رابعة نورالدين وزير
تشهد منطقة الشرق الأوسط خصوصًا والعالم بشكل عام زخمًا في الأحداث في الآونة الأخيرة، حيث بدأت الجولة السابعة من مفاوضات “فيينا” بعد تعثر دام خمسة أشهر، وذلك لاستئناف المفاوضات النووية التي عقدت في 2015، للحيلولة دون امتلاك إيران للسلاح النووي، ولقد انت العودة لمائدة المفاوضات في الوقت الحالي أولوية هامة حيث أن تحركات الجانب الإيراني مؤخرًا باتت مقلقة للمجتمع الدولي من حيث الإسراع في وتيرة برنامجها النووي كما عملت على تقييد وصول مسؤولي الوكالة الذرية للطاقة إليها، ما أثار الخوف من تصاعد التطورات وإنتاج القنبلة النووية الإيرانية بما يخالف المواثيق الدولية ويهدد السلم والأمن.
وعليه فعقد الجولة السابعة في أواخر شهر نوفمبر الماضي، حيث انتهت الجولة السابعة للمفاوضات في فيينا بين إيران والدول الست العظمى دون التوصل إلى اتفاق حيث طالبت الوفود المشاركة بعد عرض إيران مجموعة من المقترحات أن تتواصل مع حكوماتها حول إحياء اتفاق عام 2015 التي انسحبت منه إدارة ترامب، ونظرًا للأهمية التي يشكلها الملف على الأمن العربي والشرق أوسطي وكذلك العالم فقد شهدت الساحة الإقليمية والدولية على السواء تحركات تستهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار والمصلحة.
وعليه سنحاول من خلال هذه الرؤية التقديرية الحديث حول أبرز ما انتهت له الجولة السابعة، وما هو المتوقع، وكيف تسير التحركات العربية في إطار تعثر المفاوضات في فيينا؟
ملابسات الجولة السابعة لمفاوضات فيينا
بعد أن علقت “إيران” جولة المفاوضات التي كان من المقرر عقدها في يونيو الماضي، وبعد 5 أشهر من ذلك عقدت الجولة السابعة لمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن الملف النووي الإيراني، وقد شهدت هذه الجولة حضور ممثلي “4+1” (الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بمشاركة أمريكية غير مباشرة.
مع انطلاق الجولة السابعة لمفاوضات فيينا نجد ان جميع أطراف الاتفاق متمسكون بوجهات نظرهم التي سبق لهم الإعلان عنها فيما قبل عقد الجولة الحالية، حيث أعلنت إيران صراحة أنها لن تخضع لأي التزامات نووية جديدة خارج ما نص عليه اتفاق 2015، وأن جل تركيزها في الجولة الحالية سيكون على محاولة رفع العقوبات، مع رفض مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، كما أنها تريد تأكيد على التزام الجانب الأمريكي بالمفاوضات وعدم الانسحاب مثلما فعلت إدارة ترامب 2018، كما انها غير مسعدة لأي تنازلات داخلية مثل؛ برنامج الصواريخ والطائرات المسيرة، وأيضا ملف الميليشيات الموالية لطهران في الشرق الأوسط.
على الجانب الأخر فقد تمسكت الأطراف الأخرى وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة إلزام الجانب الإيراني باتفاق مؤقت بشأن تحديد القدرة النووية لإيران، والسماح لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش في إيران، وعليه فتقدمت إيران بمقترحاتها للأطراف الأخرى، وتم تأجيل النظر في هذه المقترحات لحين التشاور بين دبلوماسي الدول الأطراف ومن ثم استئناف المفاوضات، وكن حتى الوقت الحالي لم يتم التوصل إلى رؤية واضحة حول ما ستؤول إليه الأوضاع على الرغم من جهود الوسطاء الأوروبيين.
ماذا يريد اللاعبون الاساسيون من المفاوضات
في ظل التعثر الذي تشهده الجولة السابعة وجولة ما بعد دراسة المقترحات الإيرانية التي عقد على أثرها اجتماع في التاسع من ديسمبر، ولم يتم التوصل إلى اتفاق ملزم للأطراف على الرغم من مساعي الوسطاء بين الطرفين، فهل يمكننا الحديث عن وجود نية حقيقة من عدمه لدى الأطراف للوصول إلى اتفاق نووي ملزم؟
هل الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تريدان العودة للاتفاق النووي؟
يمكننا القول بأن إيراد تريد إحياء الاتفاق النووي، خاصة في ظل ما تعانيه من عقوبات اقتصادية، ولهذا فهي تريد تطبيق الاتفاق النووي لعام 2015 ورفع العقوبات الدولية ولعلها متخوفة من بعض لكنها ترى معضلتين تلوحان في الأفق، أولها أن الولايات المتحدة لا تريد رفعا كاملا للعقوبات، وثانيها أن الولايات المتحدة لا تريد أن تعطي أي ضمانة لاستمرارية الاتفاق، ولعل تحركات الولايات المتحدة الأمريكية بعد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015 أثارت هذه التخوفات، سواء من حيث رفعه لمجلس الأمن ليصبح قرارًا دوليًا ملزمًا لجميع الأطراف، أو من حيث الانسحاب منه عام 2018 في ظل إدارة الرئيس السابق “
دونالد ترامب”.
ولكن هذا الاتجاه لا ينفي الفرضية الثانية المتعلقة بأن إيران تماطل في المفاوضات وفي تنفيذ بنود الاتفاق الموقع في 2015، بهدف تحقيق تطور في مشروعها ومن ثم ابتزاز القوى الكبرى للحصول على مزيد من الامتيازات وإلغاء العقوبات، ولكن هذه السياسة من الممكن أن تؤدي إلى لجوء القوى الكبرى إلى استخدام القوة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي كلتا الحالتين فإن الجانب الإيراني والجانب الأمريكي يحتاج إلى النجاح في هذه المفاوضات وذلك لعدة أسباب فعلى الصعيد الإيراني، تحتاج حكومة “رئيسي” للنجاح في المفاوضات لرفع العقوبات الاقتصادية وذلك في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون في إيران، ومحاولة تعويض تراجع الاستثمارات الدولية، وتراجع قطاع النفط، وعلى الجانب الأمريكي فإدارة “بايدن” تحتاج بشكل كبير إلى إنجاح المفاوضات والوصول إلى اتفاق مع الجانب الإيراني حتى تتفرغ للمواجهة مع الصين.
ولعل الطريق الوحيد لتحقيق أكبر مكاسب للطرفين هو خفض التوقعات ومحاولة إجراء بعض التعديلات على مواقفهم المتشددة بحيث تصبح أكثر مرونة وقابلة للتحقق، وما يؤكد رغبتهم في إنجاح المفاوضات هو قبولهم بعقد الجولة السابعة.
أهم التحركات على مستوى الشرق الأوسط في ظل تعثر المفاوضات
شهدت المنطقة العربية والشرق الأوسط بعض التحركات الهامة في ضوء الجولة الأخيرة للاتفاق النووي الإيراني ولعل الهدف الأساسي من هذه الزيارات هو خلق مناخ من الاستقرار والتأكيد على مصلحة كل طرف وكان من أهم هذه التحركات: –
أ- زيارة رئيس الموساد لواشنطن ووزير الدفاع الإسرائيلي للبنتاجون هل تستهدف إسرائيل تعميق فرضية المواجهة العسكرية؟
جاءت زيارة “دافيد برنياع” رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي لواشنطن في مطلع ديسمبر الجاري وفي ظل تعثر المفاوضات النووية، وقد ذكر أن هدف الزيارة هو حمل معلومات جديدة للإدارة الامريكية من شأنها ان تفيد في المفاوضات الجارية، وقد جاءت هذه الزيارة بعد أيام من تصريحاته بشأن منع إيران من امتلاك السلاح النووي في حالة نجحت أو فشلت المفاوضات، وبالبناء على العلاقات بين إسرائيل وإيران فيمكن الذهاب لأن مفاد هذه الزيارة هو دعوة الجانب الأمريكي للتمسك برأيه فيما يتعلق بتشديد العقوبات الواقعة على إيران.
ولم تكن زيارة رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي هو التحرك الوحيد لهذا الجانب بل تبعه زيارة “وزير الدفاع” للبنتاجون في التاسع من ديسمبر الجاري، ولعل هذه الخطوة جاءت في إطار بحث الجاهزية العسكرية للطرفين لمواجهة أي تهديد متوقع من الجانب الإيراني.
ب- زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي هل تؤسس لتعاون عربي إيراني؟
أجرى مستشار الامن القومي الإماراتي “طحنون بن زايد” زيارة للعاصمة الإيرانية طهران في مطلع شهر ديسمبر الجاري، وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى من نوعها بين البلدين منذ عام 2016، لعل هذه الزيارة تبرز انفتاحا في السياسة الإماراتية على إيران بعد ان تراجعت العلاقات بينهم منذ خمسة سنوات، وذلك في ظل تصاعد خطرها على الشرق الاوسط عمومًا ومنطقة الخليج العربي خصوصًا حيث أنها تهدد الملاحة الدولية في هذه المنطقة، وبالتالي فإن هذه الزيارة جاءت في إطار تعثر مفاوضات فيينا والخطر الذي أصبحت تشكله إيران على المنطقة فكان لابد من تحركات تهدف إلى احتواء الوضع ومحاولة دعم العلاقات بين البلدين.
وقد جاء توقيت الزيارة بشكل مناسب فكما أشرنا لتعثر المفاوضات الإيرانية وتصاعد حجم التهديدات المتوقعة في حالة فشلت المفاوضات، كما أن الفرصة مواتية من حيث المناخ الدولي في ظل انشغال الإدارة الامريكية الحالية بالتنافس مع الصين وتعزيز نفوذها في مواجهة الصين وروسيا وبالتالي فإن الفرصة مواتية للإمارات.
ج- زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية وإعادة ترتيب البيت الخليجي
قام الأمير “محمد بن سلمان” بزيارة لدول مجلس التعاون الخليجي زار خلالها “قطر” لأول مرة منذ عام 2017، و “الامارات العربية المتحدة” و”عمان” والبحرين، وقد جاءت هذه الجولة في إطار الرغبة في دعم العلاقات الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون، وتناول خلال زيارته الحديث عن اهم التحديات الإقليمية التي تواجها المنطقة العربية والشرق الأوسط، مع التأكيد على أهمية تضافر الجهود لدعم السلم والامن في المنطقة، ولعل هذه الجولة جاءت ضمن التحركات الشرق أوسطية في ظل تعثر المفاوضات الإيرانية ورغبة دول الخليج العربي أولًا في توحيد الصف لمواجهه أي أخطار محتملة في حالة فشلت المفاوضات النووية وخاصة أنها من اكثر المناطق تأثرًا في حالة الفشل.
ولعل لهذه الجولة هدف آخر ولكنه يدور في نفس السياق وهو يتعلق بإعادة ترتيب البيت الخليجي في ظل التوترات الإقليمية، ووفقًا للرؤى الجديدة التي تتبناها الدول الخليجية بعد تعثر تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري فيما بينها، وقد جاء التوقيت مناسبًا حيث أن المملكة العربية السعودية ستستقبل منتصف ديسمبر الجاري القمة الخليجية الـ 42.
مفاوضات الملف النووي الإيراني فرص النجاح والتعثر
في ظل التحركات التي يشهدها العالم في إطار التوصل إلى اتفاق بشأن القدرات النووية الإيرانية، ومع تعثر الجولة السابعة للمفاوضات في فيينا وإمكانية العودة مرة أخرى على مائدة المفاوضات، هناك بعض السيناريوهات المتوقع حدوثها كما يلي: –
سيناريو تفاؤلي: إعادة إحياء اتفاق 2015
يعتبر سيناريو إعادة إحياء مفاوضات 2015 من السيناريوهات التفاؤلية المطروحة على الساحة ولكن فرص تحققه ضعيفة لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقبله في الوقت الحالي ما يعني أن احتمالية أن تكون فرص تحققه ضعيفة ولكن هذا لا ينفي تحققه، وسيكون أنسب السيناريوهات بالنسبة للجانب الإيراني.
سيناريو تشاؤمي: تعقد المفاوضات
يذهب هذا السيناريو إلى انه بعد فشل الاتفاق النووي الإيراني فلابد من القول بإن خيار التلويح بتدمير المنشآت الإيرانية مازال مطروحًا على الساحة، وخاصة من الجانب الأمريكي والإسرائيلي، فيعتبر من الخيارات المطروحة بشدة من قبل الحلفيين، وسبق أن لوحت واشنطن بإمكانية اللجوء إلى أدوات غير دبلوماسية في حالة استمر الوضع في التعثر، ولكن من المتوقع أن يكون هذا الخيار منحصر في التلويح باستخدام دون اللجوء الفعلي لاستخدامها.
سيناريو خطي: تقريب وجهات النظر هل ينجح الوسطاء الأوروبيين؟
في هذا السيناريو يتوقع أن يتجه الوضع للتهدئة ويتم التوصل إلى حل مرضى للأطراف جميعًا من خلاله يتم تنسق الجهود بين الجانب الإيراني والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحديد حجم القدرات النووية الإيرانية، مع تعزيز وتطوير أنظمة المراقبة للطرفين على المنشآت الإيرانية، وعلى الجانب الآخر يتم الإفراج عن بعض الأصول الإيرانية المجمدة، وتعديل العقوبات الواقعة عليها، ويعتبر تحقق هذا السيناريو من أهم ما سيترتب عليه تعزيز الثقة والدبلوماسية بين الطرفين.
الخاتمة
من خلال ما سبق عرضه يمكننا القول بأن الجانب الإيراني يسير في مسارين فينا يخص المفاوضات، أولهما هو محاولة الضغط للرجوع إلى اتفاق 2015، ومع عدم تقديم أي تنازلات على المستوى الدالية، والحصول على تأكيد من الجانب الأمريكي للالتزام بالاتفاق وعدم الانسحاب منه، وإلغاء العقوبات المفروضة عليها، وفي المسار الثاني تحاول التسريع في تخصيب اليورانيوم لتطوير برنامجها، وبالتالي الضغط على القوى الأخرى.
على صعيد أخر فإن المفاوضات وإمكانية التوصل إلى اتفاق ملزم للأطراف مازالت رؤية ضبابية غير واضحة وقد يستلزم لإيضاحها تقديم تنازلات من الجانب الأمريكي للجانب الإيراني سواء عن طريق تعديل العقوبات المفروضة على إيران، أو محاولة صياغة اتفاق في إطار الاتفاق النووي الموقع في 2015، وفي حالة فشلت هذه الجهود فمن الممكن أن يتم اللجوء إلى التلويح بالخيار العسكري لردع إيران وإعادتها إلى مائدة المفاوضات، وأخيرًا فإن مسار المفاوضات يترتب عليه الكثير في منطقة الشرق الأوسط.