المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > أوراق بحثية > العلاقات “المصرية – الباكستانية”: تحليل دوافع التقارب وأبعاده
العلاقات “المصرية – الباكستانية”: تحليل دوافع التقارب وأبعاده
- نوفمبر 24, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تشهدُ السَّاحةُ الإقليميةُ والدوليةُ، في السنوات الأخيرة، تحوُّلاتٍ جوهريةً، أعادت تشكيلَ خريطةِ التحالُفات والعلاقات بين الدول، في ظلِّ تصاعُد المنافسة الجيوسياسية، وتبدُّل موازين القوى، واتساع نطاق الشراكات العابرة للحدود لتعزيز القدرة على مواجهة التحديات المتسارعة، وقد دفعت هذه التحوُّلات العديد من الدول إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية والبحْث عن صِيَغٍ تعاونيةٍ أكثر مرونةً وفاعليةً بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
وفي هذا الإطار، تبرز العلاقات “المصرية – الباكستانية” كنموذج ديناميكي لشراكة متجددة بين دولتيْن ذواتيْ ثقل إقليمي تاريخي؛ إذ تعود أصول هذه العلاقة إلى عام 1948، عندما كانت القاهرة أول عاصمة عربية تستضيف سفارة لباكستان عقب استقلالها، وعبْر العقود، شهدت تلك العلاقة موجات متفاوتة من التفاعل، لكنها احتفظت بخصوصيتها؛ كوْنها تربط بين دولتيْن تقعان على تقاطع “جغرافي – استراتيجي” مهم، وتمتلكان وزْنًا معتبرًا داخل العالم الإسلامي وتاريخًا من التعاون في المحافل الدولية.
غير أن المرحلة الراهنة، تشهدُ العلاقاتُ الثنائيةُ تطوُّرًا لافتًا، مدفوعًا بتقارُب في اهتمامات الأمن القومي، وزيادة وتيرة المشاورات السياسية، وزيارات رسمية أعادت الزَّخَم إلى مسار العلاقة بعد فترة من الجمود النسبي، وشهدت هذه المرحلةُ تزايُدًا في الاتصالات على مستوى القيادات العُلْيَا، إلى جانب اهتمام متبادل بتوسيع مجالات التعاون في القطاعات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجيا الحديثة.
بناءً على ذلك، يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على دوافع وأبعاد هذا التقارُب، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي أسهمت في تعزيز العلاقات بين القاهرة وإسلام آباد.
أولًا: دوافع التقارب بين البلدين
شهدت العلاقات “المصرية – الباكستانية” تقارُبًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بجُمْلة من العوامل الإقليمية والدولية التي أعادت تشكيل أولويات البلديْن في بيئة دولية متغيرة، وقد أسهمت هذه الدوافع في تعزيز التنسيق بين الجانبيْن، ويمكن عرْض أبرزها على النَّحْو الآتي:
المكاسب الاقتصادية: ترى إسلام آباد في القاهرة شريكًا اقتصاديًّا واعدًا؛ إذ تتيح الخصائصُ “الجيو – اقتصادية” لمصر – من موقع استراتيجي فريد إلى تسهيلات استثمارية متقدمة– فرصةً لبناء سلاسل توريد مشتركة، وتمكين الصادرات الباكستانية من النفاذ بقدرة تنافسية عالية إلى أسواق دولية كبرى، ووصولها إلى نحو 3 مليارات مستهلك حول العالم؛ بفضل شبكة اتفاقيات التجارة التفضيلية التي تتمتع بها مصر، وهو ما يُشكِّلُ حافزًا جوهريًّا لتعزيز التقارب السياسي والاقتصادي بين البلديْن.
الحرب في غزة: يُمثِّلُ الشرق الأوسط أحد أكثر الأقاليم اضطرابًا، سواء بفِعْل الحرب في غزة، أو التدافُعات “الإيرانية – الإسرائيلية”، أو التوتُّرات في البحر الأحمر، بالنسبة لمصر، يُمثِّلُ استقرار هذه الملفات أولوية قصوى؛ لِمَا لها من تأثير مباشر على أمنها القومي، بينما تتابع باكستان التطوُّرات من زاوية التزاماتها داخل منظمة التعاون الإسلامي، وحساسياتها الداخلية المرتبطة بمواقفها تِجَاه فلسطين والمسلمين عالميًّا، وتصاعدت العلاقات بين الدولتيْن في ضوء حرب غزة عام 2023؛ حيث باتت القاهرة مُحرِّكًا رئيسيًّا لأيِّ حلٍّ سياسيٍّ وإنسانيٍّ، في المقابل، دعمت إسلام آباد الجهود المصرية في مختلف المحافل الدولية، بجانب مشاركة رئيس الوزراء شهباز شريف، في أكتوبر الماضي، في قمة “شرم الشيخ للسلام”، وقد عزَّزَ هذا التشاور السياسي بين الجانبين ودفعهما لتبني مواقف متقاربة بشأن قضايا، مثل “وقْف إطلاق النار، ودعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة”.
التنافسات في جنوب آسيا وصعود دور الهند: شهدت منطقةُ جنوب آسيا في السنوات الأخيرة تصاعُدًا ملحوظًا في دور الهند على الصعيديْن “الاقتصادي والعسكري”، وقد دفع هذا التغيير باكستان إلى السعي لإقامة شراكات مع دول تحافظ على علاقات متوازنة مع نيودلهي، دون تعريض مصالحها للخطر، في هذا الإطار، برزت مصر كطرفٍ قادرٍ على لعب دور “الوسيط الهادئ”؛ نظرًا لنجاحها خلال الفترة الماضية في بناء روابط متينة مع الهند، بالتزامن مع تعميق علاقاتها الاستراتيجية مع باكستان، هذا المزيج من التوازُن أكسب مصر أهميةً إضافيةً في الحسابات السياسية الباكستانية؛ مما ساهم في تعزيز قنوات الاتصال الدبلوماسي؛ لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي وجهود التهدئة في جنوب آسيا، خاصَّةً بعد التوتُّرات العسكرية التي شهدتها الحدود “الهندية – الباكستانية” مؤخرًا.
التغيُّرات الجيواقتصادية والتوجُّه نحو آسيا الوسطى: أصبحت التحولات الاقتصادية في آسيا الوسطى ذات تأثير كبير على باكستان ومصر مع بروز الممرَّات الاقتصادية الصينية، مِثْل (مبادرة الحزام والطريق)، إلى جانب توجُّه دول آسيا الوسطى نحو الانفتاح على أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا، وتُشكِّلُ هذه التطوُّرات فرصةً للتعاون بين البلديْن؛ حيث تعمل باكستان على الاستفادة من موقعها كبوابةٍ اقتصاديةٍ لجنوب وغرب آسيا، بينما تسعى مصر إلى تعزيز مكانتها كمركز لوجيستي عالمي، عبْر قناة السويس والمنطقة الاقتصادية المحيطة بها، ومن ثَمَّ؛ فالتقاطع “الجغرافي – اللوجستي” بين ميناء جوادر ومركزية قناة السويس؛ جعل من التنسيق “المصري – الباكستاني” ضرورة استراتيجية، خاصَّةً في ظِلِّ التغيُّرات التي فرضتها اضطرابات البحر الأحمر وارتفاع تكاليف الشَّحْن عالميًّا.
التحولات في بنية النظام الدولي: يتجلَّى تغيُّر هيكل النظام الدولي كعامل أساسي في تشجيع التقارب بين مصر وباكستان؛ حيث أفضى تفكُّك أنماط الهيْمنة التقليدية واشتداد المنافسة بين القوى الكبرى — خاصَّةً عقب الحرب “الروسية – الأوكرانية”— إلى خلْق سياقٍ دوليٍّ أكثر ديناميكية وأقلّ استقرارًا، هذا المشهد دفع العديد من الدول، ومنها “القاهرة وإسلام آباد”، صياغة شبكات شراكاتها الخارجية؛ بحْثًا عن هوامش أوسع للمناورة وتقليل الاعتماد على محور واحد، ومع اتساع الهُوَّة بين الغرب وروسيا، وعودة آسيا كحاضنة للصراع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، بات من الواضح أمام البلديْن أن تنويع العلاقات الدبلوماسية والأمنية يُمثِّلُ خيارًا استراتيجيًّا لتعزيز استقلالية قرارهما الخارجي، ووسيلة للتأقْلُم مع عالمٍ يتجه نحْوَ تعدُّديةٍ قطبيةٍ مضطربةٍ.
الانعكاسات الاقتصادية العالمية: دفعت التقلُّباتُ الكبيرةُ في أسواق الطاقة والاضطرابات في سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا، إلى جانب تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية” وارتفاع تكاليف الشَّحْن عبْر البحر الأحمر، كُلًّا من مصر وباكستان إلى إعادة تقييم شراكاتهما الاقتصادية وبحْث سُبُل جديدة للتعاون، فعلى الرغم من أن حجم التبادُل التجاري بين البلديْن لا يزال محدودًا، إلا أن التغيُّرات في الاقتصاد العالمي حفَّزت اهتمامهما بتعزيز الربط اللوجستي بين قناة السويس وميناء جوادر، إضافةً إلى توسيع نطاق التعاون في قطاعات، مِثْل “الصناعة، والأغذية، والتكنولوجيا:، كما أن الضغوط الاقتصادية التي تواجهها باكستان، وبرامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، تجعل من تبادُل الخبرات والاستثمارات المشتركة عُنْصَرًا مهمًا في المرحلة المقبلة.
ثانيًا: أبعاد العلاقات الثنائية “المصرية – الباكستانية”
تستندُ العلاقات بين مصر وباكستان إلى مجموعةٍ من الأبعاد السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والعسكرية التي تعكس تقارُبًا ملحوظًا في المصالح والتوجُّهات الاستراتيجية بين البلديْن، ويمكن إبرازاها على النحو الآتي:
1- البُعْد السياسي والدبلوماسي:
مثَّلَت الروابط السياسية بين مصر وباكستان مسار تعاونٍ مستمرٍ، منذ افتتاح باكستان سفارتها في القاهرة عام 1948، وزادها الزَّخَم الدبلوماسي الحديث حيوية بعد فترات من الجمود النسبي، ويمكن توضيح ذلك كالآتي:
على صعيد اللقاءات والاتصالات الرسمية؛ شهدت العلاقاتُ “المصرية – الباكستانية” تطوُّراتٍ ملحوظةً، تجلَّت في لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، خلال سبتمبر 2024، على هامش القمة العربية الإسلامية التي أقيمت في الدوحة، جاء هذا اللقاء في ظِلِّ أزمات إقليمية مُعقَّدة وضغوط متزايدة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا؛ حيث تطرَّق الزعيمان إلى تعزيز التعاون الثنائي وتنسيق المواقف بشأن قضايا غزة والأمن الإقليمي.
لاحقًا، تعزَّز هذا التواصل في أكتوبر 2025، عندما استقبل الرئيس السيسي رئيس الوزراء شهباز شريف، خلال قمة شرم الشيخ للسلام، وهي مبادرة اعتبرتها الأوساط الباكستانية خطوة تعكس الاعتراف بدور مصر الريادي في جهود التهدئة بقطاع غزة ومكانتها المتنامية كلاعبٍ رئيسيٍّ في معالجة أزمات المنطقة، وأشاد شهباز شريف خلال القمة بجهود الوساطة المصرية؛ مما أوضح تقارُب المواقف والرُّؤَى بين البلدين، لا سيما تِجَاه القضايا الكُبْرَى كالقضية الفلسطينية.[1]
إضافةً إلى اللقاءات المباشرة، حَرِصَ الجانبان على تعزيز قنوات الاتصال المفتوحة، كان من أبرزها مكالمة هاتفية جَرَتْ في مارس 2025؛ حيث هنَّأَ رئيسُ الوزراء الباكستاني الرئيس السيسي بحلول عيد الفطر المبارك، وعلى الرغم من الطابع البروتوكولي للمكالمة، إلا أنها شهدت نِقَاشًا مُعَمَّقًا حول نقْل التجربة المصرية الناجحة في مكافحة فيروس سي إلى باكستان، كما أعربت إسلام آباد عن رغبتها في الاستفادة من الخبرات المصرية التي حَظِيَتْ بإشادات عالمية، وتَمَّ الاتفاق على إطلاق تعاونٍ صحيٍّ مشتركٍ بين البلديْن.
وفي مايو 2025، جرى اتصال آخر تناول مناقشة اتفاق وقْف إطلاق النار بين الهند وباكستان، وأثْنَتْ مصر على الاتفاق وشجَّعَتْ على استدامته؛ ما عكس ثقة باكستان في دور القاهرة كعامل استقرار في جنوب آسيا، كما تضمَّنَتْ المكالمة بحْث الوضْع في غزة؛ حيث أكَّدَ الجانبان، ضرورة الإسراع في وقْف إطلاق النار وتكثيف المساعدات الإنسانية، إلى جانب دعْم الخطة “العربية – الإسلامية”؛ لإعادة إعمار القطاع.
وفي يونيو 2025، تجدَّدَ التواصُل بمكالمةٍ هاتفيةٍ، ركَّزَتْ على تعزيز العلاقات الثنائية والاستراتيجيات المشتركة إِزَاء تطوُّرات غزة والتنسيق داخل منظمة التعاون الإسلامي.[2]
على مستوى وزراء الخارجية؛ دعم هذا الزَّخَم بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الباكستاني، نشاط دبلوماسي موازٍ على مستوى وزيري الخارجية، من خلال سلسلةٍ من اللقاءات والاجتماعات الهاتفية، كان أبرزها لقاء الدكتور عبد العاطي بوزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، في نوفمبر 2024؛ حيث جرى تأكيد أهمية استمرار التشاور السياسي ودفْع التعاون الاقتصادي والتجاري إلى آفاق جديدة.
وبحلول ديسمبر 2024، اسْتُؤنفت المباحثات الثنائية بين الجانبيْن؛ لتنسيق المواقف في إطار عضوية باكستان غير الدائمة بمجلس الأمن للأعوام 2025-2026، والعمل ضمن منظمة الدول الثماني النامية، كما شَمِلَتْ المناقشات القضايا الإقليمية في غزة وسوريا ولبنان؛ مما أبرز أهمية الدور الدبلوماسي المشترك في التعامل مع التحديات الإقليمية.[3]
استمر هذا الزَّخَم الدبلوماسي خلال العام الجاري؛ إذ عقد وزيرُ الخارجية المصري اجتماعاتٍ متعددةً مع نظيره الباكستاني، أبرزها لقاءات يوم 11 فبراير؛ للتحضير لاجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، حول القضية الفلسطينية، ويوم 22 يونيو أثناء اجتماع مجلس وزراء خارجية المنظمة في إسطنبول، وكذلك يوم 28 يوليو، خلال المؤتمر الدولي للتسوية السِّلْمِيَّة لقضية فلسطين في نيويورك، كما التقى الوزيران يوم 25 أغسطس؛ على هامش الدورة الاستثنائية لمجلس وزراء خارجية المنظمة في جدة، وركَّزَتْ هذه الاجتماعات على ملفات رئيسة، مِثْل وقْف التصعيد العسكري في غزة وجنوب آسيا، وضمان تدفُّق المساعدات الإنسانية، إضافةً إلى تعزيز مجالات التعاون الاقتصادية والتجارية واستكشاف فرص استثمارية جديدة، كما تناولت المناقشات تطوُّرات المشهد الإقليمي والتحدِّيات الأمنية والسياسية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط.
تقارُب المواقف إزاء الأزمات الإقليمية: أبْدَتْ مصر وباكستان خلال السنوات الأخيرة من التنسيق في المواقف السياسية تِجَاه:
الحرب على غزة: أصبحت غزةُ أحدَ أبرز القضايا التي شهدت تعاونًا سياسيًّا وثيقًا بين القاهرة وإسلام آباد، شَمِلَ ذلك إداناتٍ مشتركةً للتصعيد الإسرائيلي، دعْمًا كاملًا للجهود المصرية لوقْف إطلاق النار، وتوافُقًا على أهمية تنفيذ خطة إعادة إعمار غزة ضِمْن الإطار “العربي – الإسلامي”، بالإضافة إلى التوافُق بين الطرفيْن داخل منظمة التعاون الإسلامي ومجلس الأمن.
العلاقات “الهندية – الباكستانية”: لعبت مصر دورًا بارزًا في دعْم جهود التخفيض من حِدَّة التوتُّر في جنوب آسيا، وقد رحَّبت القاهرة باتفاق وقْف إطلاق النار بين الهند وباكستان، في مايو 2025، كما قامت بإجراء اتصالاتٍ مُكثَّفَةٍ مع الطرفيْن للمساهمة في استقرار الأوضاع في كشمير.
كذلك، أكَدَتْ مصرُ دعْمَها للحوار كخيار أساسي لحلِّ الأزمة، بما يُبْرِزُ رغبة مصر في تعزيز مكانتها السياسية على السَّاحة الدولية، عبْرَ تكثيف جهودها في قضايا منطقة جنوب آسيا.
الأبعاد الإنسانية والدعم المتبادل: شَهِدَتْ السنواتُ الأخيرةُ تعميقَ الجانب الإنساني في العلاقات الثنائية بين البلديْن، فمن جانبها؛ قدَّمت القاهرة مساعدات إنسانية لباكستان، عقب وقوع فيضانات مدمرة في 2022 و2025، وعلى صعيدٍ آخرَ، عبَّرَتْ مصرُ عن إداناتها القوية لسلسلةٍ من التفجيرات الإرهابية التي ضربت باكستان خلال عاميْ 2022 و2023، بما فيها حادث التفجير الذي استهدف إقليم خيبر بختونخوا شمال غرب البلاد، وأسفر عن وقوع ضحايا ومصابين، والتفجير الانتحاري الذي استهدف مسجدًا في مدينة بيشاور، مُخَلِّفًا عشرات القتلى والجرحى، واستمرَّتْ القاهرة في تجديد موقفها الثابت نحو رفضها القاطع لكافَّة أشكال العُنْف، وتأكيد تضامنها الكامل مع باكستان في مواجهة التطرُّف والإرهاب، هذا المزيج من الدعم الإنساني والسياسي عزَّزَ مستوى الثقة المتبادلة، وأضْفَى مزيدًا من العُمْق والمُرُونة على العلاقات الثنائية بيْن البلديْن.[4]
2- البُعْد الاقتصادي:
يشهدُ البُعْدُ الاقتصاديُّ بين مصر وباكستان تطوُّرًا ملحوظًا مدعومًا بإرادة سياسية مشتركة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري وبناء شراكة أكثر قوة واستمرارية رغم محدودية حجم التبادل الحالي، وهو ما يتجسَّدُ في:
حجم التبادل التجاري، فبلغت نسبة التبادل التجاري بين البلديْن في عام 2024 إلى حوالي 217 مليون دولار، تشمل صادرات مصرية إلى باكستان بقيمة 104 ملايين دولار تتضمن “مواد كيماوية، أسمدة، زيوت معدنية، ومنتجات غذائية”.
على الجانب الآخر، بلغت قيمة الواردات الباكستانية نحو 113 مليون دولار، تركَّزَتْ بشكلٍ أساسيٍّ في “المنسوجات، الجلود، الأرز، وبعض المُعدَّات والآلات”
يعكس هذا الحجمُ النسبيُّ في الميزان التجاري إمكانياتٍ كبيرةً لتعزيز المبادلات التجارية، خاصَّةً في القطاعات التي يتمتع فيها الاقتصادان بميزات تنافسية.[5]
الاستثمار، بلغت الاستثمارات الباكستانية في مصر 36 مليون دولار عبر أكثر من 170 شركة في قطاعات متنوّعة؛ مما يعكس الثقة المتزايدة في بيئة الاستثمار المصرية المدعومة بتسهيلات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. ويبرز تعاون البلديْن في ربْط المنطقة بميناء جوادر كبدايةٍ لممرٍّ لوجستيٍّ مشتركٍ يدعم التجارة بين باكستان وأفريقيا وآسيا الوسطى.
استثمار شركة “إنترلووب” بقيمة 35.2 مليون دولار في المنطقة الاقتصادية يؤكد اهتمام باكستان بموقع مصر كمركز للتصدير نحو أفريقيا وأوروبا، فيما تسعى مصر لجذْب المزيد من الاستثمارات الباكستانية بالقطاعات الواعدة، مع اعتبار باكستان السوق المصري محورًا لاستراتيجيتها Look Africa” ” ضِمْن إطار مجموعة الدول الثماني النامية (D8).
القطاع الزراعي: لم يقتصر الاهتمام الباكستاني على القطاع الصناعي فحسب، بل امتدَّ ليشمل قطاعات أخرى؛ إذ أَبْدَتْ وزارةُ الزراعة الباكستانية اهتمامَها بالاستفادة من الخبرات الزراعية المصرية، وخاصَّةً في إنتاج المحاصيل ذات القيمة التصديرية العالية، كما تَمَّ استعراض فُرَص التعاون في تصنيع جرَّارات زراعية صغيرة الحجم ودراجات نارية كهربائية، وهي صناعات تُنتجها باكستان بالتعاون مع شركات صينية.[6]
ويُضَافُ إلى ما سبق وجود إطار قانوني يدعم هذا التعاون الاقتصادي، من خلال عضوية البلديْن في اتفاقية التجارة التفضيلية للدول الإسلامية (الكومسيك)، التي تُوفِّرُ مَزَايَا جمركية للمنتجات المتبادلة، ورغم وجود بعض التحفظات المصرية بشأن نسب المكون المحلي في السِّلَع، إلا أنَّ الاتفاقية لاتزال تُمثِّلُ أداةً واعدةً لزيادة مستوى التجارة الثنائية إذا ما استُخدمت بشكلٍ أكثرَ فاعليةً في المستقبل القريب.
3- البُعْد العسكري والأمني:
يُمثِّلُ التعاونُ العسكريُّ والأمنيُّ أحدَ أهمِّ ركائز “استعادة الزَّخَم” في العلاقات بين البلديْن، ويمكن إبراز ذلك على النَّحْو الآتي:
زيارات وتفاهمات عسكرية رفيعة المستوى: خلال السنوات الأخيرة، شَهِدَتْ العلاقاتُ بين البلديْن سلسلةً من اللقاءات والاجتماعات رفيعة المستوى التي أسفرت عن تعزيز التعاون الدفاعي، ففي يوليو 2025، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بالفريق أول ساهر شمشاد مرزا، رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية؛ حيث أكَّدَ الجانبان تطوَّرَ العلاقات الدفاعية، مع التركيز على تعزيز التعاون العسكري، تبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب، ومناقشة القضايا الأمنية الإقليمية، مِثْل الوضع في غزة وجنوب آسيا، وتَبِعَ هذا اللقاء زيارة الفريق الرُّكْن سيد عاصم منير، رئيس أركان الجيش الباكستاني، إلى مصر في أكتوبر 2025؛ حيث عقد مباحثات مُكثَّفة مع الفريق أول عبد المجيد صقر، وزير الدفاع، والفريق أحمد خليفة فاتحي، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، وتناولت هذه المباحثات قضايا توسيع التعاون الدفاعي وبرامج التدريب المشترك إلى جانب تنسيق المواقف في مواجهة الأزمات الإقليمية[7].
ناهيك عن تصاعُد الزيارات واللقاءات الفنية بين وفود عسكرية من الجانبين، خلال السنوات الأخيرة الماضية، شملت اجتماعات لتطوير التعاون في التدريب المشترك، وتبادل الخبرات الفنية، وتوسيع آليات الاتصال بين المؤسسات الدفاعية، مع مشاركة الضباط الباكستانيين والمصريين في برامج تدريبية متبادلة، خصوصًا في مجالات مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود.
تدريبات عسكرية مشتركة؛ ميدانيًّا؛ نجحت القوات المسلحة للبلديْن في تنفيذ مجموعة واسعة من التدريبات المشتركة التي عكست درجةً عاليةً من الاحترافية والتنسيق العملياتي، ومن أبرز هذه التدريبات:
التدريب الجوي المشترك (أندوس شيلد 2024) الذي استضافته باكستان بمشاركة القوات الجوية المصرية والباكستانية إلى جانب القوات السعودية والتركية و18 دولةً أُخْرَى بصفة مُرَاقِب، وتضمَّنَ التدريب الجوي محاضرات نظرية لتوحيد المفاهيم العملياتية وتعزيز المهارات القتالية بما يتواءم مع أحدث أساليب القتال الجوي الحديث، كما نفَّذت المقاتلات متعددة المهمات العديد من الطلعات الجوية لتبادُل الخبرات وتطوير القدرات التكتيكية للقوات المشاركة، بالإضافة الى تدريب القوات الخاصَّة المشتركة تحت مسمى Raad-1) ) الذي تضمن عمليات نوْعِيَّة ضد أهداف إرهابية افتراضية؛ بهدف تعزيز الجاهزية في مواجهة التهديدات غير التقليدية.
مشاركة باكستان في تمرين Bright Star متعدد الجنسيات الذي أُقِيمَ في مصر؛ حيث وفَّرَ الحقل التدريبي فرصةً لتنسيق واسع النطاق بين الجانبيْن، في إطار تدريبات جوية وبرية لمجابهة التهديدات الهجينة، كذلك، أُجريت تدريبات دفاع جوي مشتركة عام 2021 بعنوان Sky Protectors-1) ) ركَّزَتْ على تأمين الأجواء وحماية الأهداف الحيوية وتبادل الخبرات ذات الصلة.
إلى جانب هذه الأنشطة، استمرت اجتماعات لجنة التعاون العسكري المشتركة لتفعيل التعاون في مجالات التدريب والإنتاج العسكري ومكافحة الإرهاب، وبالتحديد، عقدت اللجنة اجتماعها الأخير، عام 2024، في راولبندي؛ حيث شدَّدَتْ على توسيع مجالات التعاون الأمني والدفاعي.[8]
الصناعات الدفاعية: يُشكِّلُ قطاع الصناعات الدفاعية أحدَ أهمِّ ميادين التعاون التي تسعى الدولتان مصر وباكستان إلى تعزيزها، خاصَّةً في ظِلِّ توجُّه مصر نحو توطين أحدث تقنيات التصنيع العسكري وتوسيع نطاق منتجاتها العسكرية والمدنية لتعزيز قدرتها التنافسية، وفي هذا السياق، جاءت دعوة الشركات الباكستانية للمشاركة في المعرض الدولي للصناعات الدفاعية EDEX 2025″ ” في مصر، حيث أعرب وزير الدولة للإنتاج الحربي عن تطلُّعه لإقامة شراكات استراتيجية بين شركات الإنتاج الحربي المصرية ونظيرتها الباكستانية العاملة في مجالات تصنيعية متشابهة.
كما تتطلَّعُ مصر للاستفادة من الخبرات المتقدمة لباكستان في قطاعات محددة من الصناعات الدفاعية، مِثْل “تكنولوجيا الطيران والمُعدَّات العسكرية”؛ بهدف تقليل الاعتماد على الموردين التقليديين سواء الغربيين أو الرُّوس، في المقابل، يتيح السوق المصري فرصةً مهمةً للشركات الباكستانية للوصول إلى الأسواق الأفريقية الواعدة في مجال الدفاع، فضْلًا عن الاستفادة من الإمكانيات التصنيعية والتكنولوجية المتطورة والبِنْية التحتِيَّة المتقدمة التي تتمتع بها الشركات المصرية وشبكاتها المرتبطة.
مكافحة الإرهاب: تعتبر مكافحة الإرهاب محورًا أساسيًّا في تعزيز العلاقات السياسية والأمنية بين البلديْن، فكلاهما يمتلكان خبرةً طويلةً في التعاون المشترك على المستوييْن “الإقليمي والدولي”.