المقالات
مصر مركز رئيسي للربط الكهربائي في العالم
- أكتوبر 26, 2021
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية وحدة الشرق الأوسط
مصر مركز رئيسي للربط الكهربائي في العالم: حضور اقتصادي يمهد لمكاسب سياسية
إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف
من العراق إلى الأردن ولبنان بالشمال الشرقي، ثم إلى السعودية شرقًا وليبيا غربًا وإفريقيا جنوبًا واليونان وأخيرًا وليس آخرًا قبرص شمالًا، تقود مصر شبكات للربط الكهربائي بـ(آسيا وإفريقيا وأوروبا).
مساعٍ مصرية متوجة بجهود حقيقة ملموسة على أرض الواقع؛ إذ أكد وزير البترول المهندس طارق الملا، أنه يتم تنفيذ إستراتيجية متكاملة من 3 محاور رئيسية لتحويل مصر لمركز إقليمي لتداول وتجارة الطاقة بالمنطقة؛ لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية المصرية للطاقة الكهربائية بحلول عام 2035، والتي تهدف لأن تصبح مصر مركزًا للطاقة بين قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا.
لا تتوقف المساعي المصرية حول العالم لاستعادة دور البلاد من خلال تعميق حضورها بحل أزمات الشرق الأوسط إلى الاقتصاد، فتثبت القاهرة وجودها عربيًّا، وتذهب في رحلة تنويع حقيبتها الدبلوماسية أوروبيًّا؛ إذ تدرك مصر نقاط الضعف والقوة، فتستعين من جديد بالكهرباء؛ لفتح أبواب القارة الأوروبية، فتوقع من جديد مذكرة تفاهم مع قبرص وكذلك اليونان، وذلك في ضوء تزويد أثينا وأوروبا بالكهرباء.
وتأتي القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان اليوم الموافق 19 أكتوبر، في أعقاب توقيع عقود الربط الكهربائي سابقًا بين مصر والسعودية، ضمن مساعٍ مصرية لتحقيق حلم “السوق العربية للطاقة” خلال سنوات، عن طريق الربط الكهربائي بين الدول العربية؛ إذ تعد تلك القمة الدورية هي التاسعة منذ قمة القاهرة 2014، والتي تمثل أهمية كبيرة بظل ما تشهده المنطقة من أزمات وصراعات وتدخلات خارجية.
ومع ذلك نسأل كيف يمكن أن تغير مصر من خريطة شبكة الطاقة الكهربائية عالميًّا؟ وما الذي تأمله مصر من حضورها الاقتصادي في خدمة تحقيق مصالح سياسية؟
مصر تغير من خريطة شبكة الطاقة الكهربائية عالميًّا
إن الإستراتيجية الوطنية المصرية للطاقة الكهربائية حتى عام 2035، تستهدف أن تصبح مصر مركزًا للطاقة بين قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا، ففي مجال الطاقة الكهربائية، وقَّعت مصر في شهر أكتوبر الجاري اتفاقيتين متتابعتين للربط الكهربائي الأُولى مع اليونان، وتلتها مذكرة تفاهم مع قبرص؛ لإنشاء شبكة ربط مباشر لتبادل الكهرباء بين البلدين لتحسين أمن الإمداد بالطاقة، وإنشاء خطوط لنقل كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة، وتمثل هذه الخطوة – حسب بيان لوزارة الكهرباء المصرية – تسريعًا بتطوير ممر الطاقة من خلال زيادة إمدادات الطاقة الكهربائية لكلٍّ من مصر وقبرص مع تحقيق التوازن في الطلب على الطاقة.
كما سيجعل – الربط الكهربائي المصري القبرصي، والربط الكهربائي المصري اليوناني – مصر بموجبه حلقةً للربط الكهربائي بين الثلاث قارات؛ حيث سيعمل الربط الكهربائي بين شمال وجنوب المتوسط لاستيعاب القدرات الكهربائية الضخمة التي سيتم توليدها من الطاقات النظيفة التي تزخر بها القارة الإفريقية.
ومن الناحية الأُخرى تسعى مصر بالعمل حاليًّا بمشروع للربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ لإتمام الربط الكهربائي مع مصر قريبًا، فالتعاون بين مصر ودول الخليج سيُسهم بالربط الكهربائي بين دول المشرق العربي والمغرب العربي، وذلك عن طريق الربط الكهربي الذي اتفقت عليه القاهرة والرياض الذي يتم عبر كابل بحري من خليج العقبة وخطوط علوية، والذي سيوفر فرصًا لتجارة الكهرباء مع دول مجلس التعاون الخليجي.
ولربط المشرق بالمغرب العربي، تخطط مصر أيضًا لربط المشرق بالمغرب العربي، فمن المتوقع بأن تتجه مصر في الفترة المقبلة للربط الكهربائي مع تونس والمغرب والجزائر، وذلك بطريقها للوصول إلى جنوب أوروبا عبر إسبانيا وقبرص واليونان.
وعن الربط الكهربائي بين مصر ودول أفريقيا، تنوي الحكومة المصرية عن خطة تعاونية قريبًا مع دولتي تنزانيا والكونغو بعد الربط الكهربي مع السودان، وحال إتمام الاتفاق مع إثيوبيا وتحسين العلاقات من الممكن الربط الكهربائي معها أيضًا.
لماذا تحول ربط الطاقة مفيد اقتصاديًّا؟
تحول مسار الطاقة في مصر سريعًا من دولة تعاني من عجز يومي لدولة فائض تقوم بتصديره للخارج؛ حيث تخطى حجم إنتاج الكهرباء حاجز 50 ألف ميجا وات، ويبلغ الاستهلاك المحلي 30 ألف ميجا وات بوقت الذروة، وتعني تلك الأرقام أن مصر لديها فائض يبلغ بحدود ما يقارب من 25 ألف ميجا وات ويزداد مع انخفاض الاستهلاك بالشتاء، بالتالي تملتك مصر احتياطيًّا إستراتيجيًّا من الطاقة الكهربائية، يجعلها قادرة على تبادلها بأحجام كبيرة مع دول أخرى.
تحقق مشروعات الربط الكهربائي عائدًا ماديًّا كبيرًا بالعملة الصعبة تعود بالنفع على الاقتصاد المصري وتساهم بانخفاض أسعار شرائح الكهرباء، ويستدل على ذلك في سياق بدء مصر لنقل الكهرباء بتنفيذ مشروع الربط الكهربائي مع السعودية بقدرة 3 آلاف ميجا وات بتكلفة تصل لـ(10 مليارات جنيه) وعلى أحدث نظام وهو نظام التيار المستمر Dc خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يأتي المشروع متوجًا لعمق العلاقات (المصرية ـ السعودية) عبر التاريخ ويؤكد على ريادة البلدين بتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لبلدان الوطن العربي أجمع، باعتبار الربط بينهما سيكون نواةً لربط عربي مشترك، إضافةً لكونه مكملًا وداعمًا لرؤية كلا البلدين (2030).
كما بدأت وزارة الكهرباء بتقييم الدراسات الخاصة بمشروع الربط الكهربائي مع قبرص بقدرة 3 آلاف ميجا وات، والذي يتيح لمصر الربط مع اليونان ثم باقي أوروبا لتتحول مصر لناقل مهم للطاقة بالنسبة للقارة الأوروبية.
الربط الكهربائي سيجعل مصر حلقة للربط الكهربائي بين الثلاث قارات، والتعاون الاقتصادي بين قبرص واليونان ومصر سيعزز من معدل التجارة بين مصر واليونان حوالي نصف مليار دولار سنويًّا، إلى جانب وجود استثمارات يونانية في مصر تزيد عن 3 مليار دولار، فهناك أكثر من 106 شركة يونانية تعمل بالسوق المصرية.
انتهت دراسات الجدوى المتعلقة بمشروعات الربط الكهربائي بكونه يُحقق وفورات مالية تُقدر بملايين الدولارات سنويًّا وينهي الحاجة لبناء محطات كهرباء جديدة، فضلًا عن حل أزمة الكهرباء بالدول التي تعاني من انقطاعات.
مكاسب سياسية
تهدف رؤية مصر لفتح كل القنوات والسبل لتعزيز أمنها القومي؛ لأنها بجانب المكاسب الاقتصادية، تعطي قوة للشرق الأوسط سياسيًّا، فالقوة الاقتصادية تعني وجود أدوات تمكن من لعب دور سياسي قوي، و تأتي دلالة توقيت الإعلان عن اتفاقية تفاهم بين مصر وقبرص بعد اليونان بظل الأزمة المستمرة للطاقة بأوروبا، وتسعى أوروبا من ناحيتها بخطط متنوعة لتبادل الطاقة، فلا يقتصر الاعتماد على الغاز الروسي فقط، بل والكهرباء من شمال إفريقيا، ويعد البعد الإستراتيجي لقبرص بين اليونان وتركيا مهم جدًّا، فقبرص هي أضعف حلقة لوصل الطاقة بالاتحاد الأوروبي؛ حيث يجب ضرورة ضمان الكهرباء بقبرص.
تزيد مصر من جهودها الدبلوماسية، وتسخر لها السياسة والاقتصاد؛ لقيادة تحالف اقتصادي بجانب أوروبا لمواجهة الخلاف التركي شرق المتوسط، فنجد أن مصر تسير بجهودها لصنع توازنات جديدة بشرق المتوسط، وهي على دراية تامة بمدى عمق حضورها، وتعلم خصومها أيضًا، فستكمل طريقها بالحوار الدبلوماسي مع تركيا للتوصل لحلول من شأنها أن تفيد الطرفين، لكنها تعترف التقدم ليس كبيرًا، وفي الناحية الأُخرى، نجد أن الخلاف التركي مع بروكسل لا ينتهي، فيكبُر حذَر اليونان الأمني وتذهب لتعزيز قدراتها العسكرية معتمدةً على فرنسا، وطارقةً باب إسرائيل باتفاقية مشتركة فيما توسع مع واشنطن اتفاقها الدفاعي، تدرك مصر تلك التغيرات على الحدود الأوروبية البحرية، وتعلم مخاوف بروكسل من عجز الطاقة، فتجد ثغرةً للدخول بحلف اقتصادي ويجعلها نقطة ارتكاز أوروبي بالشرق.
التعاون بين مصر واليونان وقبرص بإطار القمة الثلاثية المنعقدة يوم 19 أكتوبر، يصب بمصلحة الدول الثلاث خاصةً بظل توافق مصالحهم ومواقفهم من الأخطار المحيطة بهم خاصة بظل استمرار الأطماع التركية بثروات المنطقة الاقتصادية الخالصة للدول الثلاث، وكذلك في ظل اتفاق الرؤى بينهم حول ضرورة خروج المرتزقة الأجانب من ليبيا، إضافةً لوجود مصالح اقتصادية ضخمة ومشروعات عملاقة بين الدول الثلاث لتصدير الغاز المصري لأوروبا والنقل الكهربائي بينهم.
كما تكتسب القمة الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص أهمية كبيرة، وهي دليل على وجود إرادة سياسية لدى الدول الثلاثة للمزيد من الاستفادة واكتشاف الفرص المتاحة، إلى جانب أنها تعمل على مجموعة من الأهداف، الهدف الأول هو بناءً على ما تحقق خلال السنوات الماضية من التعاون بين الدول الثلاثة وأيضًا تقييم ما تم التوصل إليه، وكيفية التوسع بكافة مسارات التعاون الثلاثي، بالمجال السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي.
بعد سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تجاه عدة ملفات بالشرق الأوسط، بدايةً بانسحابها من أفغانستان ووصولًا لمحاولتها إحياء الاتفاق النووي الإيراني، كل ذلك يزيد من أخطار أمنية مستقبلية بالمنطقة، بالتالي نجد أنه من الطبيعي أن تبحث دول المنطقة عن تحالفات جديدة وتقوم باستغلال أوراقها المتعددة؛ إذ يشكل التعاون السعودي المصري بمجال الطاقة نواةً لمشروع شرق أوسطي عربي أوروبي؛ حيث سيكون الفائض بالكهرباء كبيرًا بوجود السعودية، فمن بوابة مصر لليونان وقبرص ومن ثم للقارة الأوروبية، سنجد هناك سوقًا كبيرةً عوائده ضخمة للسعودية ومصر، بجانب الثقل الإقليمي لكلا الدولتين.
في الختام، تهدف التحركات المصرية والحضور الاقتصادي القوي الذي تسعى له مصر لتنويع أسلحة القاهرة الدبلوماسية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية بظل التحديات الإقليمية والدولية، ولعل أبرزها خلافات الشرق المتوسط، فتعلم مصر أهدافها، وتستغل السياسة والاقتصاد معًا لتستعيد دورًا تاريخيًّا غابت عنه لسنوات، ولكنها مصممة على العودة أكثر من البوابة الدبلوماسية التي تحميها القوة، فتزويد القارة الأوروبية بالكهرباء لا يقتصر بالنفع على مصر سياسيًّا، فتنويع مصادر الطاقة للاتحاد الأوروبي هو أمن إستراتيجي؛ حيث كانت تعتمد سابقًا بشكل كبير على غاز سيبيريا بروسيا، وبالتالي يجد دول الاتحاد الأوربي ضرورةً لوجود حلفاء جدد بشمال إفريقيا لمناكفة (الروسي) بالضغط المستمر؛ إذ تدعم مصر كمركز للطاقة سواء بالكهرباء أو الغاز.
يمكن القول: إن مصر بدأت بتأسيس حضور قوي مرةً أُخرى بمشروع الربط الكهربائي؛ ما يجعلها شريكًا مفضلًا للجانب الأوروبي، إلا أن مستقبل العلاقات سيكون رهنًا لمدى التنسيق بين الجانبين، وكذلك استمرار مصر كوجهة جذابة للاستثمارات من خلال سعيها لتبني أجندة اقتصادية طموحة، تجعلها قادرة على إبراز رؤيتها الوطنية لجعل الإقليم أكثر استقرارًا، وهو ما سينعكس إيجابًا على كافة الأطراف المحيطة، وهو ما يجب على الجانب الأوروبي الدفع والاستثمار به.