إعداد: حسناء تمام كمال
في مارس 1945، تأسست جامعة الدول العربية، وشارك في تأسيسها (العراق، السعودية، سوريا، مصر، لبنان، شرق الأردن)؛ للنظر في مصالح الدول العربية بصفة عامة، انضمت إليها ليبيا كأول دولة عربية تنضم إلى جامعة الدول العربية في سنة 1953، لتتبعها بقية الدول العربية الأُخرى، وقد تأسست جامعة الدول العربية بالعديد من الأحداث التي أثرت، بشكل أو بآخر، في بلورة تكوينها وأهدافها، وذلك من خلال العديد من المتغيرات العربية والدولية.
وبعد مرور أكثر من 75 عامًا على تأسيس الجامعة، وبحكم ما تواجهه المنطقة من تحديات واسعة، تتزايد معها حجم الدور المُلْقَى على عاتق المنظمات الدولية، وعلى عاتق الجامعة بالتحديد، ففي الوقت الذي تشيد فيه بمبادرة الأمم المتحدة لحل الأزمة في السودان، وتدعو الأطراف في ليبيا لإجراء انتخابات في أقرب وقت، وترحب بنتائج الانتخابات العراقية، وتدعو أطراف الأزمة في الصومال إلى احتواء الوضع، تظهر عدة تساؤلات، حول سبب عدم خروج مبادرات حل من الجامعة العربية، ومنها ، نحاول الوقوف على طبيعة دور الجامعة في المشهد العربي الحالي، وإلى أين يتجه مسارها، وما ملامح مستقبلها السياسي؟.
أولًا: الجانب الأبرز من التحديات التي تواجهها الجامعة
تعقد الملفات المطروحة على الساحة العربية، وتعدد وجهات النظر بشأنها: يسند إلى الجامعة العديد من الملفات للنظر فيها، واتخاذ إجراء بشأنها، هذه الملفات منها ما هو الجوهري، والمتعلق بمواقف من دول الصراع، أو متعلق بمواقف من أنظمة سياسية كاملة (نظام بشار الأسد، أو حتى الموقف من قضية محل خلاف بين الدول العربية كقضية الصحراء الكبرى، أو التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل وغيرها)، طبيعة هذه القضايا وما يتعلق بها من حساسية، بالإضافة إلى تعدد وجهات النظر بشأنها، يُعيق التفاعل السريع والحاسم من الجامعة بشأن هذه القضايا، وبالتالي، فالجامعة تعمل في ظل عالم مضطرب وتحديات غير مسبوقة.
الحاجة إلى حضور إرادة عربية للعمل العربي المشترك: وهو الهدف الأساسي الذي نشأت من أجله الجامعة العربية، بيد أن التحدي الذي أُشِير إليه سابقًا، نتج عنه تراجعٌ في هذه الرغبة، وبالتالي، شهدت الفترة الأخيرة تصرفات أُحادية من جانب الدول في عدد من القضايا الإقليمية المرتبطة بأمن الدول العربية، وهو ما يهدد تماسك الصف العربي، ويهدد الدول التي اتخذت تصرفات أُحادية كذلك، فيتم التعامل معها بانتزاعها من سياقها العربي، وبالتالي، الأخذ من نقاط قوتها، و العمل العربي المتك قد يبدأ بتحالفات ثنائية، أو توجيه القائم منها بالفعل ناحية دعم عمل الجامعة.
الجامعة تحصل سنويًّا على نصف الاشتراكات: من ناحية أُخرى، فإن الجانب المادي المتعلق بعمل الجامعة، وهو الجانب الذي يعول عليه بشكل كبير في تمكينها من أخذ الإجراءات اللازمة لدعم سياساتها، ويعتمد تمويل الجامعة- كغيرها من المنظمات- على اشتراكات الأعضاء، وتتلقى الجامعة فقط نصف الاشتراكات سنويًّا، وبالتالي، هذا يعتبر جزءًا من تحديات تضاف إليها، وتُعيقه عن العمل، بالإضافة إلى غياب الأنشطة الاقتصادية الخاصة، التي يمكن التعويل عليها في تغطية نقص التمويل الناتج عن عدم الإيفاء بالاشتراكات السنوية .
الخروج عن سياسة التصريحات: بالنظر إلى التواجد الفعلي للجامعة بين القضايا السياسية، نجد أن الجامعة في الفترة الأخيرة، وبالرغم من حضورها في عدد من الملفات العربية، إلا أن حضورها كان محددًا، يتراوح بين التصريحات، ويصل في أقصى مدى له للمساعدات الإنسانية، وغاب عنها التواجد الاقتصادي المثمر، أو التفاعل السياسي الحاضر، بتقديم مبادرت قابلة للتطبيق، أو وساطات تتزعمها.
إعادة دعم أجهزتها المختلفة وآلية عملها: هناك عدد من الأجهزة المختلفة التابعة للجامعة، تعاني من توقف عملها، وبالتالي، فإن هذا قد يؤثر على عمل الجامعة.
ثانيًا: هل تنجح الجوانب غير السياسية كأداة فعَّالة للجامعة؟
في تصريح للأمين العام للجامعة، في ديسمبر، أضاف أمام مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب، المنعقد في الأردن، أكد أن انعقاد هذا الاجتماع يحقق الغاية المنشودة، وهي إتاحة المعلومات للمواطن العربي؛ حيث تنشط جامعة الدول العربية وبقوة في عدة مجالات تخص حياته اليومية مباشرةً، بعيدًا عن القضايا السياسية؛ ليؤكد بذلك على أدوار متعددة غير سياسية تقودها الجامعة، وهنا يأتي التساؤل حول فاعلية هذه الأدوار، ومدى تأثيرها على دور الجامعة بشكل عام.
ولا شك أن دور الجامعة ليس دورًا سياسيًّا فقط، ولكنه متنوع بقدر المنظمات والهيئات التابعة، وبالتالي، فإن تمكين تلك الأدوات الأُخرى هي بمثابة الأرضية التي يتم البناء عليها لتعزيز المواقف السياسية للجامعة.
ثالثًا: ميثاق الجامعة وإشكالية التعديل وتوقيته
وفيما يتعلق بميثاق الجامعة، فقد ظهر العديد من المقترحات المطالبة بتعديله، نشير إلى بعض النقاط، منها: تحديد مفهومٍ للعدوان، و وجوب الإجماع في اتخاذ القرارات، والتي تعني أن كل دولة لها حق (الفيتو)، كذلك إذا اعترضت أي دولة على أي قرار فإن هذا يمنع صدوره، بالإضافة إلى غياب فكرة التحكيم الإجباري من اختصاصات الجامعة؛ لفض المنازعات التي قد تنشأ بين الدول الأعضاء، وكذلك آلية التصويت بالإجماع، والتي نص عليها ميثاق الجامعة، بجانب ضرورة صدور أعمال وقرارات تخص الدول الأعضاء، لها طابع الإلزامية من الجامعة، وكذلك علاقة الجامعة بالمنظمات الأُخرى.
من المؤكد أن المواثيق الحاكمة لنشأة المنظمات الدولية والإقليمية، قابلة للتعديل، بالشكل الذي يسمح بصياغة مواده لتحقيق أهدافها، وفيما يتعلق بالجامعة، يجب الإشارة إلى عدد من محددات التعديل.
توقيت التعديل: يتطلب لإجراء التعديل أن تكون الجامعة – وبالتأكيد دولها – في حالة من الاستقرار السياسي الذي يُمكِّنُها من اتخاذ القرارات، وإعادة صياغة المواد، بالنحو الذي يضمن أن يكون مضمونه ملائمًا للرؤية الحالية، على المدى الطويل، وأن تكون هذه التعديلات المضافة على أرضيةٍ صلبة، وهو ما لا يمكن الحديث عنه في ظل التقلبات الراهنة.
مدى تأثير التعديلات المطلوبة في تشكيل موقف الجامعة: التعديلات المقترحةعلى أهميتها، ليست المشكلة الرئيسية في موقف الجامعة السياسي، الذي يعتبر الحاكم الرئيسي لقراراتها وفاعليتها، وإن كان هذا التحدي في غياب الأموال أو غيرها لا يمثل مشكلةً رئيسيةً لما تتخذه الجامعة من توجهات أو قرارات بالتفاعل مع القضايا المختلفة .
التفصيل والتعميم : ميثاق الجامعة، وما وُجِّه له من انتقادات بشأن وجود بعض المواد العامه غير المفصلة فيه، فإنه لا يمكن اعتباره مقيدًا للأداء، بل يمكن تفسيره بأن شأنه شأن الدساتير، يضمن المواد العامة المحددة لخط سيْر الدولة؛ لتأتي (القوانين، والمواثيق، والاتفاقيات، والقرارات، والتصريحات)، بترجمتها على النحو المُفصَّل.
وبالتالي، فإن هذا يعود بنا إلى إعادة التأكيد على المحدد الرئيسي في تحفيز نشاط الجامعة، وهي الرغبة في العمل العربي المشترك، باعتبارها المحفز الأول للعمل العربي، ومن ناحية أُخرى، فإن مواقف الجامعة السياسية التي تُدار عن طريق أمانتها هي الدافع للالتفاف حول الجامعة من عدمه، كما أن تحركات الجامعة لتكوين تحالفات مع المنظمات الإقليمية والدولية، يبقى هو المشكلة الرئيسية لموقفها منها، فمع غياب التفاصيل عن طبيعة العلاقة إلا أنه في الوقت ذاته لا توجد موانع منصوص عليها في الميثاق، وهو ما يؤكد أن هناك هامشًا واسعًا يمكن التحرك من خلاله، ومن ناحية أُخرى، بالنظر للمنظمات، نجد أن هناك عددًا كبيرًا، بل بكافة أجهزة الأمم المتحدة باستثناء مجلس الأمن، لا يوجد لها سلطة إلزامية في عملها، و في الوقت ذاته لم يُعِقْ ذلك أداءها، ويبقى الحديث عن تعديل الميثاق؛ لأنه أمر بالغ الخطورة.
إجمالًا: يمكن القول: إن استمرار الأزمات والصراعات التي تعاني منها المنطقة العربية، وطول أمدها، ودخولها في ما يزيد عن عقْد، وتصاعد دور المنظمات الإقليمية والدولية في تلك الأزمات، يزيد من حجم الدور المنتظر من الجامعة،ويلقي على عاتقها مسؤولية أكبر، ويجعل أي تحديات تواجهها أكثر إلحاحًا للحل والتقويم، وبالتالي، هناك حاجة متصاعدة لتنفيذ الإصلاحات التي تواجه الجامعة، ومن المنطلق ذاته، فإن وجود الجامعة ضرورة، تُفعّلُ بوجود إرادة عربية للعمل العربي المشترك، في ظل عالم مضطرب وتحديات غير مسبوقة.
كما يُلْقَى المجهود الأكبر لتفعيل دور الجامعة على المنظمات الإقليمية، من جهتين ، الأولى، تشمل رؤساء الدول العربية والأنظمة العربية عمومًا، باعتبارها المحرك الأول لأداء الدولة والداعم لها بشكل عام، ولاتخاذ مواقف سياسية أكثر إقدامًا بشكل خاص، وتواجدها الفعلي بين الأزمات المطروحة لحلها.
أما الطرف الثاني، فالتجمعات الإقليمية، خصوصًا العربية، مثل مجلس التعاون الخليجي، أو التجمعات الإقليمية المجاورة كـ(الاتحاد الأفريقي) ، أو تجمع إقليمي به عدد من الدول العربية مثل (إيكاس، والكوميسا، أو الإياك)، لما يمكن للأخيرة من إحداث بدعة لطبيعة النشاطات الاقتصادية للجامعة، فالمنظمات الإقليمية العربية يجب أن تكون عامل دعم وتقوية للجامعة.
وفي النهاية، فغياب الرغبة العربية للعمل المشترك أو تواجدها هو المحدد الرئيسي لفاعلية الدور السياسي من عدمه، فإذا حضر ازداد دور الجامعة في قضايا المنطقة، وإن استمر الوضع كما هو عليه في ظل التحديات المتصاعدة، فمزيد من الإحباط سيُحِيطُ بعملها، وإن تراجع فتراجعٌ متوقعٌ لدور الجامعة.