إعداد: رضوى رمضان الشريف
يوجد تحولات بالموقف الأمريكي بشأن الحرب باليمن، فالحرب اليمنية منذ اللحظة الأولى مرتبطة بالعلاقات (السعودية – الأمريكية).
فعندما قامت السعودية بقيادة التحالف العربي في مارس 2015؛ استجابةً لطلب الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بعد انقلاب الحوثيين، دعمت إدارة الرئيس الأسبق “أوباما” التحالف العربي، وقدمت بلاده الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي، وأسست خلية التخطيط المشتركة، إلا أنه بعد عملية عاصفة الحزم التي أدت لعدة إدانات وانتقادات خارجية وداخلية، أعلنت إدارة أوباما تعليق بيع مجموعة من الأسلحة للسعودية، وتقليل مستوى مشاركة المعلومات الاستخباراتية.
تغير الموقف الأمريكي أثناء إدارة الرئيس الأسبق ترامب ، حيث تم إجراء مراجعة شاملة لسياسة إدارة أوباما، وقبل انتهاء هذه المراجعة في شهر يوليو 2017، قرر ترامب السماح ببيع الأسلحة التي علّق أوباما بيعها.
ظهر تحول جديد في الموقف الأمريكي للإدارة الحالية؛ إذ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول خطاب رئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، في فبراير الماضي، عدة قرارات بشأن سياسة أمريكا إزاء حرب اليمن، ومنها؛ إنهاء الدعم الأمريكي لكافة العمليات العسكرية الهجومية وما يتعلق بها من صفقات تسليح، ودعم جهود الأمم المتحدة لحلّ النزاع.
ويُذكر أن بايدن قام بشطب جماعة الحوثيين باليمن من القائمة السوداء لـ”المنظمات الإرهابية”، في خطوة رحب وأشاد بها الحوثيون؛ بالرغم من تصعيدهم المستمر بالقتال.
ولكن تغير الموقف الأمريكي لإدارة بايدن مرةً أُخرى؛ حيث أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) يوم الخميس الموافق 4 نوفمبر، أن وزارة الخارجية الأمريكية، وافقت على أول صفقة أسلحة كبيرة للمملكة العربية السعودية بعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، من خلال بيع 280 صاروخًا “جو-جو” طراز (إيه.آي. إم-120سي) بقيمة تصل لـ650 مليون دولار، وقال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: إن الموافقة على صفقة الصواريخ للسعودية، تأتي بعد أن «شهدنا زيادة الهجمات عبر الحدود ضد السعودية»، معتبرًا أن هذه الصواريخ «لعبت دورًا أساسيًّا باعتراض هجمات الطائرات بدون طيار التي لم تتوقف» ضد السعودية والقوات الأمريكية بالمنطقة.
جاءت ردة فعل الحوثيين عنيفة حول الصفقة التي اعتُبرت تناقضًا بين التزام بايدن بالسلام باليمن، ودعم التحالف العربي ضدهم؛ حيث اعتبر- القيادي بجماعة أنصار الله الحوثية، محمد علي الحوثي- الصفقة دليلًا بعدم جدية ومصداقية بايدن وإدارته بوقف الحرب باليمن.
تعتبر صواريخ “جو- جو” من فئة الصواريخ عالية الدقة الموجهة بالرادار، يمكنها ضرب أهداف تتجاوز النطاق المرئي، وغير المرئي، وتستخدم بتعزيز القدرات الدفاعية الجوية، ولكن لا يمكن استخدامها ضد أهداف أرضية، وبالرغم من موافقة وزارة الخارجية، لم يُشر الإخطار لتوقيع عقد أو انتهاء المفاوضات؛ حيث يُوجد أمام الكونجرس 30 يومًا لمراجعة هذه الصفقة، في حين قد تواجه عملية البيع معارضة من الديمقراطيين.
تأتي الصفقة بعد علاقة يشوبها الفتور منذ تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة؛ حيث توترت العلاقات بالفترة الأخيرة بين البلدين؛ لوقف الدعم العسكري لقوات التحالف مسبقًا، وسحب أنظمة الدفاع الجوي “بطاريات باتريوت” الدفاعية من السعودية، بوقت استهداف الحوثيين للمدنيين بالمملكة.
ماهي دلالات استئناف بيع الأسلحة الأمريكية للسعودية؟
إن موافقة وزارة الخارجية الأمريكية بصفقة لبيع صواريخ “جو – جو” للسعودية، بعدما أكد البنتاجون على أن الصفقة تدعم السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي، عبر المساعدة بتعزيز أمن دول صديقة، ما زالت قوة مهمة للتقدم السياسي والاقتصادي بالشرق الأوسط، له دلالات كثيرة ومهمة.
من أهم تلك الدلالات هو تأثير السعودية القوي بالأوبك، يُلاحظ أن صفقة الصواريخ جاءت تزامنًا مع قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، زيادة إنتاج النفط بواقع 400 ألف برميل يوميًّا لشهر ديسمبر، خلال اجتماع الأوبك، ويأتي قرار الحفاظ على الزيادة كما كان مزمعًا سابقًا، برغم المطالبات الأخيرة من قبل المستهلكين بقيادة الولايات المتحدة بزيادة الإمدادات بشكل أكبر؛ لتهدئة ارتفاع الأسعار.
بالتأكيد تواجه الإدارة الحالية فترة اقتصادية صعبة، ففي 22 أكتوبر الماضي، ربط بايدن بجلسة حوارية، ارتفاع أسعار الوقود بالولايات المتحدة مع ارتفاع أسعار النفط عالميًّا لمستويات قياسية، بالمملكة العربية السعودية وقلة العرض من دول أوبك، كما ازدادت حدة الاقتراض الأمريكي؛ لتداعيات فيروس كورونا منذ مارس 2020، فكادت الولايات المتحدة بالشهر الماضي، أن تتخلف عن سداد ديونها، لولا أن أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يرفع سقف الدين العام للولايات المتحدة لمطلع ديسمبر.
ومن الدلالات الأُخرى، حجم التجارة العسكرية بين الدولتين؛ فالسعودية المستورد الأول للأسلحة من الولايات المتحدة، وفقًا لتقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، “سيبري”، عن صادرات وواردات الأسلحة بالسنوات الخمس الماضية؛ حيث يُوضِّح التقرير، أنه ما بين فترة 2016 و2020، احتلت واردات الأسلحة الأمريكية بالسعودية نسبة وصلت %79 من إجمالي واردات الأسلحة بالسعودية، تليها المملكة المتحدة (%9.3) ثم فرنسا (%4).
وذكر التقرير أن صادرات الأسلحة الأمريكية، نمت بنسبة 15٪ ما بين 2011-2015 و2016-2020، وزادت حصتها من الصادرات العالمية من 32% لـ %37؛ حيث ذهب ما يقرب من نصف (47 %) صادرات الأسلحة الأمريكية للشرق الأوسط في 2016-2020، بزيادة 28 %عن فترة الخمس سنوات التي سبقتها؛ لتصبح السعودية المتلقي الرئيسي للأسلحة الأمريكية في 2016-2020، بنسبة 24% من صادرات الأسلحة الأمريكية.
كما يأتي تغير الموقف أيضًا متزامنًا مع مباحثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي المرتقب استئنافها بنهاية نوفمبر الحالي، بعد مماطلة الجانب الإيراني، تُوجد حالة من عدم الثقة تجاه إيران، فيما يتعلق بالمفاوضات؛ حيث كانت هناك مراهنة من قبل إدارة بايدن بإمكانية الوصول لتسوية سريعة فيما يتعلق بالبرنامج النووي، وكانت هناك تحذيرات من قبل حلفاء أمريكا بالمنطقة، ومن ضمنها السعودية، بعدم الثقة بإيران.
بنهاية القول، العلاقات السعودية الأمريكية، قد يشوبها بعض الشوائب في بعض الأحيان، لكنها بالنهاية تعود للنسق الطبيعي، وستظل العلاقة بينهما علاقة إستراتيجية، مهما شابها بعض الفتور، أو اختلفت وجهات النظر بملف من الملفات، فالعلاقة مهمة وإستراتيجية للطرفين، فالسعودية شريك مهم بالشرق الأوسط، وبالطبع ستستفيد أمريكا اقتصاديًّا؛ إذا ما راجعت علاقتها مع السعودية، خاصةً إذا أدركت مدى قوتها، فهي أحد أهم اللاعبين بأسواق الطاقة العالمي.
قد تكون صفقة الصواريخ خطوة لإعادة النظر بإمكانية تعزيز الدعم العسكري لقوات التحالف باليمن، خاصةً باستمرار تقدم الحوثيين بمأرب، واستمرارهم بتصعيد القتال، وهجماتهم المستمرة ضد المدنيين بالسعودية؛ لذا ستؤثر تلك الخطوة بمعادلة الحرب باليمن، ولكن باستمرار دعم إيران للحوثيين، قد يستمر تصعيد القتال دون الوصول لتسوية ممكنة.
وبالرغم من وجود محادثات سعودية إيرانية لعودة العلاقات بين البلدين، إلا أنه يتطلب المزيد من العمل والتنازلات لتخفيف التوترات، فالمعادلة الإقليمية بين إيران والسعودية محكومة بما قد يحدث بمباحثات فيينا القادمة، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، فإذا ما نجحت المباحثات بالتوصل لاتفاق نهائي، فإن المعادلة ستختلف، ويصبح التوافق السعودي الإيراني ممكنًا بالأزمة اليمنية.