المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > آفاق العلاقات “الأمريكية –اليابانية”
آفاق العلاقات “الأمريكية –اليابانية”
- يناير 11, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: عبدالرحمن محمد
باحث في وحدة الشؤون الدولية
تحوَّلت العلاقات “الأمريكية – اليابانية” من طوْر الصراعات والعداوة إلى التحالُف والتعاون، فبعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما، عام 1941، في أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد توقيع اليابان لوثيقة الاستسلام، عام 1945، عادت العلاقات الدبلوماسية مرَّةً أخرى بين الدولتيْن، عام 1952، ثمَّ وقعت الدولتان، عام 1960، معاهدة دفاع مشترك، أخذت العلاقات بين الدولتيْن إلى منعطفٍ مغايرٍ عن ما سبق الاعتياد عليه تاريخيًّا.
وتأتي هذه العلاقة في ظلِّ تطلُّع الدول الكُبرى لاستقطاب أهم الدول الصاعدة، وإقامة علاقات ثنائية معها على كافَّة الأصعدة والجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفي حالة اليابان والولايات المتحدة، تأتي هذه العلاقة بعوائد اقتصادية إيجابية للطرفين، بينما تستغل الولايات المتحدة اليابان كحليفٍ إستراتيجيٍّ في منطقة “الإندو – باسيفيك”؛ لتعزيز مصالحها الاقتصادية في المنطقة.
وفي ضوء ذلك، يمكن التعمُّق في العلاقات “الأمريكية – اليابانية”، وما يمكن أن تؤول إليه، في ظل نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، التي انعقدت في نوفمبر الماضي، ووصوله المنتظر في العشرين من يناير الحالي إلى البيت الأبيض.
مظاهر التعاون
تتعدَّد مظاهر التعاون بين الولايات المتحدة واليابان، باعتبارهما حليفيْن وثيقيْن، وتتمحور السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة آسيا، حول تعزيز وتقوية الروابط والعلاقات مع اليابان؛ لأغراضٍ عِدَّة، منها “سياسية واقتصادية وعسكرية”، كما تحظى اليابان بعوائد إيجابية؛ جرَّاء هذا التعاون على المنوال نفسه، في علاقة يسودها طابع التوافق التام الخالي من أيِّ مظاهر خلافية بين الدولتيْن؛ ما يجعلها علاقةً فريدةً من نوْعها، وعلاقة هي الأقرب والأهم بالنسبة للدولتيْن.
أولًا: التعاون السياسي
زيارة يابانية تاريخية لواشنطن:
-
زار رئيس الوزراء الياباني السابق “فوميو كيشيدا” الولايات المتحدة، في أبريل الماضي، في زيارةٍ تُعدُّ تاريخيةً من نوْعها؛ حيث تعتبر الزيارة الرسمية الثانية التي يقوم بها رئيس وزراء ياباني، منذ الحرب العالمية الثانية، بينما كانت الزيارة الأولى في عام ٢٠١٥، وقد أكَّد خلال خطابة أمام الكونجرس على أن العلاقات مع الولايات المتحدة “لا غنى عنها” و”نجاح دبلوماسي”، وجاءت الزيارة في ظلِّ حِرْص الدولتيْن على تطوير هذا التحالف، وجعله أكثر استجابةً واستعداديةً للظروف العالمية الطارئة والصعود الصيني عالميًّا وإقليميًّا في منطقة “الإندو – باسيفيك”.[1]
-
وأكَّد رئيس الوزراء السابق خلال زيارته” أن العلاقات بين الولايات المتحدة واليابان تذهب إلى ما هو أبعد من الروابط الثقافية والقِيَم الثقافية المشتركة التي نشأت بيننا”، وأضاف “أن الولايات المتحدة شريكٌ لا يُقدَّرُ بثمنٍ، ولا يمكن استبداله لليابان، وهي في الواقع أقرب حليف”.[2]
توافق سياسي تجاه الحرب “الروسية – الأوكرانية”:
-
شهدت الزيارة إشادة واشنطن بالتعاون السياسي الياباني مع الولايات المتحدة والغرب عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وموافقتها فرْض عقوبات على روسيا، وبالإضافة لزيارة رئيس الوزراء الياباني السابق “فوميو كيشيدا” لأوكرانيا، عام ٢٠٢٣، وتأكيده على دعْم الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا في دفاعهما عن الأراضي الأوكرانية بشتَّى الطُّرُق.[3]
ثانيًا: التعاون الاقتصادي والبيئي
شراكات اقتصادية عديدة:
-
تُعدُّ الولايات المتحدة واليابان طرفينْ في مجموعة السبع (G7) الغيْر رسمية، كأحد أكبر الدول الديمقراطية الصناعية في العالم ويجتمعون سنويًّا؛ لمناقشة قضايا الاقتصاد العالمي والأمن الاقتصادي الدولي، ومؤخرًا: يتم مناقشة الذكاء الاصطناعي، ويتشارك الدولُ السَّبْعُ الرُّؤَى الاقتصاديةَ، خصوصًا بعد طردهم لروسيا من G8 لتصبح G7 بعد قيامها بعمليةٍ عسكريةٍ في جزيرة القرم، عام ٢٠١٤، وفرضت مجموعة السَّبْع عقوباتٍ على روسيا؛ جرَّاء عمليتها العسكرية على أوكرانيا، كما انتهجوا نهْجًا حازمًا للتعامُل مع الصين، خصوصًا لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، وذلك إحدى مظاهر الترابُط الاقتصادي والسياسي بين اليابان والولايات المتحدة، اللذان يتشاركان المبادئ الديمقراطية والرُّؤَى الاقتصادية.
-
وتشترك الدولتان في الشراكة الرباعية “Quad” or “ Quartet Security Dialogue” بين أُستراليا والهند والولايات المتحدة واليابان، وهي شراكةٌ إستراتيجيةٌ بين الدول الأربعة، تمَّ تأسيسها في عام ٢٠٠٧، وتمَّ إحياء أهدفها في ٢٠١٧؛ لتُركِّزَ على موازنة النفوذ الصيني العسكري والاقتصادي والتكنولوجي المتزايد، وتأثيره على منطقة “الإندو – باسيفيك”، وتجمع تلك الدول وجهات نظر متقاربة، فيما يتعلق بالرُّؤَى الإستراتيجية لمنطقة المحيط الهندي والهادئ “الإندو – باسيفيك”؛ لمواجهة السياسات الصينية الاقتصادية في المياه البحرية في آسيا والمحيط الهندي.
نحو اقتصادٍ أخضرَ وعلاقات اقتصادية متينة:
-
أسهمت الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن، الذي ستنقضي ولايته في غضون أيامٍ، في مدِّ التعاون وتعزيز العلاقات بين الدولتيْن، وقد اتفقت الدولتان على إعطاء عِدَّة قضايا مشتركة الأوْلويَّة القُصْوى، ومنها قضايا المناخ والاستجابة السريعة للتغيُّرات المناخية، من خلال التحوُّل السريع إلى استخدام الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة، عن طريق قانون خفْض التضخُّم الأمريكي، وفي اليابان عن طريق إستراتيجية تعزيز التحوُّل الأخضر.[4]
-
كما تُعدُّ العلاقات الاقتصادية بين الدولتيْن في غاية القوة، من خلال التبادُل التجاري، ووجود أسواق ضخمة بينهما، تملؤها الصادرات والواردات من كلا الدولتيْن، كما يتدفَّقُ رأس المال الياباني في الولايات المتحدة، وتُشكِّلُ اليابان مصدرًا رسميًّا لتمويل الدَّيْن الوطني الأمريكي والاستثمار المباشر.[5]
ثالثًا: التعاون العسكري
علاقات عسكرية تاريخية:
-
يُعدُّ التعاون العسكري بين اليابان والولايات المتحدة من أبرز أشكال التعاون التاريخية بين الدولتيْن؛ حيث تجمع الدولتيْن معاهدةُ دفاعٍ مشتركٍ، تعود لعام 1960، وتنُصُّ المعاهدةُ على شرعية وجود قواعد عسكرية أمريكية داخل الأراضي اليابانية وانتشار جنود أمريكان باليابان، بالإضافة للموظفين التابعين لوزارة الدفاع الأمريكية، وينتشر باليابان حوالي 55 ألف جنديٍّ أمريكيٍّ، بخلاف وجود أكثر من 80 منشأةً أمريكيةً عسكريةً بالأراضي اليابانية، كما تقوم اليابانُ باستيراد 90% من واردتها الدفاعية من الولايات المتحدة؛ حيث تُعدُّ واشنطن هي الشريكُ العسكريُّ الأوَّلُ لليابان.[6]
رُؤَى تنسيقية لتطوير قدرات اليابان العسكرية:
-
جاءت زيارةُ “كيشيدا” إلى الولايات المتحدة مُعزّزةً للتحالف العسكري الوثيق بين الدولتيْن، وتأكيدًا على استمرارية الدولتيْن في التطلُّع لوضع رُؤْيةٍ تنسيقيةٍ مشتركةٍ في النواحي العسكرية والدفاعية، وقد اتفق الطرفان على إدخال نظام دفاع الصواريخ الباليستية إلى اليابان؛ للتعامُل مع أيِّ مستجدَّات طارئة وللاستجابة للتوتُّرات الجيوسياسية التي تهدد أمْن طوكيو في منطقة “الإندو – باسيفيك”.
-
والجدير بالذكر، أن اليابان بعد التجارُب المريرة التاريخية أصبحت لا تُحبِّذُ الحرب أو أن يكون لها دورٌ عسكريٌّ نَشِطٌ وفعَّالٌ، على عكس شريكتها الولايات المتحدة التي تميل دائمًا إلى التصعيد والانتشار العسكري، بل تُفضِّلُ مسارَ التعامُل السلمي والحوار بين الشركاء والمتنافسين والضغط المتبادل فيما بينهم؛ تأكيدًا على أن الحلول العسكرية لم تنجح يومًا في تلبية مطالب الدول، بل أتت بنتائج سلبية على مختلف القُوَى المتصارعة، وفي ذلك السياق، تواصل طوكيو التأكيد على أن محاولات رفْع وتطوير التعاون العسكري بينها وبين واشنطن هدفه الأساسي هو تعزيز الرَّدْع والضغط من أجل حلِّ قضايا سياسية مهمة وعاجلة بين دول المنطقة؛ منْعًا لتحوُّلِها إلى نقطة انطلاقٍ لصراعٍ عسكريٍّ أو انزلاق المنطقة الآسيوية لصراعٍ إقليميٍّ يتداخل به قُوَى دولية،
-
ويُعدُّ التعاون الدفاعي والأمني هو أساس العلاقات بين الدولتيْن والعامل الرئيسي في إرساء السلام والاستقرار والازدهار في منطقة “الإندو – باسيفيك”، وفقًا لرُؤْية الدولتيْن، وتلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، بموجب معاهدة التعاون والأمن المتبادل، باستخدام كافَّة قدراتها العسكرية والنووية، وتقوم اليابان بالتنسيق مع الولايات المتحدة والعمل على رفْع قدراتها العسكرية والدفاعية؛ لردْع أيِّ محاولات صينية من إحداث أيِّ تغيير في الأوضاع الحالية في بحر الصين الشرقي، الذي تسيطر فيه اليابان على جزر سينكاكو.[7]
دوافع التقارب بين الدولتين
هناك عددٌ من الدوافع لكلا الجانبيْن؛ أدَّى إلى حدوث تقارُب بينهما، ولا شكَّ أن أهمها بالنسبة للولايات المتحدة، هي موازنة قوة الصين الصاعدة بقوةٍ على السَّاحة الدولية والإقليمية؛ ما يجعل لها قَدَمًا وساقًا في المنطقة الآسيوية، خاصَّةً في منطقة “الإندو – باسيفيك”، والدافع الآخر، يكْمُنُ في رغبة طوكيو في بناء قدراتها الدفاعية بمساعدة واشنطن؛ بما يجعلها أكثر قدرةً واعتماديةً على نفسها في المستقبل القريب.
وفيما يلي: يمكن عرْض هذيْن الدافعيْن بشكلٍ أكثر تفصيلًا:
-
موازنة قوة الصين:
تُعدُّ الصين هي المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة، والذي يُمثِّلُ تهديدًا، وفْقًا لوجهة النظر الأمريكية للاقتصاد الأمريكي؛ لذلك عملت واشنطن دائمًا على رفْع مستوى العلاقات والتعاون مع طوكيو؛ لموازنة ثقل الصين التي تنمو وتصعد على السَّاحة الدولية بشكلٍ غير مسبوقٍ، وتسعى واشنطن إلى توحيد وجهات النظر بينها وبين طوكيو، باعتبار أن الصين تُمثِّلُ تهديدًا لأمن اليابان ولاقتصاد ومصالح الولايات المتحدة، وهدف اجتماع القمة الثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان والفلبين على هامش زيارة رئيس وزراء اليابان السابق “كيشيدا” إلى واشنطن التأكيد على الدخول في مرحلةٍ جديدةٍ متطورةٍ من العلاقات الدفاعية والأمنية بين الدولتيْن.
ويُعدُّ هدف موازنة قوة الصين هو الهدف الأسمى من هذه العلاقة؛ حيث تتولَّى الولايات المتحدة منذُ أكثر من ستة عقودٍ مهمةَ الدفاع عن اليابان؛ ما يُوفِرُ لها صلاحيات عديدة في الانتشار منطقة “الإندو – باسيفيك”، التي تريد الصين بسْط نفوذها بها والسيطرة عليها، وتقوم الولايات المتحدة باستمرارٍ بنقْل حالة الشَّك وعدم الثقة في الصين إلى اليابان؛ لأن النَّهْج التصادمي الأمريكي هو الذي سيُمكِّنُها من تحفيز اليابان على الانصياع لتوجيهات واشنطن، فيما يتعلق بالاعتماد الأمني التَّام عليها، والتزامها بتوجيهاتها لصناعة السياسة الخارجية اليابانية.[8]
وقد أشارت الدولتان سابقًا، في فترة الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، إلى ضرورة التواصل المباشر مع الصين؛ لبحْث القضايا الشائكة بشكلٍ صريحٍ؛ حتى لا تحدث ملابسات خطيرة، تضطرهم إلى الدخول في هواجس أمنية، تفاقم عملية الشَّك المتبادل بين طوكيو وواشنطن في طرف وبكين في الطرف الآخر؛ ما سيؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي، الذي تلعب فيه الثلاث دول دورًا يصْعُبُ التنازل عنه، ولكن مع قدوم ترامب في خلال أيامٍ، لا يمكن التنبؤ بما قد يُقْدِمُ عليه في علاقته مع الصين، خصوصًا بعدما أعلن صراحةً نيَّته في شنِّ حربٍ تجاريةٍ على بكين.
-
بناء قوة اليابان الدفاعية:
تريد اليابان إعطاء دورٍ أكبر للمؤسسة العسكرية بالداخل ،عن طريق تطوير سياستها الدفاعية وزيادة الإنفاق العسكري وتعزيز قدرتها العسكرية، وذلك عن طريق التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة الأمريكية التي ترعى حماية اليابان، وتُشكِّلُ النسبة الأكبر من تسليحها، وقامت اليابان بتوسيع نطاق تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة؛ هادفةً إلى إنشاء بيئةٍ أمنيةٍ جديدةٍ، تكون فيها قادرةً على الرَّدْع ومجاراة التطوُّر العسكري والتكنولوجي العالمي الحالي، واستغلال قدرتها على الابتكار التكنولوجي في تعزيز قدرتها العسكرية.[9]
وكانت زيارة رئيس الوزراء الياباني السابق “فوميو كيشيدا” إلى واشنطن؛ هادفة إلى تطوير التعاون الثنائي، فيما يتعلق بتعزيز الترتيبات الأمنية بين الدولتيْن، وإدخال أنظمة دفاع صاروخية لليابان، وقد أعادت اليابان تفسير الدستور الخاص بها؛ بما يمسح لجيشها الدفاع عن حلفائها، وبالتالي تأتي ضرورة زيادة نطاق التعاون العسكري بين الدولتيْن.[10]
آفاق العلاقات في إدارة ترامب القادمة
الشراكة السياسية والاقتصادية بين الدولتيْن تتخطَّى السياسات الحزبية في الداخل الأمريكي؛ حيث تتقلب السياسات الخارجية الأمريكية بين الرُّؤْية السياسية للديمقراطيِّين تارةً، وللجمهوريِّين تارةً أُخرى، ولكن مما لا شكَّ فيه أن العلاقات “الأمريكية – اليابانية” هي علاقات وثيقة، لا يمكن زعزعتها بتغيُّر الحزب الحاكم،وتشهدُ الدولتان قيادات مختلفة؛ حيث إن اليابان لديها رئيس وزراء جديد “شيغيروا إيشيبا “،الذي جاء خلفًا لـ”فوميو كيشيدا”، الذي زار واشنطن، في أبريل الماضي، في ظل حُكْم الديمقراطييِّن، أمَّا بالنسبة لواشنطن، فمن المحتمل أن تكون سياساتُ دونالد ترامب تصعيديةً وحمائيةً في التعامُل مع منافسي الولايات المتحدة؛ ما سيؤدي إلى احتمالية دخول حلفائها في تنافُسٍ قويٍّ مع الصين، الذي أعلن ترامب صراحةً، اعتزامه شنَّ حرب تجارية عليها.
آفاق العلاقات على المستوى الاقتصادي والتعاون العسكري:-
استمرار متانة العلاقات الاقتصادية والعسكرية :
-
من المتوقع استمرار الترابُط في العلاقات “اليابانية – الأمريكية” وازدياد حالة الدعم المتبادل بين الدولتيْن على كافَّة الجوانب الاقتصادية والعسكرية، واستمرار التنسيق المستمر بين الدولتيْن في القضايا المتعلقة بمنطقة “الإندو – باسيفيك” والمصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة بين الدولتيْن، بالإضافة إلى توفير دعْمٍ غير محدودٍ وغير مشروطٍ من كلا الدولتيْن؛ لمواجهة التحديات الطارئة المتعلقة بهم، خاصَّةً في المناطق التي يسودُ فيها التوتُّرات الجيوسياسية.
-
لا تُمثِّلُ الجوانب الاقتصادية ولا العسكرية مُعضلةً في العلاقات “الأمريكية – اليابانية”، بل إنها أساس العلاقات بين الدولتيْن؛ حيث من المتوقع أن يستمر التعاون الاقتصادي والعسكري القائم على اتفاقيات تفوق وجهة نظر الدولتيْن السياسية لكيفية حلِّ النزاعات الدولية.
-
تُمثِّلُ وجهات النظر السياسية فقط هي النقطة التي يمكن الاختلاف عليها بين الجانبين، ولكنها بالتأكيد، ونظرًا لعُمْق العلاقات الثنائية بين الدولتيْن، فلا وجود للخلاف بينهما، بل هي مجرد محادثات، يمكن أن تُفْضِي إلى حدوث تقارب في وجهات النظر، أو الاتفاق على نقاط متقاربة بين وجهتيْ النظر، أو صرْف النظر عنها، وعدم الدخول في النقاط الخلافية، والتركيز على تعميق الروابط العسكرية والاقتصادية بين الدولتيْن.
آفاق العلاقات على المستوى السياسي:
اختلافات الرُّؤْية تجاه النظام الدولي:
-
تُعدُّ الإشكالية الكُبْرى التي من المتوقع أن تُسبِّبَ تحدِّيًا كبيرًا في العلاقات “الأمريكية – اليابانية” هي اختلاف وجهة نظر الدولتيْن في كيفية حلِّ النزاعات الدولية وسيْر النظام الدولي؛ حيث ترى اليابان، أن منظمة الأمم المتحدة لها الشرعية الكاملة والمطلقة في إدارة العلاقات الدولية في أوقات الحرب والسِّلْم، وهي المنظمة الأممية الوحيدة والأسمى، القادرة على إدارة وحلِّ الأزمات، وذلك بشرط تعزيز وظائفها وتطبيق وجهات النظر المتفق عليها من غالبية دول العالم، الداعية لإصلاح مجلس الأمن، الذي يتكفل بعملية ضمان حِفْظ الأمن والسِّلْم الدولييْن، وبذلك تصبح المنظمة أكثر فاعليةً وقدرةً على حلِّ الأزمات والنزاعات الدولية والإقليمية، وتلك الرُّؤْية اليابانية تأتي باعتبار اليابان شريكًا في النظام الدولي الليبرالي وفي القواعد والاتفاقيات العالمية المنظمة للعالم في إطار الأمم المتحدة.
-
بينما على الجانب الآخر، تقبع الولايات المتحدة التي تتلاعب بالمنظمة الأممية لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية، فمن الصعب في المستقبل القريب رؤية منظمة الأمم المتحدة تُطبِّقُ قرارًا لا يصُبُّ في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لا يمكن حدوثة على أيِّ حالٍ؛ نظرًا لوجود حقِّ النقض(Veto) من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن على أيِّ قرارٍ يصدر من المجلس وبدون مناقشة الطرف المعترض في قرار اعتراضه، وطالبت اليابان في وقتٍ سابقٍ، بإصلاح مجلس الأمن والحصول على مقعدٍ دائمٍ بالمجلس ضمن الخطة الإصلاحية للمنظمة، ولكن ذلك مستبعدٌ حدوثه؛ لأنه سيُفقد الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية هيْمنتها على النظام العالمي.
تعاونٌ محتملٌ في مواجهة الصين:
-
يعي دونالد ترامب جيِّدًا أهميةَ اليابان كحليفٍ إستراتيجيٍّ للولايات المتحدة، ولذلك من المحتمل أن يحاول ضمن نهْجه الحمائي، أن يستغلَّ تلك العلاقة في حربه التجارية على الصين؛ بتحريض اليابان على اتخاذ قرارات مماثلة للقرارات المتوقع تنفيذها في بداية تولِّيه الحُكْم؛ ما سيُمثِّلُ تحدِّيًا في غاية الخطورة لليابان، التي تحاول بناء سياسةٍ هادئةٍ وسِلْمِيَّةٍ نحْوَ الصين، خاصَّةً بعد زيارة وزير خارجيتها “تاكيشي إيوايا” إلى بكين، في ديسمبر الماضي، وقد هدفت تلك الزيارة إلى تعزيز التواصل والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ ما يجعلها نقطة تحوُّلٍ مِفْصَلِيَّةٍ في العلاقات “اليابانية – الصينية”، والتي ستضع اليابان في موقفٍ حَرِجٍ للغاية؛ إذا قرَّر دونالد ترامب تأجيج النزاع وإشعال حرب تجارية بين واشنطن وبكين.[11]
-
وفي حالة توتُّر العلاقات بين إدارة ترامب والصين، فليس من المستبعد، أن يطالب ترامب اليابان، باتخاذ بعض الإجراءات التي بمقدورها الضغط على الصين وإحداث بعض الخسائر لها اقتصاديًّا، على غرار مطالبة الإدارة الديمقراطية بقيادة جو بايدن، اليابان، بإدانة روسيا وفرْض عقوبات عليها، بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بل وقامت طوكيو أيضًا بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات إلى أوكرانيا؛ ما سيضع طوكيو في حالة تشتُّتٍ، بين اعتمادها على ذاتها في عملية صُنْع السياسات الخارجية للدولة، أو الانصياع للتوجيهات الأمريكية في السياسة الخارجية؛ نظرًا لكوْن واشنطن هي خطُّ الدفاع الأول عن الأراضي اليابانية.[12]