إعداد: أحمد محمد فهمى
باحث متخصص فى الشؤون التركية والإقليمية
انتهت الزيارة السريعة التى أجراها الرئيس التركى أردوغان إلى القاهرة، فى أول زيارة له إلى مصر منذ أكثر من عشر سنوات، وأبرز ما شهدته هذه الزيارة هو توقيع كلا الزعيمين على إعلان مشترك بشأن إعادة هيكلة اجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجى (المصرى – التركى) على مستوى رفيع.
واستقبل الداخل التركى هذه الزيارة بالترحيب والإشادة فى إطار التطلعات الداخلية إلى تحسين وتطوير العلاقات التركية مع دول الجوار الإقليمى بعد سنوات من الخلاف والتوتر، وتأثيراتها السلبية على تدهور الأوضاع الداخلية، وخاصة على الصعيد الاقتصادى، وأيضًا نحو ما تعهد به أردوغان بتأسيس ما أطلق عليه “حزام الأمن والسلام” حول بلاده من خلال سياسة خارجية تقوم على التقارب مع محيط تركيا.
أولًا: رؤية جديدة لتركيا: السعى إلى استقرار العلاقات الإقليمية
دخلت العلاقات (التركية – العربية) منذ منتصف عام ٢٠١٣ فى مرحلة مضطربة مليئة بالأزمات والخلافات، فقطعت علاقاتها مع مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو، وتوترت علاقاتها مع دول الخليج منذ الأزمة الخليجية فى عام ٢٠١٧ ومقتل “الصحفى السعودى” فى إسطنبول فى عام ٢٠١٨، وخسرت رهانها على إسقاط النظام السورى بعد التدخل الروسى الفعّال فى عام ٢٠١٥، كما تأثرت علاقاتها مع دوائرها الإستراتيجية سلبًا بشكل كبير نتيجة لسياسات الأمر الواقع وتفاقم التعقيدات مع الدول الكبرى، مما أدى إلى فرض عقوبات عليها، وتعثر مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى.
ومن هنا أيقنت القيادة التركية ضرورة إجراء تحول فى سياستها الخارجية، نحو إصلاح علاقاتها مع الدول التى قاطعتها أو التى توترت علاقاتها بها، بالإضافة إلى اتخاذ مسارات دبلوماسية تجاه مواقفها من أزمات وصراعات المنطقة، وقد أصبح ذلك من بين أولويات التوجهات الجديدة للدولة التركية منذ عام ٢٠٢٠ فى إطار استعداداتها للانتخابات العامة التى أُجريت فى مايو الماضى، وكذلك فى إعدادها للاحتفال بالمئوية الثانية لتأسيس الجمهورية التركية.
ورغم أن عملية المصالحة بين تركيا ودول الخليج وإسرائيل لم تواجه عقبات كبيرة نحو إتمامها، إلا أن المصالحة مع مصر واجهت العديد من التحديات نتيجةً لتشابك القضايا بين الطرفين، والتى وصلت إلى ذروتها فى يونيو ٢٠٢٠ عند إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى أن خط “سيرت – الجفرة” فى ليبيا خط أحمر، ردًا على تقدم قوات حكومة الوفاق الوطنى الليبية والمليشيات التابعة لها، والتى تحظى بدعم من تركيا. وهو ما كان يمكن أن يؤدى إلى وقوع مواجهة بين القوتين الإقليميتين على الأرض الليبية. بالتالى، شكلت رسالة الردع المصرية نقطة تحول نحو إدراك تركى بأن تصعيد الخلافات مع مصر لن يكون فى صالح أحد، وسيؤدى إلى أزمات عميقة وصراعات كبيرة فى المنطقة.
ومع بدء المحادثات الاستكشافية بين الطرفين فى مايو ٢٠٢١، كان لدى الأتراك اقتناع بأن عودة العلاقات مع مصر لن تكون سهلة ما لم يتم تقديم تفاهمات واقعية تعبر عن مصداقية تحول سياستها، خاصة فيما يتعلق بالقضايا والملفات المشتركة مع مصر.
ومع تقدم المحادثات المشتركة ولقاء الزعيمين فى عدة مناسبات دولية فى الدوحة ونيودلهى والرياض، وبعد قرار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، كان هناك انتظار لعقد قمة بين الزعيمين فى عاصمة إحدى البلدين، كدلالة على تخطى التحديات والعقبات السابقة والدخول فى مرحلة تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز العلاقات.
ثانيًا: قراءة تركية حول أهمية الزيارة
منذ مرحلة توتر العلاقات بين البلدين، وكانت هناك دعوات داخلية عديدة من النخب السياسية والاقتصادية وحتى النخب الثقافية لإصلاح العلاقات بين البلدين، استنادًا إلى عدة عوامل ومصالح مشتركة، وذلك على الرغم من موقف الجناح “المتشدد”، وخاصة داخل حزب العدالة والتنمية، الذى تتقاطع رؤيته مع رؤية جماعة الإخوان المسلمين، انطلاقًا من تقديرات خاطئة وفاشلة، والتى تؤكد استحالة المصالحة مع الدولة المصرية.
إلا أن البرجماتية والوعى الكافى للنخبة التركية تجاه إدراك فشل التحركات والسياسات السابقة، كانت المحرك للقيام بتقديم التنازلات والتفاهمات بهدف إتمام عملية المصالحة لصالح الدولة التركية أولًا، ومصلحة الإقليم ثانيًا، ومن هنا جاءت زيارة الرئيس التركى أردوغان إلى القاهرة بدعوة من نظيره المصرى الرئيس عبد الفتاح السيسى كدلالة ذات أهمية نحو السير بنجاح فى عملية المصالحة مع القاهرة، وإغلاق صفحة مهمة من صفحات التوتر والخلاف فى الماضى.
بالتالى، كان هناك اهتمام تركى تجاه الزيارة التاريخية، وتأثيراتها الإيجابية على الملفات الداخلية، وأيضًا على الملفات التى تُعَتبر من أولويات التحركات التركية الجديدة تجاه أزمات وصراعات الإقليم، خاصة فيما يتعلق بالأولويات والتحديات التى تواجهها الحكومة التركية فى سياق التحولات والتحديات الإقليمية.
فعلى الصعيد السياسى، وفى ظل التحولات الجديدة فى السياسة الخارجية التركية وحاجتها الماسة لتحقيق تأثير ملموس فى كثير من معادلات الإقليم، مع إدراكها لحجم وقوة الدولة المصرية، فهى تسعى إلى الانطلاق من بوابة القاهرة بالتعاون معها ومن خلال تشكيل رؤية مشتركة، للقيام بدور فاعل مشترك تجاه العديد من أزمات وصراعات المنطقة، ويأتى هذا خاصة بعد الدور الناجح والبارز الذى لعبته تركيا كوسيطة بين روسيا وأوكرانيا، حيث نجحت فى تحقيق استفادة كبيرة من هذه الوساطة التى أتت بالنفع على الدولة التركية.
وكدلالة على هذا التوجه والتحول فى سياستها الإقليمية، يمكن الاستدلال على ذلك من التحركات التركية بالتنسيق مع القاهرة إزاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك من خلال قيام الرئيس التركى بالاتصال بنظيره المصرى لبحث سبل إنهاء الصراع (الفلسطينى – الإسرائيلى)، كما تم بعدها بأيام قيام وزير الخارجية التركى “هاكان فيدان” بزيارة إلى القاهرة للتنسيق معها حول سبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية وسبل تقديم المساعدات اللازمة للشعب الفلسطينى، ولاحقا جاءت المشاركة التركية فى قمة القاهرة للسلام، وكل ما سبق يبزر التحول التركى فى التعاطى مع أزمات المنطقة من مرحلة رد الفعل المتصاعد والمنفرد فى التعامل مع تطوراته، إلى التنسيق مع الأطراف الفاعلة، لاستكشاف حلول “دبلوماسية” فاعلة.
كما تعتبر تركيا زيارة الرئيس أردوغان بدايةً لتعميق العلاقات مع القاهرة، وتعتقد أن هذا سيؤدى بالتأكيد إلى زيادة نفوذ أنقرة الإقليمى فى مناطق جيوسياسية متعددة، مثل المنطقة العربية، والقارة الإفريقية، والبحر الأحمر، وشرق المتوسط.
أما على الصعيد الاقتصادى، وعلى الرغم من التصاعد الإيجابى للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلا أن هناك اهتمامًا تركيًا نحو تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع مصر، وليس فقط من خلال تحقيق طفرات فى حجم التبادل التجارى بينهما – بعد التصريحات المشتركة بين الرئيسين السيسى وأردوغان برفعها إلى 15 مليار دولار – ولكن أيضًا عبر استغلال موقع مصر كنقطة عبور إستراتيجية للبضائع التركية نحو الأسواق الإفريقية كهدف إستراتيجى ومهم لها، وذلك بفضل موقع مصر الجغرافى، وأيضًا فى ظل التطوير المتنامى للبنية التحتية، خاصة فى الموانئ المصرية مثل ميناءى الإسكندرية والدخيلة، لتحقيق أحد الأهداف الطموحة فى أن تكون مركزًا عالميًا للتجارة واللوجستيات.
ثالثًا: تقدير الرأى العام التركى لزيارة أردوغان: بين التفاؤل والتحفظ
تناول الرأى العام التركى الزيارة من خلال التركيز على انعكاسات وتأثيرات الزيارة على الداخل وقضاياه وتطلعاته فى المقام الأول، أكثر مما هو متعلق بجوهر الزيارة حول تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين.
١- الترحيب بالتحول التركى: أظهرت ردود الفعل فى تركيا أن التحول نحو إصلاح العلاقات مع مصر هى فكرة صائبة للغاية، وأن السياسة المعروفة بأنها “فن الممكن”، كانت هى التوجيه الذى قاد القيادة التركية نحو جعل الحل وهو إصلاح العلاقات مع مصر ممكنًا، ويرون من خلال أزمات سابقة واجهت النخبة التركية الجديدة، مثل مسألة الحجاب التى تم حلها بعد فترة طويلة، أن أردوغان يطبق هذا النهج أيضًا فى السياسة الخارجية، لكنه بحاجة إلى مزيد من الوقت لتحقيق الأهداف المرجوة.
٢- عوائق معقدة أمام تعزيز العلاقات: أمام الأجندة المُعلنة للزيارة السريعة للرئيس أردوغان، والتى لم يبرز منها سوى الاستقبال والترحيب بالضيف التركى، والإعلان المشترك حول إعادة هيكلة اجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجى، وتصريحات المؤتمر الصحفى المشتركة بين الرئيسين، والزيارة اللافتة للرئيس التركى إلى مسجد ومرقد الإمام الشافعى، أصبح هناك اعتقاد بأن مرحلة تعزيز العلاقات تحتاج إلى مزيد من الوقت للوصول إلى اتفاق حول الملفات الشائكة بين البلدين. وبالتالى، ينظر الأتراك إلى الإعلان عن تشكيل مجلس التعاون الإستراتيجى (المصرى – التركى) على بأنه سيكون مكلفًا فى المقام الأول بالنظر فى القضايا الشائكة وبحث سبل حلها بما يتوافق مع أهداف وتطلعات الأمن القومى للبلدين.
٣- الإشادة بتصريحات أردوغان حول حرب غزة: حازت تطورات الأوضاع للحرب الدائرة فى قطاع غزة، اهتمامًا كبيرًا خلال تصريحات الرئيس أردوغان فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس السيسى، والذى أشار من خلالها إلى أن بلاده ستواصل التعاون والتضامن مع الأشقاء المصريين لوقف إراقة الدماء فى قطاع غزة، وأضاف: “أولويتنا هى التوصل إلى وقف إطلاق نار فى أقرب وقت وإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون معوقات”، وأكد أن محاولات تهجير سكان غزة من أراضيهم هى “بحكم العدم” وأن إخلاء القطاع من سكانه “أمر لا يمكن قبوله على الإطلاق”، وقد تفاعل الداخل التركى بإيجابية تجاه تصريحات الرئيس أردوغان حول حرب غزة، وذلك من خلال عدة نقاط أبرزها:
- يرى الأتراك أن تحول السياسة الخارجية يتطلب عدم تكرار الصدام مع الأطراف الفاعلة فى الأزمة، كما أن استخدام القضية الفلسطينية للمزايدة ضد دول المنطقة لم يعد مجديًا بالنسبة لتركيا. وبالتالى، تؤسس تصريحات أردوغان لتوجه يتناسب مع مسارات الحلول الدبلوماسية بدلًا من التهديدات والشعارات وقطع العلاقات.
- الحاجة إلى تكوين رؤية مشتركة مع مصر للتدخل سويًا نحو إيجاد حل “عقلانى وواقعي” للصراع، انطلاقًا من المقومات والقدرات الكبيرة للقوتين الإقليميتين ونفوذهما فى الإقليم، ومكاناتهما فى المنظمات الإقليمية والدولية.
- أصبحت هناك قناعة بأن المواقف التركية فى مختلف مراحل القضية الفلسطينية لم تحقق الرؤية التركية بشأن حل القضية، بعد مرور سنوات طويلة من إبراز جهودها وفعاليتها فى مسارات ومحطات القضية، كما أدركوا أنهم لا يتمتعون بتواجد فعّال على الأرض أو علاقات مؤثرة مع أطراف النزاع بشكل يتيح لهم التأثير على تلك الأطراف، وهو على عكس ما تتمتع به القاهرة على الرغم من حالة عدم الاستقرار التى مرت بها مصر بعد ثورة ٢٥ يناير، وتداعياتها وأزماتها، لكن لم يؤثر ذلك على فاعلية مواقفها وحضورها ووساطتها خلال مراحل تطورات القضية الفلسطينية.
- التوتر الذى أصاب العلاقات (التركية – الروسية) – كنموذج يوضح التحول فى السياسة الخارجية التركية تجاه الاستثمار الإيجابى فى الأزمات بدلًا من الاستثمار السلبى لصالحها – نتيجة لاختلاف المصالح بينهما فى العديد من الأزمات، مثل الأزمة السورية بعد التدخل الروسى لصالح بشار الأسد والدعم التركى الواسع للمعارضة السورية، وأزمة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بعد رفض تركيا لهذا الاستفتاء وإعلان دعمها لأوكرانيا، بالمقارنة مع الدور التركى اللاحق تجاه تقريب وجهات النظر مع روسيا، كدعم جولات “أستانا” لبحث سبل حل الأزمة السورية، وكذلك استعانتها لاحقًا بموسكو لإعادة العلاقات مع دمشق، وأيضًا القيام بدور الوساطة بين موسكو وكييف بعد شن الحرب الروسية من خلال عقد جولات تفاوض بين الطرفين والمسارات الناجحة فى التعامل مع تداعيات الحرب فى أزمات الحبوب والطاقة، ويرمز هذا النموذج السابق إلى الرؤية الجديدة التى يسعى من خلالها الأتراك إلى الاستثمار الإيجابى فى الأزمة الحالية كحرب غزة، من خلال تحقيق انتصارات دبلوماسية سياسية تهدف إلى الارتقاء وتعزيز الدور التركى فى المنطقة، بدلًا من الصدام وتعميق الخلافات التى أثرت سلبيًا على السياسات التركية الداخلية والخارجية.
٤- تحقيق الأمان الإقليمى: تكمن أهمية هذه الزيارة فى الظروف الحساسة التى تزامنت معها، حيث تشهد على الفترة الحرجة التى تمر بها المنطقة نتيجة الحرب فى غزة وتداعياتها، كذلك فى ظل ظروف يمكن أن يشهد فيه الإقليم، الذى يشمل لبنان وسوريا وشمال العراق والبحر الأحمر وغيرها، على أزمات كبيرة قد تكون لها تأثير إقليمى وعالمى. وبالتالى، يمكن لهذه الزيارة أن توفر فرصة للتعاون بين البلدين، واتخاذ مواقف مشتركة فى مختلف النزاعات لتحقيق الأمان الإقليمى فى سياق قد يشهد حدوث وانتشار لأزمات وصراعات كبيرة.
٥- رؤية المعارضة التركية: كانت أحزاب المعارضة البارزة مثل حزب الشعب الجمهورى وحزب الجيد، وحتى حزب المستقبل، تكرر دعواتها للرئيس أردوغان بضرورة إصلاح العلاقات مع مصر، بهدف الخروج من العزلة التى فرضتها السياسات التركية تجاه المنطقة. وفى الوقت الحالى، تعانى أحزاب المعارضة التركية من انقسامات داخلية كبيرة وبارزة، خاصة مع قرب الانتخابات البلدية المقرر انعقادها فى مارس المقبل. وبالتالى، انشغلت تلك الأحزاب بشكل عام فى أزماتها، إلى جانب تركيزها على الاستحقاق الانتخابى القادم، ومحاولة إحراز الفوز على الحزب الحاكم والاحتفاظ بالولايات الكبرى.
لكن المفاجأة كانت فى الانتقاد الواضح الذى وجهه رئيس حزب المستقبل ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، لزيارة الرئيس أردوغان، خاصة أن جدول الزيارة لم يشمل زيارته لمعبر رفح، كما روج الإعلام التركى قبيل الزيارة، كما أنه تطرق إلى التصريحات السابقة لأردوغان تجاه الرئيس السيسى، والتى تنعكس تمامًا مع سعيه الحالى حول إعادة العلاقات مع مصر. وبالتالى، فقد تساءل داود أوغلو “كيف يمكن للشعب التركى الوثوق فى رئيسيهم؟”.
وهذا الانتقاد الذى وجهه داود أوغلو لا يمكن فصله عن معركة الانتخابات البلدية القادمة، وسعيه الحثيث لجذب أصوات الكتلة المحافظة، خاصة بعد تصريحاته ومواقفه القوية تجاه تطورات الأوضاع فى غزة، وهو ما يتناغم مع تطلعات الشريحة المحافظة فى ظل الموقف الرسمى الذى غلب عليه الطابع الحيادى فى بداية الأزمة.
رابعًا: رؤية استشرافية حول مستقبل القضايا الشائكة بين البلدين:
أشارت الزيارة إلى وجود نوعًا ما من استمرار الصعوبات فى حل القضايا الشائكة، فعلى الرغم من المحادثات الاستكشافية والزيارات المتبادلة بين وزيرى الخارجية، إلا أن زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة، والتصريحات المشتركة بين الرئيسين، وقد أشارت إلى خطوط عامة حول القضايا والملفات الشائكة كالأزمة الليبية وقضية شرق المتوسط، دون إصدار بيانات تحدد بشكل ما مستقبلها وآفاق حلها. ونظرًا لذلك فإن هناك مسارين يحملان تصورات مستقبلية، وتفرضهما ما تم خلال عملية إصلاح العلاقات بين البلدين وبيانات المحادثات الاستكشافية، وكذلك مخرجات الزيارة.
المسار الأول: النتائج المتوقعة من محادثات مجلس التعاون الإستراتيجى:
حسب ما ورد فى الإعلان المشترك، فإن رئيسى البلدين سيترأسان الاجتماعات المقبلة لمجلس التعاون الإستراتيجى الرفيع المستوى، وأن المجلس سيجتمع بالتناوب كل عامين فى تركيا ومصر، وسيتم تنسيق العمل وإعداد جدول الأعمال لكل اجتماع من قبل وزيرى خارجية البلدين، كما أوضح الإعلان أنه سيتم عقد اجتماعات مجموعة التخطيط المشتركة تحت الرئاسة المشتركة لوزيرى خارجية البلدين، وذلك من أجل التحضير لاجتماعات مجلس التعاون الإستراتيجى رفيع المستوى، وأنه سيشارك فى هذه الاجتماعات كبار المسؤولين من الوزارات والمؤسسات الأخرى ذات الصلة.
وانطلاقًا من أن مجلس التعاون يعمل بهدف خدمة المصالح المشتركة للبلدين وتعزيز السلام والاستقرار والرخاء فى المنطقة وخارجها، فإن القضايا الخلافية ستكون أولوية خلال مناقشات وجلسات المجلس لبحث سبل حلها بما يتوافق مع أهداف الأمن القومى للبلدين، مع محاولة التقدم فى مباحثاتها قبل الزيارة المرتقبة للرئيس السيسى إلى أنقرة فى أبريل المقبل.
المسار الثانى: إستراتيجية “الغموض البناء” كحل للقضايا الشائكة:
تشير هذه الإستراتيجية، التى وضعها وزير الخارجية الأمريكى السابق “هنرى كيسنجر”، إلى أن بعض الأزمات قد تحتاج إلى تجاهلها وتركها لعامل الوقت لتصبح أحد أسباب الحلول، انتظارًا لتحول ما قد يظهر فى المستقبل والذى قد يساعد على حل الأزمات العالقة. ومن هنا، فإن القضايا الشائكة بين مصر وتركيا، فى حالة عدم التوصل إلى تفاهمات قبل الزيارة القادمة للرئيس السيسى إلى أنقرة فى أبريل المقبل، قد يتم تركها لعامل الوقت، الذى قد يؤدى يومًا ما إلى حلها، خاصة مع وجود اتفاق بين البلدين فى الوقت الحالى بشأن دفع العلاقات الثنائية بينهما قدمًا.
الخاتمة والتوصيات:
إن تعزيز العلاقات المصرية التركية وتقدمها على صعيد التفاهمات المتبادلة، عملية مهمة للغاية للإسهام فى تحقيق التوازن الإقليمى وتعزيز السلم والاستقرار، وذلك عبر تكامل الجهود والتعاون الفعّال، كما يمكن أن تشكل العلاقات بين مصر وتركيا نموذجًا للتفاهم والتعاون فى المنطقة. بالتالى، تهدف التوصيات التالية إلى تحقيق هذا النموذج، والعمل على تقارب وجهات النظر، وتعزيز العلاقات الثنائية وحل القضايا العاقلة بين البلدين، وهى:
1- هناك حاجة إقليمية لعقد مؤتمر للسلام بين دول المنطقة، تراعاه الدول الإقليمية الكبرى كمصر وتركيا، ويكون الهدف من هذا المؤتمر هو وضع أسس لحلول مستدامة لأزمات وصراعات الإقليم، خاصةً تلك الناتجة عن تداعيات ثورات الربيع العربى، على أن يركز المؤتمر على إرساء الاستقرار والسلام فى المنطقة، مع إمكانية إطلاق مباحثات منفصلة حول كل أزمة فى المنطقة لبحث سبل حلها.
2- تحقيق التعاون والتواصل بين مراكز الفكر فى البلدين بهدف تقديم ما يلزم من دراسات وأبحاث تهدف إلى حل القضايا الخلافية وتعزيز العلاقات الثنائية، ويشمل هذا التعاون استضافة فعاليات وورش عمل تجمع بين خبراء وباحثين من البلدين، للوصول إلى رؤى مشتركة يمكن تقديمها إلى صناع القرار فى البلدين، وهذا التفاعل الفكرى يعزز فهم القضايا المشتركة ويساعد فى تشكيل وجهات نظر متفق عليها، مما يسهم فى تطوير حلول فعّالة ومستدامة لتلك القضايا.
3- هناك حاجة إلى العمل المشترك لإعادة إصلاح الصورة الذهنية وتحسينها بين شعبى البلدين، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز العلاقات الشعبية بشكل يساعد على تغيير نمط الصورة الحالية، كما يخلق فرصًا للتفاهم المتبادل، وذلك فى إطار عملية تعزيز العلاقات وتحقيق الفوائد المشتركة.[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]