إعداد: رضوى الشريف
مقدمة
اهتم العالم في العقود الثلاثة الأخيرة بالقضايا والتحديات المشتركة، مثل تحديات التغير المناخي والفقر والمجاعة وغيرها من أزمات تهدد التوازن البيئي والحيوي لكوكب الأرض، فتغيرات المناخ تحديدًا بدأ الاهتمام بها في عام 1992 مع عقد مؤتمر ريو دي جانيرو بالبرازيل الذي شكل الانطلاقة الأولى لمؤتمرات المناخ الأممية.
وقضية التغير المناخي أصبحت الشغل الشاغل للعديد من صناع القرار، وتدخل بأجندة العديد من دول العالم خلال الفترة الماضية، وتزامن الاهتمام المتصاعد مع بدء فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بمدينة غلاسكو الأسكتلندية بالمملكة المتحدة بمشاركة نحو 200 دولة بداية شهر نوفمبر الحالي، وتتجه أنظار العالم برمته نحو ما تتمخض عنه القمة المناخية العالمية من مقررات وتوصيات؛ للحد من تفاقم مفاعيل تغيرات المناخ الكارثية على كوكب الأرض وسكانه.
تُطرح مشاكل القضايا المتعلقة بالمناخ للبلدان بجميع أنحاء العالم؛ لارتفاع درجات الحرارة الموجودة مسبقًا، فإن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا حساسة للنتائج المتعلقة بتغير المناخ، وتُحدِث هذه القضايا احتكاكًا بين الدول ببعضها.
أبرز مخاطر التغير المناخي
ارتفاع درجات الحرارة:
آثار خطيرة جانبية لارتفاع درجات الحرارة، فدرجات الحرارة تشكل تهديدات كبيرة، لا سيما بالمنطقة العربية، التي قد تشهد ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية (أو 7.2 درجة فهرنهايت) بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. ففي يوليو عام 2019، سجلت بغداد أعلى درجة حرارة مسجلة بالعالم؛ حيث بلغت 55.6 درجة مئوية.
يغير الاحتباس الحراري أنماط الطقس بجميع أنحاء العالم، ويؤدي لمزيد من الظواهر الجوية المتطرفة من جميع الأنواع، من حرائق الغابات والفيضانات والعواصف الثلجية.
ومع ذلك، فإن المناخ الصحراوي بجزء كبير من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعني أن إحدى النتائج الرئيسية لتغير المناخ كون درجات حرارة عالية بشكل متزايد، سواء في الهواء الصحراوي الجاف بالمنطقة أو في المناخات الرطبة الأكثر خطورة التي تعطل قدرة الإنسان على البقاء رطبًا.
الجفاف وحرائق الغابات:
الجفاف وحرائق الغابات من الظواهر الجوية المتطرفة التي تسببها ديناميات الطقس المتغير والمتفاقم لتغير المناخ، فحرائق الغابات الحدث الأكثر انتشارًا بالمنطقة العربية، يليها الجفاف والعواصف (بما في ذلك العواصف الكهربائية والعواصف الرملية والعواصف الهوائية) والفيضانات المفاجئة.
ويذكر ان معدلات الحرائق تزيد في صيف كل عام، حيث شهدت المنطقة هذا الصيف عدداً من الحرائق الهائلة في تركيا والجزائر .
انعدام الأمن الغذائي:
تجعل الظروف البيئية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصةً دول الخليج، الأكثر اعتمادًا على واردات الغذاء بالعالم، ولن يؤدي النمو السكاني السريع الذي يقارب ضعف المتوسط العالمي إلى جانب التحولات نحو التحضر (خاصة بدول الخليج والمشرق العربي) لزيادة الاعتماد؛ لأن التغيرات بأنماط المناخ تؤدي للجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، فإن قدرة المنطقة على زراعة الغذاء المطلوب ستكون محدودة بشكل أكبر.
وبشمال إثيوبيا، تأتي أزمة الأمن الغذائي والتغذية؛ للنزوح والتهجير الناجم عن المناخ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والجفاف وسط تدمير منهجي واسع النطاق للخدمات الصحية وغيرها، التي يعتمد عليها الأطفال والمجتمعات؛ للبقاء على قيد الحياة؛ إذ يعاني أربعة ملايين شخص من أزمة انعدام الأمن الغذائي أو مستويات طارئة منه، في تيغراي والمناطق المجاورة في عفار وأمهرة.
وقد نزح أكثر من 100 ألف شخص جديد بسبب العنف، إضافةً لاقتلاع مليوني شخص من ديارهم.
تداعيات مخاطر التغير المناخي على بؤر الصراع
تؤثر الظواهر الكارثية المترتبة عن التغييرات المناخية والاحتباس الحراري سلبًا على التنمية والاستقرار والأمن الغذائي بمختلف دول العالم، خاصةً المناطق المؤججة بالصراعات ومشاكل ندرة الموارد؛ إذ يساهم تغير المناخ بنطاق واسع كعامل مضاعف للتهديدات الناتجة؛ لدوره الأساسي بتفاقم للصراع، وتأتي تداعيات مخاطر التغير المناخي على بؤر الصراع كالآتي:
العنف الداخلي وتصاعد الحروب الأهلية:
وفقًا لـ”روبرت ماكلمان” من جامعة ويلفريد لورير الكندية، فإن “الدول التي تعاني بالفعل من هشاشة سياسية هي أهم المراكز المستقبلية المحتملة للعنف، المرتبط بالمناخ وأحداث الهجرة القسرية”.
وتبدو المخاطر أعلى بمنطقة الشرق الأوسط؛ لوجود علاقة طردية بين تصاعد الحروب الأهلية وارتفاع درجات الحرارة، فبارتفاع معدلات الاحترار ترتقع احتمالية نشوب الحروب الأهلية.
ففي سوريا، تسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة لحدوث الجفاف الذي سبق الحرب الأهلية، حيث دفع هذا الجفاف المزارعين الريفيين للمراكز الحضرية مثل دمشق وحلب؛ ما أدى لتأهب السكان لاضطرابات سياسية مركزة وواسعة النطاق، فبين عامي 2002 لـ 2010، زاد إجمالي عدد سكان المناطق الحضرية بالبلاد بنسبة 50 %، وفي حين أن تغير المناخ بالتأكيد لم يؤدِ بشكل مباشر لنشوب الحرب الأهلية السورية، إلا أن اليأس الاقتصادي الناجم عن المناخ والهجرة عمل على تعزيز دوافع الصراع البارزة الأخرى.
وموجات الحرارة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي؛ لزيادة الطلب على الكهرباء؛ حيث يعتمد الناس على مكيفات الهواء. فتم الإبلاغ عن مثل هذه الانقطاعات بجميع أنحاء المنطقة العربية؛ ما ولَّد احتجاجات وعنف داخلي بعدة بلدان، مثل (العراق وإيران ولبنان) بصيف هذا العام.
خلق بيئة حاضنة للإرهاب:
يساهم تغير المناخ بزيادة هشاشة الدول، وهو ما تعززه النزاعات المحيطة بالموارد الطبيعية وانعدام الأمن بالحصول على سبل العيش؛ لذا تتكاثر التنظيمات الإرهابية، ويسهل لها ممارسة نفوذها بظل البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع؛ لافتقار الدولة للنفوذ والشرعية، وتحاول التنظيمات الإرهابية سد الفجوة التي خلفتها الدولة من خلال توفير الخدمات الأساسية للحصول على الشرعية وتأمين الثقة والدعم بين السكان المحليين.
تساهم ندرة المياه بعدم الاستقرار، واستغلال داعش لها بإطار (تسليح المياه)، أي؛ استخدام المياه كسلاح إستراتيجي بـ(سوريا والعراق)، فمنذ بداية الحرب الأهلية بسوريا، لجأت المنظمات الإرهابية خصوصًا داعش للسيطرة على مصادر المياه والسدود الإستراتيجية على دجلة والفرات، وعلى البنية الأساسية، ويعد ذلك جزءًا من إستراتيجية التوسع وبناء (دولة الخلافة)؛ إذ إن معظم حوض الفرات يقع تحت سيطرتها، إذ سيطرت على سدود تشرين والفرات والبعث منذ 2012، كما مدت سيطرتها للوديان العليا لكل من دجلة والفرات، وقد لجأت داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى لقطع المياه عن حلب قبل الجلاء عنها؛ لعقاب ما يناهز 2.5 مليون سوري، كما سيطروا على ينابيع الفيحاء بوادي بردة عام 2015، وهو المصدر الرئيسي للمياه التي يستخدمها سكان دمشق الكبرى بما يناهز 5.5 ملايين سوري، واستخدمت المنظمات الإرهابية عدة تكتيكات للتأثير على السكان، مثل التحكم بكمية المياه، وتوقيت تدفقها؛ ما أدى لهروب السكان من ناحية، وانتشار الأمراض المتوطنة مثل التيفوئيد والكوليرا من ناحية أخرى، أو هدم البنية الأساسية لتدفق المياه أو تلويثها.
ازدياد خطر الجماعات المسلحة:
دائمًا ما تحذّر منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي بتقاريرهم، من أن النزاعات المسلّحة والافتقار للتمويل يمنع وصول الإغاثة من المجاعة، بالوقت الذي يبلغ فيه انعدام الأمن الغذائي مستويات قياسية جديدة.
إذ تشير التوقعات أن النزاعات والتداعيات الاقتصادية لـ(كوفيد-19) وأزمة المناخ، ستؤدي لارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد بعدة بؤر ساخنة للجوع خلال الفترة القادمة.
ومن تلك البؤر الساخنة: أفغانستان وأنغولا وجمهوريّة أفريقيا الوسطى وأمريكا الوسطى (غواتيمالا ونيكاراغوا وهندوراس) ومنطقة وسط الساحل (بوركينا فاسو ومالي والنيجر) وإثيوبيا وتشاد وجمهوريّة الكونغو الديموقراطية وجمهوريّة كوريا الديمقراطية الشعبية وجنوب السودان والسودان وسوريا وسيراليون والصومال وكولومبيا وكينيا ولبنان وليبيريا ومدغشقر وموزمبيق وميانمار ونيجيريا وهايتي واليمن.
وقد حذّرت المنظمة والبرنامج بالفعل من أن 41 مليون شخص باتوا معرضين لخطر المجاعة ما لم يتلقوا مساعدات فورية غذائية تتعلق بسبل العيش، وقد شهد عام 2020 مواجهة 155 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد بمستوى الأزمات أو مستويات أسوأ في 55 دولة (المرحلة 3 أو ما فوقها من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي/الإطار المنسق)، وفقًا للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، بزيادة قدرها أكثر من 20 مليونًا مقارنةً بعام 2019، وتشير التوقعات لزيادة التفاقم بهذا الاتجاه هذا العام.
ختامًا:
بالرغم من أنه لا تُوجد صلة مباشرة بين تغير المناخ والعنف والصراع المرتبطين بالتنظيمات والعمليات الإرهابية والنزاعات المسلحة، إلا أن التغير البيئي والمناخي على نطاق واسع يساهم بخلق بيئة قد تزدهر فيها العمليات الإرهابية والجماعات المسلحة، وتؤجج الصراعات بشكل أكبر.
قد تساهم ندرة موارد المياه والجفاف لاحتدام المنافسة على الموارد العابرة للحدود، فقد تؤدي ندرة الموارد داخل بلد ما لاضطرابات على مستوى الدولة، لكن التنافس على الموارد العابرة للحدود قد يرتقي لمستويات عدوانية، وتقدم قضية سد النهضة الإثيوبي على حوض نهر النيل، والذي من شأنه الإضرار بحصة مياه النيل لمصر والسودان، اللتان تعانيان من جفاف ونقص بموارد المياه، أحد الأمثلة المقلقة على ذلك.