات فى البلاد، على أن يتم البدء فى عملية الإنشاء خلال الـ100 يوم المقبلة، وقد صرح وزير الإلكترونيات والمعلومات والاتصالات الهندى بأن بناء المصانع الثلاثة يأتى فى إطار سعى نيودلهى لأن تكون مركزًا صناعيًا عالميًا، ولتمكينها من تحقيق الاكتفاء الذاتى فى بعض القطاعات والصناعات الحيوية.
  • وفى ضوء هذه التحركات؛ سجلت صناعة تكنولوجيا المعلومات بالهند فى عام 2023، زيادة بنسبة 8.4% فى إجمالى الإيرادات لتصل إلى 245 مليار دولار، حيث ارتفعت صادرات الهند من الإلكترونيات إلى الولايات المتحدة كنسبة من الصين إلى 7.65% فى نوفمبر من العام 2023، من 2.51% فى نوفمبر 2021، أما فى المملكة المتحدة، فقد ارتفعت الحصة إلى 10% من 4.79%.

2- على المستوى السياسى:

حرصت الهند على تبنى سياسة خارجية متوازنة ترتكز على إقامة علاقات وشراكات اقتصادية مع القوى الكبرى المختلفة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا، حيث باتت عضوًا بكثير من التكتلات وعلى رأسها البريكس ومجموعة العشرين وتجمع “12 يو2” مع واشنطن وأبوظبى وتل أبيب، والذى تأسس كتحالف اقتصادى ولوجستى عام 2022.

وقد تجلت سياستها المتوازنة فى موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ حافظت نيودلهى على علاقات شراكة اقتصادية مع روسيا التى تمدها بالسلاح والطاقة، مع الاستمرار فى علاقات تحالف إستراتيجى مع الدول الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة.

كما سعت الهند إلى تعزيز مكانتها الدولية من خلال تبنيها قضايا دول الجنوب ودعمهم فى المحافل الدولية؛ فقد عقدت الهند مطلع عام 2023 قمة لهذا الغرض جاءت تحت عنوان قمة “صوت الجنوب العالمى”، شاركت فيها أكثر من 120 دولة، كما أيدت خلال قمة البريكس الأخيرة، توسيع عضوية المجموعة التى انضمت إليها ست دول هى: مصر، والسعودية، والإمارات، وإيران، والأرجنتين، وإثيوبيا.

فضلًا عن أنها اختارت شعار “أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد” عنوانًا لفترة رئاستها لمجموعة العشرين خلال عام 2023، داعية قادة دول الجنوب إلى إعادة صياغة النظام السياسى والمالى العالمى من خلال التعاون المتبادل والجهود المشتركة لضمان تنمية البلدان النامية.

3- على المستوى العسكرى:

تسعى الهند إلى تعزيز قدراتها العسكرية وخاصةً البحرية، لمواجهة التهديدات الأمنية المختلفة وعلى رأسها التهديد الصينى والباكستانى، وقد قامت بمجموعة من الخطوات التى تخدم هذا الغرض؛ منها:

  • قدمت الهند 490 مليون روبية لشراء النظام البحرى المضاد للطائرات دون طيار “NADS”، وهو أول نظام مضاد للطائرات المسيرة تدمجه القوات المسلحة الهندية بمفردها، والذى يوفر دفاعًا مضادًا فعالًا وشاملًا لتهديد الطائرات دون طيار المتزايد للمحطات البحرية الحيوية؛ إذ يمكن لهذا النظام التعرف على الطائرات الصغيرة دون طيار والتشويش عليها واستخدام آلية قتل تعتمد على الليزر لتدمير الأهداف.
  • أعلنت وزارة الدفاع الهندية، يوم 16 سبتمبر 2023، إضافة 12 طائرة مقاتلة من طراز “سوخوى سو-30 إم كى أي” إلى قواتها الجوية، وقد تمت صناعة هذه المقاتلة بشراكة هندية روسية جاءت فى إطار صفقة موسعة من المعدات الدفاعية بين البلدين بقيمة 5.4 مليار دولار، وتُعد هذه الطائرة الجديدة هى الأحدث فى أسطول القوات الجوية الهندية، الذى يضم أكثر من 250 طائرة من هذا الطراز، كما أنها تتميز بقدرتها على القيام بدوريات بعيدة المدى والمتابعة والرصد الردارى واستخدام الأسلحة الذكية دون دخول المنطقة المعادية.
  • وتعتزم البحرية الهندية بناء قاعدة ثانية فى أرخبيل لاكشوديب، الذى لا يبعد عن جزر المالديف سوى بـ258 كيلومترًا فقط، والواقع على طريق الناقلات من خليج عدن ومضيق هرمز إلى مضيق ملقا، وقد بررت نيودلهى هذا الأمر بأنه سيعزز الأمن فى المنطقة ويساعد السفن الهندية على القيام بعمليات ضد القراصنة وتهريب المخدرات.
  • نشرت البحرية الهندية مؤخرًا وللمرة الأولى، أسطولًا ضخمًا يتكون من 12 سفينة حربية بخليج عدن وبحر العرب، وبذلك يصبح للهند أكبر وجود عسكرى بحرى فى تلك المناطق، وبمقدار يفوق ما سبق أن نشرته منذ عام 2008 بدعوى التصدى لعمليات القرصنة أمام السواحل الصومالية، والتى اقتصرت على نشر سفينة واحدة على الأقل.
  • أجرت الهند يوم 11 مارس الجارى، أول اختبار لإطلاق صاروخ “أجني5” القادر على حمل رؤوس حربية نووية متعددة، ويُعد هذا الصاروخ من أكثر الصواريخ المتوسطة وطويلة المدى المتقدمة لدى نيودلهى، وهو جزء مهم من برنامجها للردع.
  • عززت نيودلهى تحالفاتها الأمنية مع القوى الكبرى والإقليمية؛ حيث انضمت للحوار الأمنى الرباعى “كواد” مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا عام 2017، وشاركت كعضو منتسب عام 2022 بالقوة البحرية المشتركة بقيادة واشنطن لتأمين الملاحة بالخليج.

امتعاض صينى وزيادة نقاط الخلاف:

هذا الصعود الهندى يأتى بمثابة جرس إنذار خطير بالنسبة للصين؛ خاصةً مع اعتماد الولايات المتحدة سياسة احتواء الصين، وسياسة “الصين+1″، وتقوم هذه السياسات على دعم نيودلهى لتكون “عاصمة صناعية” للعالم، وبالتالى تهديد مكانة بكين التى تعتبرها واشنطن “الخطر الأكبر” بالنسبة للأمن القومى الأمريكى، ومن مجالات التنافس بين الصين والهند:

1- خسارة المقدرات البشرية لصالح نيودلهى؛ خسرت الصين المرتبة الأولى عالميًا فى عدد السكان لصالح الهند؛ وهى نقطة القوة التى لطالما دعمت اقتصاد بكين، وذلك بعدما أدت سياسة الطفل الواحد فى الصين إلى انخفاض المواليد الجدد، مما ترك الصين تعانى من عدد أقل من المواليد وعدد أكبر من كبار السن، وهذا يهدد بضرب سوق العمل والطلب المحلى، وتسبب فى ارتفاع معدل الأعمار إلى 38 سنة فى الصين فى مقابل 28 سنة فقط فى الهند.

2- هجرة الاستثمارات من بكين إلى نيودلهى؛ يتعرض الاقتصاد الصينى الآن للعديد من المشكلات؛ منها تباطؤ النمو وأزمة الديون فى قطاع العقارات والذى يشكل نحو 25% من حجم الاقتصاد وتراجع الطلب المحلى والعالمى، وقد أسهمت تلك المشكلات فى تراجع سوق الأسهم الصينى بشكلٍ حاد، ليفقد مؤشر “هانج سانج” نحو 14% من قيمته فى عام 2023.

ومع الخسائر التى تتعرض لها الأسواق الصينية، تدافع المستثمرون للخروج؛ حيث شهدت أكبر أربعة صناديق متداولة أمريكية تستثمر فى الصين تدفقات خارجة بقيمة 800 مليون دولار فى الربع الأخير من العام الماضى، وكانت الهند الوجهة المفضلة للأموال التى تغادر الصين، نظرًا لتفاؤل المستثمرين بشأن نيودلهى التى يراها البعض بديلًا مستقبليًا لبكين.

3- التنافس على قيادة دول الجنوب؛ دائمًا ما قدمت بكين نفسها على أنها النموذج التنموى المناسب لدول الجنوب النامى، مروجة فكرة تشابه الأوضاع والظروف بينها وبين هذه الدول، وقد أكسبها ذلك شعبية وأهمية لهذه الدول الراغبة فى التنمية من خلال تجربة النموذج الصينى، بعيدًا عن المشروطية السياسية التى تكون جزءًا رئيسيًا من النموذج الغربى للتنمية.

ولكن مؤخرًا تعرضت هذه الفكرة إلى تهديد وهو صعود الهند وخاصةً الاقتصادى، مما دفع نيودلهى لتقديم نفسها هى الأخرى على أنها النموذج التنموى الأفضل والقادر على قيادة دول الجنوب نحو التنمية، وذلك بتشجيع من جانب الولايات المتحدة التى تدعم نيودلهى لتكون قائدًا للجنوب العالمى بدلًا من بكين.

ومن المرجح أن يتصاعد هذا التنافس أكثر خلال السنوات المقبلة، مما قد ينتج عنه تداعيات مهمة ومتعددة الأبعاد، تشمل مجالات التمويل والدعم الاقتصادى ومشروعات البنية التحتية وإصلاح المؤسسات التعددية، فضلًا عن تأثير تلك المنافسة على مستقبل تجمع بريكس الذى تتشارك فيه الدولتان.

4- سياسة الممرات والتجاذب بين الهند والصين؛ عملت الصين على تعزيز حضورها الاقتصادى، وخاصةً فى منطقة الشرق الأوسط، من خلال إطلاق مبادرة الحزام والطريق التى تسهم فى جعل بكين حجر الأساس فى شبكة التجارة الإقليمية وهيكل البنية التحتية فى المنطقة، وبالتالى دعم مساعى الصين لقيادة الجنوب العالمى، ومن ثم؛ كانت المبادرة بمثابة أهم الأدوات الاقتصادية لتنفيذ الرؤية الصينية السياسية.

وقد أثار الزخم الذى حصلت عليه بكين من وراء هذا المشروع، سخط الولايات المتحدة التى أدركت مدى أهميته فى تحقيق المساعى الصينية، وكان ذلك السبب وراء إطلاق مشروع الممر الاقتصادى (الهندى – الأوروبى) على هامش قمة العشرين التى استضافتها الهند فى سبتمبر 2023، والذى يستنسخ مبادرة الحزام والطريق الصينى، بهدف إخراج بكين من الإستراتيجية والهيكل الاقتصادى فى الشرق الأوسط، وتقويض تمددها بالمنطقة.

5- التنافس على منطقة جنوب آسيا؛ والتى تضم أفغانستان وبنجلاديش وبوتان والهند وجزر المالديف ونيبال وباكستان وسريلانكا، حيث استغلت الصين تدهور علاقات الهند مع دول جوارها من أجل نسج شبكة تحالفات لتطويق نيودلهى برًا وبحرًا، ولتحل محلها كقوة مهيمنة على منطقة جنوب آسيا، ومن المؤشرات الدالة على ذلك:

  • اشتراك كل دول منطقة جنوب آسيا، باستثناء بوتان، فى مبادرة الحزام والطريق، مما مكن بكين من تأمين الوصول إلى موانئ رئيسية على طول المحيط الهندى؛ مثل ميناء غوادر فى باكستان، وهمبانتوتا فى سريلانكا، وتشيتاغونغ فى بنجلاديش، وقد أثار ذلك قلق نيودلهى.
  • اعتلاء حكومات صديقة للصين، سدة السلطة فى جزر المالديف ونيبال وسريلانكا وباكستان، وهو ما يشكل تهديدًا كبيرًا بالنسبة للهند، وقد انعكس ذلك بوضوح فى الأزمة الأخيرة التى شهدتها العلاقات بين نيودلهى وجزر المالديف منذ انتخاب الرئيس محمد مويزو فى 2023، وإصراره على انسحاب القوات الهندية من الجزيرة فى 15 مارس الجارى.
  • وصول سفينة الأبحاث الصينية “شيانغ يانغ هونغ 03” إلى المياه المالديفية، وذلك بعد زيارة رئيس المالديف محمد مويزو للصين فى يناير الماضى، وتقديم بكين مساعدات مجانية للجزيرة بقيمة 920 مليون يوان، أى ما يعادل 128 مليون دولار.
  • يُضاف إلى ذلك؛ نمو النفوذ الصينى فى سريلانكا، والتحولات فى سلوك بوتان، والتظاهرات فى بنجلاديش نتيجة السياسات المعادية للأقليات التى تتبناها الحكومة الهندية، والتوترات فى نيبال.

6- تواصل المناوشات الحدودية بين الدولتين؛ تشكل الحدود المشتركة بين الصين والهند، والتى تمتد إلى 3500 كيلو متر، مصدر توتر دائم، وتتركز تلك الخلافات حول منطقة جبال الهيمالايا المتنازع عليها؛ إذ عادةً ما تتجدد الاشتباكات بين البلدين ومنها المناوشات التى حدثت فى يونيو 2020، وأدت لمقتل ما لا يقل عن 20 جنديًا هنديًا وعدد غير محدد من الجنود الصينيين، كما تجددت المواجهات العسكرية الحدودية بين الجانبين مرة أخرى فى يونيو 2023، مما تسبب فى مقتل ثلاثة جنود هنود.

وفى ضوء ذلك؛ وسعت الصين مطاراتها بشكل كبير على طول الحدود المتنازع عليها مع الهند؛ لتعزيز قوتها الجوية، وطورت مجموعة من القدرات الهجومية وقواعد الصواريخ، فيما قامت الهند مؤخرًا بنشر قوات إضافية قوامها 10 آلاف جندى، لتعزيز حدودها المتنازع عليها مع الصين.

وقد قوبل هذا التحرك باستياء كبير من جانب بكين، التى أكدت وزارة خارجيتها يوم 8 مارس الجارى، بأن نشر مزيد من القوات على الحدود المتنازع عليها بين البلدين، لا يؤدى إلى تخفيف التوترات، ولا إلى الحفاظ على السلام والاستقرار بالمناطق الحدودية.

هل تصبح الهند “الصين الجديدة”؟:

فى ضوء المناكفات السياسية والاقتصادية التى تشهدها العلاقات الصينية الهندية، وتعرض اقتصاد بكين فى الآونة الأخيرة إلى مجموعة من التحديات، أُثير جدل حول ما إذا كان يمكن للهند أن تحل محل الصين وتصبح “صين جديدة” فى المستقبل، وقد انقسمت الآراء فيما يخص هذا الشأن؛ حيث:

1- الرأى الأول؛ يرى أن الهند قد تكون بديلًا قويًا للصين فى المستقبل، وقد ارتكز هذا الرأى إلى مجموعة من المعطيات؛ منها:

  • دعم الولايات المتحدة وحلفاؤها المتزايد لمساعى الهند نحو قيادة الجنوب العالمى، من خلال تعزيز جهود نيودلهى فى إعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة، وإقحام الهند فى منافسة مع مبادرة الحزام والطريق، عن طريق إطلاق مبادرة الشراكة العالمية للاستثمار والبنية التحتية تحت إشراف مجموعة السبع، ومبادرة البوابة العالمية التى أطلقها الاتحاد الأوروبى، والإعلان عن ممر الهند الاقتصادى.
  • قوة الهند الجيوسياسة التى تدعمها فى جعلها مركزًا صناعيًا منافسًا للصين على المدى الطويل، لا سيما أنها عضو فى تكتلات مثل مجموعة العشرين والبريكس وغيرهما من التكتلات.
  • فرص النمو الواعدة التى يحظى بها الاقتصاد الهندي؛ حيث توقع تقرير للمجموعة المصرفية الاستثمارية الأمريكية، أن ينمو الاقتصاد الهندى بأكثر من 6% خلال العقد الحالى، فيما توقع تقرير لصندوق النقد الدولى بأن يتجاوز اقتصاد الهند حاجز الـ4 تريليونات دولار للمرة الأولى خلال العام الجارى 2024، ليستمر بالنمو ويتجاوز كل من الاقتصادين اليابانى والألمانى قبل حلول 2030، ليصل بذلك إلى المركز الثالث.

2- الرأى الثانى؛ يرى أن الهند ما زالت غير قادرة على مجاراة الصين اقتصاديًا، أو الحلول مكانها فى المدى القريب أو المتوسط، وقد ارتكز هذا الرأى على مجموعة من المعطيات؛ منها:

  • أشارت تقارير إلى حاجة الهند من ثلاث إلى خمس سنوات على الأقل لتبدأ فى مزاحمة الصين، وبشرط تحقيق معدلات نمو تزيد على 8% سنويًا، بينما ذهبت توقعات أخرى إلى حاجة الهند لحوالى 18 عامًا للحاق بالصين، وبشرط زيادة استثمارات الهند بنحو 3 أضعاف، وبافتراض تحقيق بكين معدل نمو صفرى.
  • تتركز الاستثمارات التى يضخها الغرب فى القطاعات الهندية، فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، أى أن اقتصاد نيودلهى ليس بنفس درجة التنوع التى يتسم بها الاقتصاد الصينى، فضلًا عن وجود حاجة مُلحة لتبنى مزيدًا من الإصلاحات لاستيعاب الاستثمارات الغربية القادمة إلى الهند، وأهمها الحد من الإجراءات التجارية الحمائية التى تتبعها؛ ومنها: حظر التصدير، وفرض رسوم جمركية على مستلزمات الإنتاج الأجنبية.
  • تحول معدلات الأمية المرتفعة فى الهند دون استفادة المشروعات من حجم السكان الكبير الذى باتت تتمتع به، مما يعطى الصين الأفضلية على الهند فى هذا الشأن، فى ظل تفوق بكين الواضح فى أعداد العمالة المدربة والحاصلة على مستويات تعليم ملائمة.
  • ما زال الفقر يسيطر على أجزاء كبيرة من الهند، بالإضافة إلى أن أسواق الأوراق المالية تعتبر باهظة؛ إذ تُعتبر الأسهم الهندية من بين الأكثر تكلفة حول العالم، فضلًا عن اختلاف طبيعة الاقتصاد الهندى عن نظيره الصينى؛ حيث ما زالت الزراعة تشكل جانبًا كبيرًا من الاقتصاد ومن الوظائف فى الهند، فيما تشكل الصناعة نحو 15% من الاقتصاد الهندى، مقابل ذلك تشكل الصناعة نحو 30% من الاقتصاد الصينى.
  • هناك بعض مخاطر الاستثمار داخل الهند؛ منها أن لا تزال الشركات تفتقر إلى الثقة بأن السياسات الهندية المعمول بها وقت الاستثمار لن تتغير لاحقًا، فلا يمكن للشركات أن تكون متأكدة من أن القواعد سيتم فرضها بشكل محايد، وليس لصالح التكتلات الهندية الوطنية العملاقة التى فضلتها الحكومة.
  • ما زالت الصين تمثل نحو 30% من الاستثمار العالمى، فى حين تقل حصة الهند عن 5%، ويتوقع بنك HSBC أن تتسع فجوة الحجم الاقتصادى بين الصين والهند إلى 17.5 تريليون دولار فى عام 2028 من 14.5 تريليون دولار عام 2023.

ومجمل القول:

لا يمكن إنكار مؤشرات الصعود الهندى على المستوى الدولى، والذى يعكس القدرات الاقتصادية التى نجحت نيودلهى فى تطويرها، فضلًا عن تبنى سياسة خارجية متوازنة بين أقطاب متباينة الأهداف تقوم على الشراكة الاقتصادية مع القوى الكبرى لخدمة أهدافها التنموية، وهو ما جعل الهند تجنى ثلاثة إنجازات فى 2023؛ وهى: احتلت المرتبة الخامسة عالميًا، باتت أكبر دولة من حيث عدد السكان، ووصلت مركبتها الفضائية إلى سطح القمر، لتصبح الدولة الرابعة بعد روسيا والولايات المتحدة والصين، وهى دلالة تعكس التطور التكنولوجى الذى وصلت إليه نيودلهى.

ولكن هذا لا يعنى أن الهند أصبحت مؤهلة أن تزيح الصين من الصورة وتتحول إلى بكين جديدة فى المستقبل القريب، حيث لا يزال هناك العديد من العقبات والتحديات التى ينبغى أن تتخطاها الهند؛ منها: استعادة الزخم فى علاقاتها مع دول جوارها والتى تدهورت لصالح الصين، ومعالجة مشكلات الاستثمار التى قد يواجهها المستثمرون، ومواصلة تحقيق معدلات نمو مرتفعة على مدار السنوات المقبلة.

وبالتالى؛ هناك الكثير لتفعله نيودلهى حتى تكون بكين المستقبل، مما يعنى أن الترويج لهذا السيناريو فى الوقت الراهن، وتعظيم صورة الهند كقوة صاعدة، ومحاولات تصديرها كقائد لدول الجنوب العالمى، ما هى إلا رؤية أمريكية تحاول الولايات المتحدة تسويقها وتأكيدها من أجل الضغط على الصين واحتواء نفوذها.