المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > تقدير موقف > فُرَصٌ وتحدياتٌ عِدَّة: قراءةٌ في قرار حلِّ البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في السنغال
فُرَصٌ وتحدياتٌ عِدَّة: قراءةٌ في قرار حلِّ البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في السنغال
- أكتوبر 18, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: منة صلاح
باحثة في وحدة الشؤون الأفريقية
بعد التوتُّر المتصاعد بين السلطة التنفيذية والبرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، قام الرئيس السنغالي “باسيرو ديوماي فاي” بحل البرلمان لتحقيق التحوُّل النظامي، ودعا لإجراء انتخابات برلمانية مُبكرة في 17 نوفمبر، وذلك بعد ستة أشهر من انتخابه، وهو ما جاء في أعقاب الوعود السابقة لرئيس الوزراء “عثمان سونكو” بحلِّ الجمعية الوطنية والتحقيق في الفساد الحكومي، ولكن أثارت تلك الخطوة جدلًا واسعًا بين المواطنين السنغاليِّين، ونجد أن لحزب فاي السياسي “باستيف” فُرْصة كبيرة في تأمين الأغلبية البرلمانية؛ نظرًا لشعبيته وفوْزه في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.
نبذة عن الانتخابات التشريعية عام 2022م
تحاول السنغال الحفاظ على التعدُّدِيَّة الديمقراطية دون حدوث انقلابات عسكرية منذ 1976م، وهو ما لم تشهده أغلب مناطق القارة الأفريقية، خاصَّةً غرب أفريقيا، ولكن تُعرفُ السنغال بتعدُّد أحزابها؛ نظرًا لسيادة الاستقرار السياسي وحرية التعبير والالتزام بالقوانين؛ حيث تنافست ثماني لوائح انتخابية في انتخابات 2022م، حتى أعلنت مفوضية الانتخابات خسارة الائتلاف الرئاسي الحاكم للأغلبية البرلمانية؛ بحصوله على 82 مقعدًا من أصل 165، وذلك بعدما كان يتمتع بالأغلبية المطلقة بـ125 مقعدًا، وكانت هذه المرة الأولى التي يفقد فيها الحزب الحاكم الأغلبية المطلقة، منذ الاستقلال في 1960م.
وبالتالي نجحت المعارضة السنغالية في كسْب الاستفتاء في المدن الكبيرة، مثل العاصمة داكار؛ ما يشير إلى عدم الرضا عن توجُّهات الرئيس ماكي سال، ولقد مثَّلت نتائج الانتخابات فُرصةً لإعادة ضبْط المسار السياسي والتداول السِّلْمي للسُّلْطة في السنغال؛ بما يعمل على ترسيخ الديمقراطية، ولكن بعد مرور عاميْن على تلك الانتخابات، قرَّر الرئيس السنغالي، إعادة توجيه الناخبين إلى صناديق الاقتراع؛ للحصول على أغلبيةٍ برلمانيةٍ، تُمكِّنُه من تنفيذ سياساته بشكلٍ فعَّالٍ[1].
السياق الراهن لحل البرلمان وإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة
لقد جاء قرار الرئيس فاي بحلِّ البرلمان وتحديد موعدٍ للانتخابات التشريعية، بعدما شهدته الجمعية الوطنية من عدة توتُّرات؛ حيث بدأت الأزمة السياسية السنغالية عندما دعت المعارضة البرلمانية رئيس الوزراء “عثمان سونكو” لتقديم بيان السياسة العامَّة، طبقًا للمطالب الدستورية ورفضه لهذا الطلب نظرًا لعدم صلاحية النظام الداخلي للبرلمان وطالب أيضًا بتعديله، وردًّا على ذلك، قاطعت المعارضة مناقشات ميزانية الدولة، في شهر يونيو الماضي؛ ما أدَّى إلى إلغاء الجلسات.
وفي السياق ذاته، طلب الرئيس السنغالي استشارة المجلس الدستوري، حول صلاحية حلِّ البرلمان، وبعد حصوله على ردٍّ إيجابيٍّ من المجلس، أحال إلى البرلمان مشروع إلغاء المجلسيْن الاستشارييْن “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للمجتمعات المحلية”، وأيَّده 80 نائبًا ورفضه 83، وبالتالي أنهى الرئيس مهام مديري المجلسيْن الاستشارييْن؛ ما فاقم الأزمة بين السلطتيْن التنفيذية والتشريعية، وحصل الرئيس على صلاحية حلِّ البرلمان في 12 سبتمبر الجاري، ولكن قدَّم نواب المعارضة مشروع “سحب الثقة”؛ نظرًا لعدم مُثُول رئيس الوزراء أمام البرلمان[2].
أحزاب المعارضة (الأحزاب الحاكمة السابقة)
يشْهَدُ المشهد السياسي في السنغال العديدَ من التغيُّرات، لا سيما مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وتشكيل التحالُفات الجديدة، ولعل من أبرز تلك التغيُّرات تشكيل ائتلافٍ جديدٍ، يُعرف بـ”كتلة الليبراليين والديمقراطيين”، والذي يضُمُّ 40 حزبًا سياسيًّا، من أهمهم الحزبان الحاكمان السابقان للرئيسيْن السنغالييْن السابقيْن “ماكي سال” و”عبد الله واد”، ومن أهم أهداف هذا التحالُف، توحيد قُوَى المعارضة ضد الحكومة؛ وهو ما يُمثِّلُ تحدِّيًا للرئيس الصومالي[3].
وفي هذا السياق، حصل حزب التحالُف من أجل الجمهورية الذي يتزعمه سال والحزب الديمقراطي السنغالي الذي يتزعمه واد على 106 مقعدٍ من أصل 165 في البرلمان المنتهي ولايته؛ ما قد يؤدي إلى عرقلة محاولة فاي؛ لحصول حزبه على الأغلبية، إضافةً إلى إعاقة إصلاحاته، وبالتالي زعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الاضطرابات، والجدير بالذكر أن ائتلاف كُلٍّ من حزب المؤتمر الوطني والحزب الديمقراطي الاشتراكي، اللذان دعما فاي في الانتخابات الرئاسية ضد مرشح الحزب، سيكون مفتوحًا للحلفاء والأحزاب السياسية الأُخرى؛ لضمان الفوْز في التصويت التشريعي[4].
التحديات التي تواجه حكومة فاي
يواجه الرئيس السنغالي صعوبةً في تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها خلال حملته الانتخابية، كما واجه مقاومةً من البرلمان الذي كان يهيمن عليه أنصار الإدارة السابقة، إضافةً إلى ما تعانيه السنغال من ارتفاع مُعدَّلات البطالة بين الشباب وتجاوُز نِسْبة الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 72%، ومن ثمَّ سنتطرق إلى أبرز التحديات السياسية والاقتصادية كما يلي:
التحديات السياسية
-
قضايا الأغلبية التشريعية؛ قد يؤدي افتقار حزب باستيف إلى الأغلبية التشريعية إلى عرْقَلَةِ الإصلاح الدستوري؛ إذ يتطلب تمرير المراجعات موافقة 60% من الجمعية الوطنية والنجاح في الاستفتاء الوطني، فمن غير المرجح، أن يحصل حزب باستيف على الموافقة التشريعية؛ لأنه يسيطر على أقل من 34% من المقاعد؛ حيث يحتاج إلى دعْم الأحزاب الأُخرى، ومن غير المرجح، أيضًا أن يستمر الحزب الديمقراطي السنغالي في دعمه الانتخابي لباستيف؛ بسبب موقفه الليبرالي.
-
تماسُك التحالُف السياسي؛ قد تُشكِّلُ الديناميكية بين فاي وسونكو تحدِّيًا للوحدة التنفيذية في النظام شِبْه الرئاسي؛ إذ تعتمد سلطة رئيس الوزراء على الصلاحيات المفوضة من قِبَلِ الرئيس، وفقًا للمادة 50 من الدستور، وقد تؤدي هذه الديناميكية إلى صراعٍ داخليٍّ إذا نشأت خلافاتٌ بين الطرفيْن.
-
آثار انعدام الأمن من مالي؛ منذ يناير 2023م، وزادت أنشطة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في كايس؛ ما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى، ولقد وصلت نِسْبة الأحداث العنيفة المُسجَّلَة منذ ذلك الحين وحتى مارس 2024م إلى 48.5%؛ لذا قد يؤثر انعدام الأمن بالسَّلْب على مشاريع فاي الأفريقية، مِثْل البناء المشترك مع مالي لمحطة كيديرا النفطية.
التحديات الاقتصادية
-
انتشار الاقتصاد غير الرسمي؛ يُمثِّلُ القطاع غير الرسمي أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024م؛ ما قد يؤدي إلى إحاطة السنغاليِّين بظروف عملٍ محفوفةٍ بالمخاطر، وبالتالي انخفاض إيرادات الدولة.
-
الاعتماد على الواردات؛ تعتمد السنغال على الواردات بشكلٍ كبيرٍ، مِثْل البترول المُكرَّر؛ ما يُنْذِرُ بعواقب اقتصادية وخيمة؛ نظرًا للتقلُّبات في أسعار النفط العالمية، وقد تؤثر هذه التغييرات على كافَّة القطاعات الاقتصادية الأُخرى المعتمدة على استهلاك النفط، وبالتالي التأثير سلْبًا على الإنتاج الغذائي والنقْل دوليًّا ومحليًّا.
-
ضعْف القطاع الأولي؛ يُساهم القطاع الأولي الذي يُوظِّفُ حوالي نصف السكان بنحْو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه مُعرَّضٌ للصدمات الخارجية، مِثْل موجات الخفاف، وقد تؤدي تلك الصدمات، إضافةً إلى أوْجُه القُصُور التكنولوجية وعدم كفاية تقنيَّات التكيُّف إلى انعدام الأمن الاقتصادي والغذائي.
-
آثار مغادرة CFA؛ يحافظ CFA على سعر صرْفٍ ثابتٍ مع اليورو، ولكن قد تستغرق عملية مغادرته عِدَّة سنوات؛ ما يتطلب الإجماع بين الدول الثمانية في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا “WAEMU”، وقد يؤدي الانسحاب إلى تداعيات اقتصادية وخيمة؛ نظرًا للعلاقات الاقتصادية الراسخة مع دول غرب أفريقيا وأوروبا، وقد يعمل أيضًا على تقريب السنغال من تحالُف دول الساحل[5].