إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف
على خلفية تصريحات سابقة لوزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، حول حرب اليمن، نشأت أزمة دبلوماسية بين لبنان وبلدان الخليج العربي، خاصةً السعودية؛ إذ تم بث مقابلة تليفزيونية أجراها قرداحي قبل توليه وزارة الإعلام بحكومة ميقاتي في سبتمبر الماضي، مؤكدًا فيها بأنّ الحوثيين المدعومين من إيران “يدافعون عن أنفسهم؛ لذا اتخذت العديد من دول الخليج إجراءات بحق لبنان؛ لاعتباره “إساءةً” و”تحيزًا” بحق السعودية والإمارات.
وجد وزير الإعلام اللبناني الحالي جورج قرداحي نفسه بقلب أزمة دبلوماسية وسياسية؛ لتصريحه السابق بشأن الحوثيين وحرب اليمن أغضب دول الخليج، وأدى لانقسامات بالداخل اللبناني بين مؤيد ومعارض لتلك التصريحات.
وإن أخطر ما في تداعيات التصريحات تزامنها مع وضع لبنان الحرج اقتصاديًّا وأمنيًّا، فضلًا عن ردود الفعل الخارجية الرسمية والداخلية التي خلقت نوعًا من الأزمة الدبلوماسية، طالت تداعيات أزمة الاقتصاد المنهار، فهل سيستمر الوضع بالتصعيد؟
أولًا: عزلة عربية وانقسامات داخلية
بغضون يومين، وجدت لبنان نفسها بأزمة دبلوماسية غير مسبوقة؛ حيث لم تصل علاقة لبنان مع دول الخليج، لا سيما مع المملكة العربية السعودية لهذا المستوى من التراجع، ولعل أبرز ردود الأفعال الخليجية الخارجية والداخلية كالآتي:
- ردود الأفعال الخليجية
- المملكة العربية السعودية
قامت المملكة العربية السعودية يوم الجمعة الماضي الموافق 29 أكتوبر باستدعاء سفيرها بلبنان للتشاور، وطلبت من سفير لبنان بالمملكة المغادرة خلال 48 ساعة؛ حيث أفاد الإعلام بعودة سفير السعودية للمملكة، صباح السبت الموافق 30 أكتوبر.
وقررت السعودية أيضًا “وقف كافة الواردات اللبنانية للمملكة، واتخذت إجراءات أخرى لتحقيق تلك الأهداف. وجاء بالبيان الرسمي، أن حكومة المملكة تؤكد على منع سفر المواطنين إلى لبنان، وحرصها على المواطنين اللبنانيين المقيمين بالمملكة، ولا تعتبر أن ما يصدر عن السلطات اللبنانية معبرًا عن الجالية اللبنانية المقيمة بالمملكة.
- الإمارات
استنكرت الخارجية الإماراتية تصريحات قرداحي، واستدعت سفير لبنان بالإمارات وأبلغته احتجاجها واستنكارها التصريحات، وسحبت دبلوماسييها ببيروت، ومنعت مواطنيها من السفر إلى لبنان، فيما أشار وزير الدولة الإماراتي، خليفة شاهين المرر، لـ”استمرارية العمل بالقسم القنصلي ومركز التأشيرات ببعثة الدولة لدى بيروت خلال الفترة الحالية”، بينما أكدت وكالة الأنباء الإماراتية أن “الدولة منعت مواطنيها من السفر لجمهورية لبنان”.
- البحرين
طلبت وزارة الخارجية البحرينية، من السفير اللبناني بالمنامة مغادرة المملكة خلال 48 ساعة، وقالت الخارجية: إن قرارها يأتي “على خلفية سلسلة التصريحات والمواقف المرفوضة والمسيئة الصادرة عن مسؤولين لبنانيين بالآونة الأخيرة”، موضحةً أن “هذا القرار لا يمس الأشقاء اللبنانيين المقيمين بالمملكة”.
- قطر
أعربت وزارة الخارجية القطرية عن استنكارها لتصريحات جورج قرداحي بشأن اليمن، داعيةً الحكومة اللبنانية لاتخاذ “إجراءات رأب الصدع بين الأشقاء”، مؤكدةً أن “موقف وزير الإعلام اللبناني الجديد غير مسؤول تجاه بلده وتجاه القضايا العربية على حد سواء”.
- الكويت
استدعت الخارجية الكويتية سفيرها من لبنان، وطلبت من القائم بالأعمال اللبناني لديها مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة، لافتةً أن “قرارها حول لبنان؛ لاستمرار التصريحات السلبية من المسؤولين اللبنانيين، واستنادًا للعلاقة التاريخية والروابط بين الكويت والسعودية”.
- سلطنة عمان
أعربت وزارة الخارجية العمانية عن “أسفها العميق” لتأزم العلاقات بين لبنان وعدد من الدول الخليجية، وقالت وزارة الخارجية العمانية: إنها “تدعو الجميع لضبط النفس والعمل لتجنب التصعيد ومعالجة الخلافات عبر الحوار والتفاهم بما يحفظ للدول وشعوبها الشقيقة مصالحها العليا بالأمن والاستقرار والتعاون القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية”.
- اليمن
أما اليمن، سلم سفير اليمن لدى بيروت، عبد الله الدعيس، أمين عام وزارة الخارجية اللبنانية، هاني شميطلي، رسالة احتجاج على التصريحات التي أدلى بها جورج قرداحي، وأعربت الخارجية اليمنية عن استغرابها الشديد من هذه التصريحات “التي تسيء للعلاقات اليمنية اللبنانية، وتتناسى جرائم الميليشيات الحوثية ضد الشعب اليمني وانقلابها على الحكومة الشرعية ومحاولاتها الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة، واستمرار رفضها لكل دعوات السلام، بتحدٍ واضح للقرارات الأممية كافة”.
- انقسامات بالداخل اللبناني
ينقسم الداخل اللبناني بين مؤيد ومعارض لتصريحات القرداحي، وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون في بيان نشرته الرئاسة “حرصه على إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، ومأسستها وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقيات الثنائية بين البلدين الشقيقين؛ حيث لا تؤثر عليها المواقف والآراء التي تصدر عن البعض، ولا تسبب أزمة بين البلدين، لا سيما أن مثل هذا الأمر تكرر كثيرًا “، مشددًا بضرورة “جعل التواصل بين البلدين بالمستوى الذي يطمح إليه لبنان بعلاقاته مع المملكة ومع سائر دول الخليج”.
بينما أعرب رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي عن أسفه من إجراءات السعودية إزاء بلاده، وقال: إنه يجري اتصالات للمساعدة بتهدئة الأزمة مع السعودية، مؤكدًا أن “موقف وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي أعلنه قبل توليه مهامه الوزارية، لا يمثل رأي الحكومة”، كما ناشد ميقاتي “القادة العرب بالعمل والمساعدة لتجاوز الأزمة للحفاظ على التماسك العربي بهذه الظروف الدقيقة”، وأشار باستمرار حكومته بـ”إجراء الاتصالات لمعالجة الأزمة وتداعياتها”.
وعلى الجانب الآخر، بالداخل اللبناني ومن المؤيدين لتصريحات قرداحي، أكد رئيس تيار “المردة” اللبناني، سليمان فرنجية، أن جورج قرداحي، عرض عليه استقالته، إلا أنه رفض ذلك، مؤكدًا عدم ارتكابه أي خطأ، ومعربًا عن تمنياته بـ“الاستمرار بأفضل العلاقات مع الدول العربية”.
وفي المضاد، انتقد تيار “المستقبل” بلبنان “تطاول حزب الله على الأشقاء العرب وتعريضه مصالح لبنان للخطر”، في حين حمَّل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، “حزب الله” المسؤولية عن التوتر الحاد الذي نشب بين لبنان والسعودية، متهمًا إياه بـ“إشهار العداء للعرب ودول الخليج العربي”.
كما اتهم النائب محمد رعد، رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” الممثلة لـ“حزب الله” اللبناني، السعودية بمحاولة تعطيل الانتخابات النيابية اللبنانية وتخريب الاستقرار الذي عاد إلى لبنان، كما كان “حزب الله” قد أشاد بـ“الموقف الشجاع والشريف” الذي اتخذه وزير الإعلام جورج قرداحي بخصوص اليمن، والذي قُوبل بردود فعل متباينة، مؤكدًا “رفضه بشكل قاطع أي دعوة لإقالة الوزير قرداحي أو دفعه للاستقالة”، واصفًا الدعوات بأنها “اعتداء سافر على لبنان وكرامته وسيادته”.
تشير تلك الأجواء المشتعلة سواء بالخارج أو الداخل اللبناني، بأن الأزمة تفوق تصريحات القرداحي، فإن ما يحدث يؤشر بانعزال بيروت عن العرب؛ ما لم يتم احتواء الوضع بشكل سريع.
ثانيًا: الأزمة الاقتصادية بوضع حرج
تعاني لبنان من أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي ضمن أسوأ 3 أزمات اقتصادية بالعالم، وبهذا الصدد، ستؤثر تداعيات التصريحات على الصناعة اللبنانية والمنتجات الغذائية والزراعية بوقتٍ لبنان في”أمسِّ الحاجة” لإنعاش اقتصادها من جديد.
جاء الانخفاض الملحوظ لسعر صرف الليرة اللبنانية، أمام الدولار بمستهل تعاملات يوم السبت الموافق 30 أكتوبر بالسوق غير الرسمية، وذلك غداة تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين لبنان من جهة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة أُخرى.
فبلغ متوسط سعر صرف الدولار الأمريكي 21 ألفًا و300 ليرة لبنانية لكل دولار بزيادة تتجاوز الـ 1100 ليرة عن متوسط السعر يوم الجمعة الموافق 29 أكتوبر، علمًا بأن السعر السائد خلال الأسبوعين الماضيين قبل أزمة التصريحات هو الأعلى منذ تشكيل الحكومة؛ للخلافات السياسية بالبلاد حول مسار التحقيقات بانفجار ميناء بيروت البحري، التي أدت لتعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء بكامل تشكيله منذ الثاني عشر من شهر أكتوبر الجاري.
وكان سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة قد انخفض لأدنى مستوياته منذ تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية بشهر يوليو الماضي؛ إذ وصل لـ13500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، عقب تشكيل حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بالعاشر من شهر سبتمبر الماضي، ثم عاد التدهور لسعر الليرة اللبنانية أمام الدولار مع تصاعد الأزمات التي تواجه الحكومة الجديدة.
والأسوأ، وقف كافة الواردات اللبنانية بقرارات مماثلة من دول خليجية أُخرى؛ نتيجة القرار السعودي، فطبقًا لإحصائيات عام 2018، بلغت صادرات لبنان للإمارات 450 مليون دولار، فيما بلغت الصادرات للسعودية 212 مليون دولار، أي تشكل كلاهما 23 % من إجمالي صادرات لبنان.
وقف الصادرات من لبنان للمملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة سيشكل تحديًا اقتصاديًا شديدًا للقطاعات الإنتاجية بالبلاد، خاصةً الزراعة والصناعة، وتباعًا بالنسبة لمجال الاستثمارات، يُوجد العديد من رجال الأعمال السعوديين المستثمرين بلبنان، لا سيما بقطاعات السياحة والفنادق والإعلام وقطاعات أُخرى، قد تقف تلك الاستثمارات التي شكلت حافزًا لزيادة الناتج المحلي، وبالتالي فإن توقفها يعني خسارة تلك الأموال؛ ما يؤدي لانخفاض إضافي بوفرة النقد الأجنبي”.
وعلى الهامش تواصلت الحكومة اللبنانية يوم الجمعة الموافق 29 أكتوبر مع فرنسا للوساطة؛ حيث طلبت فرنسا من الحكومة اللبنانية عدم الاستقالة تجنبًا لتداعياتها على الانتخابات النيابية التي عوَّل عليها المجتمع الدولي لإحداث التغيير بحسب مصادر دبلوماسية، قد لا يمنح صندوق النقد الدولي لبنان أي أموال قبل إجراء الانتخابات النيابية وبشروطه أي بالاستعانة بمئات المراقبين الدوليين، كما حصل بالعراق.
سيناريوهات مستقبلية
سيناريو تفاؤلي:
في وقت تحاول الحكومة اللبنانية الاستفادة بأي يد معونة لإنقاذ البلاد من حافة الانهيار، قد تقوم بإقالة قرداحي نفسه بالرغم من رفض بعض المسؤولين بالداخل؛ لاحتواء الأزمة الدبلوماسية قبل تفاقمها، خاصةً بأنها ليست المرة الأولى التي يقع توتر ناتج من تصريحات مسؤولين لبنانيين، ففي مايو الماضي، صرح وزير الخارجية اللبناني آنذاك، شربل وهبة، أن “دول الخليج دعمت صعود تنظيم داعش الإرهابي بالمنطقة”؛ ما أشعل التوتر بين لبنان ومنطقة الخليج، ولكن تم احتواء الوضع بشكل أو بآخر بالنهاية.
سيناريو تشاؤمي:
قد يستمر التصعيد الخليجي، باستمرار وجود حكومة ميقاتي التي تواجه تحديًا داخليًّا وخارجيًّا، وتتجه دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ خطوات تصعيدية مشتركة وفرض عقوبات على شخصيات لبنانية سياسية ورجال أعمال، من بينهم رجال أعمال نقلوا أموالهم من مصارف أوروبية للإمارات؛ خوفًا من العقوبات الأوروبية.
ففي النهاية، يبدو أن حكومة ميقاتي على المحك، خاصةً أن استقالة الحكومة أمر غير مطروح؛ لأنه سيؤثر على الانتخابات النيابية، وبالتالي سياسة صندوق النقد الدولي عدم منح لبنان أي أموال قبل إجراء الانتخابات النيابية.
وفي الاتجاه الآخر، بدأت أصوات من داخل الطائفة السُّنية تطالب باستقالة الحكومة، معلنةً تأييدها للسعودية؛ حيث حمَّل الحريري بشكل مباشر وعلني “حزب الله” مسؤولية ما يحدث بين لبنان والسعودية ودول الخليج.