مصالحة فلسطينية برعاية جزائرية
إعداد: مصطفي أحمد مقلد
تشهد الجزائر فى الآونة الأخيرة نشاط دبلوماسى مكثف تسعى من وراءه للعب دور إقليمى أكبر، خاصة بعد إكتسابها مزيد من الثقة بعدما تحقق لها من نفوذ فيما يخص ملف الغاز، حيث أصبحت مصدر مهم لتوريد الغاز لأوروبا، ويظهر النشاط الدبلوماسى الجزائرى فى محاولة إنجاح القمة العربية المقبلة التى ستستضيفها الجزائر العاصمة فى نوفمبر من العام الجارى، بجانب لعب دور على المستوى العربى يهدف لترتيب عودة سوريا للجامعة العربية، وفى قمة وأولويات التحركات الدبلوماسية الجزائرية ملف “المصالحة الفلسطينية”.
الظروف المحيطة بالمصالحة:
اعتمد الرئيس الجزائري مبادرة لإنهاء الانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس”، بتكليف من جامعة الدول العربية على أن يجري التوصل إلى حل نهائي قبل انعقاد القمة العربية في نوفمبرالمقبل التى ستناقش الأوضاع الفلسطينية، تأتى مساعى الجزائر في ظل تصاعد اعتداءات إسرائيل فى الضفة الغربية والانحياز الأميركي الكامل لها، وغياب أي مبادرة دولية لحلحلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع تراجع جدية الحديث عن حل الدولتين.
بجانب متغيرات إقليمية بالجملة قد تمثل تحديات لواقعية تحقيق المصالحة، فحركات حماس بدأت بانتهاج سياسات تسهم فى تقوية موقفها وتوطيد علاقاتها الإقليمية ما قد يجعل ملف المصالحة فى غير أولوياتها لما يتطلبه الملف من التنازل عن بعض مكتسباتها، ففى الآونة الأخيرة عادت العلاقات بين الحركة والنظام السورى الذى كان يشملها بالدعم السياسى والعسكرى قبل الأزمة السورية وهو ما يُفهم منه أن حماس تخطو تجاه المحور الإيرانى، فى مقابل ذلك تتحرك حماس على وتر مناقض وهو تحسين العلاقات مع إسرائيل على أساس “الأمن مقابل الإقتصاد” بهدف تحسين الأحوال المعيشية بقطاع غزة.
خطة الجزائر لإتمام المصالحة:
طرحت الجزائر أفكارها التى تسعى من خلالها لرأب الصدع وتقليص هوة الخلاف بين حركتى فتح وحماس، لكنهما طلبا إدخال تعديلات تتوافق مع رؤية كل طرف، حيث تصر “فتح” على تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم الاعتراف بإسرائيل وتعترف بقرارات الشرعية الدولية قبل إجراء الانتخابات وتشكيل مجلس وطني جديد، بينما تطالب “حماس” بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والتنصل من التنسيق الأمني مع تل أبيب، وهو ما ترفضه “فتح” باعتبار أن انضمام حركتي الجهاد الإسلامي وحماس إلى منظمة التحرير يصبح تلقائياً بعد إنهاء الانقسام.
فى النهاية صاغت الجزائر بنفسها اتفاق المصالحة الذى وقع عليه الطرفان فى 13 أكتوبر الجارى، ويشمل الإتفاق تسعة بنود تنص على التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود، ومقاومة الاحتلال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، بجانب اعتماد لغة الحوار للتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية، بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينى، علاوة على تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها خلال مدة أقصاها عام واحد، من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان.
وتم تضمين بنود تشير إلى ضرورة توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية، وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطينى، بالتوازى مع تفعيل آلية الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، كآلية لإنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية.
ووضعت الجزائر آلية عبارة عن فريق عمل جزائرى عربى يعمل على الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود الاتفاق، بالتعاون مع الجانب الفلسطيني، وتعود قيادته للجزائر.
نجاح مُعلق:
لاقى إعلان الجزائر للمصالحة الفلسطينية ترحيب إقليمى ودولى، باعتباره خطوة أساسية لترتيب البيت الفلسطينى وبالتالى يمثل ضرورة للإستعداد لإستئناف محادثات السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، لكن بالتدقيق والتمحيص فإن هناك شكوك حول نجاح هذا الإتفاق، حيث جاء الإتفاق فى شكل مبادئ تحاول التأسيس لشراكة جديدة بين فتح وحماس، لكن غاب عن صياغة الإتفاق أى تدعيم لتلك المبادئ بخطوات واقعية ومحددة تترجم ما تم الإتفاق عليه لواقع معاش.
وغياب تلك الآليات التنفيذية يفتح الباب أمام التنصل من الإتفاق فى ظل عدم وجود أطراف إقليمية قادرة على الضغط بشكل عملى على فتح وحماس للإلتزام ببنود الإتفاق، خاصة فى ضوء غلبة النظرة الفئوية للحركتين وعدم الإتفاق على مرجعية الحكومة المزمع تشكيلها بعد الإنتخابات.
كما أن مطلب تشكيل حكومة وطنية سبق وأن جرى عام 2017، لكن لم يكتب لها النجاح على رغم أنها عملت في غزة وتسلمت كثيراً من المهمات المناطة بها في حينه، لكنها فشلت فى النهاية، وبخصوص هذه المرة لم يوضح الإتفاق الكيفية التى سيتم من خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث لم يرد نص مخصص لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بسبب الاختلاف حول تبني مفهوم الشرعية الدولية، ويعتبر ذلك عقبة أمام تنفيذ الإتفاق.
لكن يبدو أن هناك نية للتوجه لمصر باعتباره قادرة على تولى الإشراف على تنفيذ هذا الملف حال اتفقت حركتا “فتح” و”حماس” على ضرورة الذهاب إلى هذا الأمر، ما يعلق نجاح الإتفاق على جدية حركتى حماس وفتح فى إتمام المصالحة، وهو ما يمثل موضع شك.
إهتمام عربى بإتمام المصالحة:
شارك ممثلون عن قطر وعمان في محادثات المصالحة الفلسطينية في الجزائر، وقال واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن الجزائر ومصر نسقتا ورعتا المصالحة الفلسطينية لضمان نجاح التوصل إلى اتفاق قبل القمة العربية المقرر عقدها في نوفمبر في الجزائر، كما أصدرت سلطنة عُمان والمملكة الأردنية فى 5 أكتوبر الحالى، بياناً مشتركاً أكدتا فيه على ضرورة التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وحرصهما على حماية المقدسات المسيحية والإسلامية.
ويعكس ذلك الإهتمام، التوجه العربى الذى يعتبر أن تحقيق المصالحة هو الخطوة الأولى لإعتماد سياسة موحدة تجاه إسرائيل تحقق طموحات الشعب الفلسطينى الذى فقد الثقة فى المقاومة في إطار فصائلى يؤدى لمزيد من الانقسام وتنازع على السلطة، حيث تفضل حماس العمليات العسكرية بينما تنتهج فتح المسار الدبلوماسى- خاصة بعد توسع إسرائيل فى العمليات الأمنية ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية، والمناوشات فى القدس الشرقية، ويهدف التوجه العربى لمنع تحول القضية الفلسطينية لملف تستخدمه قوى إقليمية غير عربية لتحقيق مصالحها، خاصة فى غياب الإهتمام الدولى بالقضية الفلسطينية وتوجه الأنظار تجاه الحرب الأوكرانية.
ختاما، على مدار 15 عام فشلت جميع جهود المصالحة، وتحاول الجزائر تحقيق الإتفاق المنجز بحضور 14 فصيل فلسطينى، وذلك بالتنسيق مع مصر صاحبت الباع الطويل فى ذلك الملف، ويعد الإهتمام العربى مهم لإعطاء دفعة إلى الأمام لتطبيق ما جرى الاتفاق عليه، رغم التحديات والعقبات التى تواجه الإتفاق.
لكن على ما يبدو أن زيارة محمود عباس كازاخستان خلال قمة “سيكا” والتباحث مع بوتين حول إعادة إطلاق مباحثات سلام جديدة مع إسرائيل، بجانب تفويضه صلاحيات محدودة لوفد “حركة فتح” فى مفاوضات المصالحة، بجانب رفض حماس إيقاف نهج العمليات العسكرية وتبنى النهج التفاوضى مع إسرائيل كأحد مطالب فتح لتحقيق المصالحة، فإن كل ذلك يشى بصعوبة التوقع بنجاح الإتفاق.