إعداد: أحمد محمد فهمي
فى الفترة الأخيرة، شهد الشارع التركى زيادة فى حدة المشاحنات ضد العرب بشكل عام والسوريين بشكل خاص، وذلك تزامنًا مع الحملات الأمنية الموجهة ضد المهاجرين غير الشرعيين، ومع أهداف سياسات الدولة التركية المتعلقة بترحيل جزء من اللاجئين السوريين “بشكل طوعى” إلى شمال سوريا، هذه المشاكل اندلعت فى إطار سلسلة من الحملات التحريضية التى يقودها قادة المعارضة التركية.
يتناول هذا التقرير استعراضًا وتحليلًا للنمط المتزايد للخطاب العنصرى، وكيف تم توظيفه بشكل سياسى حتى من قبل الحكومة التركية، ويُلاحَظ أن هذا الخطاب العنصرى يستهدف بشكل أساسى اللاجئين السوريين الذين يعيشون على الأراضى التركية، حيث يتم تصوير هؤلاء اللاجئين على أنهم عبء على الاقتصاد والمجتمع التركى، ويتم تضخيم التحديات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بهم.
إضافة إلى ذلك، يظهر الخطاب العنصرى تصاعديًا فى السياق السياسى، حيث يستخدمه قادة المعارضة التركية لتحقيق أهدافهم السياسية، بالتالى يُنظر إلى وجود اللاجئين على الأراضى التركية كعامل يؤثر على الديناميات السياسية والاقتصادية، ويُعزز هذا الخطاب من حشد الدعم الشعبى لأجندة سياسية تستهدف ترحيل كافة اللاجئين، كما تتحمل الحكومة التركية جزءًا من المسؤولية عن تفاقم هذا الخطاب العنصرى، إذ يُعتقد أن بعض الجهات التابعة والمؤيدة لحزب العدالة والتنمية الحاكم تستغل هذه القضايا لتحقيق أهدافها السياسية.
استعراض وتحليل النمط المتزايد للخطاب العنصرى:
على الرغم من أن نمط هذا الخطاب حاضر دائمًا خلال السنوات الأخيرة فى الحياة السياسية التركية، إلا أنه قد شهد حضورًا قويًا قبل إجراء الانتخابات العامة الأخيرة، حيث استغلت أحزاب المعارضة وخاصة الأحزاب القومية واليمينية المتطرفة هذا الملف من أجل الهجوم على سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وعلى الرغم من حسم الانتخابات لصالح الرئيس أردوغان وحزبه، إلا أن ذلك الخطاب لم ينقطع نظرًا لإيجابياته السياسية على حضور المعارضة وقدرتها على توظيف السلبيات لصالح حشد مؤيدين لها.
وجدير بالذكر أنه فى الانتخابات الرئاسية السابقة، تمكن “سنان أوغان”، مرشح تحالف الأجداد اليمينى المتطرف، من الحصول على نسبة تجاوزت 5% من الأصوات، وهى نسبة كبيرة بالنظر إلى برنامجه الانتخابى الذى استند إلى فكرة طرد اللاجئين والمهاجرين.
وفى الآونة الأخيرة، استمر زعيم حزب النصر ورئيس تحالف الأجداد السابق، أوميت أوزداغ، والمعروف بعدائه للاجئين وخاصة السوريين، فى التصريحات التحريضية الواسعة، التى تدعو إلى طرد كافة اللاجئين من الأراضى التركية. وعلى الرغم من استمرار وزارة الداخلية التركية، بقيادة الوزير الجديد “على كايا”، فى تنفيذ حملات أمنية جديدة ضد المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن “أوزداغ” اتهم الشرطة التركية بتلقى توجيهات لتركيز جهودها على فئات محددة من المهاجرين غير الشرعيين وتجاهل كافة اللاجئين السوريين.
واستمر “أوزداغ” بتصريحاته التحريضية ضد السوريين، وحذر من إقدام السوريين على القيام بأعمال شغب على الأراضى التركية، على غرار الأحداث التى وقعت من المهاجرين غير الشرعيين فى فرنسا، وزعم أن الوضع فى تركيا سيكون أكثر خطورة بسبب تواجد أسلحة فى يد التنظيمات الإرهابية.
كذلك، زار عدد من المؤثرين والساسة الأتراك المعارضين لوجود اللاجئين والمهاجرين فى تركيا، العاصمة السورية دمشق، ومن بين هؤلاء مساعدة رئيس “الحزب الديمقراطي”، والذى يُعد واحدًا من أحزاب تحالف الأمة المعارض، إيلاى أكسوى، كذلك وفد من حزب النصر اليمينى المتطرف تحت رئاسة نائب رئيس الحزب ووزير الخارجية السابق شكرى سنا غوريل.
جاءت هذه الزيارات بهدف الترويج لفكرة أن الأوضاع فى سوريا مستقرة وآمنة، وأن الحرب قد انتهت والحياة قد عادت إلى طبيعتها، كما أشار هؤلاء الزوار أيضًا إلى أن اللاجئين السوريين لا يغادرون تركيا بحجة استفادتهم من الخدمات المجانية التى تقدمها الحكومة التركية، مثل التعليم ومساعدات الهلال الأحمر وغيرها، وفى المقابل، يرون أن الأتراك لا يستفيدون من هذه الخدمات بنفس القدر.
على الجانب الآخر، يرى البعض أن هذه الزيارات تحمل رسائل سياسية، بمحاولة من الأطراف المعارضة للحكومة التركية التأثير على الرأى العام وتوجيه الانتقادات إلى سياسات الحكومة بشأن اللاجئين والمهاجرين، وقد تسببت هذه الأحاديث والتصريحات فى تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية حول هذه المسألة فى تركيا.
مرتكزات الخطاب العنصرى للمعارضة التركية المعادية للاجئين والمهاجرين:
تشمل تلك المرتكزات على عدة عوامل، ويمكن تصنيفها على النحو التالى:
- الضغوط الاقتصادية: يعتقد بعض المعارضين أن الحكومة التركية تنفق الكثير من الموارد على استقبال ودعم اللاجئين والمهاجرين، مما يؤثر على الاقتصاد التركى ويزيد من البطالة والضغط على الخدمات العامة.
- القلق الأمني: هناك من يرون أن استقبال عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين قد يؤدى إلى زيادة الجريمة والتهديدات الأمنية، وقد يكون بعض المجموعات المتطرفة قد يستغلون هذا للتسلل إلى البلاد.
- التأثير على الهوية والثقافة: هناك مخاوف من تأثير الثقافات الأخرى والتفاعل الاجتماعى بين اللاجئين والمهاجرين والسكان الأصليين، مما يؤثر على الهوية والثقافة التركية، ويشار فى هذا الصدد قيام بعض رؤساء البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهورى بإزالة لوحات مكتوبة باللغة العربية بدعوى الحفاظ على الهوية التركية.
- السياسة والانتخابات: يمكن أن تكون قضية اللاجئين والمهاجرين موضوعًا للاستغلال السياسى، حيث يمكن استخدامها لتحقيق أهداف سياسية أو لجذب أصوات الناخبين.
- الأزمة الإنسانية والتحديات الاجتماعية: يمكن أن تؤدى استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين إلى ضغوط اجتماعية على المجتمع التركى، مثل قلة الإسكان والتعليم والرعاية الصحية، وهذا يمكن أن يؤدى إلى تصاعد المعارضة.
دور الشائعات فى تصاعد الخطاب العنصرى:
انتشرت الكثير من الشائعات على منصات التواصل الاجتماعى، وكذلك على بعض وسائل الإعلام، والتى فى مجملها تحرض على الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين، وتشير إلى أعمال أو تصرفات تهدد المجتمع التركي. وقد أصبحت هذه الشائعات إحدى مظاهر تصاعد الخطاب العنصرى، حيث تسهم فى تشكيل ونشر الأفكار والمعتقدات العنصرية وتعززها.
فقد تداولت حسابات مؤيدة للمعارضة على منصات التواصل الاجتماعى مقاطع فيديو لم يتم التحقق منها، تقول إنها تظهر لاجئين سوريين يقومون بالسباحة فى مناطق ببلدية إزمير يحظر فيها السباحة “مثيرين فزع المواطنين”، ونتيجةً لتداول هذه المقاطع، رصد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعى أن بلدية إزمير قامت بتنفيذ دوريات فى بعض المناطق الساحلية بالمدينة بهدف منع السباحة فى الأماكن غير المخصصة للسباحة.
بالإضافة إلى ذلك، انتشرت شائعة أخرى تفيد بأن سوريين قاموا بتسميم كلب وهاجموا منازل مواطنين أتراك، وهذه الشائعة أدت إلى تنظيم مظاهرة لمجموعة من الشبان فى مدينة “ديلوفاسي” بولاية “كوجالى” تدعو إلى طرد السوريين، إلا أن والى “كوجالى” أكد أن ما حدث فى الواقع كانت مشاجرة بين أشخاص أتراك على خلفية وفاة الكلب، وأن السوريين الذين كانوا حاضرين لم يشاركوا فى الشجار، ولكنهم حاولوا التدخل لفض النزاع، مؤكدًا إحالة 10 منهم إلى إدارة الهجرة.
بالمقابل، زعمت بعض المواقع الإعلامية أن مجموعة من الأتراك قتلت شابًا سوريًا وعاملين معه فى محل بقالة فى منطقة “إسنيورت” بولاية “إسطنبول”، وقد نُشر تقرير حول الحادثة تحت عنوان “أتراك يقتلون بقالًا سوريًّا بوحشية فى إسطنبول”، وبعد ذلك، تبين أن الأطراف المتورطة فى جريمة القتل هم جميعهم من الأتراك، وأكدت المصادر الأمنية التركية أن المنشورات التى انتشرت على منصة “تويتر” بعد تلك الحادثة كانت نسبتها 52% من المشاركين يمتلكون أسماء حقيقية، بينما تمثل الحسابات المتبقية والتى تشكل 48% منها حسابات مرتبطة بالروبوتات.
كيف يتم توظيف الخطاب العنصرى سياسيًا؟
على صعيد المعارضة:
بعد إدراك المعارضة التركية مدى أهمية ملف اللاجئين خلال الانتخابات العامة السابقة، ولا سيما قبل جولة الانتخابات الرئاسية الثانية، وبالتالى تسعى، ضمن جهودها للانتخابات البلدية المقبلة فى مارس المقبل، إلى استغلال هذه القضية مرة أخرى لجذب أصوات الناخبين وتحقيق فوزٍ فى أكبر عدد ممكن من البلديات التركية، كما تسعى أيضًا للحفاظ على بلديتى أنقرة وإسطنبول ضمن نطاق حزب الشعب الجمهورى.
كما تسعى من خلال هذه الورقة الرابحة إلى زرع القلق فى الأوساط الداخلية التركية، بهدف إثارة اضطراب حول قدرة الحكومة الجديدة ووزارة الداخلية على ضبط الأوضاع الداخلية فيما يتعلق بوجود وانتشار اللاجئين قبل الانتخابات القادمة، وهذا قد يعرض ذلك الوزير الجديد “على كايا” للإحراج فيما يتعلق بقدرته على السيطرة على الأمور والشارع، وزرع الشكوك والتردد فى أذهان الناخبين التركيين، بهدف التأثير على ثقتهم فى قدرات الحكومة الجديدة، خاصة وأن المعارضة لا تمتلك مجموعة كبيرة من الخيارات أو البرامج التى يمكنها الاعتماد عليها خلال فترة الانتخابات القادمة.
بجانب أن أحزاب المعارضة تعانى من تداعيات خسارتها نتائج الانتخابات السابقة، بالتالى فهى تسعى أيضًا إلى صرف النظر عن المشاكل والتحديات والانشقاقات التى تواجهها، وتستخدم ورقة اللاجئين كوسيلة لتحقيق ذلك، وهو الملف الذى تدعمه أغلب أطياف المعارضة، ومن الممكن أن تؤثر هذه الإستراتيجية فى تأجيل مناقشات الانشقاقات الداخلية، وقد يكون له تأثير على تأجيل إجراء المؤتمرات العامة لكل حزب، أو على أقصى تقدير حتى انتهاء الانتخابات البلدية المقبلة.
على صعيد الحكومة:
أكد الرئيس التركى أردوغان أن حل مسألة المهاجرين فى تركيا، والتى يتم استغلالها خاصة خلال فترات الانتخابات، يكمن فى محاربة التنظيمات الإرهابية بشكل فعّال، وأكد أنه طالما لم تنتهِ الهجمات الإرهابية فى سوريا والعراق، ستستغرق عودة اللاجئين إلى بلادهم وقتًا أطول من المتوقع، وشدد أن العودة الطوعية والكريمة للاجئين إلى بلادهم ستزداد مع استتباب الأمن والاستقرار.
من خلال هذه الرؤية، تم توظيف الأزمة وحلها من خلال تأكيد أردوغان عدم وجود حل لمسألة وجود المهاجرين واللاجئين فى تركيا، سواء من خلال استمرار الحملات الأمنية والعسكرية التى تقوم بها القوات الأمنية والعسكرية التركية تجاه معاقل التنظيمات الكردية المسلحة فى كل من العراق وسوريا، وأنه فى حالة تحقيق النصر لتركيا على تلك التنظيمات، فإن عودة اللاجئين إلى بلادهم ستكون حتمية فور استتباب الأمن والاستقرار، بالتالى ومن خلال هذا التفسير، يتضح أن استخدام أردوغان لهذا النهج يهدف إلى تسليط الضوء على أن مسألة اللاجئين ليست مسألة بسيطة قابلة للحل السريع، بل هى مرتبطة بالتطورات الأمنية والسياسية فى المنطقة بشكل عام.
حتى أن المصادر الأمنية وكذلك الأوساط المؤيدة لحزب العدالة والتنمية الحاكم وللحكومة التركية، قد فسرت زيادة حالات الاحتقان على منصات التواصل الاجتماعى بين العرب والأتراك فى تركيا، على أنها ناتجة عن حسابات ممولة من قبل حزب العمال الكردستانى”PKK” وكذلك من جماعة الخدمة “Hizmet” التابعة لجماعة فتح الله جولن، والتى تتهمها الحكومة التركية بالتورط فى الانقلاب الفاشل فى يوليو 2017، وأن هذه الحملة يتم تنفيذها من خلال حسابات تروج للتحريض ضد العرب فى تركيا باللغة التركية، بالإضافة إلى حسابات أخرى تدعى أنها تدافع عن العرب وتحرض ضد تركيا باللغة العربية.
وتؤكد تلك المصادر أن الهدف الرئيسى لهذه الحملة العنصرية هو تقويض استقرار تركيا والإضرار بوحدة المجتمع واقتصادها، وهذا يعكس التحديات التى تواجهها البلاد فى مجال التواصل الاجتماعى والتأكيد على الحاجة إلى التصدى لتداول الأخبار الزائفة والتضليل على وسائل التواصل الاجتماعى بهدف الحفاظ على الاستقرار الاجتماعى والوحدة الوطنية.
كما استنكر رئيس دائرة الاتصال فى الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، حملات التضليل والأكاذيب التى تستهدف الأجانب واللاجئين على الأراضى التركية، مؤكدًا أن هدفها هو الضغط على ثقافة الديمقراطية، بجانب خلق عدم استقرار سياسى وفوضى اجتماعية.
وختامًا:
على الرغم من أن الحملات العنصرية ضد اللاجئين فى تركيا ليست أمرًا جديدًا، إلا أنها تشهد تصاعدًا ملحوظًا فى الوقت الحالى، يعود هذا التصاعد بشكل أساسى إلى التوقيت المتزامن مع الاستحقاقات الانتخابية المتعاقبة والظروف الاقتصادية التى تعيشها تركيا، وقد تمكنت المعارضة من استغلال هذا الموقف لصالحها بشكل كبير، نظرًا لسياسات الحكومة التى يقودها أردوغان، حيث استضافت اللاجئين بترحيب وتعاطف، وتجاوبت معهم بإيجابية، كما أنه وبسبب تزايد معاناة المعارضة مع آثار نتائج الانتخابات السابقة، فهذا ما دفعها إلى تجاهل تلك المشاكل الداخلية والتحديات الانقسامية التى تعانى منها، بالعوض عن ذلك، تتجه نحو استخدام قضية اللاجئين كأداة لكسب الدعم الشعبى.
يبقى التساؤل حول استمرار هذا الوضع وتأثيره على الأوضاع الداخلية والسياسية فى تركيا، خاصة وأنه من المتوقع أن تظل هذه الأزمة والخطاب العنصرى محور اهتمام الساحة السياسية حتى الانتهاء من الانتخابات المحلية المقبلة أو حتى تحقيق الحكومة لطفرة ملحوظة من الأتراك فى خططها لتسهيل عودة اللاجئين إلى بلادهم.
المصادر:
“بعد أن هدأت عقب انتخابات الرئاسة.. السوريون يتصدرون السجالات السياسية فى تركيا مجددًا”، الجزيرة نت، 5/7/2023، متاح على: https://2u.pw/yW4HFM0.
“فى مقدمتها تحريض المعارضة وتدهور الاقتصاد.. لهذه الأسباب تصاعدت العنصرية ضد اللاجئين فى تركيا”، الجزيرة نت، 2/8/2023، متاح على: https://2u.pw/QzOTQsw.
“أكاديمى تركى يحذر من المحرضين ضد العرب باللغة التركية وضد الأتراك باللغة العربية”، موقع وكالة أنباء تركيا، 1/8/2023، متاح على: https://2u.pw/eXaADpa.
“دائرة الاتصال فى الرئاسة التركية تفند ادعاءات بعض المواقع العربية حول جريمة إسنيورت”، صحيفة ينى شفق التركية، 31/7/2023، متاح على: https://2u.pw/i6Im0WI.
أحمد محمد فهمى، “الحملات الأمنية التركية ضد المهاجرين غير الشرعيين.. المحفزات والأهداف”، مركز شاف للدراسات المستقبلية، 25/7/2023، متاح على: https://2u.pw/XzsX1iW.