رابعة نورالدين الوزير
على خلفية الإجراءات التي تتخذها الأردن استعدادًا للانتخابات البلدية واللامركزية المقرر إجراءها خلال شهر مارس 2022، بعد أن تم تأجيلها لمدة 6 أشهر في سبتمبر 2021، في توقيت تعج فيه الساحة الأردنية بالتحركات على عدة مستويات كان من بينها ما أثارته المعارضة الأردنية على وسائل التواصل الاجتماعية مطالبة بإعادة ثروة البلاد المنهوبة والتي تتعلق بصفقات خصخصة لبعض الشركات في الأردن، بالإضافة إلى التنديد بتراجع مستوى الحرية الشخصية خاصة بعد فرض قانون الطوارئ منذ مارس 2021.
ولم يكن الغضب الشعبي محوره المسؤولين فقط بل أن الأوضاع الاقتصادية في الأردن والتي تأثرت كثيرًا بتفشي الجائحة (كوفيد- 19)، وما تبعها من انكماش الوضع الاقتصادي وتردي مستوى الخدمات الصحية في البلاد، وارتفاع مستوى البطالة بين الشباب ليصل لحوالي 50%، فضلًا عن الإصلاحات الدستورية الأخيرة والتي أعطت الملك مزيد من الصلاحيات وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية في إثارة الرأي العام الأردني.
ما سبق يلخص المشهد العام في الأردن في ظل الاستعداد لإجراء انتخابات البلدية واللامركزية، فهل تستطيع الأردن التغلب على هذه المعضلات وإجراء الانتخابات بالفعل؟ وما هو متوقع من هذه الانتخابات على صعيد الشارع الأردني؟، هذا ما سنحاول الإجابة عنه خلال السطور التالية.
الاستعداد للانتخابات: العشائرية تسيطر على المشهد
كما سبقت الإشارة فإن الأردن على موعد من الانتخابات البلدية المقبلة والمزمع إجراؤها في الثاني والعشرون من شهر مارس الجاري 2022، وفي خضم الاستعدادات للانتخابات فقد أتضح وجود نشاط متزايد بين القبائل والعشائر الأردنية من حيث إجراء تفاهمات وتحالفات مع بعضها مقابل أن تخلي لها هذه العشيرة أو تلك الساحة لانتخابات البلدية و مجلس المحافظة، وهو ما ساهم في ظهور التحالفات العشائرية على مستوى الرئاسة و العضوية ما زاد من سخونة الحراك الانتخابي في عدة مناطق من بينها مدينة “معان”، والتي تشهد زيارات استعراضيه للتحالفات العشائرية والتي كان من بينها (آل خطاب- الفناطسة- الكراشين- البزايعة)، وقد تم الانتهاء من إجراءات الاستعداد للعملية الانتخابية وانتهاء الفصل في الطعون على المترشحين واكتمال كافة الاستعدادات للعملية الانتخابية.
وعليه سيكون الاردن على موعد مع احتفاء انتخابي حيث سيتم عبره اختيار مجالس المحافظات والمجالس البلدية بحلة جديدة تمزج منزلتين بمنزلة واحدة فالبلديات باتت جزءا من حكم المحلي الامر الذي يحولها ضمنيا من مؤسسات اهلية الى منزلة الحاكمية التي تكون فيها جزءا من السلطة وتعمل بفاعلية أكثر على تنفيذ مهمات خدماتية واخرى تنموية واستثمارية في إطار الجسم التنموي والخدماتي الذي بات يشكله عنوانه جسم المحافظة.
الامر الذي من شانه رفع منزلة العمل البلدي من الإطار التقليدي الذي كان يقوم عليه الحال بالتنظيم والمراقبة وتقديم الخدمات وارساء منافع البنية التحتية الى المنزلة الاشمل التي سيعمل مجلس المحافظة عبرها عبر كتلة واحدة لتقديم المنفعة من على مستويات البنية التحتية والبنية الفوقية وفى ايجاد مناخات تنموية جاذبة.
توجهات الأحزاب الأردنية: عزوف التيار الإسلامي وتغير موقعه في الخريطة السياسية
يصل عدد الأحزاب السياسية الأردنية إلى 55 حزباً مرخصاً ومسجلاً في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، كما وصل عدد الأحزاب التي رشحتّ عدد من أعضائها للانتخابات المقبلة وصل إلى 24 حزباً من أصل 55 حزباً، ما يعني أن 57% من الأحزاب السياسية ليس لديهم أي مترشحين أو مترشحات وكان من بينهم عزوف التيار الإسلامي عن المشاركة في هذه الانتخابات وهو ما يمكن إرجاعه إلى شعورها بالإقصاء السياسي وبعدم جدوى المشاركة ما دفع باتجاه قرار تعليق مشاركة الحركة وحزبها الرئيسي في الانتخابات البلدية واللامركزية، وبالتأكيد سيؤثر غياب هذا التيار على سير الانتخابات من عدة نواحي من بينها التنوع في المرشحين وتنوع التيارات المشاركة، ولكن يعتبر قرار العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية موقع وتموقع حزب جبهة العمل الإسلامي في الخريطة الحزبية والنقابية ولاحقا الانتخابية، حيث أن عدم المشاركة لابد وأن يكون له كلفة سياسية كبيرة منها البقاء بعيدًا عن طاولة النقاش والقرارات.
على الجانب الأخر فقد وصل عدد المترشحين والمترشحات المستوفون لشروط الترشح، وتمت الموافقة عليهم من الهيئة المختصة ل 4646، ووصل عدد من لهم حق التصويت في هذه الانتخابات 4 مليون و600 ألف، وتخضع العملية الانتخابية لإشراف عدد 8 جهات دولية، و18 جهة محلية لضمان سلامة العملية الانتخابية.
هل تحمل الانتخابات المقبلة طابعًا مغايرًا؟
كان من المتوقع في الانتخابات البلدية المقبلة أن تكون كما مجالس المحافظة ذات طابع مغاير في المضمون كما ينتظر ان تكون مغايرة في المشهد الانتخابي مع دخول الاحزاب السياسية طرف اساسي في تشكيل المشهد الانتخابي العام وهذا ينتظر ان يبلور مشهدا انتخابيا اخر يحمل فى طياته برامج تنموية ورؤية واعدة لمضمون العمل في الادارة المحلية وهو ما يعول عليه بتشكيل مناخات سياسية جديدة للعمل الديموقراطي التعددي لاسيما بعد الخطوات الاصلاحية التي جاءت بها القوانين الناظمة للحياة العامة بتمكين حضور الاحزاب وشروع مجلس النواب بمناقشة القوانين والتعديلات الدستورية التي رافقت مشروع الاصلاح السياسي.
وعلى الرغم من الطابع المختلف لهذه الانتخابات إلا أن الفاصل في ذلك هو توقعات وقراءة المشهد في الشارع الأردني والذي يدلل على وجهة نظر أخرى كما يلي:
الشارع الأردني: في حالة احتقان سياسي تنبئ بضعف المشاركة السياسية
يفترض بنسخة الانتخابات البلدية المقبلة ان تؤدي إلى احتواء حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي وأحيانا الاجتماعي على مستوى الأطراف والمحافظات، لكن النشاط حتى الآن في حالة غير حماسية وفاترة إلى حد ما مع أن الهيئة الانتخابية اعلنت عن تسجيل أكثر من 4 آلاف مرشح لهذه النسخة إلا أن الدعاية الانتخابية قد ظهرت في عمان العاصمة وفي بعض أحيائها فقط ومن جهة أعضاء سابقين في مجلس أمانة العاصمة عمان أو من طامحين بأحد مقاعد مجلس المدينة والذي يخضع بالعادة المكررة إلى «محاصصة عائلات» وتمثيلات مناطيقية وعشائرية حتى في الحصة المتاحة للتنافس والاقتراع.
سيناريوهات الانتخابات الأردنية بين احتمالين
على الرغم من قرب موعد الانتخابات المحلية إلا أن الوضع بخضع لإمكانية السير في مسارين يمكن توضيحهما كما يلي:
السيناريو الأول: احتمالية التأجيل واردة
تعتبر احتمالية إرجاء الانتخابات وارده خصوصًا في ظل الوضع الوبائي المتفشي في البلاد، بالإضافة إلى وجود احتمالية كبيرة بعدم الإقبال الشعبي على صناديق اللجان، وهو ما يمكن أن يدفع بالحكومة إلى تأجيل العملية الانتخابية، وهو ما قد يؤدي إلى تزايد الاحتقان في الشارع الأردني وإمكانية أن تشهد البلاد موجات من الاحتجاجات كما هو الوضع في الوقت الراهن.
السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات مع انخفاض نسبة المشاركة
يذهب السيناريو الثاني ترجيح إمكانية إجراء الانتخابات على الرغم من ضعف المشاركة السياسية، وقد تحسم بعض النتائج بالتزكية أو التعيين من أجل الحفاظ على استقرار الوضع، ولكن في خالة حدوث هذا السيناريو فمن المؤكد أن يشهد الشارع الأردني حراكًا كبيرًا.
ختامًا، على الرغم من الإجراءات التي يتخذها الأردن من اجل ضمان سير العملية الانتخابية بشفافية وسلامة، إلا أن معظم المؤشرات تؤكد عزوف نسبة كبيرة من المواطنين عن المشاركة في هذه العملية، كنتيجة لحالة الفتور التي تبعت انكماش الوضع الاقتصادي والصحي، وارتفاع نسبة البطالة، وتقييد الحريات الشخصية، وعليه فمن المؤكد ألا تأتي الانتخابات بجديد في حال لم تم إرجاؤها بالفعل.