إعداد: شيماء عبد الحميد

فى وقت يواجه فيه النظام الإيرانى ضغوطًا وتحديات عدة فى الداخل والخارج، انطلقت فى الأول من مارس الجارى، انتخابات الدورة الثانية عشر لمجلس الشورى الإسلامى “البرلمان الإيرانى”، والدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة، والتى شهدت سيطرة للمعسكر المحافظ المتشدد رغم الامتناع القياسى عن التصويت من قبل الإيرانيين، إذ جاءت نسبة المشاركة متدنية للغاية، مما يدل على تآكل شرعية النظام لدى الشعب، وفقدان الثقة فى نزاهة وأهمية الانتخابات، وهذا يضع النظام الإيرانى فى موقف حرج ويعزز من التحديات الواقعة عليه.

سياق ضاغط:

تأتى الانتخابات الإيرانية فى وقت شديد الحساسية بالنسبة لطهران؛ إذ أنها تزامنت مع سياق مضطرب وضاغط سواء فى الداخل أو الخارج، مما يجعلها الأهم فى تاريخ الجمهورية الإسلامية، ومن أبرز ملامح هذا السياق:

1- تزايد السخط الشعبى ضد النظام الإيرانى؛ فالشعب الإيرانى ما زال غاضبًا من ردة فعل النظام على الاحتجاجات التى ضربت البلاد فى 2022، على خلفية وفاة الشابة الإيرانية الكردية “مهسا أمينى” إثر توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لعدم ارتدائها الحجاب، والتى واجهها النظام بكل عنف، وصل إلى حد الاعتقالات الجماعية وحملات الإعدام، ومما لا شك فيه أن هذا السخط يؤثر على موقف الإيرانيين من الانتخابات ونظام ولاية “الفقيه”.

2- تردى الأوضاع الاقتصادية فى البلاد؛ حيث فقد الشعب الإيرانى، الثقة فى قدرة النظام على حل الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها طهران، على خلفية عودة العقوبات الأمريكية بعد الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى عام 2018، إلى جانب سوء الإدارة والفساد.

ومن أبرز مؤشرات الأزمة الاقتصادية فى إيران؛ ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وصول نسبة التضخم لـ40%، زيادة معدلات البطالة، انخفاض الرواتب، تراجع قيمة العملة الوطنية، عجز الميزانية المتكرر سنويًا، وأزمتى قانون الضرائب والإسكان.

3- احتدام الوضع الإقليمى؛ تأتى الانتخابات فى ظروف إقليمية ودولية صعبة؛ إذ جاءت متزامنة مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتصعيد الأمريكى والإسرائيلى ضد أذرع إيران فى المنطقة سواء فى سوريا أو العراق أو اليمن، هذا إلى جانب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمقررة فى نوفمبر المقبل، والتى قد تشهد عودة الجمهورى دونالد ترامب إلى سدة الحكم الأمريكى، فضلًا عن تعطل المسار الدبلوماسى الساعى لإحياء الاتفاق النووى.

الانتخابات الإيرانية.. أرقام وحقائق:

بلغ عدد المتنافسين على مقاعد البرلمان الإيرانى الـ290 فى الدورة الـ12 للانتخابات البرلمانية، 15 ألفًا و200، قد اختارهم مجلس صيانة الدستور من بين ما يقرب من 49 ألف شخص ترشحوا للانتخابات، بينما تنافس 144 مرشحًا على 88 مقعدًا فى مجلس خبراء القيادة للجمهورية الإسلامية، وذلك بعدما حصلوا على موافقة مجلس صيانة الدستور من بين نحو 500 مرشح.

وقد أدلى الناخبون بأصواتهم فى 59 ألف مركز انتخابى فى 31 محافظة بمدنها وقراها، إذ تم التصويت لعضو واحد فى جميع الدوائر الانتخابية تقريبًا، باستثناء المدن الكبرى حيث يُطلب من الناخبين اختيار عدة مرشحين ومثال لذلك طهران والتى تُمثل فى البرلمان بـ35 عضوًا.

ومع غياب المعتدلين والإصلاحيين عن السباق الانتخابى، دارت المنافسة بين المتشددين والمحافظين الذين يدينون بالولاء المطلق للمرشد الأعلى على خامنئى، وتمثلت القوائم الانتخابية المشاركة فى:

  • القائمة الموحدة لحزب مجلس ائتلاف القوى الثورية وحزب الاستدامة، وهى القائمة الأصولية الأهم فى طهران.
  • قائمة التحالف الشعبى للقوى الثورية الإسلامية “الأمناء”، ويرأسها حميد رسائى.
  • قائمة اليمين التقليدى “مجلس الوحدة الأصولية”، والتى ترأسها وزير خارجية حكومة الرئيس الأسبق أحمدى نجاد؛ منوشهر متكى.
  • فى المقابل؛ أعلنت الأحزاب الإصلاحية عدم مشاركتها بقائمة للمقاعد الـ30 فى الانتخابات، وهو ما دفع نائب رئيس البرلمان العاشر “على مطهرى” للإعلان عن قائمة تضم 30 مرشحًا تحت عنوان “صوت الشعب”، وأعلنت 3 أحزاب إصلاحية دعمها لهذه القائمة؛ وهم: حزب الاعتدال والتنمية المقرب من الرئيس السابق حسن روحانى، حزب كاركزاران، وحزب اعتماد ملى الذى أسسه رجل الدين الإصلاحى مهدى كروبى.

وقد جاءت نتائج الانتخابات على النحو التالى:

  • بلغت نسبة المشاركة فى الانتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة، 41% فقط، إذ شارك 25 مليونًا من أصل 61 مليونًا و172 ألفًا و298 مواطن يحق لهم التصويت، فيما تراوح عدد الأصوات الباطلة بين 5 و8%.
  • من بين 290 مقعدًا فى البرلمان، حسم الناخبون 245 مقعدًا فى الجولة الأولى، بينما سيحتاج الـ45 الباقون إلى إجراء انتخابات إعادة، ستُجرى فى حد أقصى بنهاية أبريل المقبل، حيث فشل المرشحون الذين تأهلوا للجولة الثانية فى الحصول على نسبة 20% من الأصوات.
  • من بين الـ245 منتخبًا، حصل 200 منهم على دعم معسكر التيار المحافظ المتشدد.
  • بلغت نسبة المشاركة فى العاصمة طهران، 26.34% فقط، فيما سيخوض 16 مرشحًا الجولة الثانية فى طهران، مع حسم 14 مقعدًا فى العاصمة التى تخصص لها السلطات 30 مقعدًا، لأنها أكبر دائرة انتخابية، يبلغ عدد الناخبين فيها 10 ملايين.
  • سجلت محافظة البرز، المجاورة لمناطق شمال طهران، ثانى أدنى إقبال على الانتخابات بواقع 28%، بينما تخطت المشاركة فى 8 من أصل 31 محافظة حاجز الـ50%.

وجدير بالذكر أن البرلمان الإيرانى يُنتخب لمدة 4 سنوات، وتتمثل مهامه فى صياغة التشريعات والتصديق على المعاهدات الدولية والموافقة على الميزانية الوطنية، إلا أنه يتمتع بسلطات محدودة فى مواجهة السلطة التنفيذية ورجال الدين، كما ليس له أى تأثير يُذكر على السياسة الخارجية أو الأجندة النووية الإيرانية، التى يحددها المرشد على خامنئى.

فى المقابل؛ يُنتخب مجلس خبراء القيادة لفترة مدتها 8 سنوات، وهو يُعد أهم مؤسسة سياسية ودينية فى البلاد كون أعضاءه هم الذين يختارون المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ويشرفون على أدائه، كما يملك صلاحية إقالته.

قراءة فى نتائج الانتخابات:

يتضح من القوائم الأصولية التى سيطرت على العملية الانتخابية، وغياب التيار الإصلاحى والمعتدل عن المشهد، أن نتائج هذه الانتخابات جاءت لتؤكد مجموعة من الدلالات؛ منها:

1- استبعاد متعمد للمحسوبين على التيار الإصلاحى أو المعتدل؛ حيث رفض مجلس صيانة الدستور ترشيحات أكثر من 30 ألفًا فى الانتخابات، غالبيتهم من مرشحى الأحزاب الإصلاحية والمعتدلة، ومن ثم جاء المعسكر الإصلاحى أقل تمثيلًا مما كان عليه فى العام 2020، حيث تمت الموافقة على ترشيح من 20 إلى 30 فقط من مرشحيه، وهو عدد كان غير كاف لتشكيل لوائح انتخابية.

كما تم استبعاد الإصلاحيين عن السباق الانتخابى لاختيار أعضاء مجلس خبراء القيادة؛ ومن أبرز المستبعدين؛ الرئيس السابق المعتدل حسن روحانى، رغم أنه كان عضوًا فى المجلس لمدة 24 عامًا، وقد أدى استبعاده إلى صدمة فى الداخل الإيرانى؛ لأنه كان من أكثر المرشحين المتوقع فوزهم.

وفى ضوء ذلك؛ وصف الرئيس الأسبق محمد خاتمى، الانتخابات بأنها بعيدة عن التنافسية، كما أعلنت جبهة الإصلاحات؛ وهى الائتلاف الرئيسى للأحزاب الإصلاحية، أنها ستغيب عن الانتخابات، واصفة إياها بأنها “مجردة من أى معنى وغير مجدية فى إدارة البلاد”، وكذلك نشر 275 ناشطًا سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا بيانًا اتهموا فيه السلطات بـ”هندسة الانتخابات بشكل ممنهج”.

2- تآكل شرعية النظام فى الداخل الإيرانى؛ إذ بلغت نسبة المشاركة فى الانتخابات 41%، وهى تُعد أدنى نسبة مشاركة فى الانتخابات منذ الثورة الإسلامية عام 1979، كما جاءت أقل من نسبة المشاركة فى العام 2020 والتى بلغت 42.57%.

وتحمل نسبة المشاركة المتدنية فى الانتخابات، مجموعة من الرسائل؛ منها: فقد الإيرانيون الثقة فى النظام وأصبحوا يعتقدون بأن الانتخابات لا تجدى نفعًا، تراجع شرعية وشعبية النظام الدينى الإيرانى، سعى رجال الدين لاحتكار السلطة أدى لإفراغ الدولة من مضمونها بعد أن باتوا يهيمنون على البرلمان.

3- أهمية الدورة المقبلة لمجلس الخبراء الإيرانى؛ والتى تكمن فى أن الموضوع الرئيسى الذى ستناقشه هو اختيار خليفة على خامنئى كقائد وولى فقيه، لذلك تم فحص مرشحى المجلس بدقة، للتأكد من ولائهم لخامنئى، ومن هنا يمكن فهم عملية إقصاء الرئيس السابق حسن روحانى من انتخابات مجلس الخبراء، والتى تمت بدوافع سياسية نظرًا لانتمائه للتيار المعتدل.

ويتمتع هذا الملف بحساسية شديدة بالنسبة للتيار الأصولى؛ خاصةً أنه يفتقر لأسماء يمكنه التعويل عليها وترشيحها لخلافة المرشد، على نحو يوحى بأن استبعاد الإصلاحيين جاء من أجل إبعاد الأصوات التى قد تكون مخالفة أثناء عملية اختيار خليفة خامنئى.

4- استمرار النهج التشددى لإيران فى سياستها الخارجية؛ حيث بعد أن عزز المتشددون قبضتهم على الحكم فى البلاد؛ فمن غير المرجح أن تغير طهران من سياساتها الداخلية أو الخارجية، وخاصةً فيما يتعلق بموقفها من الولايات المتحدة أو البرنامج النووى الإيرانى أو الحرب فى غزة.

وخلاصة القول:

يبدو أن النظام الإيرانى فشل هذه المرة فى استخدام السياق الخارجى للترويج لنفسه فى الداخل وكسب مزيد من الشعبية والشرعية من الإيرانيين؛ فرغم دعوة المرشد على خامنئى، المواطنين للمشاركة الفورية والكثيفة فى الانتخابات، معتبرًا ذلك دفاعًا عن الهوية الإيرانية وصدًا للتحديات الخارجية، إلا أن النتائج جاءت عكس ذلك؛ إذ شهدت الانتخابات أدنى نسبة مشاركة، ولذلك عمل النظام على تكريس سيطرة تيار المحافظين الأصوليين لقربه من فكر المرشد وقدرته على إدارة شؤون البلاد فى المرحلة الحالية.