في تطوُّرٍ سياسيٍّ بارزٍ، انتُخب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية، الخميس 9 يناير 2025، مُنْهِيًا فراغًا رئاسيًّا استمرَّ أكثرَ من عاميْن، فشل خلالهما البرلمان اللبناني لـ 13 مرَّةً في التوافق على رئيس يخلف ميشيل عون، جاء ذلك خلال جلسة البرلمان اللبناني التي عُقِدَتْ صباح الخميس، وحصل “عون” على تأييد 99 نائبًا من أصل 128 في الجولة الثانية بعد أن أخفق في الحصول على الأغلبية المطلوبة في الدورة الأولى من اقتراع النواب؛ تأتي هذه الخطوة في ظلِّ تحوُّلاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ عميقةٍ فرضت نفسها على الداخل اللبناني.
من هو جوزيف عون؟
وُلد جوزيف خليل عون، في 10 يناير 1964، في بلدة سن الفيل بمقاطعة المتن، وهو ينحدر من عائلة ترجع جذورها إلى بلدة العيشية الجنوبية، منذ صغره، أظهر شغفًا كبيرًا بالعلوم العسكرية؛ ما أثَّر عليه للالتحاق بالجيش اللبناني في مراحل مبكرة من حياته.
حصل على شهادتيْن: واحدة في العلوم السياسية وأخرى في العلوم العسكرية، ويجيد بخلاف اللغة العربية كُلٌّ من الفرنسية والإنجليزية، مما ساعده على المشاركة في دورات تدريبية دولية والتفاعل مع جهات خارجية.
ترقى عون عبْر الرتب العسكرية، منذ عام 1983، حتى بلغ رتبة عماد، وقد حصل خلال مسيرته المهنية على العديد من الأوسمة والنياشين المميزة، مثل وسام الحرب ثلاث مرات ووسام الجرحى مرتين، بالإضافة إلى وسام الوحدة الوطنية ووسام فجر الجنوب، كما نال وسام الاستحقاق اللبناني بدرجاته الثلاث “الأولى والثانية والثالثة” وكذلك وسام الأرز الوطني برتبة فارس ووسام مكافحة الإرهاب.
يتولَّى عون قيادة الجيش اللبناني، منذ عام 2017، وخلال فترة قيادته استمر تدفُّق المساعدات الأمريكية نحو الجيش ضمن سياسة طويلة الأمد؛ تهدف لدعم مؤسسات الدولة اللبنانية، كما عمل خلال رئاسته على الحفاظ على استقرار المؤسسة العسكرية رغْم التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها لبنان حاليًا، وكان مقرَّرًا أن يُحال للتقاعد، يوم 10 يناير الحالي، لكن البرلمان اتخذ قرارًا بتجديد ولايته لمدة عام آخر، في ديسمبر الماضي، ويُشْرِفُ حاليًا عون على نشْر وحدات الجيش اللبناني عند الحدود الجنوبية تماشيًا مع اتفاق وقْف إطلاق النار القائم بين إسرائيل ولبنان.[1]
علاقته بالقوى الخارجية:
يُعتبر جوزيف عون، شخصية بارزة في تقوية الروابط بين لبنان والدول الخارجية، خصوصًا الولايات المتحدة وفرنسا.
فتُعدُّ الولايات المتحدة المورد الأساسي للمساعدات العسكرية للجيش اللبناني؛ حيث تُعتبر هذه المساعدة الوسيلة الأكثر كفاءةً؛ لمواجهة التحديات الأمنية في البلاد، وقد أقام جوزيف عون علاقات إيجابية مع كبار المسؤولين الأمريكيِّين، مثل الجنرال “مارك ميلي”، رئيس هيئة الأركان المشتركة، و”بريت ماكغورك” منسق مجلس الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتمتدُّ هذه العلاقات لأكثر من ثلاثة عقود منذ أن شارك عون في برنامج تدريبي بالبنتاغون[2]، وفي أغسطس 2024، زار الرئيس اللبناني الجديد واشنطن وعرض خطته لخفْض التصعيد في لبنان، والتي تضمنت تقديم دعم مالي قدره مليار دولار وتجنيد أفراد جديدين لتعزيز قدرات الجيش، هذا التواصل المستمر يعكس الثقة المتبادلة ورغبة الولايات المتحدة في تعزيز استقرار لبنان، عبْر دعم مؤسساته الأمنية.[3]
أمَّا فرنسا فتُعتبر شريكًا تاريخيًّا للبنان ولها دورٌ نَشِطٌ في دعم الجيش اللبناني أيضًا، وقد حصل العماد “جوزيف عون” على تأييد فرنسي خلال مسيرته المهنية المهمة؛ حيث اعتبرت باريس أنه شخصية متميزة يمكنها تحقيق الاستقرار في لبنان، يعكس هذا الدعم الثقة بقدرات القيادة لدى العماد عون وقدرته على الحفاظ على السلام والاستقرار داخل البلاد.
ترشح جوزيف عون بين جدل دستوري ودعم دولي:
يعاني لبنان من فراغ في رئاسة الجمهورية منذ عامين؛ ما جعل الانتخابات الرئاسية لعام 2025، تشغل حيِّزًا كبيرًا من الاهتمام المحلي والدولي، وقد برز اسم قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون كمرشح توافقي يحظى بدعمٍ عربي ودولي؛ بفضل خبرته العسكرية الطويلة وطبيعته القيادية التي تجعله الخيار الأبرز لرئاسة البلاد، وقد أثار ترشحه ردود فِعْل مختلطة على الصعيديْن “الإقليمي والدولي”؛ حيث عبَّر العديد من اللبنانيين عن تأييدهم “للعماد عون” معتبرين إياه الأنسب للمرحلة الحالية، في حين تزايدت المخاوف بشأن التأثيرات المحتملة للتدخُّلات الإقليمية على قراراته المستقبلية، ومن جهتها، أبْدَتْ الدول الغربية، مثل “الولايات المتحدة وفرنسا” إشادةً كبيرةً بشخصيته وبجهوده لتعزيز استقرار الجيش اللبناني، وأكَّدت دعمها لترشيحه، باعتباره شخصية قادرة على إعادة التوازن السياسي إلى لبنان.
وبينما تصدَّرَ جوزيف عون سباق الرئاسة راهنًا، تنبَّه البعض إلى أن انتخابه قد يكون غير متوافق مع الدستور؛ نظرًا لتولِّيه منصب “فئة أولى”، وفْقًا للمادة 49 من الدستور اللبناني، يُحظر انتخاب موظفي الفئة الأولى أثناء تولِّيهم لمنصبهم ولمدة سنتين بعد استقالتهم وقطْع صلتهم بوظائفهم فِعْليًّا، أيضًا يستند قانون الانتخابات العسكري إلى ضرورة مرور ستة أشهر بعد ترْك الخدمة.
ومع ذلك، فإن تجربة انتخاب العماد ميشال سليمان، في عام 2008، عندما كان أيضًا قائدًا للجيش جعلت المتحمسين لانتخاب جوزيف عون يعتمدون على الحجج التي طُرحت آنذاك لدعم قضيتهم اليوم، وفي ذلك الوقت، وعد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بأن تصويت أكثر من 86 نائبًا لصالح سليمان؛ يعني تلقائيًا، أن انتخابه يُعدُّ دستوريًّا؛ لأن تعديل الدستور يحتاج لموافقة 86 نائبًا.[4]
وخلال جلسة البرلمان التي عُقِدَتْ صباح الخميس ٩ يناير ٢٠٢٤، فشل “العماد عون” في الحصول على الأكثرية المطلوبة لانتخابه رئيسًا في الدورة الأولى من الجلسة، بعد نيْله 71 صوتًا من إجمالي 128 مشاركًا في العملية الانتخابية، ورفع بري الجلسة في دورتها الأولى لمدة ساعتيْن؛ لحين استأنافها وإعلان جوزيف عون رئيسًا للبلاد بعد حصوله على تأييد 99 نائبًا في الجولة الثانية.
لماذا كان جوزيف عون الأوفر حظًّا؟
لعب الوضع الإقليمي دورًا حاسمًا في المعادلات اللبنانية؛ فانهيار نظام بشار الأسد في سوريا يعتبر نقطة فارقة أثرت بشكلٍ مباشرٍ على موازين القُوَى في المنطقة، وأضعفت قدرة حزب الله على المناورة السياسية، وبالرغم من استمرار الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، إلَّا أن التراجع النسبي للإيرانيِّين أوجد فراغًا إستراتيجيًّا سعت الولايات المتحدة لاستغلاله لإعادة صياغة الوضْع في لبنان.
وكان العِمَاد جوزيف عون المرشح الأوفر حظًّا؛ نظرًا للتوافق المحلي والدولي حول شخصيته؛ حيث حصل على تأييد عددٍ من الكتل النيابية البارزة؛ بما فيها نواب المعارضة واللقاء الديمقراطي وعدد من المستقلين والسنة، كما أن جوزيف عون ينتمي إلى الطائفة المارونية، وهو أمرٌ يتماشى مع النظام السياسي اللبناني القائم على تقسيم المناصب بين الطوائف المختلفة، التي تشترط أن يكون رئيس الجمهورية من هذه الطائفة؛ ما جعله مؤهلًا لهذا المنصب بالنظر إلى كُلٍّ من الجوانب القانونية والطائفية، بالإضافة إلى خبرته وكفاءته العسكرية الطويلة.
كما شَهِدَ السباق الرئاسي انسحاب سليمان فرنجية، أحد المنافسين الرئيسيِّين، الذي أعلن دعمه لترشيح جوزيف عون، وقد أكَّدت مصادر دبلوماسية وجود توافق “سعودي – أمريكي – فرنسي” لدعم ترشيح جوزيف عون، بوصفه شخصيةً قادرةً على تحقيق الاستقرار والتوازن داخل لبنان، فكانت زيارة الأمير السعودي يزيد بن فرحان لبنان؛ لمناقشة كيفية تسهيل انتخاب العماد عون وتذليل كافَّة العقبات المحتملة أمام ذلك.[5]
ردود فعل مختلفة:
توالت التهاني والتعليقات من لبنان والعالم العربي والدولي بعد إعلان انتخاب العماد جوزيف عون الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية.
على المستوى الإقليمي: قدَّم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري تهنئته باسم “الأمة اللبنانية واللبنانيِّين” عبْر انتخاب عون رئيسًا للجمهورية، وتحديدًا في هذه الأوقات الحَرِجَة، خاصَّةً في الجنوب اللبناني.
كما هنَّأَ الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس اللبناني “جوزيف عون”، مؤكِّدًا على إيمان مصر بقدرة الرئيس اللبناني على قيادة البلاد خلال هذه المرحلة الدقيقة التي يمُرُّ بها الدولة اللبنانية والمنطقة، وأعرب عن تطلُّعِهِ للقائه قريبًا؛ لمناقشة سُبُل تعزيز التعاون المشترك بين البلديْن.[6]
من جانبه؛ هنَّأَ الملك سلمان بن عبد العزيز ووليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان، بإرسالهما برقية تهنئة، إلى الرئيس اللبناني، بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية وأدائه اليمين الدستورية رئيسًا لبنانيًّا، متمنِّيًا له التوفيق والسداد.[7]
كما رحَّب وزير الخارجية الإسرائيلي “جدعون ساعر” بانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية في لبنان، مُعْرِبًا عن أمله أن يساهم ذلك في تحقيق الاستقرار.
و أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، عبْر منصَّةِ “إكس”، عن خالص التهاني للبنان؛ بمناسبة اختيار الرئيس جوزيف عون جديداً للبلاد، بعد فترةٍ طويلةٍ من الانتظار، وأبْدَى تمنياته للرئيس الجديد بالتوفيق، وعبَّر عن أمله في أن ينْعَمَ الشعب اللبناني بالسلام والاستقرار والازدهار.
وهنَّأَتْ قيادة حركة “فتح” في لبنان أبناء الشعب اللبناني، بإنجاز الاستحقاق الدستوري، وانتخاب العماد جوزيف عون كالرئيس الجديد للبلاد، متمنيةً له النجاح في تحمُّل هذه المسؤولية الجسيمة، وتطلَّعَتْ إلى قدرة لبنان الشقيق على التعافي من أزماته، واستعادة دوره الفاعل عربيًّا ودوليًّا بشأن دعمه للقضية الفلسطينية.
على المستوى الدولي:أشارت السفيرة الأمريكية لدى لبنان “ليزا جونسون” إلى أنها كانت “سعيدة للغاية” بانتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون لرئاسة البلاد، وكانت قد حضرت جلسة مجلس النواب التي تمَّ فيها انتخابه برفقة مبعوثي دول أخرى.
وأكَّد المبعوث الرئاسي الأمريكي “آموس هوكستين”، أن عملية اختيار جوزيف عون تعتبر خطوةً نحو تحقيق السلام والاستقرار في لبنان.
ومن جانبها، هنَّأَتْ وزارة الخارجية الفرنسية لبنان بانتخاب عون، باعتبارها خطوةً فتحت آفاق جديدةً وأملًا للبلد، مُعْرِبَةً عن تطلُّعِها إلى تشكيل حكومةٍ قويةٍ، كما قدمت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت تهنئتها الحارة للعماد عون بمناسبة انتخابه رئيسًا للجمهورية اللّبنانية.[8]
تحديات تواجه الرئيس الجديد:
يعتبر انتخاب رئيس للجمهورية فُرْصةً حاسمةً لتجديد النشاط الاقتصادي في لبنان، وإقامة بيئة مستقرة قادرة على إعادة بناء الثقة، سيتحمل الرئيس الجديد مسؤوليةً مركزيةً في توجيه البلاد نحو التعافي الكامل، من خلال العمل على تشكيل حكومة جديدة قادرة على إجراء الإصلاحات الهيكلية المطلوبة؛ ما يُمهِّدُ الطريق أمام لبنان للتوصُّل إلى اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي، الذي سيُعزِّزُ قدرة البلاد لجذْب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير الدعم المالي الضروري؛ للمُضيِّ قُدُمًا في عملية الانتعاش.
سيواجه جوزيف عون أيضًا تحدِّيًا آخر، يتمثل في تأمين التمويل اللازم من المانحين الدوليِّين لبدْء عمليات إعادة الإعمار، بعد الدمار الواسع الذي تعرَّضت له العديد من المناطق اللبنانية نتيجة القصْف الإسرائيلي وعجْز الدولة عن تمويل هذه الجهود، كما أن الأزمة المالية التي بدأت منذ نهاية 2019، خصوصًا فيما يتعلق بمسألة المصارف والمُودِعِين، تُعدُّ واحدةً من أبرز القضايا المُعقَّدة التي ستواجه الرئيس المنتخب وتحتاج إلى حلولٍ جذريةٍ.[9]
إضافةً لذلك، سيقابل العماد عون تحدياتٍ مركبةً، تتعلق بمعالجة أزمة الشَّلَل المؤسساتي؛ إذ يعاني العديد من المناصب الحيوية المؤثرة في إدارة الدولة اللبنانية من شُغُور؛ ما يجعل مِلْء هذه الفراغات أولوية أولى؛ لإعادة تنشيط عمل المؤسسات الحكومية، ويتصدَّرُ هذه القائمة منصب حاكم مصرف لبنان، الذي يُعتبر ركيزة استقرار النظام المالي والنقدي للبلاد.
كما أن الطائفية المتعددة التي يتسم بها النظام السياسي في لبنان، تجعل إدارة العلاقات بين الأطراف المختلفة تحدِّيًا كبيرًا.
جوزيف عون: أجندة طموحة للمرحلة المقبلة:
أشار الرئيس المنتخب في أول خطابٍ له بعد أدائه اليمين الدستوري مسار لبنان على الصعيديْن “الداخلي والخارجي” في الفترة المقبلة، عبْر مجموعةٍ من النقاط يمكن توضيحها كالآتي:
– شدَّد على حقِّ الدولة في احتكار استخدام السلاح.
– أكَّد رفْض سياسة توطين الفلسطينيِّين وتأكيد مسؤولية الدولة عن الأمن داخل المخيمات.
– طالب بإجراء استشارات نيابية عاجلة لاختيار رئيس حكومة جديد للبنان.
– دعا إلى تعزيز العلاقات مع كُلٍّ من الغرب والشرق، وفتْح آفاق شراكات إستراتيجية جديدة مع الدول العالمية.
– سعى لتوثيق روابط لبنان بالدول العربية والجيران الأشقاء.
– دعا إلى تفعيل دور القُوَى الأمنية كوسيلةٍ أساسيةٍ لضمان النظام وتنفيذ القوانين.
– العمل على تسوية المسائل العالقة مع سوريا؛ بما فيها الحدود وملف النازحين.
– عدم التهاون بشأن حماية أموال المُودِعِين والمستثمرين.
– أكَّد ضرورة القضاء على التهريب وتجارة المخدرات ومراكز الفوضى والتدخُّل بالقضاء.
– أعلن رفْض أيِّ تدخُّلٍ للقضاء أو المحسوبية أو الحصانة للمجرمين والفاسدين.
– وأكَّد أهمية التعاون مع الحكومة القادمة لإقرار مشروع قانون استقلالية القضاء.[10]
توقُّعات مستقبلية:
على الصعيد الداخلي،يُنتظر أن يساعد انتخاب رئيس جديد في إنهاء حالة الجمود المؤسسي التي أثَّرت سلبًا على أداء الحكومة والبرلمان؛ ما يفتح المجال لتشكيل حكومةٍ جديدةٍ تُركّز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر العماد عون، بمؤهلاته العسكرية وشعبيته بين الأوساط اللبنانية، شخصية توافقية قادرة على توحيد مختلف الأطراف؛ ما يُعزِّزُ إمكانية الوصول إلى حلولٍ مستدامةٍ للقضايا المُلِحَّة، مثل تحسين الاقتصاد ومكافحة الفساد، وإعادة هيكلة النظام المصرفي، من المتوقع أيضًا أن يُعزّز دوره الثقة بالجيش اللبناني، كأداةٍ وطنيةٍ فعَّالةٍ؛ لحماية البلاد، خاصَّةً في ظِلِّ التحديات الأمنية الكبيرة.
أمَّا بالنسبة للجانب الإقليمي،فإن انتخاب العماد عون يُمثِّلُ بدايةً لعهْدٍ جديدٍ وسط التغيُّرات الجِذْرِيَّة التي تشهدها المنطقة؛ حيث يُشكِّلُ انهيار نظام الأسد في سوريا وتقلُّص النفوذ التقليدي لحزب الله، أبرز هذه المتغيِّرات، وتسمح هذه الظروف بإعادة لبنان إلى موقعه التاريخي كحلقة وصل بين الشرق والغرب، بعيدًا عن النزاعات الإقليمية، كما أن تضاؤل قوة حزب الله سياسيًّا وعسكريًّا، يمكن أن يزيد من فُرَص الدولة اللبنانية لاستعادة سيادتها الكاملة وترسيخ الجيش كضامنٍ للأمن الوطني.
وفي ضوء الحرب المستمرة من قِبَلِ إسرائيل على الجنوب اللبناني، تظهر أمام القيادة الجديدة تحدِّيات كبيرة، تتعلق بضرورة حماية المدنيِّين وتأمين المناطق الحدودية، بالتوازي مع تعزيز الجهود الدبلوماسية؛ لوضع حدٍّ للتوتُّرات، ومن المتوقع أن يسعى الرئيس الجديد إلى تقوية علاقاته مع القُوَى الدولية والعربية، خاصَّةً تلك التي دعمت استقرار لبنان في السابق؛ للحصول على الدعم المطلوب خلال هذه المرحلة الحَرِجَة.
من الناحية الاقتصادية، فإن انتهاء الفراغ الرئاسي يتيح للبنان فُرْصَةً لاستئناف المفاوضات مع الجهات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي؛ للحصول على المساعدات اللازمة؛ لتسريع عملية التعافي الاقتصادي. يتطلب ذلك إدخال إصلاحاتٍ جذريةً، تشمل تحسين البِنْيَة التحتِيَّة وقطاع الطاقة ومكافحة الفساد الذي ساهم في الانهيار الاقتصادي.
ختامًا:
يمكن القول: إن مستقبل لبنان بعد تولِّي العماد جوزيف عون منصب الرئاسة يعتمد على قدرة القيادة السياسية في استثمار هذه اللحظة التاريخية؛ لتعزيز المصالحة الوطنية وتقوية الوحدة الداخلية والانفتاح نحو المجتمع الدولي، ورغم التحديات الضخمة التي تواجه البلاد، تُعتبر هذه الخطوة بداية أملٍ جديدٍ؛ لاستعادة لبنان لمكانته ودوره الإقليمي والدولي.
المصادر:
[1] من هو العماد جوزيف عون؟ رئيس لبنان المحتمل؟، النصر الإخباري، يناير ٢٠٢٤.
