المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > مؤتمر الاستثمار «المصري – الأوروبي» وآفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة
مؤتمر الاستثمار «المصري – الأوروبي» وآفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة
- يوليو 1, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: ريهام محمد
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تحت شعار “مصر والاتحاد الأوروبي”، استضافت القاهرة يومي 29 و30 يونيو 2024، مؤتمر الاستثمار «المصري – الأوروبي» للاستثمار، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، بمشاركة العديد من المفوضين الأوروبيين، إلى جانب الوزراء المصريين وممثلي المؤسسات المتعددة الأطراف والقطاع الخاص، وقد اكتسب هذا المؤتمر المحوري أهميةً كُبْرى لجميع مؤسسات الدولة، في إطار السعي نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي، من خلال جذْب الاستثمارات الأوروبية المتنوعة إلى مصر، تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية المتنوعة المتاحة داخل الاقتصاد المصري، وهو الأمر الذي يُنْعِشُ الاقتصاد المصري بشكلٍ كبيرٍ.
وتتجلَّى أهمية هذا المؤتمر في الدور الحاسم الذي تلعبه مصر كشريكٍ إستراتيجي للاتحاد الأوروبي؛ وفي الوقت نفسه، يُمثِّلُ الاتحاد الأوروبي سوقًا كبيرةً للصادرات أو المشاريع المشتركة، وكان مؤتمر هذا العام في الوقت المناسب لمصر؛ حيث تابع عن كَثَبٍ اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي، بشأن تنفيذ برنامج إصلاح تكميليٍّ في أعقاب المبادرات السابقة، كما تزامنت مع “صفقة رأس الحكمة”، التي تُعدُّ الصفقة الأضخم في تاريخ مصر، والتي من المتوقع أن تجتذب استثمارات تتجاوز 150 مليار دولار طيلة مدة انعقادها، وفي هذا السياق، تُثَارُ عدة أسئلة ذات صلة: ما هي الرسائل التي ينقلها “مؤتمر الاستثمار «المصري – الأوروبي» 2024″؟ وما هي النتائج الرئيسية المتوقعة من تنظيم هذا الحدث المحوري؟
رسائل محورية:
يأتي تنظيم مؤتمر هذا العام في سياق مستجدات وتطورات عالمية وإقليمية مُعقَّدة، على رأسها التداعيات الاقتصادية الناجمة عن استمرار الحرب على غزة وما سبقها من الأزمة «الرُّوسية – الأوكرانية»، وبناءً على ذلك، يمكن استخلاص عدة رسائل مهمة مرتبطة بهذا المؤتمر، أهمها ما يلي:
الدعم والمساندة السياسية للمستثمرين المصريين وسط التحديات الجيوسياسية: تأكيد القيادة المصرية حرصها على دعم المستثمرين يُعدُّ رسالةً حيويةً للاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة بمصر، وظهر ذلك بوضوح، من خلال افتتاح الرئيس السيسي للمؤتمر وحضوره لفعالياته؛ ما يُعزِّزُ ثقة المستثمرين ويُشجِّعُ على زيادة الاستثمارات في البلاد، وتنظيم المؤتمر ذاته، يبعث برسالة طمأنينةٍ للمستثمرين، بأن مصر بلد الأمن والاستقرار؛ ما يزيد من جاذبيتها للاستثمارات.[1]
تزايُد الإدراك الأوروبي بأهمية تعزيز ودعم الاقتصاد المصري: يُمثِّلُ هذا المؤتمر أهميةً خاصَّةً لتعميق التعاون بين مصر وأوروبا؛ إذ يوفر منصَّةً للتشاور بين المستثمرين الأوروبيين والمصريين، حول كيفية جذْب الاستثمارات الأجنبية وتطوير المشاريع القائمة، كما يُشكِّلُ المؤتمر منتدى لنقل التجارب الأوروبية الناجحة إلى مصر؛ ما يساهم في تنويع الاقتصاد المصري وزيادة مرونته وتعزيز النمو المستدام.
الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية للتعاون الاقتصادي: يُولِي المؤتمر اهتمامًا كبيرًا بالبُعْد الاجتماعي للتعاون الاقتصادي مع أوروبا، وخاصَّةً فيما يتعلق بتوفير فرص عمل ملائمة للمصريين بالخارج، فتمَّ خلال فعاليات المؤتمر مناقشة مشروعات تتعلق بتصدير العمالة المدربة؛ نظرًا للطلب المتزايد عليها في السوق الأوروبية. [2]
الدعم المالي وتعزيز الاقتصاد المصري: جديرٌ بالذكر، أن المؤتمر الحالي شَهِدَ الإعلان عن تقديم الاتحاد الأوروبي حِزْمة مساعدات مالية لمصر، تُقدَّرُ بقيمة 7.4 مليار يورو للفترة الزمنية من 2024 حتى 2027؛ وذلك بهدف دعم الاقتصاد المصري في مواجهة الآثار السلبية التي خلَّفتها حرب غزة وتداعياتها، وتقليل الاعتماد على الغاز الرُّوسي؛ الأمر الذي يتطلب دعمًا مصريًّا لمشروعات تطوير البنية التحتية؛ لتعزيز المشاريع الاستثمارية وتسهيل العمليات التجارية.[3]
تحديد الأولويات الاقتصادية لتنظيم المؤتمر بما يتناسب مع التحديات الراهنة التي تواجه الدولة المصرية: يهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، عبْر استقطاب الاستثمارات الأوروبية المتنوعة إلى مصر، لا سيما في القطاعات ذات الأولوية، مثل البنية التحتية المستدامة (مشروعات النقل والطاقة والمياه)، الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية)، الأمن الغذائي، الصحة والتعليم.[4]
مُخرجات المؤتمر:
يمكن تلخيص أبرز النتائج المرتبة على تنظيم هذا المؤتمر على النحو الآتي:
التزم الجانبان بتعزيز التعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، وقد أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي – خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر- إلى أنه من المنتظر جذْب نحو 5 مليارات يورو استثمارات أوروبية، بجانب ضمانات استثمار تصل قيمتها إلى 1.8 مليار يورو للقطاع الخاص؛ ما يُسْهِمُ في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويُمَكِّن مجتمع الأعمال الأوروبي من الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة بمصر، بالإضافة إلى تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي كشريكٍ تجاريٍّ واستثماريٍّ رئيسيٍّ للاقتصاد المصري.
توقيع عدد من الاتفاقيات الاستثمارية: تمَّ توقيع سلسلةٍ من الاتفاقيات الاستثمارية في مجالات متنوعة، أبرزها الطاقة المُتجددة والتصنيع، بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات تعاونٍ في مجالات أُخرى على النحو المُبيَّن أدناه:
– اتفاقية التعاون عبْر الحدود لدول حوض البحر الأبيض المتوسط (2021-2027): ستوفر هذه الاتفاقية تمويلًا بقيمة 263 مليون يورو، وهو ما يُشكِّلُ 89٪ من إجمالي تمويل البرنامج البالغ 292 مليون يورو عبر 15 دولة، والهدف هو تعزيز القطاع الخاص في مصر ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، من خلال دعْم السياحة المستدامة، والحفاظ على التراث الثقافي، والصناعات الإبداعية، والتحوُّل الرقمي، والزراعة، والاقتصاد الأزرق والدائري، ومبادرات التعليم والتدريب، فضلًا عن ممارسات البناء الأخضر.
– برنامج دعْم الاتحاد الأوروبي لتشغيل الشباب وتنمية مهاراتهم في مصر: تمَّ تخصيص ما يقْرُب من 25 مليون يورو لهذه المبادرة التي تهدف إلى تزويد الشباب بمهارات متنوعة – وخاصَّةً المهنية وريادة الأعمال – من أجل تعظيم إمكانات العمالة المصرية المُدرَّبة.
– اتفاقية دعم الاتحاد الأوروبي للأجيال القادمة: بموجب هذه الاتفاقية، سيتمُّ توفيرُ مِنْحةٍ بقيمة 8 ملايين يورو، والأهداف الأساسية هي منْع عمالة الأطفال وإنشاء آليات شاملة تضمن حماية حقوق الأطفال، فيما يتعلق بالتعليم والرعاية الصحية والتغذية والإسكان.
– مشروع التدابير القارِّية الأفريقية لتعزيز قدرات تصنيع اللقاحات والأدوية: في نطاق هذا المشروع، تمَّ تخصيص مِنْحَةٍ إجماليةٍ بقيمة 3 ملايين يورو لمصر، والهدف هو تعزيز إنتاج اللقاحات محليًّا، ودعْم تصنيع التقنيات الطبية والصحية، من خلال البحث وتطوير المهارات.[5]
تطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر: شَهِدَ المؤتمر اهتمامًا واسعًا بمشروعات الهيدروجين الأخضر؛ حيث تم توقيع اتفاقية تعاوُنٍ لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته والأمونيا الخضراء في منطقة رأس شقير، وضمَّ الاتفاقُ كُلًّا من الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر وهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، بالإضافة إلى شركتيْ “EDF Renewable” الفرنسية وشركة “Zero Waste” «المصرية – الإماراتية»، كما تضمَّنَ المؤتمر توقيع برنامج الصناعة الخضراء المستدامة، الذي يهدف إلى جعْل الصناعات المصرية خالية من الكربون، وجعْل أدائها فعَّالًا في استخدام الطاقة والموارد، كما أن البرنامج مدعومٌ بمِنْحَةٍ بقيمة 30 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، ويفتح بابًا لقرضٍ قيمته 271 مليون يورو من بنك الاستثمار الأوروبي والبنوك الشريكة.[6]
تعزيز التعاون الاقتصادي والشراكة الإستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي: في مارس 2024، وقَّعت مصر اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع الاتحاد الأوروبي كخطوةٍ مهمةٍ؛ لتعزيز العلاقات الثنائية، وفي هذا الإطار، تمَّ الإعلان عن حِزْمةٍ ماليةٍ واستثماريةٍ كبيرةٍ بقيمة 7.4 مليار يورو، خلال مؤتمر الاستثمار «المصري – الأوروبي»، وقد تضمَّنت الحِزْمَةُ أيضًا مِنْحةً تمويليةً قدْرُها مليار يورو؛ لدعم الاقتصاد المصري، ومعالجة عجْز الموازنة، ومن ثمَّ يُعدُّ هذا الحدث خطوةً رئيسةً نحو تنفيذ هذه الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الجانبيْن المصري والأوروبي.[7]
تعزيز الشراكات بين القطاع الخاص المصري والأوروبي والترويج للفرص الاستثمارية في مصر: شَهِدَ المؤتمرُ حضورًا واسعًا لممثلِّي القطاع الخاص لكُلٍّ من مصر وأوروبا؛ ما أدَّى إلى إبرام شراكاتٍ جديدةٍ بين الشركات المصرية والأوروبية، كما قامت الحكومة المصرية بإعداد إستراتيجية ترويج متكاملة لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة، بما يتماشى مع التغيُّرات الجديدة التي طرأت على العلاقة الإستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي، وتمَّ الترويج لهذه الفرص قبْل انعقاد المؤتمر عبْر السفارات المصرية بالدول الأوربية.[8]
تعاون إستراتيجي:
يُعتبر الاتحاد الأوروبي شريكًا اقتصاديًّا مهمًا للدولة المصرية، سواء فيما يخُصُّ المبادلات التجارية أو المساعدات والهِبَات والقروض التي يمنحها الاتحاد لمصر، كما يحظى الجانبان بعلاقات تجارية كبيرة، وتتنوع البضائع التي يستوردها الجانبان من بعضهما، مُنْذُ دخولهما في اتفاقية شراكة في عام 2004، ويُمكن توضيح أوجه التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي من خلال النقاط التالية:
-
خلال الفترة السابقة، بلغت مساعدات الاتحاد الأوروبي التنموية ما يصل إلى 1.7 مليار دولار في العام الماضي، بالإضافة إلى ذلك، بلغ إجمالي الدعم الأوروبي لمصر—بما في ذلك الدعم من دول أعضاء الاتحاد—أكثر من 11 مليار يورو، على شكْل مِنَحٍ وقروضٍ ومبادلات ديون؛ ما جعل الاتحاد الأوروبي الشريك الأوَّل لمصر، كما تصل التزامات الاتحاد نحو مصر بصيغة مِنَحٍ إلى حوالي 1.3 مليار يورو.[9]
-
يُشكِّلُ التعاونُ الاقتصاديُّ نسبةً تُقدَّر بحوالي 40% من حجم التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر، ويشمل مجالات رئيسية، مِثْل التحديث الاقتصادي والتجارة وتنمية القطاع الخاص والطاقة والنقل والمياه والبيئة.
-
قام الاتحاد بتمويل مشروعاتٍ متعددةٍ في مصر بقيمة 500 مليون يورو، خلال الفترة من عام 2017 إلى عام 2021، وذلك ضِمْنَ إطار الشراكة القوية التي تربط الجانبيْن، والتي يتمُّ تمديدُها حاليًا؛ حيث تجري النقاشات حول الوثيقة الجديدة لأولويات الشراكة للفترة الزمنية الممتدة بين الأعوام 2021 و 2027، يُلاحظ أن جميع مساهمات المشروعات المُموَّلة من قِبَلِ الاتحاد الأوروبي هي عبارةٌ عن مِنَحٍ غير مُسْتردَّة.[10]
-
يرتكز التعاون بين مصر والاتحاد على أولويات شراكة متفق عليها، تتضمن تطوير محاور عديدة تشمل التنمية المستدامة، بناءً على “رؤية مصر 2030” وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي تسعى لتحقيقها بكل جدية.
-
حجم التجارة: تُعدُّ مصر الشريك التجاري الثلاثين للاتحاد الأوروبي؛ استنادًا إلى إحصائيات عام 2023؛ إذ بلغ إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ومصر بالارتفاع من 20.93 مليار يورو في عام 2013 إلى 32.71 مليار يورو في عام 2023؛ أي بزيادة نسبتها 56.24%، ويشير هذا التطوُّر إلى تعزيز العلاقات التجارية بشكلٍ كبيرٍ، مُنْذُ العام 2014، لقد بلغت واردات الاتحاد الأوروبي لمصر حوالي 16.35 مليار يورو في عام 2022، مقارنةً بـ7.13 مليار يورو في عام 2013؛ ما يُمثِّلُ زيادةً بنسبة قدْرُها 129,4%، كذلك، زادت صادرات الاتحاد الأوروبي لمصر من 13,81مليار يورو في 2013 إلى 21.17 مليار يورو في عام 2023؛ أيْ ارتفعت بنسبة 53.32%.[11]
-
حجم الاستثمارات: تستقطب مصر نحو 40% من إجمالي الاستثمارات الأوروبية؛ حيث بلغ الاستثمار التراكمي للاتحاد الأوروبي في مصر حوالي 39 مليار يورو حتى عام 2020، ووفْقًا للتقارير، فقد ارتفع صافي تدفُّقات الاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي في مصر من 1.41 مليار دولار خلال العام المالي 2021/2022 إلى 1.86 مليار دولار في العام المالي 2022/2023، يتجلَّى من ذلك، أن الدول الأوروبية تشارك بشكلٍ كبيرٍ في استثمارها داخل مصر. [12]