المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > حظْر ّّالإخوان في كينيا: إعادةُ ضبط معادلات الأمن الداخلي ومواجهة التهديدات
حظْر ّّالإخوان في كينيا: إعادةُ ضبط معادلات الأمن الداخلي ومواجهة التهديدات
- نوفمبر 26, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعداد: إلهام النجار
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
في خطوةٍ هامةٍ لمكافحة الإرهاب العالمي، صنّفت كينيا رسميًا جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير ككيانين إرهابيين بموجب قانون منع الإرهاب الكيني. وبهذه الخطوة، تنضمُ نيروبي إلى عددٍ من الدول الأخرى حول العالم التي اتخذت خطواتٍ مماثلةً لمكافحة المنظمات الإرهابية. وفي 19 سبتمبر 2025 نشر وزير الداخلية الكيني “كيبتشوجي مورخوميني” قرار تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ككيانٍ إرهابيٍّ ، بموجب قانون منع الإرهاب، في الإشعار القانوني رقم 157 في الجريدة الرسمية الكينية، وتنبعُ أهميةُ القرار من كونه خطوةً استباقيةً لحماية المجتمع من خطر الجماعة والتنظيم الدولي، ومنْع تواجدها على الأراضي الكينية، أو لَعِبها دور الوسيط بين الحركات والتنظيمات الإسلامية في كينيا. كما أنه يوقف إنشاء كياناتٍ تبدو مستقلةً ظاهريًا، لكنها في الواقع تتبع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ويشجّع الدول على اتخاذ الموقف نفسه كخطوةٍ استباقيةٍ لحماية المجتمعات من تسلّل الجماعات المتطرفة إليها. كما يُسهّل القرار تبادل المعلومات الأمنية مع الدول التي تتبنى التصنيف نفسه، مما يعزز مكافحة الإرهاب.[1]
كما يمثّل هذا القرار لحظةً كاشفةً في مسار التحولات الأمنية والسياسية بشرق أفريقيا؛ لحظةً تُظهر كيف باتت الدول الأفريقية أكثر وعيًا بضرورة تفكيك البنى الأيديولوجية العابرة للحدود التي تستثمر في هشاشة المجتمعات وتعدد خطوط الصراع. فالخطوةُ ليست مجرد إجراءٌ قانونيٍ، بل إعلانٌ عن مرحلةٍ جديدةٍ تُعيد فيها نيروبي ضبط علاقتها مع الحركات الإسلاموية، وتبعث برسالةٍ واضحةٍ إلى الإقليم مفادها أن معادلة الاستقرار لم تعدْ تحتملُ تنظيماتٍ تمتلكُ قدرةً على التمدّد في الفضاء الديني والاجتماعي والسياسي خارج رقابة الدولة. وبينما تتجه القارة نحو تعزيز مقارباتٌ مكافحة التطرف، يكشف القرار عن إعادة رسْمِ خريطة النفوذ داخل شرق أفريقيا، حيث تتراجع مساحات المناورة أمام الجماعات الأيديولوجية، وتتصاعد أهمية الدولة كفاعل مركزي في حماية السِلم والأمن الإقليميين.
أولًا: أسباب التصنيف وصلاحيات موسعة للسُلطات
يستندُ القرار إلى نشاط الجماعتين في دعم وتمويل الإرهاب، ما يُشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الكيني والاستقرار الإقليمي. وبموجب التصنيف الجديد، باتت السُلطات الأمنية في كينيا تتمتع بـصلاحيات موسعة تشمل:
تجميدَ الأصولِ المالية المرتبطة بالمنظمتين.
حظْرَ الاجتماعات والأنشطة التنظيمية.
التحقيقَ في الخلايا التابعة وملاحقة الأفراد المرتبطين.
الحجز القضائي لفترات أطول.
تفكيك الشبكات المالية واللوجستية المشتبه في ارتباطها بالجماعتين.
ويُتوقع أن يُسهم القرار في تقليص قدرة الجماعتين على بناء جسورٍ خارجيةٍ تُستخدم لنشْرِ أيديولوجياتٍ متطرفةٍ أو لتأمين دعمٍ ماليٍ غير رسميٍ من جهاتٍ خارجية.[2]
ثانيًا: دلالات قرار الحظر
يحمل حظر كينيا للتنظيم دلالات استراتيجية، أبرزها: الحدُّ من دور الجماعة في اختراق المؤسسات الدينية والتعليمية، تقليص قدرتها على التموضع داخل بيئات الهشاشة السياسية، وإعادةُ رسْمِ التحالفات داخل الإقليم بما ينسجمُ مع توجّهات مكافحة التطرف العنيف. ويمكن توضيح أبرز هذه الدلالات من خلال الآتي:
1- الدلالات الأمنية:
قطْعُ قنوات التمدد والأيديولوجيا، حيث إن هناك قناعةً لدى أجهزة الأمن أن بعض التنظيمات الدعوية يمكن أن تكون جزءًا من بيئةٍ فكريةٍ تُغذي التطرف أو تُسهِم في التوجيه الاجتماعي والسياسي الذي يمهد لظهور فواعل عنيفة؛ لذلك تهدف الإجراءات إلى تجفيف منابع التمويل والفضاء التنظيمي. [3]
مواجهة التهديدات المحلية والإقليمية، حيث وجودُ حركتي شباب الصومال ونشوء خلايا محلية دفعاً إلى سياسةٍ أكثر صرامةً تجاه أي شبكةٍ يمكن أن تُستغل كغطاءٍ أو بوابةٍ تواصل مع شبكات متشددة. [4]
2- الدلالات السياسية:
محاكاة نمطٍ إقليمي: قرار كينيا يأتي ضمن موجةٍ مشابهةٍ شهدتها دولٌ مثل الأردن والسعودية وإجراءات متسارعة في دول أخرى لاستهداف الإخوان أو فروعها، ما يعكس تغيّرًا إقليمياً في تصنيف الحركة (من حركة سياسية/دعوية إلى تهديد أمني لدى عدد من العواصم).
إعادة تموضع دبلوماسي: يضع الحظر كينيا في “خطّة” دوليةٍ إقليميةٍ وغربيةٍ ترى في مواجهة البنى الأيديولوجية جزءًا من مكافحة الإرهاب، ما قد يفتحُ أبواب تعاونٍ أمنيٍ واستخباراتيٍ وبرامج تمويل أمني. [5]
ثالثًا: تأثير القرار على القارة الأفريقية
يمثّل قرار كينيا بحظر تنظيم الإخوان نقطة تحوّل في مسار التعامل الإفريقي مع الحركات الإسلاموية، عبر انتقال دول شرق القارة من نهْجِ الاحتواء إلى نهْجِ المواجهة القانونية المباشرة. ويعكس القرار اتساع إدراكٍ أفريقيٍ متنامٍ بأن شبكات الإسلام السياسي تُسهم في تعقيد بيئات الهشاشة والصراع، بما يفرض إعادة صياغة مقاربات الأمن الإقليمي ومكافحة التطرف في القارة. ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
1- التأثير المباشر :
قدْوة/سابق يُحتذى، حيث حظر كينيا قد يشجّع دولاً أفريقية أخرى تُعاني من حضورٍ تنظيمي/أيديولوجي إسلامي أن تتبنّى سياساتٍ مماثلةً، خصوصًا في دول الساحل وفي شرق إفريقيا، ما يعني توحيداً متدرجاً لنهج أمن الإقليم تجاه الحركات ذات الامتداد الدولي. [6]
2- التأثير على العمل المدني والدعوي:
تضييق فضاء العمل الإسلامي المدني: جمعيات خيرية وتعليمية مرتبطة تاريخياً بشبكات واسعة قد تجد نفسها تحت ضغطٍ قانونيٍ وماليٍ، ما يؤدي إلى فراغٍ خدماتيٍ في قطاعاتٍ مجتمعيةٍ (تعليم، رعاية، مساعدات) إذا لم تُعوَّض ببدائل محليةٍ أو حكومية.
إعادة تشكيل المشهد الديني: ظهور قيادات وتيارات إسلامية معتدلة أو مرخّصة من قِبلِ الدولة قد يعيد رسم الخريطة المؤسسية للدين في بعض البلدان الإفريقية.
3- التأثير الأمني والجيواستراتيجي:
تعزيز التعاون الاستخباراتي: توقّعُ زيادة عمليات تبادل معلومات، تدريب، وتمويل برامج مكافحة تمويل التطرف بين دول إقليمية وشركاء دوليين.
خطر التحويل إلى عملٍ سريٍ أو رقميٍ: تضييق الحيز الرسمي قد يدفع ببعض الشبكات إلى التخفّي أو الانتقال إلى الفضاء الرقمي والشبكات الموازيّة، ما يجعل تتبعها أصعب ويستدعي أدوات سرية/قانونية متقدّمة.[7]
رابعًا: التأثير الإقليمي
يأتي قرار كينيا بحظر تنظيم الإخوان ليعيدَ رسم ملامح التوازنات الإقليمية في شرق إفريقيا، إذ يدفع دول الجوار إلى إعادة تقييم حضور الحركات الإسلاموية داخل حدودها. كما يعزّز القرار اتجاهًا إقليميًا متناميًا نحو احتواء نفوذ الجماعة والحدّ من قدرتها على خلْقِ شبكاتٍ عابرةٍ للحدود تُوظَّف في التأثير السياسي أو تغذية بيئات التطرف. ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
محور مصالح مع دول الخليج ومصر: الحظر يتوافق مع مواقف دول مثل مصر والإمارات والسعودية التي ترى في الإخوان تهديدًا للأمن الداخلي والاستقرار السياسي، لذلك قد ينجمُ عنه تعزيزُ تعاونٍ ثنائيٍ/مناطقي في استهداف شبكات التمويل والدعاية. [8]
أثر على الفاعلية السياسية للإخوان إقليميًا: تقنين الحظر في دول أفريقية يقلّل من قدرة الفروع أو الحلفاء الإقليميين على التنقّل والعمل بحرية، ويضع ضغطًا على الشبكات الإقليمية التي تُدير أنشطةً سياسيةً أو اجتماعيةً عبر الحدود. [9]