إعداد : مصطفى أحمد مقلد
مقدمة:
عقدت المنظمة الفرنكوفونية الدولية قمتها الـ18 في تونس “19 نوفمبر الجارى” على أمل أن تعزز دورها الدولى فى ضوء المستجدات التى تعصف بالعالم ومحاولة المجموعة تعزيز التضامن بين دولها التى تواجه تحديات داخلية أيضا فى إطار تبادل الخبرات والنقاش حول قضايا التنمية وفق أهداف “الاستراتيجية الاقتصادية للفرنكوفونية للفترة من 2020 وحتى 2025”.
وتستضيف تونس القمة بعد تأجيلها مرتين، الأولى في عام 2020 بسبب “كوفيد-19″، ثم في خريف 2021، بعد الإجراءات السياسية التي اتخذها الرئيس التونسى فى يوليو 2021. وشارك في القمة نحو 90 وفداً و31 من كبار القادة، وتناول جدول الأعمال “المجال الرقمي كمحرك للتنمية” بجانب نقاشات حول “الحرب الروسية على أوكرانيا” الدولة التي تحمل صفة مراقب في المنظمة الفرنكوفونية.
وترفع القمة شعار “التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرنكفوني”، كما تسجل تفعيل الائتلاف الذي يجمع بين أصحاب المؤسسات في البلدان الفرنكوفونية والذي تشغل فيه تونس نائب الرئيس.
أهداف تونس من القمة:
تعد القمة مكسباً دبلوماسياً للرئيس التونسى فى وقت تشهد فيه تونس أجواء مشحونة سياسياً مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية، التي تعتبر المحطة الثانية في خريطة طريق أطلقها “الرئيس سعيد” الذي يقول معارضوه إنه فشل في تطوير دبلوماسية بلاده في ظل تدهور اقتصادي مستمر، وفى هذا السياق، أعلن ماكرون أن بلاده ستمنح قرضاً قيمته 200 مليون يورو لتونس التي تمر بأزمة اقتصادية عميقة تفاقمت بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
يمر الاقتصاد التونسي بفترة صعبة تتجلى في تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتردي معدل الاستثمار، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة، وأرجع البنك الدولي الأسباب إلى نسب النمو الضعيفة على مدى الـ12 عاماً الماضية، وانخفاض أداء جميع القطاعات الاقتصادية باستثناء قطاع الزراعة، وانخفاض نسبة الاستثمار وغياب الابتكار علاوة على الرقابة المشددة على الأنشطة الاقتصادية.
والحل الأمثل لتونس هو التشجيع على الاستثمار ودفع التصدير لخلق الثروة، لذا تسعى تونس إلى إجراء تعديل على مجلة محروقاتها وتطويرها من أجل استعادة ثقة المستثمرين في قطاع الطاقة وتطبيق الاستراتيجية الصناعية والتكنولوجية في آفاق 2035، وعلى هذا سعت لانتهاز فرصة وجود القمة على أرضها لدفع تلك الخطط لحيز عقد الإتفاقات وتنفيذها.
فقمة الفرنكوفونية الـ 15 التي نظمت في داكار عام 2014، قرر فيها المشاركون توسيع نشاطها ليتطرق إلى الجانب الاقتصادي، ودعت الأمينة العامة لويز موشيكيوابو إلى تنفيذ إجراءات واسعة النطاق تهدف إلى تطوير بيئة الأعمال في المنطقة الاقتصادية الناطقة بالفرنسية، التي تمثل اليوم 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لـ 800 مليون نسمة، كذلك تم إطلاق تحالف أصحاب المؤسسات الفرانكونيين في مارس الماضى بتونس، وضم 27 منظمة مهنية في البلدان الأعضاء بالمنظمة.
نتائج القمة:
1)أشاد “إعلان جربة” بالآباء المؤسسين للفرنكوفونية، كما أتاح الحدث الفرصة للمشاركين لإعادة تأكيد دعمهم للتوجهات الجديدة للمنظمة الدولية للفرانكفونية، وإعادة تركيز أعمال الفرانكوفونية على القضايا الاستراتيجية مثل اللغة الفرنسية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، والمساواة في الحصول على التعليم الجيد للجميع، والتعليم العالي والبحث العلمى والتكنولوجيا الرقمية، والحفاظ على البيئة، والتنمية المستدامة.
2) دعا المشاركون بالتزام إدارة منسقة ومشتركة للأزمة الصحية بسبب جائحة COVID-19، وتسهيل الوصول العادل إلى الخدمات الصحية واللقاحات، وتم التأكيد مجددًا على الالتزام باللغة الفرنسية واحترام التنوع الثقافي واللغوي داخل الدول والحكومات في منطقة الفرنكوفونية، باعتبارها حجر الأساس للفرنكوفونية.
3)التأكيد على الحوار والحل السلمي لإنهاء الأزمات والصراعات في الدول الناطقة بالفرنسية بما يتوافق مع صيغ التفاوض المتفق عليها دوليًا، ويتماشى مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة.
4) كذلك رحبت المنظمة الدولية للفرانكوفونية على وجه الخصوص باعتماد استراتيجية الفرانكوفونية الرقمية “2022-2026″، والتي تنص على إطار عمل لتسريع التحول الرقمي للفضاء الفرنكوفوني وإدماجه في الاقتصاد الرقمي العالمي، مع احترام حقوق الإنسان والديمقراطية.
5) العمل على تحديث الإدارة العامة وتحسين كفاءة الخدمات وإمكانية الوصول إليها، لا سيما في مجال الأحوال المدنية، بهدف التحكم بشكل أفضل في التكاليف وتبسيط الإجراءات، وبالتالي ضمان العالمية والشفافية، جاء أيضا فى مخرجات القمة، ضرورة اتباع نهج شامل ومنسق في مكافحة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية وانتشار شبكات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، مع إيلاء اهتمام خاص لظاهرة هجرة الأدمغة التي تؤثر على بلدان المنشأ ، والبحث عن حلول متعددة الأبعاد تأخذ في الاعتبار بلدان المنشأ والبلدان المضيفة.
6)يؤيد إعلان جربة الجهود الدولية لتحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط ينهي الاحتلال ويعترف بالحق المشروع للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ويؤدي إلى تنفيذ حل الدولتين وإرساء أسس السلام. أعادت القمة انتخاب موشيكيوابو، المرشحة الوحيدة، لولاية جديدة مدتها أربع سنوات، وعينت فرنسا رئيسة للفرنكوفونية في عام 2024 خلفًا لتونس.
القمة كمحطة للنشاط الفرنسى فى القارة:
اتهم ماكرون “روسيا” بتغذية دعاية مناهضة لفرنسا في إفريقيا لخدمة طموحات “مفترسة” في الدول الإفريقية المضطربة، حيث استقبلت فرنسا أفول لنفوذها فى منطقة الساحل، ويتعين على باريس أن تتعامل مع رأي عام أفريقي معادٍ لها بشكل متزايد، حيث ينمو تأثير القوى المنافسة، مع موسكو في الطليعة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرسمية، وتسعى فرنسا حاليًا إلى مواصلة عملها العسكري في أفريقيا، لكن بتكتّم ولم يُطلق بعد أي اسم جديد للقوات العسكرية الفرنسية المنتشرة حاليًا في أفريقيا.
لذا تستخدم فرنسا الفعاليات والمؤتمرات لتأكيد على دورها الراسخ فى المنطقة والإكستاء بزى الداعم لتنمية تلك الدول والحريص على حماية أمن واستقرار المنطقة، وتأتى القمة الفرانكوفونية بعد قرابة شهر ونصف من عقد الدورة الرابعة من “منتدى تطلعات أفريقيا” الذي تنظمه وكالة “بزنس فرانس” سعيًا إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بين فرنسا وأفريقيا، في يومي 4 و5 أكتوبر في باريس.
وكان قد أعلن الرئيس الفرنسي أن الاستراتيجية الفرنسية الجديدة في إفريقيا ستكون جاهزة، بعد مشاورات بلاده مع شركائها في القارة، معلناً إنهاء مهمة “قوة برخان” لمكافحة المتطرفين في إفريقيا، وذلك تحت ضغط المجلس العسكري الحاكم. ومع ذلك، ما زالت هذه القوات منتشرة في المنطقة وتواصل القتال ضد الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيمي “القاعدة” و “داعش”، والتي توسع أنشطتها تدريجياً باتجاه دول خليج غينيا.
وأعلن المجلس العسكري في مالي “حظر أنشطة كل المنظمات غير الحكومية التي تمولها أو تدعمها فرنسا، بينها تلك التي تعمل في المجال الإنساني”، وعزا رئيس الوزراء الانتقالي الكولونيل “عبدالله مايغا” هذا القرار، إلى إعلان باريس أخيرا تعليق مساعدتها العامة للتنمية في مالي”.
ختاماً
يمكن القول أن قمة الفرانكوفونية كانت فرصة لتعبر كل دولة عن حاجتها لتضامن من الأعضاء الأخرين نتيج لما تلاقيه الدول من ضغوط على كافة الأصعدة لسبب المستجدات علي الساحة الدولية ورغم اختلاف أهداف كل دولة من دول الفرانكوفونية، فكما تمت الإشارة لأهداف تونس كمحاولة إنعاش إقتصادها وتحقيق نجاح دبلوماسى جديد، تسعى فرنسا لإعادة رسم صورة جديدة لها فى إفريقيا خاصة فى ظل تنافس روسيا معها على النفوذ هناك.
وتتجلى مساعى فرنسا فى نجاحها على إعادة بناء العلاقات مع الجزائر بعد فتور ملحوظ، ومن المعروف أن الجزائر تحتفظ بعلاقات قوية مع روسيا، وهو مايشير الى أن فرنسا لا تنوى ترك مساحة لروسيا للتمدد على حسابها بل تعمل فرنسا على تجديد إستراتيجياتها فى إفريقيا.