فى سياقِ تفاقمِ حالةِ الإرهاب العالمى بالنظر إلى ارتفاع النشاط الإرهابى للجماعات المحلية والعابرة للحدود لاسيَّما تنظيمى “داعش” و”القاعدة”، والذى أسفر عن سلسلةٍ مترابطةٍ من التهديدات الغير متناهية على أمن الدول والمواطنين على حدٍ سواء، وربما جاءَ الهجومُ الأخيرُ الواقعُ بمدينة “نيو أورليانز” الأمريكية عشيةَ رأسِ العامِ الجديد ليكشفَ الستارَ عن موقعِ وفعاليةِ استراتيجيات مكافحة الإرهاب وتحديداً الاستراتيجية الأمريكية التى صاغتْ نهجاً مختلفاً لدحْرِ الإرهاب خصوصاً بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر لعام 2001، ولكن الولايات المتحدة فى الفترة الراهنة تمرُ بمنعطفٍ تسعى فيها إلى التركيز بشكلٍ كبيرٍ على المنافسة الاستراتيجية، ولكنها فى ذات الوقت تستوجبُ التطويرَ وإعادة النظر والتمحيص بالنسبة للآليات المختلفة لمواجهة خصومها الإرهابيين مع زيادة وتعقيد معدلاتِ الإرهاب والتطرف والتخطيط لممارسة العنف أو التهديد به.
وفى إطارِ تلك الفكرة طرح “مركز مكافحة الإرهاب Combating Terrorism Center” دراسةً[1] حول التحديات التى تواجهها عملياتُ مكافحةِ الإرهاب لاسيَّما بالنسبة للولايات المتحدة، وكيفية احتوائها وإعادة النظر بها مستقبلاً لاحتواء التهديدات المتنوعة وبذْلِ ضغوطٍ كافيةٍ لتعديلِ نهجِ مجابهة التطرف والإرهاب، وذلك من خلال استطراد 3 أجزاءٍ رئيسيةٍ بالاعتماد على شرحِ إطارينِ لتوجيه التفكير الاستراتيجي حول الضغوط لمكافحة الإرهاب وكيف يمكنُ تطبيقِها وتقييمها مع تسليط الضوء على نموذجٍ تطبيقىٍ بالاستناد إلى تنظيم داعش الإرهابى.
أولًا: مكافحةُ الإرهابِ ما بين التحديات والاحتواء:
يشيرُ الجزءُ الأولُ من هذا الورقة إلى التحدى الرئيسى الذى عانت من الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية لتَطورِ مكافحة الإرهاب، هذا إلى جانب إلقاء النظر على الأدوات الأساسية لمكافحة الإرهاب وكيف يتمُّ دمْجُها مع بعضٍ فى استراتيجيات المكافحة المختلفة ، وهو ما يلى عرضه:
معضلة تحسين المخاطر:
يرتكزُ هذا التحدى على إعادة الزخمِ والاستمراريةِ التى تتسمُ بها التنظيماتُ والشبكات الإرهابية والتى تتطلبُ أشكالاً ثابتةً ومستدامةً من الضغوط لمكافحة الإرهاب وفق ما أكدت الدراسة من أجلِ إضعافِ قدرة ونطاق تلك التنظيمات، ولكن واقعياً فإن مستوى الضغط لاحتواء تلك التهديدات أقل من المفترض أن يكون خصوصا بالنسبة للولايات المتحدة، وهو ما يُعبرُ عنه الباحث فى الشكل التالى، الذى يشير إلى جهود الولايات المتحدة لتحسينِ المخاطر فى مجالِ مكافحة الإرهاب من خلال “الملاحظة والموارد والخبرة “، للحفاظ على توازنِ التحركات الإرهابية. ومن الناحية النظرية “فإنه كلما زادَ الضغطُ على حركةٍ أو تنظيمٍ ما انخفض مستوى خطر الإرهاب، والعكس صحيح”. ولكن من الناحية التطبيقية فإن هذا النهجَ يتسمُ بكثيرٍ من المخاطر مثل الطبيعة المتنوعة للتهديد الإرهابى فى الوقت الحالى، بجانب عدم المعرفة الكاملة عن التنظيمات المتطرفة وطريقة عملها الداخلية بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الدوليين لاسيَّما مع تطور أجندة ونهْجِ تلك التنظيمات كاستجابةٍ فوريةٍ للضغوط الممَارسةِ عليها من جانب الدول والمؤسسات الدولية والإقليمية. وعلى الرغم من أن تلك التحديات يمكن إدارتُها واحتواؤها كما أكدت الدراسة ولكنها فى ذات الوقت نوهت عن خبرةِ مكافحة الإرهاب فى السنوات الماضية التى أثبتت أنه حتى عندما يتمُ وضعُ جماعات رئيسية تحت قدرٍ كبيرٍ من الضغط، فإنها لا تزالُ قادرةً على إيجاد ثغراتٍ لاستغلالها وإحداثِ مزيدٍ من العمليات الإرهابية. وعليه فإنه حتى مع الممارسات الساعية إلى تحقيق الحد الأدنى من ضغوط مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية المتطرفة لابد أن تكونَ مرنةً ومتسقةً مع الظروف والتحديات المتطورة.
أدواتُ مكافحة الإرهاب:
يستندُ الباحث فى شرحِ كيفية احتواء التهديد الإرهابى على مجموعةٍ من الأدوات المختلفة والشاملة التى تساعدُ من تنفيذ حملاتٍ ضد الإرهاب، وكيفيةِ الجمع بين تلك الادوات وتوجيهها استراتيجياً من خلال الأجندات والاستراتيجيات المختلفة، وذلك بناءًا على تحديد الأهداف الرئيسية فى المكافحة وبالنظرِ إلى الولايات المتحدة فقد أشار الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) فى ولايته الأولى إلي6 أهدافٍ رئيسيةٍ فى استراتيجية مكافحة الإرهاب وهم ” ملاحقةُ الإرهابيين في معاقلهم الأصلية، وعزْلُ الإرهابيين عن مصادر الدعم المالي والمادي واللوجستي، وتحديثُ ودمجُ مجموعةٍ أوسع من الأدوات والسلطات، بجانب حماية البنية التحتية للولايات المتحدة وتعزيز الاستعداد، ومكافحة التطرف الإرهابي والتجنيد، وأخيراً تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب لدى الشركاء الدوليين”. وفيما يلى أبرز الأدوات التى أشارت إليها الدراسة:
1- الدبلوماسية: ترجعُ أهميةُ الأنشطة الدبلوماسية فى بناء التحالفات وتعزيز المفاوضات، وتسهيل الوصول إلى قواتِ مكافحةِ الإرهابِ، والتأثير على إجراءات مكافحة الإرهاب فى الدول المضيفة، التى تعانى من الخطر الإرهابى، هذا إلى جانب تسهيل الشراكة والتعاون الأمنى.
2- القوة العسكرية:وتضمنُ مساهماتِ القواتِ العسكرية سواء الأحادية أو المشتركة لعددٍ من الدول فى عملياتٍ مثل الضربات النوعية أو الغارات ضد معاقل الجماعات الإرهابية لتدمير البنية الأساسية لهم والمواقع التى يتم تخزين الأسلحة والذخائر والأموال من ناحية ومن ناحيةٍ أخرى توجيه ضربات ضد عناصر التنظيم وقادتهم والتى تسفر عن اعتقال بعضهم واغتيال آخرين.
3- التعاونُ الأمني:وتشملُ تلك الأداةُ برامج التدريب العالمية والتجارة فى مجال الأمن والدفاع ، ومشاريع بناء القدرات المؤسسية، وفى هذا الإطار استعان الباحث بجهودِ الولايات المتحدة تجاه حلفائها فيما يخصُ تطوير قدراتها وإمكاناتها لمكافحة الإرهاب.
4- إنفاذُ القانون والقانون الجنائي: وذلك من خلال توجيه الاتهامات واعتقال ومقاضاة العناصر الإرهابية فى المحاكم الجنائية، وأشار الباحث إلى المساهمات التى قدمتها هيئاتُ إنفاذ القانون المحلية والقبلية والولائية والفيدرالية بالمشاركة مع شركاء إنفاذ القانون الدوليين.
5- الاستخباراتُ: تتقاطعُ تلك الأداةُ مع الأدوات الأخرى لمكافحة الإرهاب وتتنوع ما بين الاستخبارات البشرية “HUMINT”، واستخبارات الإشارات “SIGINT”، واستخبارات الجغرافية المكانية “GEOINT”، والبيانات مفتوحة المصدر “OSINT”.
6- مكافحةُ تمويل الإرهاب: وتمارسُ من خلال فرْضِ عدد من العقوبات على الموارد المالية للشبكات الإرهابية لتجفيفِ مصادر التمويل الخاصة بهم، ومن أبرزِ تلك العقوبات تجميدُ أو مصادرةُ الأصول التابعة للأفراد أو الكيانات الإرهابية ناهيك عن مكافحة غسيل الأموال ومراقبة حركتها وتدفقها عبر البنوك والمؤسسات المالية.
7- إجرءاتُ حظْرِ السفر: وتعنى منْعَ سفرِ وحركةِ الإرهابيين والأفراد الذين تربطهم علاقاتٌ خفيةٌ بالجماعات الإرهابية إلى الخارج، واستندت الدراسة على نهجِ الحكومة الأمريكية فى التعامل مع هذه القضية ، فسبق أن صُممت ألياتٌ لتعقيد ومنْعِ سفر الإرهابيين إلى الخارج ودخولِ الأراضى الأمريكية من قِبلِ هيئات إنفاذ القانون في الخطوط الأمامية مثل وكلاء الجمارك وحماية الحدود الأميركية.
8- الإجراءاتُ الرقمية:وترتبطُ تلك الإجراءات بتطورِ الاعتماد على العالم الرقمي والذي يشملُ وسائل التواصل الاجتماعى والمنصات الرقمية المتنوعة، والتى تطلبتْ زيادةَ عدد الشركات الخاصة مثل ” YouTube / Meta ” والمعنية داخل عملها بمكافحة الإرهاب أو تنظيم استجابات محددة للمكافحة للحدِّ من التطرف أو استخدام منصاتها للترويج لعملٍ إرهابيٍ. هذا إلى جانب المنتديات والمؤسسات الدولية والإقليمية مثل “المنتدى العالمي للإنترنت لمكافحة الإرهاب-GIFCT”.
9- المجتمعاتُ الآمنة والمرونة المجتمعية: وتضمنُ تلك الأداةُ البرامج التى تعززُ من المجتمعات الآمنة الهادفة إلى تحديد ومنع الأفراد والمنظمات من الانخراط في الإرهاب والعنف السياسي في المقام الأول،هذا إلى جانب تقديم المبادرات التي تعززُ المرونةَ المجتمعية في مواجهة الإرهاب، وتساعد المجتمعات على التعافي من أعمال الإرهاب بعد وقوعها.
ثانيًا: أُطرُ مكافحةِ الإرهاب فى ضوء قوة التنظيمات المتطرفة:
بينما يتناولُ الجزء الثانى من الدراسة إطارين رئيسيين لمكافحة الإرهاب يشيرُ الأول إلى قوةِ الجماعات الإرهابية والجهود المبذولة فى إضعافها، فى حين يتعلقُ الثانى بالجهود الدفاعية لتوجيه عمليات الضغط لمكافحة الإرهاب على المستوى المستقبلي، وفيما يلى عرضٌ تفصيلى لتلك الأطر:
كيفيةُ مجابهة قوةِ التنظيمات المتطرفة العنيفة:
من أجلِ قياس قوةِ وقدرةِ التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على العمل إعتمد الباحث على 4 عناصر رئيسية لهذا القياس وهم”القدرة على الهجوم وزعزعة الاستقرار/ القدرةُ على القيادة والتمكين/ القدرةُ على الإلهام/ القدرة على التجديد” وتشملُ تلك العناصر جميع التنظيمات التى تعملُ على كافة المستويات سواء محلياً أو إقليمياً أو عالمياً وعلى الرغم من أن كلَّ مستوى يختلفُ تهديدُه عن الآخر إلا أن التنظيماتِ التى تعمل على جميع المستويات تُعتبرُ الأكثرَ تهديداً وقلقاً وتستدعى جهوداً مكثفة من جانب جهات مكافحة الإرهاب التى تعتمد على ما يعرفُ ب”مستوى الأولوية” بالنسبة لتأثير ومدى التنظيم الإرهابى كما يوضح الشكل التالى لتطبيق أو إعادة تطبيق ضغوط مكافحة الإرهاب. وتجدر الإشارة إلى أن الكيفيةَ التى يتم بها مجابهة الإرهاب ليست على خطٍ مستقيم ولا على نطاقٍ محددٍ من التهديد، ولكن يجب أن تسيرَ الضغوط على الإرهاب والعنف بطريقةٍ غير خطية وأكثر فعالية ضد التنظيمات المحلية والإقليمية والعالمية بشكل عام، واقترحَ الباحثُ إنشاءَ معاييرَ عالية المستوى لكلٍ من عناصر القوة الأربع للجماعات الإرهابية المتطرفة والتى يمكن استخدامها لتقييم تطور قدرات شبكة تلك الجماعات وفعالية حملة الضغط لمكافحة الإرهاب بمرور الوقت.
تقدم الدراسة فى هذا الإطار نطاقين يمكنُ استخدامهما لتوجيه وتقييم جهود مكافحة الإرهاب، ويتعلق النطاق الأول بالعواملِ المشتركة بين وكالات مكافحة الإرهاب لتوجيه آليات وسبل المكافحة ضدها بالتركيز على عناصر القوة الأربعة السابق مناقشتها، ويبرزُ الهدفُ الأشمل بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها كما ينوهُ الباحث فى “الحد من نطاق وتأثير المنظمات الإرهابية المتطرفة الرئيسية عبر المناطق الجغرافية”، وعليه يجدر التركيز على العواملِ التي تُمكنُ المنظماتٍ الإرهابيةَ المتطرفةَ من تشغيلِ نطاقها وتنقسمُ كما يشير الشكل التالى للدراسة 4 عوامل رئيسية وهم “الأشخاص والموارد والتوجيه والمعرفة”.
بينما يرتبط النطاق الثانى بالطريقة التى يتمُ بها تدشينُ جهودِ المكافحة كما يتضح فى الشكل التالى الذى يقدم نهجاً دفاعياً متعددَ الزوايا ويشملُ كلا من إجراءات الاعتقال ومنْعِ الدخول إلى الأراضي والعقوبة والردع والتقييد والحظر عبر الانترنت، وتبرزُ أهميتهُ في توجيه استراتيجية مكافحة الإرهاب وحملاتِ الضغطِ على مكافحة الإرهاب وقياس فعالية تلك الجهود. وكما أكد الباحث فأنه على الرغم من أن ذلك النهج ليس جديداً، ولكن لم يتمْ استخدامهُ بشكلٍ كافٍ لتوجيه استراتيجية مكافحة الإرهاب أو جهود الولايات المتحدة خلال العقدِ الماضى. وفى هذا الإطار أشارت الدراسة إلى أن أهمَّ إجراءات مكافحة الإرهاب التى تفيد العمليات الرئيسية وتعمل على تهيئة أساليب الضغط على مكافحة الإرهاب مستقبلاً هى عمليةُ “ضخِ البيانات” من خلال تحديد أولويات التهديد، وتقييم المخاطر، وجهود التحذير، وجمْعِ البيانات.
ثالثًا: نموذج تطبيقى “تنظيم داعش”
فى حين يطبقُ الجزء الثالث من الدراسة بعض المفاهيم المقدمة على نموذج “تنظيم داعش” لقياسِ فعاليةِ الأطرِ المقدمة مسبقاً، ويعتبر تنظيم داعش تنظيماً إرهابياً دولياً عابراً للحدود يتسمُ بنوعٍ من اللامركزية ولديه مجموعة من الولايات والفروع الموالية له على مستوى العالم وكثفت أنشطتَها منذ هزيمته العسكرية فى سوريا والعراق آواخر العقد الماضى ويواصلُ تحقيقَ تقدمٍ فى المناطق التى يسيطر عليها، وفيما يلى تقييم لتلك القوة بناءً على العناصر الأربع لقياس مدى قوة التنظيمات المتطرفة المعروضة سلفاً:
بالنسبةِ للقدرة على الهجوم وزعزعة الاستقرار:
بالرغم من قيامِ الولايات المتحدة وشركائها بممارسة قدرٍ كبيرٍ من الضغط على قيادات الصف الأول والثانى والعناصر المقاتلة فى تنظيم داعش، إلا أن هذا الضغطَ لم يكنْ كافياً فى تراجعِ التنظيم بل تضاعف عددُ هجماتهِ فى مناطق عملياته مع محاولته لإعادة البناء والبقاء والتمدد هذا إلى جانب بناء قدراته فى العمليات الخارجية أو بمعنى آخر تبنّى نهج “تصدير الإرهاب”، وبالنظر إلى ولاياته المتنوعة نجد أن “ولاية خراسان” تطورتْ قدرتها على الهجوم وزعزعة الاستقرار فى السنوات الماضية وعلى الرغم من انخفاض عملياتها في الداخل الأفغاني إلا أن نشاطها المتصاعد يرتبطُ بالنطاق العابر للحدود الذى يسعى إليه تنظيم داعش المركزى وتلعبُ ولاية خراسان دوراً أساسياً فى تنفيذه ولعل هجومَ موسكو الدموى فى شهر مارس المنصرم دليلٌ واضحٌ على ذلك المعدل. بينما يبدو نشاط ولايات التنظيم فى منطقة الساحل والصحراء مثل “ولاية غرب أفريقيا” و “ولاية الصحراء الكبرى” أكثر تركيزا على المستوى المحلي والإقليمي، وقدرتهم على زعزعة الاستقرار تنامت وفقاً للمؤشرات الإقليمية والدولية. وبالانتقال إلى شرق أفريقيا وتحديداً “ولاية الصومال” بالرغم من تأثيره المحدود إلا أنه يلعبُ دوراً كبيراً فيما يخص المعاملاتِ المالية والعمليات العالمية للتنظيم فى مناطق أخرى.
بالنسبة للقدرة على القيادة والتمكين:
يستندُ الباحث فى إثباته على قدرة تنظيم داعش على القيادة على “تكوين الشبكة العالمية للتنظيم من الولايات التابعة” و”ما إذا كانت تلك الولايات نمت أو انخفضت أو ظلت ثابتةً عبر الوقت”، وحقيقةُ الأمرِ فإن التنظيمَ يواصلُ تكييفَ هياكله التنظيمية استجابة للخسائر التى منى بها لاسيما فى قيادته العليا والتى أثرت على قاعدته المركزية فى سوريا والعراق، بالرغم من أن تلك الفروع تعرضت للعديد من الخلافات إلا أن غالبيةَ الفروع اتسموا بالاستقرار. كما اعتمد على نهجٍ أكثر لا مركزية بالنسبة لفروعه لتوفيرِ مزيدٍ من الاستقلال العملياتي ولكن وفقاً لرؤية عامة للتنظيم وذلك تحت قيادة ما تُعرف ب “المديرية العامة للولايات ” التى عملت كجسرٍ بين القيادة المركزية للتنظيم وفروعها المختلفة لاسيَّما فيما يرتبط ب” إصدار أوامر حول كيفية تنظيم الفروع لمؤسساتها الاقتصادية، والتعامل مع شؤونها المالية، ومتابعة استراتيجيتها العسكرية”.
بالنسبةِ للقدرة على الالهام:
إعتمد الباحث فى قياس قوة التنظيمات في الإلهام من خلال قدرتها على تقديم رؤيةٍ مقنعةٍ وتسويق نفسها، وتجنيد الأعضاء، وإلهام الأفراد الموجودين في الخارج للمشاركة فى النشاط العملياتي، وعلى الرغم من تقليص جاذبية التنظيم بعد هزيمته العسكرية ناهيك عن انخفاض قدرته على استقطابِ أطرافٍ أخرى إلى صفوفه إلا أنه تراجعٌ مؤقتٌ، وعادَ زخمُ التنظيم مع محاولاته للتوسع فى نطاقاتٍ أخرى وحفاظه على هجماتهِ المحلية والإقليمية محاولة تحفيز الأفراد للانضمام إلى التنظيم أو القيام بأعمالٍ لصالحه، وهو ما يثيرُ تهديداً أكبر لهؤلاء المتطرفين الذين ليسوا أعضاءً فى الجماعة الإرهابية فىى إطار ما يُعرف بنمط “الذئاب المنفردة” لاسيَّما فى أوروبا ويظلون الأكثر احتمالا لتنفيذ هجمات ناجحةِ فى الولايات المتحدة مثل هجوم “نيو أورليانز”، وفى هذا الصدد اعتمد الباحث على “مجموعة بيانات المؤامرات الجهادية في أوروبا – JPED” التى تضمنُ مجموعةَ الأنشطة المرتبطة بأفرادٍ منفردين ومجموعات صغيرة ذات صلة بتنظيم داعش، بعضها يتضمن الاتصال عن بُعدٍ لتقديم الأوامر المرتبطة بالمخططات الإرهابية. والعامل الرئيسى لتلك القدرة هو الآلية الدعائية والخطابية لاسيما عبر الانترنت التى يستندُ إليها التنظيم باستخدام التطبيقات والمنصات لاسيما المشفرة مثل “تيليجرام” التى تسهل من التخطيط للعمليات الخارجية.
بالنسبة للقدرةِ على التجديد :
ربطَ الباحث قدرةَ تنظيم داعش على اتخاذ خطواتٍ فعالةٍ من أجل تجديد قدراتها بسماح الجهات والحكومات المعنية بمكافحة الإرهاب بمواصلة الضغط لإضعافِ قوةِ التنظيم سواء على المدى القصير أو الطويل، وبشكلٍ عام يتم قياس التجديد وفقاً للموارد الرئيسية مثل القوى العاملة وعامل التمويل، والكيفية التى يتمُ بها استخدام هذه الموارد أى “القدرة التشغيلية”، والتحديات والفرص التي قد تساعدُ الحركةَ على إعادة البناء. وتوصلت الدراسة إلى أن شبكةَ التنظيمِ المركزية لم تتجددْ كسابقِ عهدها قبل الهزيمة العسكرية ولكنها تحاولُ تحقيقَ خطواتٍ فى هذا الاتجاه فى الفترة الحالية بجانب عمل الفروع الإقليمية على التكيفِ وتعزيزِ قدرتهِا على التجديد.
تأسيساً لما تمّ عرضهُ فيما سبق؛
ساهمتْ الدراسة فى تقديم إطارٍ عامٍ لتحديات مكافحة الإرهاب يتزامن مع تطور اتجاهات ووتيرة التهديدات الإرهابية، ناهيك عن فهمِ قوة التنظيمات المتطرفة لتضافرِ الجهودِ المستقبلية لاسيَّما بالنسبة للولايات المتحدة وتوجيهها نحو مسارٍ صحيح لتطويرِ الضغوطِ فى مجال مكافحة الإرهاب وإضعافِ الجماعات الإرهابية ، وقد ساعدت الدراسة على استنباط عددٍ من الملاحظاتِ الهامة التى يمكنُ التطرق إليها فيما يلى:
الملاحظة الأولى: الجهود المبذولة حالياً لمكافحة الإرهاب على الرغم من مكاسبها إلا أنها عير كافية وبدون نهج مستدام وفعال لوقف الخطر والتهديد الغير معهود فى العقود المنصرمة، مما يستدعى ضرورة تحديد النواقص لمعالجتها وتطوير الأساليب الشاملة وإعادة النظر فى واقع إرهابى يتسم ب”التنوع والتعقيد واللامركزية وسرعة الانتشار”.
الملاحظة الثانية: بناءً على العناصر الأربعة التي اعتمدَ عليها الباحث لتحديد مدى قوى التنظيمات الإرهابية وتحديداً “تنظيم داعش” فإنها ترسمُ مستقبلاً غير مبشرٍ بالتزامن مع تصاعدِ قوةِ التنظيم خاصة فيما يخصُ القدرةَ على الهجوم وزعزعة الاستقرار والإلهام والتجديد وتكييف هياكله التنظيمية للحد من تأثير ضغوط مكافحة الإرهاب وذلك على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، مع ازدياد نهْجٍ “تصدير الإرهاب” وقدرة التنظيم على العمليات الخارجية وهو الأمر الذى يهدد الداخل الأمريكى.
الملاحظة الثالثة: ممارسةُ حدٍ أدنى من الضغط لمجابهة التهديد الإرهابى يجب أن يكونَ متسقاً ومرناً مع التطورات التى تنتهجها الجماعات الإرهابية لتقليل الضغط عليها أو مواجهتها، من أجل الحفاظ على مكاسب مكافحة الإرهاب بشكلٍ فعالٍ وكفء، ومن ثَمَّ تحتاج مناهج مكافحة الإرهاب إلى قدرٍ من التطوير لتحجيم الممارسات العنيفة.
المصدر:
[1] Don Rassler, “Smart Pressure: Conceptualizing Counterterrorism for a New Era”, Combating Terrorism Center, Volume 17, Issue 10, November 2024, Available on:
