المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > الأزمة “اليابانية – الصينية” حول تايوان: ما بين حِدَّة التصريحات والتصعيد المتبادل
الأزمة “اليابانية – الصينية” حول تايوان: ما بين حِدَّة التصريحات والتصعيد المتبادل
- نوفمبر 28, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: أكرم السيد
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
أثار تصريح رئيسة وزراء اليابان، ساناي تاكايتشي بشأن تايوان، في 7 نوفمبر 2025، والذي اعتبرت فيه أن أيَّ تهديد صيني للجزيرة يُعَدُّ تهديدًا مباشرًا لليابان، غضب الصين بشكلٍ واضحٍ، وأعاد قضية تايوان إلى صدارة الاهتمامات الإقليمية والدولية، وهذا التصريح لم يكن مجرد موقف سياسي، بل شكَّلَ إشارة استراتيجية قوية تعكس تحوُّلًا في الخطاب الياباني نحْوَ مزيدٍ من الصرامة والوضوح في حماية المصالح الوطنية، وأدَّى بشكلٍ ملموسٍ إلى اضطرابات في العلاقة بين اليابان والصين على مدار الأيام الماضية، والتي لطالما اتسمت فيما قبْل بالحذر والتوازُن الدقيق بين التعاون الاقتصادي والاحتياط الاستراتيجي.
وتعكس الأزمة الراهنة واقع التفاعلات المُعقَّدة والمتشابكة في شرق آسيا؛ حيث يمكن لأيِّ تحوُّلٍ في الخطاب أو السياسة أن يُعيد ترتيب الأولويات الإقليمية والدولية، ويزيد من حساسية القوى الإقليمية والدولية تِجَاه أيِّ خطوةٍ قد تُفسر على أنها تصعيد، ومن منظور آخر، فإن هذه التطوُّرات توفر فرصةً بارزةً لفهْم كيفية إدارة الصراعات الإقليمية بأسلوب مدروس، مع الحفاظ على التوازن وتجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة.
في هذا السياق، سيتمُّ تسليط الضوء على هذه الأزمة منذ بدايتها، مرورًا بالتحوُّلات في النَّهْج الياباني الجديد الذي يتزامن مع تولِّي رئيسة الوزراء الجديدة المسؤولية، والفروقات بينه وبين نهْج الحكومات السابقة، بالإضافة إلى المواقف الدولية الناتجة عن الأزمة، ووصولًا إلى المآلات المحتملة للتوتُّرات المستمرة:-
أولًا: بداية الأزمة وتصريحات رئيسة الوزراء اليابانية
بدأت ملامح التصعيد الأخير بين اليابان والصين حول تايوان مع التحوُّل الواضح في الخطاب السياسي الصادر عن طوكيو، وتحديدًا بعد التصريحات الحادة لرئيسة الوزراء اليابانية، التي أكَّدَتْ فيها أن أيَّ تغيير قسْرِيٍّ في الوضْع القائم بتايوان لا يُعَدُّ مجرد أزمة إقليمية، بل يُمثِّلُ تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الياباني، وهذا التصريح لم يكن مجرد تعبير عن موقف سياسي، بل حمل دلالات استراتيجية عميقة؛ لكونه يربط للمرة الأولى بصورةٍ صريحةٍ بين استقرار تايوان وقدرة اليابان على حِفْظ توازنها الأمني في مواجهة التمدُّد الصيني[1]، ويمكن القول: إن هذا الرَّبْط هو ما دفع الأزمة إلى مستوى جديد من التوتُّر؛ حيث فسَّرْتَه بكين باعتباره خروجًا عن الأعراف التي حكمت علاقة الدولتيْن لعقود.
وتنبع خطورة هذا التحوُّل من أنه جاء في سياقٍ تتزايد فيه المخاوف اليابانية من تسارُع وتيرة التحديث العسكري الصيني، لا سيما في محيط بحر الصين الشرقي، وفي ظِلِّ تصاعُد المؤشرات على إمكانية استخدام الصين أدوات ضغط أشد صرامة تجاه تايوان. ومن ثم، عكست تصريحات رئيسة الوزراء محاولتها لتفسير الممارسات الصينية بطريقة تسمح لها بتفعيل الأدوات الأمنية والدفاعية اليابانية بصورة أكثر مرونة مما كان معمولًا به في الحكومات السابقة إذا لزم الأمر.
في المقابل، وتحديدًا على الجانب الصيني، فقد تلقت بكين هذه التصريحات باعتبارها تجاوزًا للخطوط الحمراء التقليدية؛ إذ رأت بكين فيها محاولة من طوكيو لإعادة صياغة دورها الإقليمي، عبْر الارتباط العسكري والسياسي بقضية تعتبرها الصين شأنًا داخليًّا، كما جاء الرَّدُّ الصيني سريعًا وحادًّا، مؤكِّدًا أن أيَّ تورُّطٍ يابانيٍّ في مسألة تايوان سيُواجه بردعٍ قويٍّ؛ بما يعكس حجم الحساسية التي تتعامل بها الصين مع أيِّ طرفٍ يُظهر دعْمًا علنيًّا لتايوان[2]، وبشكلٍ عامٍ، مثَّلَتْ هذه اللحظة نقطة تحريك للتوازن الحَذِر الذي حافظت عليه اليابان لعقود في علاقاتها مع الصين، ورسَّخت إدراكًا جديدًا بأن طوكيو تتجه نحْوَ مقاربةٍ أكثر جرْأَةً في إدارة التهديدات الإقليمية، وهذه النَّقْلة في الخطاب الرسمي لم تكن معزولةً، بل جاءت انعكاسًا لتحوُّلٍ أعمق في رؤية الحكومة اليابانية للمشهد الأمني، وهو ما يستوجب الانتقال للبحث في الفروق بين نهْج القيادة الحالية ونهْج الحكومات السابقة في إدارة العلاقات مع الصين.
ثانيًا: سياسة اليابان تِجَاه الصين في عهد الحكومة السابقة
في الفترة التي سبقت التصعيد الأخير، اعتمدت اليابان – عبر حكومات متعاقبة- سياسة متعددة الأبعاد في علاقتها مع الصين، تستند إلى مزيجٍ من التعاون الاقتصادي، والدبلوماسية الحذِرة، والتوازن الأمني. وهذا المزيج في مُجْمَلِه شَكَّلَ إطارً استراتيجيًّا مستقرًّا؛ هدف إلى الحفاظ على مصالح طوكيو الاقتصادية مع تفادِي الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة مع بكين[3]:-
1- التعاون الاقتصادي كأساس للعلاقة
مثَّلَ التعاونُ الاقتصاديُّ أحدَ الأعمدة المركزية في العلاقة “اليابانية ‑ الصينية”؛ فمنذ تطبيع العلاقات بين البلدين، لعبت اليابان دورًا محوريًّا كمستثمرٍ وشريكٍ تجاريٍّ في الصين؛ مما دعم النمو الاقتصادي الصيني وأسْهم في تعزيز الترابط الاقتصادي بين القوتين، وهذا الارتباط شكَّلَ مصلحةً مشتركةً للطرفين؛ حيث استفادت طوكيو من سوق صيني ضخم لتصدير منتجاتها الصناعية والتكنولوجية، بينما استفادت بكين من الخبرات والاستثمارات اليابانية، وهذا البُعْد الاقتصادي دفع القيادة اليابانية إلى تبنِّي نهْج عدم الاستفزاز في القضايا السياسية الحساسة حِرْصًا على استقرار العلاقات الاقتصادية.
2- الدبلوماسية الحذرة في إدارة الملفات الشائكة
اتسمت الدبلوماسية اليابانية تِجَاه الصين على مدار السنوات الماضية بالتحفُّظ والحَذَر؛ حيث فضَّلَتْ الحكومات السابقة معالجة هذه القضايا ضمن قنوات رسمية، متجنبةً الخطاب الإعلامي الاستفزازي أو التصريحات التي قد تُثير ردَّ فِعْلٍ صينيٍّ عاطفيٍّ أو قوميٍّ، وهذا الأسلوب هدف إلى تجنُّب إشعال أزمات رمزية تعبث بالاستقرار، مع إبقاء الباب مفتوحًا للحوار كوسيلة مهمة في معالجة الخلافات.
3- التوازن الأمني
رغم أن الصين بدأت منذ عقود بالتوسُّع العسكري وتعزيز قدراتها في بحر الصين الشرقي ومحيط آسيا والمحيط الهادئ، لم تعتمد اليابان على ردِّ فِعْلٍ استفزازيٍّ، بدلاً من ذلك، اعتمدت سياسة ضبْط النفس والالتزام بالقانون الدولي في إدارة النزاعات البحرية والجوية، مع الاحتفاظ بخيار الرَّدْع ولكن ضمن أُطُرٍ دفاعية، وليس اعتداءً، وهذا التوازن الأمني بدوره قلَّلَ من احتمالات اشتباك مباشر، وأتاح لطوكيو تجنُّب صدام مفتوح مع بكين.
من خلال هذه العناصر الثلاثة السابقة، يمكن فهْم سياسة اليابان في إدارة علاقاتها مع الصين؛ حيث أتاحت هذه السياسة لطوكيو بأن تبني علاقتها مع بكين على أساس مصالح مشتركة، وتتجنَّبَ الأزمات الهيكلية التي قد تُعيد فتْح ملفات تاريخية أو تؤدي إلى تصادمٍ أمنيٍّ، لكن هذه المعادلة رغم فعاليتها، كانت قائمةً على إرادة سياسية تتحلَّى بالحذر، وعلى أن تظلَّ الأولويات الاقتصادية والدبلوماسية هي العليا. كما أن أيَّ تغيير في القيادة، أو تحول في السياق الإقليمي أو الدولي، أو ظهور قوى داخلية تطالب بموقف أكثر حِدَّة، قد يُخِلُّ بهذا التوازن ولو قليلًا كما هو حادث في ضوء أزمة التصعيد الحالية.
ثالثًا: نهج رئيسة الوزراء اليابانية الحالية تجاه الصين
مع تولِّي رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي رئاسة الحكومة اليابانية، طَرَأَتْ تحوُّلاتٌ واضحةٌ في استراتيجية اليابان تِجَاه الصين ومنطقة تايوان، بشكلٍ يعكس إعادة تقييم شاملة للأولويات الأمنية والدبلوماسية؛ إذ لا يقتصر النَّهْج الجديد على التلويح بالإجراءات العسكرية أو استخدام الخطاب السياسي الحاد فحسب، بل يحمل في طيَّاته أبعادًا أيديولوجية تعكس فلسفة قيادة قائمة على تعزيز الأمن القومي، والدفاع عن السيادة الوطنية، وتأكيد القِيَم التقليدية المحافظة لليابان في السياسات الخارجية، وهو ما يمكن توضيحه في السياق الآتي[4]:-
1- التحوُّل في لغة الخطاب السياسي
ظهر أول مؤشر على التحوُّل في الخطاب الرسمي لتاكايتشي، عندما ربطت أيَّ تهديد صيني لتايوان بالمصالح الأمنية الحيوية لليابان، مشيرةً إلى أن التدخُّل الدفاعي قد يكون مشروعًا للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية سيادة الدولة، وهذا الرَّبْط يوضح أن ثمَّةَ تحولًا في نهْج التعامل مع تايوان كملفٍّ إقليمي مجرد إلى مسألة وجودية للأمن القومي الياباني، وهو ما يعكس حضورًا أيديولوجيًّا بأن حماية السيادة الوطنية ليست مجرد خيار تكتيكي بل هو مبدأٌ استراتيجيٌّ ثابتٌ.
2- وضوح النزعة الأيدلوجية اليمينية
يظهر النَّهْج الإيديولوجي عمليًّا من خلال الإجراءات الدفاعية الاستباقية التي أعلنتها الحكومة، مِثْل بناء الجيش وتحديثه وكذلك تحديث قدراتها الدفاعية ككل[5]، وهذه الخطوة تُبرز اعتماد تاكايتشي على مبدأ الرَّدْع الوقائي، وهو امتدادٌ لرؤيتها التي ترى أن الأمن الوطني لا يتحقق بالاعتماد على الحَذَر وحْدَه، بل يحتاج إلى استعدادٍ ملموسٍ وقدرةٍ على الرَّدِّ الفوري، وهذه الممارسة تعكس فلسفة تحرُّكٍ استراتيجيٍّ قائمٍ على المبادرة وليس مجرد الرَّدِّ، كما أنه على المستوى الدبلوماسي، اتسم نهْج تاكايتشي بالصرامة والوضوح، رافضةً أيَّ محاولات صينية للضغط عليها للتراجُع أو الاعتذار عن تصريحاتها بشأن تايوان[6].
3- فوارق واضحة بين النهج الحالي والسابق
عند مقارنة النَّهْج الحالي بالنَّهْج السابق، تظهر أن ثمَّة فوارقَ موجودةً؛ حيث اعتمدت الحكومات السابقة على أدوات مختلفة في إدارة علاقاتها بالصين، كأداة التعاون الاقتصادي المصحوب بالحذر الدبلوماسي وضبْط النفس العسكري، بينما تعتمد تاكايتشي على الرَّدْع الاستباقي، والاستعداد الدفاعي والخطاب الصارم، والالتزام الأيديولوجي بالقِيَم الوطنية، وهذا التحوُّل لا يعكس مجرد تعديل تكتيكي، بل هو تغييرٌ فلسفيٌّ في طريقة النظر إلى الأمن القومي والسياسة الخارجية، كما يعكس إدراكًا بأن التحديات الإقليمية الجديدة تتطلب دمْج القوة العسكرية، والمرجعية الإيديولوجية لحماية مصالح اليابان، ومع ذلك، يحمل هذا النَّهْج الجديد مخاطر تصعيد التوتُّر مع الصين، خصوصًا إذا ترافقت هذه السياسات مع تحرُّكات حلفاء دوليين أو مع أيِّ سوء تقدير استراتيجي.
رابعًا: المواقف الدولية تِجَاه التصعيد “الياباني – الصيني”
تظهر الأزمةُ الراهنةُ بين اليابان والصين التي جاءت إِثْرَ تصريحات رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي حول تايوان، أنها ليست مجرد مواجهة ثنائية، بل هي مؤشرٌ على تحوُّلات استراتيجية وإقليمية أوسع، وهو ما يمكن إيضاحه في السياق الآتي:-
الصين
اتخذت الصين على إِثْر هذه الأزمة موقفًا متعدد المستويات يجمع بين الرَّدْع العسكري، الضغط الدبلوماسي والتجاري، والحشد الإعلامي[7]؛ حيث يمكن تفسير هذه الاستجابة بأنها محاولة لبسْط آليات السيطرة على بيئة التهديد؛ حيث تسعى بكين إلى إرسال رسائل واضحة بأن أيَّ تحرُك ياباني نحو تايوان يُعَدُّ خروجًا عن الخط الأحمر الصيني، ويكشف هذا النَّهْج عن اعتماد الصين على أدوات غير تقليدية للرَّدْع، تشمل العقوبات الاقتصادية، وتهديدات ضمنية بالتصعيد العسكري؛ مما يعكس فهمها بأن الحرب المفتوحة ليست الخيار الأول، بل استخدام الضغط متعدد الأبعاد لإعادة التوازن لصالحها.
تايوان
تظهر التحرُّكات الأخيرة لليابان كمؤشرٍ على تعزيز الردع الإقليمي، وهو الأمر الذي دفع حكومة تايبيه إلى زيادة استثماراتها الدفاعية – حتى من قِبَلِ هذه الأزمة- بما يتوافق مع الفلسفة الأمنية القائمة على الحدِّ من إمكانية التهديد المباشر دون الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة[8]، ومن منظور آخر، يعكس هذا القرار أن تايوان تسعى إلى إعادة توزيع قدرتها الاستراتيجية في سياق تفاعلي مع تحرُّكات اليابان، وهي بذلك تستخدم التحالفات الإقليمية لتعزيز وضعها الأمني، في حين تحافظ على دينامية مَرِنَة تسمح بتعديل السياسات الدفاعية وفْق تطوُّرات الأزمة.
الولايات المتحدة