إعداد: رضوى رمضان الشريف
بعد أقل من أسبوعين، تنطلق أول انتخابات رئاسية في ليبيا منذ فترة طويلة، لكن هذا الموعد المفترض “مهدد” بشكل كبير حاليًا بعد أن أرجأت مفوضية الانتخابات الليبية يوم السبت الماضي نشر القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أقل من أسبوعين؛ بسبب إجراءات قانونية قد تستغرق فترة طويلة.
وقال بيان للمفوضية، السبت: إن مرحلة تقديم الطعون ضد الترشيحات انتهت في السابع من ديسمبر، وتعكف المفوضية حاليًا على مراجعة الأحكام الصادرة عن لجان الطعون والاستئناف، كما تعمل على التواصل مع اللجنة المُشكَّلة من مجلس النواب، بشأن متابعة العملية الانتخابية والصعوبات التي تواجهها فيما يتعلق بتنفيذها للأحكام الصادرة.
كما أن الأحداث على الأرض خلال الأسابيع الأخيرة، دفعت رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر، عماد السايح، للخروج بتصريحات جديدة، عبَّر فيها عن قلقه من احتمال تأخر الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ نتيجة الأجواء السياسية الحالية بالبلاد.
بالرغم من مواصلة العديد من المسؤولين الليبيين والأجانب دعوتهم العلنية لإجراء الانتخابات، كما هو مقرر، ومع ذلك، أعرب آخرون عن شكوكهم؛ بسبب الخلافات بين الفصائل في الدولة التي مزقتها الحرب.
قد تؤدي التأخيرات الكبيرة لزيادة خطر عرقلة عملية السلام الأوسع نطاقًا في ليبيا، بالرغم من أن الانتخابات المتنازع عليها التي أُجريت دون اتفاق واضح على القواعد أو المرشحين المؤهلين، تشكل أيضًا مخاطر فورية على الاستقرار، فهل ستنزلق ليبيا إلى الهاوية من جديد؟
تحديات وانقسامات
جاء بيان المفوضية في ظل مساعي بعض القوى لتعطيل الانتخابات، فمنذ أيام طالب أعضاء بملتقى الحوار السياسي الليبي الأممَ المتحدة والدول الراعية لمؤتمر برلين، بـ“التدخل لتصحيح مسار العملية السياسية التي تسير باتجاه عودة الانقسام والتفكك” للبلاد، وإنقاذ خريطة الطريق التي توشك على الانهيار.
انتقادات ضد الحكومة المؤقتة
في بيانٍ وجَّهه 17 عضوًا بملتقى الحوار السياسي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وجَّهوا فيه انتقادًا لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة؛ لتجاوزه خريطةَ الطريق، التي أقرها الملتقى فيما يتعلق بمهام الحكومة كجهة راعية ومحايدة وضامنة للعملية الانتخابية، وتجاوزه كذلك للتعهدات الضامنة لحياد هذه السلطة.
دارت حول الحكومة الليبية المؤقتة الشبهات، فبالرغم من تعهدات الحكومة المؤقتة بالالتزام بتوحيد المؤسسات ومعالجة الأزمات الرئيسية بالبلاد، مثل جائحة كورونا والكهرباء، وعدم ترشح الدبيبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أنه ضُرِب بكل ذلك عرْض الحائط.
كما يُوجد اتهامات من عدة مسؤولين ليبيين تجاه الحكومة المؤقتة واتهامها باستغلال موارد الدولة ومؤسساتها، فالبعض يرى أن الحكومة الحالية على رأس المستفيدين من تأجيل الانتخابات؛ ما يعني مكوثها وسيطرتها على مقدرات وخيرات الدولة لأطول وقت ممكن، كما أن إرجاء الانتخابات لن يجنب البلاد الصراع، بل سيُعيد البلاد للمربع الأول حالَ تمسك الدبيبة بالحكومة، وعدم الاستقالة إذا تم تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 من الشهر الجاري.
إن تضارب المصالح بين دور الحكومة الليبية في تيسير العملية الانتخابية وترشح رئيسها للانتخابات الرئاسية ينتج عنه عدم تكافؤ الفرص واستخدام موارد الدولة في الدعاية الانتخابية.
عراقيل الإخوان
وفي حين يزداد تمسك الليبيين والمجتمع الدولي بإجراء الاستحقاق في موعده 24 ديسمبر، تتحدى جماعة الإخوان المسلمين إرادة الليبيين والمجتمع الدولي في إجراء الاستحقاق في موعده 24 ديسمبر، وتسعى الجماعة لتأجيل الانتخابات الرئاسية والنيابية عن موعدها.
تحاول الجماعة عرقلة المسار الانتخابي؛ حيث حاصرت الميليشيات في مدن غربي ليبيا مؤخرًا عددًا من مراكز الانتخابات وأغلقتها، وأجبرت العاملين بها على مغادرتها بقوة السلاح.
كما يعتصم عدد منهم داخل أسوار المفوضية العليا للانتخابات في نوع من الضغط عليها إلى حين إعلان القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية.
عودة سيف الإسلام القذافي لانتخابات الرئاسة الليبية
ظهرت مخاوف في الأسابيع الأخيرة من تصعيد سياسيين تابعين لجماعة الإخوان المسلمين ضد إجراء الاقتراع في موعده، بعد أن قضت محكمة ليبية، بأن سيف الإسلام القذافي، نجل الحاكم الراحل معمر القذافي، يمكنه التنافس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويرى مراقبون أن جماعة الإخوان المسلمين دأبت على تأجيل التصويت؛ خوفًا من فقدان نفوذها السياسي.
قضت محكمة سبها – جنوبي البلاد- بعودة سيف الإسلام القذافي للسباق الرئاسي، بعد أيام من استبعاده من قبل مفوضية الانتخابات، وكانت المفوضية قد استبعدت سيف القذافي؛ لمخالفته بندين من قانون انتخاب رئيس الدولة، هما “المادة 10 البند 7، والمادة 17 البند 5”.
وينص البند السابع من المادة العاشرة في قانون انتخاب رئيس الدولة على “ألا يكون محكومًا عليه نهائيًا في جناية أو جريمة مُخلِّة بالشرف أو الأمانة”، أما البند الخامس من المادة 17، فيدعو طالب الترشح لتقديم “شهادة الخلو من السوابق”.
وسيف الإسلام القذافي مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”، كما أن محكمةً في طرابلس حكمت عليه بالإعدام غيابيًا عام 2015؛ لارتكابه جرائم حرب أثناء احتجاجات 2011.
كما يُوجد تنديد دولي بخطورة ترشح سيف الإسلام القذافي؛ حيث دعت المحكمة الجنائية الدولية، مساء أمس، لـ«تعاون عالمي»؛ لاعتقال سيف الإسلام معمر القذافي، الذي قالت: إنه لا يزال فارًّا من العدالة ضمن 12 آخرين، أصدرت المحكمة أوامر اعتقال بحقهم، وتسليمهم إليها.
هل ستُؤجل؟
أكد عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية الليبية في ندوة افتراضية لمرشحي الانتخابات الرئاسية في ليبيا، وتم عقدها أمس، بأنهم لا يمانعون زحزحة موعد الانتخابات بما تقتضيه الضرورات التقنية، بشرط أن يكون تاريخ 24 ديسمبر الجاري مشمولًا في فترة الإجراءات الانتخابية، موضحين في اجتماع بالدائرة المغلقة من مؤسستي (ليبيا ديسك، وحراك من نحن) دور بعض الأطراف الساعية لعرقلة سير العملية الانتخابية في ليبيا.
كما أكد المجتمعون الالتزام الكامل بحق الليبيين بالتعبير عن إرادتهم في اختيار قادتهم من خلال صناديق الاقتراع، وهو ما تأكد باستلام قرابة 2.5 مليون ناخب بطاقاتهم الانتخابية واستعدادهم للإدلاء بأصواتهم؛ لاختيار رئيس البلاد وأعضاء السلطة التشريعية القادمة.
أكد المجتمعون على موقفهم الثابت والواضح بشأن ضرورة إنهاء الانقسام بكافة أشكاله ومظاهره، وتوحيد المؤسسات الليبية عن طريق إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق خارطة الطريق، التي صيغت بملتقى الحوار السياسي الليبي، وأيدتها قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
واتفق المجتمعون على التنسيق المباشر لعقد اجتماع موسع في سرت يوم 20 ديسمبر الجاري؛ لزيادة التنسيق وتوسيع المشاركة للمرشحين؛ لتحقيق النِّقَاط سالفة الذكر، مؤكدين أن حكومة الوحدة الوطنية تنتهي ولايتها في 24 ديسمبر الجاري، وفقًا لقرار منحها الثقة بمجلس النواب الليبي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وكذلك التعهدات الموقعة من السلطة التنفيذية المكتوبة والواردة في التصريحات الإعلامية الصادرة عنها.
وعلى الصعيد الدولي، حذَّرت الولايات المتحدة الأمريكية من احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر الجاري، مشيرةً للتداعيات الخطيرة التي ينطوي عليها هذا التوجه؛ حيث إن ذلك سيؤدى لوضع مصير البلد ومستقبله تحت رحمة مَن هم داخل ليبيا وداعميهم الخارجيين، الذين يُفضِّلون قوة الرصاصة على قوة الاقتراع.
ختامًا.. تعتزم ليبيا إجراء انتخابات وطنية في الـ24 من ديسمبر الجاري؛ لإنهاء 10 أعوام من الصراع على السلطة، وتنازع الشرعية، وفقًا لمخرجات الحوار السياسي الليبي المنعقد في تونس نوفمبر 2020.
إلا أنه تُوجد أصوات تنادي بالتأجيل، وأخرى تطالب بإجراء الاستحقاق بموعده المقرر 24 ديسمبر الجاري، وبينهما يقف الليبيون منتظرين الخطوة المقبلة؛ لتحديد مصير البلاد.
إن جميع المؤشرات الحالية تتجه نحو التأجيل؛ لتأخر المفوضية العليا للانتخابات عن إعلان القائمة النهائية للمرشحين الرئاسيين، وإعطاء إشارة انطلاق الحملات الدعائية، وإعلان أطراف سياسية فاعلة، رغبتها بإرجاء الموعد الانتخابي لترتيب الأوراق من جديد.
سيزيد تأجيل الانتخابات من تعقيد المشهد والمسار الدبلوماسي، بخلاف فقدان الثقة في المجتمع الدولي، الذي يطالب ويدفع نحو إتمام العملية الانتخابية، وسيكون تأجيلها فشلًا كبيرًا للقوى الدولية تجاه الأزمة الليبية.
هذا التأخير يضغط بقوّة على موعد الانتخابات المحدّد إجراؤها يوم 24 ديسمبر الجاري، ولا يترك متسعًا من الوقت للقيام بالحملة الدعائية للمرشحين المقبولين في هذه الانتخابات، ويترك فقط الخيار أمام تأخير الانتخابات لأسابيع أو أشهر.
وتتخوّف الأطراف الدولية من أن يؤدي تأجيل الانتخابات لانحراف عملية السلام في ليبيا عن مسارها، وعودة العنف والاقتتال للبلاد، خاصّةً في ظلّ عدم اتفاق الأطراف الليبية الفاعلة على القواعد أو المرشحين المؤهلين.
وبينما كان يُنتظر من الانتخابات المرتقبة توحيد الليبيين والبلاد، وإنهاء عقد من الفوضى، تبرز الانقسامات السياسية والمناطقية من جديد بين 3 معسكرات في (الغرب والشرق الليبي، ومعهما تيار النظام السابق الراجع بقوّة).
التوصيات
– ضرورة استمرار المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على نهج الحياد والتزام الشفافية بأعمالها، ودعمهم لجهود المفوضية الرامية لإجراء الانتخابات في ظروف مناسبة وبالموعد المحدد لها، ووقوفهم ضد حملات التشويه الممنهج الذي تتعرض له المفوضية.
– ضرورة تكثيف جهود الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وكافة المنظمات المحلية والإقليمية المعنية لدعم العملية الانتخابية بتفعيل دور فرق مراقبة الانتخابات؛ لضمان نزاهتها وحيادتها.