إعداد: شيماء عبد الحميد

استمرارًا للأزمة السياسية التى تضرب الكويت منذ عدة سنوات، وفى ضوء أزمة انعدام الثقة والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ أصدر الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، يوم 15 فبراير الجارى، مرسومًا أميريًا بحل مجلس الأمة الكويتى، وذلك بعدما اندلعت أول مواجهة بين المجلس والحكومة فى عهده، وهو ما يُنذر باستمرار التأزم السياسى والاقتصادى فى البلاد.

بوادر أزمة تنتهى بحل المجلس:

مع تسلم الأمير مشعل الأحمد الحُكم خلفًا للأمير الراحل نواف الأحمد الصباح فى ديسمبر 2023، كان الجميع يأمل أن تنتهى التجاذبات السياسية بين الحكومة ومجلس الأمة، خاصةً بعدما انتقدها الأمير الجديد خلال جلسة أدائه اليمين الدستورية، مصرحًا بأن “الحكومة والمجلس توافقا على الإضرار بمصالح الكويت، فرغم أن هناك استحقاقات وطنية ينبغى القيام بها من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الوطن والمواطنين، لم يُلمس أى تغيير أو تصحيح للمسار، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والمواطنين”.

وعلى عكس التمنيات بأن تكون هذه الكلمات بداية للإصلاح وتصحيح المسار السياسى فى البلاد، كانت مدخل لبوادر أزمة سياسية جديدة فى البلاد، وذلك على النحو التالى:

1- انتقاد نيابى للخطاب الأميرى؛ عقد مجلس الأمة الكويتى يوم 7 فبراير الجارى، جلسة لاستكمال دراسة بنود جدول الأعمال المؤلف من 15 بندًا، من بينها بند مناقشة الخطاب الأميرى، وخلالها مُنح كل نائب مدة 15 دقيقة، للرد على الخطاب.

وفى المداخلات النيابية، رد النائب عبد الكريم الكندرى على الخطاب الأميرى، مصرحًا بأن “خطاب أمير البلاد كان قاسيًا وتضمن اتهامًا للمجلس بأنه توافق على الإضرار بالصالح العام، رغم أن الكويت تُدار من 3 سنوات بالتكليف، ولم تكن هناك قيادات حكومية، والمجلس ليس السبب فى ذلك حتى يُتهم بالإضرار، فالانتقادات التى وجهها الأمير تتعلق باختصاصات السلطة التنفيذية أى الحكومة، لا اختصاصات مجلس الأمة”.

أدت هذه الكلمات إلى سجال مع رئيس المجلس “أحمد السعدون” الذى بادر بحذف كلمة “الكندرى” من محضر الجلسة وحجبها عن العرض التلفزيونى، وبدوره اعترض الأخير فى جلسة عُقدت بالمجلس يوم 13 فبراير، على شطب كلمته، مؤكدًا أنه لم يسئ للذات الأميرية ولم يتجاوز فى حق الأمير مشعل الأحمد، كما شدد على أنه لم يخالف الدستور الكويتى، مستشهدًا بالمادة 108 التى تنص على “أن العضو يمثل الأمة بأسرها”، والمادة 110 والتى تنص على أن “العضو حر فى آرائه”.

وبناءً على ذلك؛ تم التصويت على طلب حذف كلمة عبدالكريم الكندرى من مضبطة الجلسة، إلا أن مجلس الأمة رفض الطلب بأغلبية 44 عضوًا، مقابل 16 عضوًا وافقوا على طلب الشطب، ليصبح القرار النهائى هو إعادة تصحيح مضبطة جلسة الـ7 من فبراير وإلغاء الشطب.

2- الحكومة تقاطع جلسات البرلمان؛ تغيبت الحكومة عن جلسة المجلس المبرمة فى 14 فبراير، احتجاجًا على كلمة الكندرى، وبالتالى اضطر السعدون إلى رفع الجلسة وتأجيل انعقادها إلى يومى 5-6 مارس المقبل، ومن جانبه؛ أوضح رئيس مجلس الوزراء محمد صباح السالم الصباح، بأن الحكومة لن تحضر جلسات مجلس الأمة المقبلة.

وفى يوم 15 فبراير؛ عقدت الحكومة جلسة استثنائية، صدر عنها بيان أكد أنه “بسبب ما صدر فى جلسة السابع من فبراير، والتى تضمنت حديث يحمل فى طياته المساس بالمقام السامى لأمير البلاد، والتجاوز على الأحكام الدستورية بأن الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تُمس، وعلى خلفية الإصرار النيابى على تثبيت تلك الوقائع فى محضر الجلسة، وهو أمر لا يقبل به مجلس الوزراء، فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع مرسوم بحل مجلس الأمة، وقرر رفعه إلى أمير البلاد”.

3- مرسوم أميرى بحل المجلس؛ فى أعقاب جلسة الحكومة الاستثنائية، اعتمد الأمير مشعل الأحمد مشروع المرسوم المقدم من مجلس الوزراء، ونص المرسوم الأميرى على أنه “بعد الاطلاع على الدستور وعلى المادة 107 منه، وبناءً على ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية فى إبراز الاحترام الواجب للمقام السامى وتعمد استخدام العبارات غير المنضبطة، تقرر حل مجلس الأمة”.

وإيضاحًا للمادة 107 المذكورة فى المرسوم؛ فإنها نصت على: “الأمير له السلطة لحل مجلس الأمة بمرسوم يوضح أسباب الحل، ولا يجوز حل المجلس لنفس الأسباب مرة أخرى، وإذا تم حل المجلس، يجب عقد انتخابات للمجلس الجديد فى مدة لا تزيد على شهرين من تاريخ الحل، فإن لم تُجر الانتخابات خلال تلك المدة؛ يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فورًا كأن الحل لم يكن، ويستمر فى أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد”.

وجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التى يتم فيها حل مجلس الأمة الكويتى، بل إنها المرة الـ12 فى تاريخ البلاد، ولكنها الأولى فى عهد الأمير مشعل الأحمد، وفى عهد حكومة محمد صباح السالم الصباح.

رسائل ودلالات عدة:

يحمل المرسوم الأميرى بحل مجلس الأمة الكويتى، العديد من الدلالات والرسائل؛ سواء التى يحاول الأمير مشعل الأحمد إيصالها للجميع، والتى ترسم شكل العهد الجديد الذى يحاول الأمير إرساء قواعده فى الفترة المقبلة، أو التى ستترتب على قرار الحل نفسه، ويمكن إيضاح أهمها على النحو التالى:

1- استمرار المناكفات السياسية بين الحكومة ومجلس الأمة؛ والتى تعود بالأساس إلى تسييس سلطات الرقابة والمساءلة التى يتمتع بها المجلس فى مواجهة الحكومة، ومن ثم؛ تعزيز حالة عدم الانسجام بين السلطتين، وكذلك تعزيز الصراعات الناتجة عن تغليب المصالح والحسابات الشخصية على المصلحة الوطنية للبلاد والتى تستدعى التنسيق والتعاون بين المجلس والحكومة.

ويعنى كل ذلك استمرار عدم الاستقرار السياسى فى البلاد، والذى بدوره يجعل البلاد فى حال شبه شلل سياسى واجتماعى وقانونى، نظرًا لأنه يؤخر اتخاذ القرارات على كافة المستويات.

2- انعكاس جدل تسمية ولى العهد على الحياة السياسية فى البلاد؛ لا يمكن فصل الأوضاع السياسية فى البلاد، والتى قد تشهد مزيد من التأرجح بعد قرار حل مجلس الأمة، عن الجدل القائم حاليًا بشأن اختيار ولى عهد الكويت القادم، خاصةً بعدما أصدر الأمير مشعل الأحمد يوم 24 يناير الماضى، أمرًا بتعيين رئيس الوزراء محمد صباح السالم الصباح نائبًا له طوال فترة غيابه عن البلاد، على أن يستمر العمل بهذا الإجراء إلى حين تعيين ولى للعهد.

وفى ضوء الحديث عن اختيار ولى العهد، هناك مجموعة من المعطيات والمحددات التى يجب الإشارة إليها؛ أبرزها:

  • يمنح الدستور الكويتى، الأمير سنة لاختيار ولى للعهد وعرضه على مجلس الأمة لمبايعته فى جلسة خاصة بموافقة أغلبية الأعضاء، وإن رُفض بغالبية المجلس؛ يتقدم الأمير بثلاثة أسماء يختار منهم المجلس واحدًا.
  • يشير تعيين رئيس الوزراء نائبًا للأمير خلال فترة غيابه عن البلاد، إلى وجود معرقلات تؤخر تعيين ولى العهد، تتقدمها الخلافات داخل الأسرة الحاكمة بشأن الأحق بالتعيين.
  • يحمل اختيار الأمير لمحمد صباح السالم رئيسًا للوزراء الكثير من الرسائل المبطنة التى قد تحدد ولى العهد القادم؛ أهمها: للمرة الأولى منذ عهد الأمير الراحل الشيخ جابر فى العام 1977، يُمثل جناح عبدالله السالم فى الحكم، وذلك بعدما كان يتركز بيت القرار والحكم فى جناح أحمد الجابر، مما يبعث رسالة طمأنة من أمير البلاد الجديد لفرع السالم من الأسرة، ولإثبات أنه يريد شراكة فعالة بين فرعى الأسرة، فيما يحمل القرار رسالة تحذير لفرع الأحمد من الأسرة الحاكمة، من الاستمرار فى الخلافات، ولحثهم على التوصل إلى اتفاق بشأن المرشح لمنصب ولى العهد منهم.
  • تأجيل اختيار ولى العهد حتى الآن، يشير إلى حرص الأمير مشعل على انتقاء شخصية وفاقية تتعاون مع رئيس الوزراء، وتدعم توجهات الأمير الهادفة إلى بناء علاقات ثقة بين الحكومة ومجلس الأمة لتجاوز الخلافات بينهما.

3- سياسة عدم التهاون مع المخالفات؛ تشير سرعة اتخاذ القرار بحل مجلس الأمة، وذلك على عكس ما كان يحدث فى الخلافات المماثلة السابقة، إلى اتباع الأمير مشعل الأحمد سياسة صارمة بعدم التهاون فيما يصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية من مخالفات أو إخلالات أو تعطيل لمصالح البلاد، وهذا ينعكس فى وصفه للمرحلة الحالية بأنها مرحلة الإصلاح والتطوير، والتى تقوم على ركائز العمل والإشراف والرقابة والمحاسبة، وإطارها الواجبات والحقوق الوطنية.

وهذا يعود إلى شخصيته الحازمة والتى ترجع بشكل كبير إلى خلفيته الأمنية؛ حيث أمضى سنوات عديدة فى وزارة الداخلية والمخابرات الكويتية، كما كان نائبًا لرئيس الحرس الوطنى الكويتى من 2004 إلى 2020.

4- مزيد من التأزم الاقتصادى؛ عدم الاستقرار السياسى فى البلاد يعنى استمرار تأزم الأوضاع الاقتصادية فى الكويت؛ فالخلافات بين الحكومة والمجلس تعوق الإصلاحات التى يحتاج إليها الاقتصاد الكويتى، وحالت دون إقرار المجلس القوانين الهادفة إلى تنويع الاقتصاد، فى حين أدى العجز المتكرر فى الميزانية وضعف الاستثمار الأجنبى إلى تفاقم التجاذبات.

ويظهر ذلك جليًا فى تأخير إقرار قوانين متوقفة منذ سنوات كقانون الدين العام المنتهى صلاحيته منذ سبتمبر 2017، ولجوء الكويت مع تكرار أزمة عجز الميزانية إلى تسييل جزء من أصول صندوق الاحتياطى العام، وصندوق الأجيال القادمة، إلى جانب تأخر إقرار القوانين ببرنامج عمل الحكومة، والقوانين الخاصة بتحسين مستوى معيشة المواطنين.

استنتاجات ختامية:

– تحولت الانتخابات فى الكويت إلى خيار شكلى فى الممارسة؛ حيث صار الصراع بين الحكومات ومجالس الأمة طقسًا سياسيًا يتكرر مع كل انتخابات ومجلس أمة جديد، وقد أثر ذلك سلبًا على الممارسة السياسية للنواب داخل المجلس، ويتضح هذا فى تنامى تيارات الإسلام السياسى والقبلية التى بدأت تشكل قوة شعبية ذات خلفيات دينية تعمل على تحقيق أهداف تتجاوز المصلحة الوطنية العامة، بل باتت هذه القوى تؤثر فى خيارات الناخبين وتوجهاتهم، ومن ثم؛ من المرجح أن تأتى الانتخابات المرتقبة بمجلس لا يختلف كثيرًا عن المجلس المُحل، وبالتالى استمرار الأزمة السياسية فى الكويت.

– أصبح لدى نواب مجلس الأمة فى الآونة الأخيرة، تصور أن مهاجمة الحكومة هى المقياس والآلية الأولى والأخيرة للعمل النيابى، فى حين أن الأمر الأصح لمصلحة البلاد هو ضرورة التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وتوحد القوى بينهما من أجل إنجاح عملية الإصلاح والتنمية التى تطلع إليها القيادة الجديدة للبلاد.

– تتعرض رؤى الكويت واستراتيجياتها إلى معوقات جمة تبعًا لتعطل الحياة السياسية فى البلاد، على وقع استمرار تغيير الحكومة وحل مجلس الأمة، ومن ثم؛ تحتاج الكويت إلى إيجاد طريقة بناءة للعمل مع مجلس الأمة والتغلب على الانسداد السياسى الراهن.