إعداد: إسراء عادل

فى ظل ما تشهده الأراضى الفلسطينية من حالات التوتر المستمر على خلفية الحرب المحتدمة فى قطاع غزة، والتى خلفت دمارًا هائلًا فى القطاع الذى يعانى معظم سكانه من الجوع ويعيشون ظروفًا كارثية، جاءت خطوة تشكيل الحكومة الجديدة وسط ضغوط أمريكية لإصلاح السلطة، فى وقت تتفاقم فيه الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية وتزداد فيه التحديات الاقتصادية، فضلًا عن استمرار العلميات الإسرائيلية فى قطاع غزة، وعدم توقف إطلاق النار حتى الآن على رغم مساعى أطراف رئيسة إقليميًا مثل مصر وقطر، ودوليًا مثل الولايات المتحدة وفرنسا للتوصل إلى هدنة جديدة.

تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة

وسط دعوات أمريكية متتالية لإصلاح السلطة الفلسطينية، كلّف الرئيس الفلسطينى محمود عباس، فى 14 مارس الجارى، المستشار الاقتصادى محمد مصطفى بتشكيل الحكومة التاسعة عشرة، خلفًا لرئيس الوزراء المستقيل “محمد اشتية”، وقد جاء فى مقدمة التكليفات التى تلقاها رئيس الوزراء الجديد محمد مصطفى، أن تكون أهم أولويات الحكومة قيادة وتنسيق جهود الإغاثة الإنسانية فى قطاع غزة، والمضى قدمًا نحو الانتقال السريع والفعال من الإغاثة الإنسانية إلى الانتعاش الاقتصادى، ومن ثم تنظيم ملف إعادة الإعمار خاصة بعد تحول مساحات كبيرة من غزة إلى ركام، ونزوح معظم سكانها واحتياجهم إلى المساعدات، إلى جانب وضع الخطط وآليات التنفيذ لعملية توحيد المؤسسات الفلسطينية والأجهزة الأمنية كوحدة جغرافية وسياسية ووطنية واحدة، فضلًا عن ضرورة التحضير اللازم لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية فى المحافظات الشمالية بما فيها القدس والمحافظات الجنوبية فى أقرب وقت ممكن.[1]

وفى هذا السياق، يبدو أن هناك أهدافًا للرئيس الفلسطينى بشأن تكليف محمد مصطفى بتشكيل الحكومة، لعل أبرزها ما يلي:[2]

  • رغبة الرئيس “محمود عباس” فى توصيل رسالتين لكل من واشنطن وتل أبيب، فرسالة الجانب الأمريكى مفادها، بأن السلطة الفلسطينية تعمل على ترتيب خياراتها السياسية والاقتصادية، لملء الفراغ الذى قد يتم بعد وقف إطلاق النار، الأمر الذى تطلب تشكيل حكومة جديدة، كما يريد أن يثبت للجانب الإسرائيلى، بأن السلطة الفلسطينية هى المسؤولة عن إدارة القطاع فى المقام الأول وليس أى فصيل آخر وأن الوضع السابق كان استثنائيًا بعد انقلاب حركة “حماس” على السلطة الشرعية.
  • سد الثغرات التى تخطط لها الحكومة الإسرائيلية الراهنة من خلال تشكيل سلطة جديدة تكون مسؤولة عن إدارة الأوضاع فى غزة، وتعمل إلى جانب السلطة الإسرائيلية التى ستبقى فى القطاع لبعض الوقت.
  • يبدو أن الرئيس الفلسطينى أراد أيضًا قطع الطريق على حركة حماس التى تسعى إلى البقاء فى المشهد السياسى العام باستمرار التفاوض معها على ملف المحتجزين وباعتبارها الطرف الرئيسى الموجود فى المواجهة الراهنة، ومن ثم فإن تشكيل حكومة جديدة ينقل رسالة بقوة المركز السياسى للرئيس عباس فى الخريطة الفلسطينية، وباعتباره القيادة المسؤولة عن إدارة الأوضاع الفلسطينية.

ردود الفعل الدولية والإقليمية والمحلية حول تشكيل الحكومة الجديدة

اختلفت ردود الفعل بشأن تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمد مصطفى، فعلى الرغم من مقابلتها بالترحيب الدولى والإقليمى، إلا أنه هناك أربع فصائل فلسطينية، فى مقدمتها حركة حماس، قد رفضت تشكيل الحكومة، الأمر الذى أشعل أزمة بين حركتى فتح وحماس، ومن هنا تتحدد أبرز ردود الفعل الدولية والإقليمية والمحلية فيما يلى:

أولًا: ردود الفعل الدولية

قابل تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة ترحيبًا دوليًا هائلًا، إذ رحبت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى وعدد من دول العالم، بتكليف الدكتور محمد مصطفى بتشكيل الحكومة، فبالنسبة للأمم المتحدة، فقد رحب منسق الأمم المتحدة لعملية السلام فى الشرق الأوسط تور وينسلاند، بتشكيل الحكومة الجديدة، مؤكدًا تطلعاته بشأن مواصلة العمل بشكل وثيق مع الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء الجديد وفريقه، لمعالجة التحديات الإنسانية والسياسية والاقتصادية فى الأرض الفلسطينية المحتلة، خاصة فى ظل تصاعد التوترات والانقسامات الداخلية الحالية، فى حين هنأ ممثل الاتحاد الأوروبى لدى دولة فلسطين ألكسندر ستوتزمان، رئيس الوزراء المكلّف الدكتور محمد مصطفى، متمنيًا له التوفيق فى مهمته الجديدة، ومعربًا عن تطلعاته إلى العمل معه بشكل وثيق لمواجهة التحديات الكبيرة المقبلة، ومن جانبه رحب مجلس الأمن القومى الأمريكى بتكليف الدكتور محمد مصطفى تشكيل الحكومة، كما رحبت به كل من روسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والنرويج وهولندا، مؤكدين دعمهم المستمر للسلطة الفلسطينية، والعمل معها بشكل وثيق لمواجهة التحديات الراهنة وتحقيق السلام الدائم.[3]

ثانيًا: ردود الفعل الإقليمية

يبدو أن تعيين الدكتور محمد مصطفى رئيسًا للوزراء، يحظى بموافقة بعض الدول العربية، إذ كشف السفير الفلسطينى لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، عن مساعدة مصر وقطر فى تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية جديدة، وسط مشاورات بين جميع الفصائل السياسية الفلسطينية، كما أبدت كل من الإمارات العربية المتحدة والسعودية والأردن تدخلًا كبيرًا فى شكل ومهام هذه الحكومة وشخصية رئيس الوزراء.[4]

ثالثًا: ردود الفعل المحلية

رفضت أربع فصائل فلسطينية هى؛ حماس، وحركة الجهاد الإسلامى، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، قرار الرئيس محمود عباس بتكليف “محمد مصطفى” تشكيل حكومة جديدة خلفًا لحكومة محمد اشتية المستقيلة، مؤكدين أن السلطة الفلسطينية تصر على مواصلة سياسة التفرد، وضرب عرض الحائط بكل المساعى الوطنية للم الشمل الفلسطينى، والتوحد والتنسيق المشترك لمواجهة العدوان على الشعب الفلسطينى، كما رأت تلك الفصائل أن الأولوية الوطنية القصوى تتمثل فى مواجهة العدوان الصهيونى وحرب الإبادة والتجويع التى يشنها الاحتلال ضد المدنيين فى قطاع غزة، والتصدى لجرائم مستوطنيه فى الضفة الغربية والقدس المحتلة وخاصة المسجد الأقصى، فضلًا عن ضرورة مواجهة المخاطر الكبيرة التى تقف أمام القضية الوطنية وعلى رأسها خطر التهجير الذى لا يزال قائمًا، كما اعتبرت الفصائل الأربعة أن اتخاذ هذه القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون دون توافق وطنى، بمثابة تعزيز لسياسة التفرد وتعميق للانقسام، مؤكدة حق تساؤل الشعب حول جدوى استبدال حكومة بأخرى، ورئيس وزراء بآخر من ذات البيئة السياسية والحزبية.[5]

وبناءً على ما سبق، برزت الخلافات بين حركتى فتح وحماس، إذ وجهت حركة التحرير الوطنى الفلسطينى “فتح” اتهامات لـ “حماس” بأنها هى من تسببت فى إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسببت فى وقوع النكبة التى يعيشها الشعب الفلسطينى، وأعربت عن استغرابها من بيان حماس عن التفرد والانقسام، وأشارت “فتح” إلى عدم مشاورة حماس القيادة الفلسطينية أو أى طرف وطنى فلسطينى عندما اتخذت قرارها القيام بمغامرة السابع من أكتوبر الماضى، والتى قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة العام 1948، فضلًا عن التفاوض مع إسرائيل ومحاولة الاتفاق مع نتنياهو مجددًا للإبقاء على دورها الانقسامى فى غزة والساحة الفلسطينية، كما أكدت “فتح” حق الرئيس محمود عباس بموجب القانون الأساسى القيام بكل ما فيه مصلحة الشعب الفلسطينى، وأن تكليفه للدكتور محمد مصطفى لتشكيل الحكومة، يدخل فى صلب مسؤوليات الرئيس السياسية والقانونية، وبناءً عليه اعتبر عضو المجلس الثورى فى حركة فتح، عزام الأحمد، اتهام حركة حماس للرئيس الفلسطينى بالتفرد والانقسام بشأن تشكيل الحكومة الجديدة انقلابًا على ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين فى اجتماعات موسكو التى عقدت فى فبراير الماضى، والتى تم التأكيد من خلالها على الخطوط العامة لاستئناف الحوار بين فتح وحماس، حيث اتفقت روسيا على دعوة الحركتين الفلسطينيتين من أجل استئناف الحوار الثنائى بينهما لحل كل الإشكاليات المتعلقة بوقف إطلاق النار فى غزة وتوفير المساعدات لأهلنا فى غزة، وبالتالى الصعود باتجاه إنهاء الانقسام وتحريك المجتمع الدولى من أجل إنهاء الاحتلال.[6]

تحديات مقبلة

هناك ثمة تحديات قد تواجه الحكومة الجديدة يأتى فى مقدمتها الرفض الإسرائيلى لعودة السلطة إلى قطاع غزة، إلى جانب دخول الجيش الإسرائيلى المستمر لكل المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية، كما أن دمج الموظفين فى غزة والضفة الغربية داخل مؤسسات حكومية موحدة يُعد بمثابة تحدٍ كبير أمام الحكومة الجديدة، وقد يتسبب أيضًا فى منع إسرائيل تحويل الأموال لجميع موظفى السلطة المنتمين وغير المنتمين لحماس، خاصة أن كل المفاوضات السابقة كانت ترفض دمج موظفى حماس داخل النظام الوظيفى الحكومى، ويضاف إلى التحديات أيضًا الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، وبالتالى لابد من ضرورة التنسيق مع حماس والفصائل فى غزة، من أجل العودة للقطاع، والبحث عن آفق سياسى للقضية الفلسطينية، فعلى الرغم من أن الوضع الداخلى الفلسطينى أصبح أكثر تعقيدًا، إلا أنه يوجد توافق وطنى بأهمية وجود حكومة لمعالجة كل مشكلات الشعب الفلسطينى والتعامل مع الأزمة الإنسانية بشكل فعال، ومن هنا يجب أن تسعى الحكومة الجديدة للحصول على دعم مالى إقليمى ودولى، مع ضمان ألا تكون هناك قيود مالية إسرائيلية على السلطة الفلسطينية.

خلاصة القول

وفقًا لما سبق يبدو أن الحكومة الجديدة على أعتاب مرحلة صعبة، إذ ينتظر رئيسها “محمد مصطفى” تحديات هائلة على خلفية العدوان الإسرائيلى على غزة، والاجتياحات والمداهمات المستمرة للضفة الغربية، فضلًا عن موجة الخلافات بين الفصائل الفلسطينية والتى ربما تستمر على المدى البعيد، لذلك من الضرورى أن يعمل رئيس الوزراء الجديد جاهدًا لاستعادة ثقة الناس بالحكومة والسلطة الفلسطينية، إلى جانب إقناع الأطراف الفلسطينية المختلفة والمجتمع الدولى بأنه قادرًا على تحمل المسؤولية باقتدار وكفاءة وعدالة، بالإضافة إلى التصدى بنجاح للمهام التى كُلف بها فى ظل الضعف الذى يشهده الاقتصاد الفلسطينى.

المصادر:

[1] وائل الغول، ملامح الحكومة الفلسطينية المرتقبة.. ما الأسماء المرشحة لرئاستها؟، 27 فبراير 2024، الحرة، متاح على الرابط: https://2u.pw/iqPWEsx

[2] طارق فهمى، لماذا لن يؤدى تشكيل حكومة فلسطينية جديدة لتغيير الواقع الراهن؟، 1 مارس 2024، اندبندنت عربية، متاح على الرابط: https://2u.pw/DuzFF51

[3] وفا وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، ترحيب دولى بتكليف الدكتور محمد مصطفى تشكيل الحكومة الجديدة، 15 مارس 2024، متاح على الرابط:  https://wafa.ps/Pages/Details/91911

[4] الحرة، دولتان عربيتان تساعدان فى تشكيل حكومة “تكنوقراط فلسطينية جديدة”، 28 فبراير 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/Fnv37egT

[5] الجزيرة، حماس وفصائل فلسطينية ترفض تشكيل حكومة “دون توافق وطني”، 15مارس 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/5T0MSh5

[6] الحرة، فتح: بيان حماس حول تشكيل الحكومة الجديدة “انقلاب” على اتفاق موسكو، 15 مارس 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/GPvtECH