إعداد: مروة سماحة
المقدمة
احتدمت حِدَّةُ الاشتباكات في الأيام القليلة الماضية، داخل مخيم عين الحلوة، الذي يتكون من 69% من اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، بعد مقتل أبو أشرف العمروشي، أحد أبرز قادة الأمن بالمخيم؛ ما أسفر حتى الآن، عن مقتل13 شخصًا، وإصابة العشرات، كما أُصيب جنود من الجيش اللبناني المنتشر على نقاط تفتيش ثابتة عند المخيم، إثر ضرب النار على مراكز تابعة له وتشرد الآلاف؛ حيث يشتدُّ القصف وتبادل إطلاق النار بين مواقع قوات الأمن الوطني الفلسطيني والمجموعات الإسلامية، ولا سيما بعد انتهاك هدنة وقف اطلاق النيران، التي كان من المفترض أن تستمر لأربعة أيام، ولكن تم انتهاكها ولم تصمد لأربعة عشرة ساعة، وعادت الاشتباكات، وتجدر الإشارة أنه بالرغم من وقوع المخيم داخل حدود الدولة اللبنانية، إلا أنه غير مُوكَّل للقوى الأمنية اللبنانية، وذلك بموجب اتفاق بين “منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطات اللبنانية”، وتتولَّى الفصائل الفلسطينية نوعًا من الأمن الذاتي داخل المخيمات.
خلفية الاشتباكات
بادئ ذي بدء؛ يقْطُنُ مخيم عين الحلوة أكثر من 63 ألف شخص، يعيشون في منطقة صغيرة من المباني المكتظة بالسكان، معظمهم من الفلسطينيين، وأحفادهم الذين أُجبروا على الفرار من منازلهم عام 1948، عند قيام دولة إسرائيل، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة.
وجاءت الاشتباكات وما نتج عنها من اضطراب وتوتُّر أمني على خلفية عدة أسباب، بعضها محلي والبعض الآخر دولي؛ فعلى المستوى المحلي؛ جاءت تلك الاشتباكات على خلفية ثأرية من قِبَلِ حركات متشددة؛ حيث قام أفرد من جماعتيْ “جند الشام، والشباب المسلم” باغتيال أبو أشرف العمروشي، وأربعة من مرافقيه، ويمثل “العمروشي” قائدًا عسكريًّا مهمًا وأبرز صقور حركة فتح.
ومن الجانب الآخر، جاء القتال في الوقت الذي اجتمعت فيه الفصائل الفلسطينية المتناحرة، بما في ذلك “فتح، وحماس”، في مصر؛ لإجراء محادثات مصالحة؛ في محاولة للتحرك نحو الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتشهد القيادة السياسية الفلسطينية انقسامًا شديدًا منذ فوز “حماس، الجماعة الإسلامية” التي تسيطر على قطاع غزة، في الانتخابات هناك، ثم انتزعت السيطرة على القطاع الساحلي من السلطة الفلسطينية في عام 2007.
والجدير بالذكر، أن الاضطرابات في مخيم عين الحلوة أمر شائع، وليس الأول من نوعه، ففي عام 2017، بعد حل قوة أمنية مشتركة في المخيم؛ بهدف منع الاشتباكات بين الفصائل المتناحرة وقمع المتطرفين، اندلع قتال متقطع على مدى عدة أشهر بين “فتح، والجماعات الإسلامية”، ووفقًا للأمم المتحدة، خلَّف القتال ما يقرب من 20 قتيلًا وعشرات الجرحى.
بعد الاشتباكات: جولة جديدة من التهجير والعزلة
خلّفت الاشتباكات المتكررة في مخيم عين الحلوة، جنوبي لبنان، دمارًا كبيرًا، ونزوح الآلاف من سكان المخيم إلى المناطق المجاورة، ويقدّر مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، أن ما يقارب 5 آلاف لاجئ باتوا في قائمة المُهجَّرين، كما تضرر أكثر من 700 منزل ومحل تجاري في المخيم؛ من جراء الاشتباكات.
كما قالت مسؤولة في الأمم المتحدة: إن الأضرار التي لحقت بمجمع المدارس في مخيم عين الحلوة في لبنان؛ جراء الاشتباكات المسلحة الأخيرة، قد تؤخر بدْء العام الدراسي لنحو ستة آلاف طفل في المخيم؛ حيث تُستخدم لإيواء الفارين من النزاع المسلح، وتم إطلاق النيران عليها، وأصبحت غير مؤهلة.
ما وراء مناشدة السعودية رعاياها بمغادرة لبنان؟
إثر أحداث العنف في مخيم عين الحلوة، نادت عدة سفارات رعاياها، بتوخِّي الحذر، وكانت السعودية في المقدمة، وكانت الأكثر حدة في تناول الأمر؛ حيث طالبت رعاياها بمغادرة لبنان فورًا، على عكس ما صدر من سفارتيْ “الكويت، وألمانيا، وقطر” الذين دعوا مواطنيهم بتوخِّي الحيطة جيدًا، وما أثار الجدل والقلق، أن المنطقة التي يقع فيها مخيم عين الحلوة بعيدة عن المناطق السياحية بلبنان، وأمر مستساغ ليس بنادر الحدوث، والأمر اللافت أيضًا، أن المملكة السعودية قامت بتحديث توجيهات السفر إلى لبنان، ونصحت بتجنُّب كافة أنواع السفر غير الضروري، وذلك في أول أغسطس، قبْل احتدام المشهد الأمني بالمخيم.
وفي سياق متصل، اتصل “ميقاتي” بوزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، ووزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، ونتيجةً للبحث مع القيادات العسكرية والأمنية، أكد “ميقاتي” أن الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع، وأن الاتصالات السياسية والأمنية لمعالجة أحداث مخيم “عين الحلوة” قطعت أشواطًا متقدمة، والأمور قيْد المتابعة الحثيثة؛ لضمان الاستقرار العام، ومنع تعكير الأمن أو استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والأجانب، وكلَّف “ميقاتي” “بو حبيب”، التواصل مع “الاشقاء العرب لطمأنتهم على سلامة مواطنيهم في لبنان”، كما طلب من “مولوي” دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد؛ للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المُتشنِّجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الأمن في كل المناطق.
ختامًا:
يمكن القول: إن هناك مخاوف من تطور الصدام العسكري في مخيم عين الحلوة؛ ما يؤدي إلى نتائج، ليس فقط في لبنان، بل في الداخل الفلسطيني، لا سيما في الضفة الغربية؛ حيث افتُتحت معركة خلافة محمود عباس وتحجيم “حركة فتح”، ويُعدُّ ردُّ الفعل السعودي منذ بداية التأزُّم الأمني خير شاهد على ذلك؛ حيث من الوارد أن يكون لدى السعودية حِسٌّ استخباراتي لما سيحدث في لبنان من استئناف أعمال العنف واشتدادها، لا سيما أنه إلى الآن لايزال التحقيق مستمرًا، ولم ينتج عنه شيء، ولا يزال القائمون على عملية الاغتيال متواجدين في المخيم؛ ما سيجعل البلاد ساحةً ساخنةً لاستئناف القتال.