إعداد: شيماء عبد الحميد

مع استمرار الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، ونظرًا لحساسية القضية الفلسطينية للأمن القومى المصرى، تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية حالة من التوتر والجدل، انعكست مؤخرًا فى التصريحات بين القاهرة وتل أبيب، وذلك نتيجة تباين مواقف الدولتين إزاء عدة قضايا؛ منها استمرار العمليات العسكرية فى القطاع، رفض الحكومة الإسرائيلية التجاوب مع الطرح الدولى والإقليمى بوقف إطلاق النار وبدء مسار سياسى جديد، المخطط الإسرائيلى لتهجير الفلسطينيين من غزة، والحديث عن تغيير الوضع العسكرى على الشريط الحدودى مع مصر، إلى جانب الاتهامات الإسرائيلية الأخيرة أمام محكمة العدل الدولية والتى حملت الدولة المصرية مسؤولية عدم دخول المساعدات الإنسانية الكافية عبر معبر رفح، مما آثار تساؤلات ومخاوف عديدة بشأن مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل فى ضوء الأزمة الراهنة.

الحرب ونقاط الخلاف بين البلدين:

مما لا شك فيه أن الحرب فى غزة تسببت فى العديد من الانعكاسات والارتدادات على العلاقات بين مصر وإسرائيل، من خلال خلق مجموعة من القضايا الخلافية بين الدولتين، ويتضح ذلك من تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، بأن “هناك تضاربًا فى المصالح بين الجانبين؛ ومصر قلقة بشأن مصالحها وإسرائيل قلقة بشأن مصالحها”، ومن أبرز تلك القضايا:

1- مخاوف تهجير الفلسطينيين إلى مصر؛ والتى برزت مع اندلاع الحرب من خلال الاقتراحات الإسرائيلية العلنية بنقل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، والتى قوبلت برفض مصرى صارم؛ حيث حذرت الدولة المصرية كثيرًا من التبعات الكارثية للتهجير القسرى للفلسطينيين.

كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى، أن مصر لم ولن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وأنه لا تهاون فى حماية الأمن القومى المصرى، فيما شدد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان، على أن “ملف التهجير يُعد الخط الأحمر الذى لن تسمح مصر بتخطيه مهما كانت النتائج، لمساسه بالأمن القومى والسيادة المصرية على كامل أراضيها”.

2- ملف دخول المساعدات من خلال معبر رفح؛ كانت مصر حريصة منذ اللحظة الأولى للحرب على إدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإغاثية والإنسانية للقطاع، ولكن قوبل ذلك بتعنت إسرائيلى؛ حيث قصفت تل أبيب البوابة الفلسطينية من معبر رفح والطرق المؤدية إليها 4 مرات، لعرقلة دخول المساعدات إلى القطاع الفلسطينى من الجانب المصرى.

واستكمالًا للموقف الإسرائيلى المغزى فى هذا الملف؛ حملت تل أبيب مصر مسؤولية عدم دخول المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، فى معرض ردها على اتهامها بارتكاب جرائم إبادة جماعية فى القطاع أمام محكمة العدل الدولية؛ إذ ادعى المسؤولون الإسرائيليون مسؤولية مصر الكاملة عن معبر رفح، وزعموا أن السلطات المصرية هى المسؤولة عن دخول المساعدات دون موافقة الجانب الإسرائيلى، وقد أثارت هذه الادعاءات حفيظة الدولة المصرية التى سارعت بنفيها، حيث:

  • رد الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى على المزاعم الإسرائيلية، يوم 24 يناير الماضى، مؤكدًا أن “المعبر مفتوح يوميًا، وعلى مدار الـ24 ساعة، إلا أن إجراءات الجانب الإسرائيلى هى التى تؤدى لعرقلة دخول المساعدات”.
  • أكد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، أن الاتهامات الإسرائيلية ما هى إلا محاولة للهروب من إدانة المحكمة، موضحًا أن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصرى من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه فى غزة لسلطة إسرائيل الفعلية.
  • كما أكد رشوان أنه فى ظل التعمد الإسرائيلى المستمر لتعطيل دخول المساعدات فى معبر كرم أبو سالم، لجأت مصر إلى تكليف الشاحنات المصرية بسائقيها المصريين بالدخول، بعد التفتيش، مباشرةً إلى أراضى القطاع لتوزيع المساعدات على سكانه، بدلًا من نقلها إلى شاحنات فلسطينية للقيام بهذا.

3- انتقال عمليات القصف الإسرائيلى إلى نقاط تماس الحدود المصرية الإسرائيلية؛ نتيجة للعمليات الإسرائيلية البرية التى تشتد على مناطق الشمال والوسط، نزح غالبية الفلسطينيين إلى جنوب القطاع حيث أصبحت مدينة رفح الأكثر اكتظاظًا بالسكان.

ولكن لم تكتفِ إسرائيل بما حققته حتى الآن من دمار؛ بل بات الجيش الإسرائيلى يكثف عملياته فى الآونة الأخيرة على مدن جنوب القطاع حيث خان يونس ورفح الفلسطينية، كما قصفت تل أبيب مناطق بالقرب من مستشفى ناصر الطبى؛ أكبر مستشفيات جنوب غزة، وجميعها مناطق على بُعد أمتار من الحدود المصرية.

ويُذكر فى السياق ذاته؛ أنه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تكررت الحوادث الأمنية على الحدود المصرية؛ حيث سبق وأن سقط جسم طائر بالقرب من شاطئ مدينة دهب المصرية المطلة على خليج العقبة بالبحر الأحمر، كما أسفر حادث بمدينة طابا فى أكتوبر الماضى، عن تدمير مبنى ووقوع عدد من الإصابات، ثم جاء حادث إطلاق دبابة إسرائيلية قذيفة تجاه برج لقوات حرس الحدود المصرية، أسفرت عن إصابة 9 عسكريين مصريين، مما زاد من حدة التوترات على الحدود بين الدولتين.

ويُضاف إلى تلك الحوادث؛ إعلان الجيش المصرى يوم 16 يناير الماضى، إحباط محاولة لتهريب مواد مخدرة مختلفة الأنواع تُقدر بحوالى 174 كيلو جرامًا، بجنوب منفذ العوجة على الحدود الشمالية الشرقية مع إسرائيل، موضحًا وقوع تبادل لإطلاق النار خلال الحادث، أسفر عن مقتل شخص والقبض على 6 مهربين.

وفى ضوء هذه الأوضاع الأمنية على الحدود المصرية الإسرائيلية؛ وتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية على مناطق جنوب القطاع، تزداد مخاوف دفع آلاف الفلسطينيين إلى النزوح نحو الأراضى المصرية، ولذلك عززت مصر قواتها وزادت من الحواجز وحصنت محيط أبراج المراقبة والمواقع العسكرية المختلفة فى المنطقة العازلة، كما تقوم مركبات عسكرية مصرية بتمشيط الطريق الموازى للحدود جنوب المعبر.

4- اختلاف رؤى الدولتين حول مستقبل القطاع بعد الحرب؛ حيث لا توافق مصر على معظم الأفكار المطروحة فى إسرائيل فيما يتعلق بشكل الوضع الإدارى والأمنى المستقبلى فى قطاع غزة، وخاصةً الأفكار والتصورات التى لا تضمن تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، مثل ما يُدار حول وضع القطاع تحت وصاية دولية، أو تحت المراقبة الأمنية من قبل قوات متعددة الجنسيات، كما لا تؤيد القاهرة بقاء إسرائيل فى نهاية الحرب فى القطاع، وكذلك التواجد الإسرائيلى فى المنطقة بعد الحرب بأى شكل كان سواء الاحتلال الكامل للقطاع أو إنشاء حزام أمنى أو منطقة عازلة داخل حدود غزة.

5- ملف تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر؛ أثرت الحرب فى غزة على كميات الغاز الإسرائيلى المصدرة إلى مصر، حيث علقت إسرائيل الإنتاج فى حقل غاز “تمار” فى التاسع من أكتوبر 2023، والذى كان يمد مصر بالغاز، ‏كما قررت شركة “شيفرون” الأمريكية، إيقاف تصدير شحنات الغاز الطبيعى المنتج من حقل “ليفياثان” الإسرائيلى، عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط البحرى بين إسرائيل ومصر، لتقوم بتصدير الغاز عبر خط الغاز العربى المار عبر الأردن، وقد بررت الشركة هذا القرار بسبب المخاوف الأمنية الناتجة عن الحرب الحالية، فيما رأى البعض أن غرض هذه الإجراءات هو الضغط على الدولة المصرية بورقة الغاز.

وقد أثرت هذه القرارات على كمية الغاز الإسرائيلى الواردة إلى مصر؛ إذ انخفضت بنسبة 20%، مما انعكس سلبًا على الخطط المصرية التى كانت تنوى تصدير الغاز إلى أوروبا خلال فصل الشتاء الحالى، فضلًا عن انخفاض إمدادات الغاز لبعض ‏الصناعات كثيفة الاستخدام للغاز مثل الأسمدة.‏

ورغم استئناف واردات الغاز من إسرائيل بعدما توقفت نهائيًا، وارتفاعها تدريجيًا من 150 مليون قدم مكعب أواخر أكتوبر الماضى، إلى 450 مليون قدم مكعب يوميًا فى منتصف نوفمبر الماضى، فما زالت هذه الكميات أقل بكثير من كميات ما قبل اندلاع الحرب؛ إذ كانت مصر تستورد 860 مليون قدم مكعب يوميًا.‏

6- ملف السيطرة على محور فيلادلفى؛ تفجرت فى الفترة الأخيرة أزمة جديدة بين الدولتين، تتمثل فى الرغبة الإسرائيلية فى السيطرة على محور (صلاح الدين- فيلادلفى) المتاخم للحدود المصرية، وقد انعكست هذه الأزمة فى التصريحات المتضاربة من الجانبين؛ فبينما أفادت تقارير إسرائيلية بأن القاهرة وتل أبيب تقتربان من التوصل إلى اتفاق بشأن المحور، والذى ينص على: تلتزم إسرائيل أمام مصر بعدم العمل فى منطقة رفح قبل السماح للعدد الكبير من السكان الموجودين هناك بإخلاء المنطقة، وذلك للحد من مخاطر تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأراضى المصرية، عدم وجود مادى للقوات الإسرائيلية على طول المحور والاستعاضة عن ذلك من خلال الوسائل التكنولوجية التى سيتم تركيبها على طول محور فيلادلفى، وبناء جدار عازل تحت الأرض بتمويل إحدى الدول الخليجية، تنفى القاهرة أى نوع من التنسيق بشأن الترتيبات الأمنية فى الممر.

وتثير هذه الأزمة ثلاث تساؤلات رئيسية؛ ما هو محور فيلادلفى، لماذا تسعى إسرائيل للسيطرة عليه، وما هو الموقف المصرى من الطلب الإسرائيلى، ويمكن إيجاز إجابات هذه الأسئلة على النحو التالي:

أ. التعريف بمحور فيلادلفى؛ والذى يُسمى أيضًا بمحور صلاح الدين، هو شريط حدودى عازل نشأ بموجب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، يمتد من البحر المتوسط شمالًا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، والتى تبلغ حوالى 14 كيلومترًا.

تعود السيطرة على هذا المحور إلى الدولة المصرية، وذلك بموجب اتفاق فيلادلفى الموقع بين مصر وإسرائيل فى سبتمبر 2005، والذى يُعتبر ملحقًا أمنيًا لمعاهدة السلام، يخضع لمبادئها العامة وأحكامها، ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، تُقدر بنحو 750 جنديًا من حرس الحدود المصرى، بهدف مكافحة الأنشطة المتعلقة بالتهريب والتسلل والإرهاب من أراضى أى من الدولتين.

ب. دوافع إسرائيل للسيطرة على المحور؛ تدعى تل أبيب أنه يجب أن يكون لها السيطرة على محور فيلادلفى، حتى تستطيع إلحاق الهزيمة بحركة حماس، ومنع تهريب الأسلحة إلى داخل غزة عبر الأنفاق الواقعة أسفل المحور، وقد انعكس هذا الإدعاء فى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى نهاية ديسمبر الماضى، والتى نصت على أن “الحرب لن تنتهى إلا بسد الثغرة الأمنية التى يمثلها محور فيلادلفى، حتى لا تستمر المعدات العسكرية وغيرها من الأسلحة الفتاكة فى الدخول عبر هذا المنفذ”.

ومن ضمن الطرق التى لوح بها نتنياهو من أجل ذلك؛ هى القيام بعملية عسكرية على طول المحور، وبالفعل قامت إسرائيل بعدد من الهجمات فى إطار تلك الرؤية؛ حيث فى يوم 13 ديسمبر 2023، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا استثنائيًا على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، بحجة تدمير الأنفاق التى تستخدمها حماس لتهريب الأسلحة، وفى يوم 23 ديسمبر، قام الجيش الإسرائيلى بمناورة قصيرة فى المنطقة الحدودية بين معبر كرم أبو سالم ورفح، ثم تراجع بعد اشتباكات عنيفة مع كتائب القسام.

ج. الموقف المصرى من الطلب الإسرائيلى؛ رفضت مصر الادعاءات الإسرائيلية، كما نفت أى حديث بشأن أى اتفاق مع تل أبيب بخصوص المحور، وقد جاء موقف الدول المصرية واضحًا فى بيان لرئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان، نص على:

  • تنفى مصر الادعاءات الباطلة حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات إلى قطاع غزة من الأراضى المصرية عبر أنفاق زعمت إسرائيل وجودها على جانبى الحدود.
  • بذلت الدولة المصرية جهودًا حثيثة للقضاء على هذه الأنفاق، حتى تم القضاء على 1500 نفق كانت تُستخدم لتهريب المقاتلين والأسلحة لتنفيذ عمليات إرهابية فى سيناء، كما تم عمل منطقة عازلة بطول 5 كيلومتر من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة.
  • أى تحرك إسرائيلى لإعادة السيطرة على محور فيلادلفى، سيؤدى إلى تهديد خطير وجدى للعلاقات المصرية الإسرائيلية، فمصر دولة تحترم التزاماتها الدولية، ولكنها فى الوقت نفسه قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها.

مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية:

نظرًا لأهمية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بالنسبة للأمن القومى المصرى، ومركزية دعم حقوق الشعب الفلسطينى فى السياسة الخارجية المصرية، والتاريخ العدائى الطويل بين مصر وإسرائيل، فإن العلاقات بين الدولتين لم تكن إستراتيجية أو قوية بقدر كبير، بل كانت تُرسم فى إطار من التعايش السلمى الذى رسمه اتفاق السلام الموقع بين القاهرة وتل أبيب، لضمان استقرار المنطقة.

ومع اندلاع الحرب فى قطاع غزة، تعرضت العلاقات بين مصر وإسرائيل لاختبار كبير، حمل فى طياته العديد من الملفات والقضايا التى شهدت تباينًا واضحًا فى الرؤى والمواقف على النحو سالف الذكر، مما أثار مخاوف بشأن مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، ومستقبل اتفاق السلام بين البلدين.

وفى حين رأى بعض الخبراء أن استمرار الحرب الحالية، وتواصل الاستفزازات الإسرائيلية على الحدود المصرية، قد يعرض السلام بين الدولتين إلى خطر الانهيار، من خلال تعليق العمل بمعاهدة السلام أو سحب السفراء، رأى البعض الآخر أن انعكاسات حرب غزة لن تؤثر على تماسك العلاقات بين الجانبين، ولن تدفع إلى انهيار معاهدة السلام، ويُعد هذا الرأى هو الرأى الأرجح، وذلك استنادًا إلى عدد من الحقائق والمعطيات؛ منها:

  • يقين الدولتان بأن الحفاظ على علاقاتهما الدبلوماسية، مهم للتواصل والتنسيق لتسوية الأوضاع فى القطاع، فضلًا عن حرص مصر وإسرائيل على بقاء معاهدة السلام الموقعة بينهما عام 1979، والتى تحدد الإطار العام للعلاقات بين البلدين، خاصةً فيما يتعلق بالحدود المشتركة والأمن فى سيناء.
  • حرص مصر على استكمال دورها فى ملف الوساطة بين الأطراف المعنية بالحرب، فرغم التجاذبات بين القاهرة وتل أبيب وخاصةً فيما يخص محور فيلادلفى، تستمر الجهود المصرية فى الوساطة لوقف الحرب فى القطاع، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، والدليل على ذلك؛ الاجتماع الذى عُقد فى العاصمة الفرنسية باريس يوم 28 يناير الماضى، بحضور رؤساء استخبارات مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، فضلًا عن رئيس الوزراء القطرى، والذى خلص إلى وثيقة اُعتبرت إطارًا حاكمًا لتحريك صفقة تبادل الأسرى بين تل أبيب وحركة حماس فى إطار خطة من 3 مراحل، إلى جانب المفاوضات التى استضافتها العاصمة المصرية القاهرة يوم 9 فبراير الجارى، والتى شهدت تباينًا فى الآراء بشأن وثيقة باريس بعد أن رفضت إسرائيل مطالب حماس، وعلى رأسها الوقف الشامل لإطلاق النار والانسحاب من كامل القطاع.
  • تمسك الدولة المصرية بسياسة النفس الطويل وأقصى درجات الحكمة وضبط النفس فى مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية، وذلك نظرًا لحرص القاهرة على عدم إحداث المزيد من الأزمات فى المنطقة، بتوسيع جبهات القتال.
  • تشابك العلاقات بين مصر وإسرائيل؛ حيث إلى جانب تعاونهما على المستوى الأمنى والاستخباراتى فى سيناء وفى السياق الإقليمى الأوسع، هناك ملف اقتصادى مهم للغاية يتمثل فى تصدير الغاز خاصةً وأن مصر وإسرائيل أعضاء فى منتدى غاز شرق المتوسط، والذى يقوم على تحقيق المصالح المشتركة لأعضائه فى مجالات الغاز الطبيعى، وذلك من أجل الاستقرار فى المنطقة.
  • إدراك القيادة المصرية أنه لا يمكن المجازفة بعملية السلام بسبب سياسات حكومة متطرفة قاربت على الرحيل، مراهنة على عودة الهدوء للعلاقات بين الدولتين مع مجيء حكومة أكثر اعتدالًا، تظهر رغبة أكبر للتعاون وتهدئة الأوضاع فى المنطقة.

استنتاجات ختامية:

– مصر دولة تدرك مسؤولياتها القانونية والإنسانية، لكنها أيضًا لن تقبل أى مساس بأمنها القومى، الذى يمثل مشروع التهجير خطرًا حقيقيًا عليه، وبالتالى لا ينبغى على إسرائيل أن تراهن على الحكمة الشديدة وضبط النفس التى تتعامل بهما الدولة المصرية حتى الآن فى هذا الملف.

– استمرار التصرفات الاستفزازية الإسرائيلية، من شأنه تعريض أمن المنطقة برمتها للخطر، ويهدد بفتح جبهات جديدة للصراع، كما يؤدى إلى زيادة تعكير صفو العلاقات المصرية الإسرائيلية، لذا ينبغى على حكومة نتنياهو مراجعة مواقفها الأخيرة تجاه مصر، كما عليها أن تدرك أن اتفاقية كامب ديفيد هى الخيار الأمثل للعلاقات بين البلدين، ولا يجب اختراقها أبدًا.

– أى تحرك عسكرى إسرائيلى على محور فيلادلفى، سيكون انتهاكًا واضحًا وصريحًا لاتفاق فيلادلفى الملحق باتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، مما يعنى تعريض معاهدة السلام للخطر، ومن ثم إعطاء مصر كامل الحق للرد على التحرك الإسرائيلى، خصوصًا وأن القاهرة سبق وحذرت بأن الأمر لن يمر دون رد، وأن أى إجراءات فى هذا الشأن، ستُعد تجاوزًا للخط الأحمر الذى أعلنته مصر من قبل ولن تقبل بتغييره.

– يتوقف مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية على عدد من المعطيات؛ منها: مدى استمرار التصعيد الإسرائيلى على الحدود المصرية، الموقف الأمريكى من التحركات الإسرائيلية الأخيرة وقدرة الإدارة الأمريكية على إقناع تل أبيب بالتراجع عن مخططاتها، إمكانية نجاح المفاوضات الحالية بشأن الوصول لاتفاق يشمل عملية جديدة لتبادل الأسرى ووقف كامل لإطلاق النار فى القطاع، وتخلى حكومة نتنياهو عن فكرة السيطرة الأمنية على غزة فى مرحلة ما بعد الحرب.

كلمات مفتاحية