إعداد: آية أشرف

المقدمة

مع مرور ما يقْرُب من خمسة أشهر منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، شهد الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي تحوُّلات جِذْريّة في مواقفه المختلفة من هذه الحرب، خاصَّةً في ظل تفاقُم الوضع الإنساني في قطاع غزة، والممارسات البربرية التي تمارسها إسرائيل ضد كافَّةِ طوائف الشعب الفلسطيني في مختلف الأراضي الفلسطينية؛ الأمر الذي أجبر العديد من الدول – خاصة الغربية – إلى إعادة تقييم الوضع؛ بناء على الدلالات الواقعية لهذه الحرب، خاصَّةً في ظل الضغوط الشعبية التي تُمارَس على حكومات هذه الدول، التي كانت تقدم الدعم المطلق لإسرائيل، ويعتبر الموقف الفرنسي من أبرز المواقف التي شهدت تغيُّرًا وتحوُّلًا ملحوظًا – منذ بداية الحرب – عن التأييد المطلق لإسرائيل في حربها في القطاع وانتهاكاتها في كامل الأراضي الفلسطينية؛ بدعوى حق الدفاع عن النفس إلى التنديد بقتل المدنيين، خاصَّةً الأطفال والنساء، والقصف الهمجي للمنشآت والبُنَى التحتية، والتصعيد غير المُبرَّر، والتصريحات المتطرفة من الحكومة اليمنية الإسرائيلية؛ وهو الأمر الذي وصفه بعض المحللين بأنه محاولة فرنسية لإعادة موازنة وتصويب موقفها تجاه الصراع «الفلسطيني – الإسرائيلي»؛ وذلك بناء على عددٍ من الأبعاد والاعتبارات التي تبني السياسة الخارجية الفرنسية موقفها بناءً عليها، فيما يتعلق بالحرب في غزة والقضية الفلسطينية بشكلٍ عامٍ.

وبناء عليه؛ فإن هذه الورقة تتناول تحليل التحوُّل الفرنسي من الدعم المطلق لإسرائيل في هجومها على قطاع غزة وانتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني إلى الدعوى بضرورة الالتزام بالقانون الدولي وحماية المدنيين، والدعوة لوقفٍ فوريٍّ لإطلاق النار، وذلك من خلال تسليط الضوء على أهم دوافع هذا التحوُّل ومظاهره على مستوى التصريحات والمواقف، وتداعيات ذلك على الجانب الإسرائيلي والعلاقات الفرنسية الإسرائيلية بشكلٍ عامٍ.

 التحوُّل في الموقف الفرنسي تجاه الحرب في غزة

شهد الموقف الفرنسي تطوُّرًا غير مسبوق تجاه القضية الفلسطينية بشكلٍ عامٍ، والحرب الأخيرة في قطاع غزة على وجْه التحديد؛ في محاولةٍ من القائمين على هيئات اتخاذ القرار الفرنسي لتصويب ما كان منهم من تأييدٍ مطلقٍ للحكومة الإسرائيلية في عمليتها العسكرية في قطاع غزة، والدعوى إلى ضرورة وقْف إطلاق النار، وتفعيل قرار حلِّ الدولتيْن، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م، وقد جاء هذا التطوُّر بالتزامن مع التطوُّر المحوري في مُجْرَيَات الحرب في غزة، التي طال أَمَدُها بشكلٍ مبالغٍ فيه، دون التوصُّل لحلٍّ حاسمٍ على أُسُسٍ عادلةٍ، وسقوط الآلاف من الأبرياء المدنيين بدون وجه حقٍّ.

فمنذ بداية الحرب، نجد تصريحات العديد من المسؤولين في فرنسا، أعربت عن التضامن الكامل مع إسرائيل، فضلًا عن الزيارات الرسمية لمسؤولين فرنسيين لـ«تل أبيب»، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، الذي  أكَّد  على ضرورة إنشاء تحالفٍ دوليٍّ ضد «حماس»، على غرار التحالف الدولي لمجابهه خطر «داعش»، وزيارة كُلٍّ من رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية ورئيس حزب الجمهوريين اليمني ونائب الفرنسيين بالخارج، والذين أكدوا جميعًا من «تل أبيب» على أن لا شيء يمنع إسرائيل من الدّفْاع عن نفسها، وبالتالي إعلان الدعم الفرنسي الكامل للسياسة الإسرائيلية، على اعتبار أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والتي تتم مهاجمتها بشكلٍ خطيرٍ من قِبَلِ «حماس»، فضلًا عن تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية في قمة “القاهرة للسلام”، والتي دارت حول حقِّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها بموجب القانون الدولي، وعليه؛ فإن الجمهورية الفرنسية كانت من أُولى الدول التي حشدت كافَّة أشكال الدعم للسياسة الإسرائيلية؛ لتعزيز موقفها على المستوى الدولي.

إلا أن هذا الدعم لم يتسمر طويلًا، فما برحت فرنسا تُصوِّبُ ما كان منها من تصرُّفات، خاصَّة في ظل الانتقادات التي انهالت على الحكومة الفرنسية وممثليها؛ لانحرافهم عن النَّهْج الفرنسي التاريخي، الذي يقوم على التوسُّط والموازنة بين الجانبيْن «الإسرائيلي، والفلسطيني»، فضلًا عن ازدواجية المعايير، التي كانت واضحةً بشكلٍ كبيرٍ في الخطاب الفرنسي، الذي فرَّق في تناوله للأحداث بين ضحايا غزة وإسرائيل؛ الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا في الداخل الفرنسي، خاصَّةً من قِبَلِ السَّاسة والنواب المعارضين لسياسة “ماكرون”، والذين اتهموا المسؤولين المؤيدين للسياسة الإسرائيلية، بأنهم شركاء في الإبادة الجماعية التي تحْدُثُ في غزة وفي كامل الأراضي الفلسطينية، وأكدوا أن رأْي هؤلاء المسؤولين لا يُمثِّلُ الشعب الفرنسي، الذي خرج في كافَّة المدن الفرنسية؛ ليندد بالحرب الهمجية على قطاع غزة، ويعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني وحقه التاريخي والعادل أمام المحتل، وذلك بالرغم من الحظر الذي فرضته وزارة الداخلية الفرنسية على المتظاهرين، خاصَّةً المؤيدين لفلسطين.

ولعل أبرز أشكال هذا التحوُّل الخطير في السياسة الفرنسية في التعامل مع الأزمة الحالية في غزة، ظهر في عددٍ من تصريحات الرئيس الفرنسي، الذي طالب إسرائيل بضرورة وقْف إطلاق النار، والتوقُّف عن استهداف النساء والأطفال والمنشآت، في تصريحٍ شديد اللهجة غير معهود من قِبَلِ فرنسا تجاه السياسة الإسرائيلية، علاوةً على ذلك، دعوته لقادة العالم، خاصَّةً «بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية»؛ للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، والتعاون لتسهيل دخول المساعدات لسكان القطاع، فضلًا عن رفضه القاطع لتنفيذ عملية عسكرية لاجتياح «رفح» وتهجير الفلسطينيين بأيِّ شكْلٍ من الأشكال، علاوةً على ذلك، فقد أعرب عددٌ من الدبلوماسيين والسفراء الفرنسيين في «الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا» عن اعتراضهم على السياسة الفرنسية تجاه القضية الفلسطينية والحرب في غزة، والانحياز الفرنسي الكامل لإسرائيل، وأكدوا لحكومتهم أن هذا الانحياز سوف يُفْقِدُ فرنسا شعبيتها ومكانتها لدى شعوب «الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا»، وسيعمل على رسْم صورةٍ سيئةٍ لفرنسا في المنطقة؛ الأمر الذي سيؤدي إلى خلْق أزمة ثقة تجاه فرنسا.

وعليه؛ نجد أن فرنسا تحاول بذْل عددٍ من المساعي التي تحاول من خلالها تصحيح مسارها تجاه الحرب في غزة، والانتهاكات ضد المدنيين، وقد ظهر ذلك من خلال تأييدها لعددٍ من المشاريع، التي تمَّ طرْحها داخل أرْوِقة الأمم المتحدة، وأبرزها المشروع البرازيلي، فضلًا عن سعْيها للعب دوْرٍ فعَّالٍ في التوصُّل لهُدنة إنسانية، تكون بمثابة تمهيدٍ لوقْفٍ كاملٍ لإطلاق النار، فضلًا عن استضافتها لـ«مؤتمر باريس»، الذي يناقش الوضع الإنساني في قطاع غزة، وإعلان وزيرة الخارجية الفرنسية: «الأمر في غزة لا يمكن أن يستمر على هذا النحو»، كما أدانت فرنسا بشدة انتهاكات المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين، خاصَّةً في «الضفة الغربية، والقدس المحتلة»، وأعلنت عن استيائها ورفضها لسياسة تسليح المستوطنين التي تتبناها لحكومة الإسرائيلية، وحذَّرت من عواقبها العكسية على إسرائيل في المقام الأول.

دوافع التغيُّر في الموقف الفرنسي تجاه حرب غزة

جاء هذا التغيُّر الملحوظ في السياسة الفرنسية تجاه الحرب في غزة، مستندًا على دوافع عديدة، اضطرت مُتَّخذِي القرار في فرنسا إلى العودة للتوجُّه المعتدل، فيما يتعلق بالصراع «العربي – الفلسطيني»، خاصَّةً في ظلِّ مكانة فرنسا الحسَّاسة بالنسبة للعرب واليهود، فيجتمع فيها أكبر تجمُّع لليهود والعرب في القارة الأوروبية على حدِّ السواء، وقد صاحب هذا التطوُّر ربْط الحكومة والبرلمان الفرنسي ما بين حقِّ إسرائيل في الدفاع عن النَّفس بضرورة احترام القانون الدولي وحقوق المدنيين، هذا الرَّبْط دفعته عوامل عدة، يمكن تصنيفها إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية.

العوامل الداخلية: هي تلك التي تتمثل في الضغوط الشعبية الهائلة، التي قادتها أحزاب اليسار على الحكومة، من خلال المناقشات البرلمانية والتظاهرات الشعبية، التي شارك فيها العديد من السَّاسة والمؤثرين في المجتمع الفرنسي؛ ليؤكدوا على رفْض الشارع الفرنسي للممارسات الإسرائيلية في غزة، فضلًا عن وجود العديد من الفرنسيين العالقين في غزة ومناطق متفرقة في فلسطين؛ نتيجة القصف الإسرائيلي الذي استهدف المركز الثقافي الفرنسي في غزة.

وفيما يتعلق بالعوامل الخارجية: فقد تمثلت في التمادي الإسرائيلي في استخدام كافَّة وسائل العنف في غزة ضد المدنيين، وتعمُّد تدمير القطاع بشكلٍ كاملٍ، والتعنُّت في التراجُع عن مخطط التهجير؛ الأمر الذي بات يؤكد على وحشية وتطرُّف الحكومة الإسرائيلية بشكلٍ يصعبُ التغافُل عنه أو تجاوزه أو إنكاره، سواء من قِبَلِ فرنسا أو غيرها؛ ما أصبح يؤكد كَذِبَ وتضليل السردية الإسرائيلية حول هذه الحرب، بالإضافة إلى ذلك، تداعيات هذه الحرب على فرنسا، وما تُمثِّلُهُ من تهديدٍ كبيرٍ على استقرار منظومة الأمن في الشرق الأوسط، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمنظومة الأمن العالمي، خاصَّةً في ظلِّ التوترات التي تشهدها طُرُق التجارة الدولية على هامش هذه الحرب؛ نتيجة التواجد الحوثي في البحر لأحمر، فضلًا عن تخوُّف فرنسا من أن تتسع دائرة النزاع في المنطقة وتصل إلى لبنان؛ لذلك دعت فرنسا كافَّة الأطراف الفاعلة في لبنان، وعلى رأسها «حزب الله»، بضرورة ضبْط النفس؛ لمنع تفاقم الصراع في دول المنطقة، التي تُمثِّلُ ثقلًا ونفوذًا استراتيجيًّا بالنسبة لفرنسا، ويرتبط هذا النفوذ بضمان الأمن والاستقرار للمنطقة؛  والأمر لا يتحقق في ظلِّ استمرار الحرب على قطاع غزة، علاوةً على ذلك، قرارات محكمة العدل الدولية وموقفها من الحرب في غزة، الذي وضع فرنسا وكافَّة دول العالم في موقفٍ حَرِجٍ، أجبرهم على الدعوى بضرورة التزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين.

وفي هذا الإطار، فإن السياسة الخارجية الفرنسية تسعى من خلال توجُّهها الجديد تجاه الحرب في غزة إلى تحقيق عدة أهداف، أهمها: الحفاظ على التقاليد الفرنسية التي تدعم حقوق الإنسان، وتستند على مبادئ القانون الدولي، وتعمل على التعامُل مع كافَّة القضايا الدولية، من خلال سياسة متوازنة بعيدة عن الازدواجية والتحيُّز، خاصَّةً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مع التأكيد على استقلالية القرار الفرنسي بعيدًا عن النَّهْج «الأمريكي، والأوروبي»، علاوةً على ذلك، تحاول فرنسا تعزيز دورها كقوةٍ فاعلةٍ ومؤثرةٍ في القضايا الدولية، من خلال محاولة لعب دوْرٍ مؤثرٍ يُذكر لها لا عليها في هذه الحرب الفارقة، خاصَّةً على المستوى الشعبي؛ لذلك عملت على صياغة توجُّهٍ جديدٍ لسياستها تجاه الحرب في غزة، يعمل على ضمان وصول المساعدات بالكميات اللازمة لإغاثة أهالي القطاع، ومحاولة التوصُّل لاتفاقٍ لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى؛ لضمان عدم توسُّع النزاع، وذلك مع تأكيدها على ضرورة توفير الحماية للمدنيين العُزل.

تداعيات هذا التحوُّل على العلاقات «الفرنسية – الإسرائيلية»

تمتلك فرنسا علاقةً على مستوى عالٍ ومميزٍ مع إسرائيل؛ فهي من أُولى الدول التي اعترفت بها على المستوى الرسمي، وأقامت أوَّل تمثيلٍ دبلوماسيٍّ لها في «تل أبيب» عام 1949م فضلًا عن علاقاتها الاستراتيجية على المستوى الاقتصادي والثقافي والتعاون التكنولوجي، إلا أنها بالرغم منذ ذلك التعاون والعلاقات الاستراتيجية، تُفضِّلُ دائمًا بناء سياستها تجاه إسرائيل على عددٍ من الضوابط التي وضعها قادة الجمهوريات الفرنسية المختلفة، وصولاً إلى الجمهورية الخامسة، تحت ولاية “ماكرون” في الوقت الحالي؛ بهدف العمل على خلْق موازنةٍ بين علاقاتها الاستثنائية من إسرائيل، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على مكانتها ودورها في الشرق الأوسط؛ حتى تتمكن من لعب دوْرٍ مؤثرٍ بين كافَّة الأطراف في معادلة الأمن في الشرق الأوسط، وفي الحرب الأخيرة، شهد هذا الموقف التاريخي للسياسة الخارجية الفرنسية تحوُّلًا ملحوظًا عن هذا النَّهْج المعتدل، واصطَّفتْ فرنسا بشكلٍ واضحٍ ضمن المعسكر الداعم لإسرائيل وسياستها في الأراضي الفلسطينية، إلا أنها سُرْعان ما تداركت خطورة ذلك على مكانة فرنسا كقوة مؤثرة ذات مكانةٍ مميزةٍ في الشرق الأوسط، وعملت على العودة للمسار المتوازن بين طرفيْ الصراع؛ ما أثار غضبًا كبيرًا في الوسط السياسي الإسرائيلي.

فمما لا شكَّ فيه، أن هذا التغيُّر في السياسة الفرنسية تجاه السياسة الإسرائيلية في غزة يؤثر بشكلٍ كبيرٍ على مصداقية إسرائيل في ترويجها لمُبرِّر الحرب من أجل الدفاع عن النفس، بل إنه يُفقد هذه الحرب الشرعية والتأييد الدولي الذي تعتمد عليه إسرائيل في انتهاكاتها المستمرة ضد الفلسطينيين، خاصَّةً أن فرنسا ليست الدولة الأولى التي تحاول تعديل موقفها تجاه الحرب، وتعمل على اتخاذ موقفٍ أكثر محايدةً واتِّزانًا بين طرفيْ النزاع، إلا أن هذه التغيُّر في الموقف الفرنسي قابله رفْضٌ إسرائيليٌّ قاطعٌ واستياءٌ من الموقف الفرنسي، إلا أن السَّاسة في إسرائيل يدركون بشكلٍ جيِّدٍ، أن الدافع الأكبر والأهم لهذا التغيُّر هو الضغوط الشعبية على الحكومة الفرنسية، وعلى عكس ما هو متوقع، فقد عملت إسرائيل على تعزيز علاقاتها مع فرنسا، خاصَّةً على المستوى الشعبي؛ لتصحيح الصورة التي كوَّنها الشعب الفرنسي عن إسرائيل، على هامش هذه الحرب، وقرَّرت الحكومة الإسرائيلية استثمار كافَّة أشكال التأثير التي تمتلكها؛ لتحقيق هذا الهدف، وقرَّرت تعيين سفيرٍ جديدٍ في فرنسا، يكون على قدْرٍ عالٍ من الخبرة، ويجيد اللغة الفرنسية، وعلى إدراكٍ واسعٍ بالثقافة الفرنسية، ويعمل على تعزيز التواصُل بين الحكومة الإسرائيلية ومختلف طوائف الشعب الفرنسي؛ حيث إنه قد أدلى العديد من المسؤولين، أن إسرائيل لا تستطيع التنازل عن دولةٍ بحجم فرنسا تحت أيِّ ظرف.

الخاتمة

نستنتج مما سبق، أن التحوُّل في الموقف الفرنسي تجاه الحرب في غزة لم يكن نابعًا من إدراكٍ حقيقيٍّ من الحكومة الفرنسية لعدالة الموقف الفلسطيني، ولكن جاء نتيجة العديد من الضغوطات والعوامل الداخلية والخارجية، خاصَّةً الضغوط الشعبية المتزايدة على الحكومة، واتهامها بازدواجية المعايير والدَّعْم المطلق للسياسة الإسرائيلية؛ ما يجعلها شريكًا في الإبادة الجماعية، التي تتم بشكلٍ ممنهجٍ ضد الفلسطينيين، فضلًا عن قرارات محكمة العدل الدولية تجاه الحرب، وارتفاع الأصوات المعارضة لها بشكلٍ كبيرٍ على المستوى الدولي، ولعل أبرز ما يؤكد على ذلك، هو عدم وجود ردٍّ إسرائيليٍّ قويٍّ ومؤثرٍ تجاه فرنسا، على هامش هذا التغيُّر، وعليه؛ فإن هذا التغيُّر قد يبدو مؤشرًا إيجابيًّا بشكلٍ كبيرٍ على المدى الزمني القصير؛ فقد يدفع بشكلٍ أو بآخر إلى التوصُّل لحل للأزمة الحالية، إلا أنه لا يزال غير فعَّالٍ، خاصَّةً في ظلِّ عدم امتلاك فرنسا أدوات ضغطٍ فعَّالةٍ على الحكومة الإسرائيلية؛ لوقف إطلاق النار، والتوصُّل لحلٍّ سلميٍّ بشأن الحرب بالمقارنة مع الإدارة الأمريكية؛ الأمر الذي يجعل هذا التغيُّر عديم الفائدة على المدى الطويل، إلا أنه يؤكد بشدة على دور الرأي العام العالمي والشعبي ووسائل الإعلام في الضغط والتأثير على مسار السياسات والمواقف التي تتخذها الحكومات، خاصَّةً في الدول التي تشهد استقطابات واسعة بين الخلْفيات الحزبية المختلفة.

قائمة المراجع

أحمد، مبارك، 2023، أبعاد الموقف الفرنسي من الحرب على غزة، القاهرة الإخبارية، متوفر على: https://alqaheranews.net

البقيعي، حسام، 2024، لماذا حدث التحول في الموقف الفرنسي تجاه أحداث غزة، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، متوفر على: https://rcssegypt.com

بونجار، علاء الدين، 2024، الموقف الفرنسي بعد أربعة أشهر من الحرب في غزة، مونت كارلو الدولية، متوفر على: https://www.mc-doualiya.com

العربية، 2024، ما أسباب تحول الموقف الفرنسي تجاه الحرب في غزة، متوفر على: https://www.alarabiya.net