المقالات
آخر معاقل محور المقاومة: تساؤلات عدة حول مستقبل النفوذ الإيراني في العراق
- يناير 19, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
تعرض النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، أو ما يُعرف بمحور المقاومة الإيراني، لانتكاسات وضربات متتالية في كلا من لبنان وسوريا واليمن؛ حيث الهجمات الإسرائيلية التي طالت حزب الله اللبناني وكبار قادته، مما اضطره إلى فك الارتباط بقطاع غزة والموافقة على وقف إطلاق النار وتطبيق القرار رقم 1701, وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وهو الأمر الذي يُعتبر خسارة استراتيجية كبيرة بالنسبة لطهران ومشروعها الإقليمي، فضلًا عن الضربات الأمريكية والبريطانية على مناطق سيطرة جماعة الحوثيين اليمنية.
وبناءً عليه؛ بات العراق اليوم هو الجبهة المتقدمة الوحيدة التي تمتلكها طهران في المنطقة، وأخر معقل لمحور المقاومة الإيراني، وخاصةً بعد خسارة النفوذ في سوريا ولبنان بشكل كبير، مما يثير تساؤلًا رئيسًا حول مستقبل النفوذ الإيراني في العراق، وما إذا كانت بغداد هي التالية بعد دمشق في الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية لاحتواء طهران ومشروعها الإقليمي، عبر ضرب أذرعها المختلفة:
أولًا؛ تحديات النفوذ الإيراني في الساحة العراقية:
مع تطورات المنطقة الأخيرة وخاصةً سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، باتت الجماعات العراقية الموالية لإيران تواجه أزمة حقيقية تهدد بقاءها ونفوذها في البلاد، وهو ما ينعكس في تصريح المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إبراهيم الصميدعي، بأن “لا يمكن للعراق أن يبقى جزءًا من محور المقاومة بعد سقوط نظام الأسد وتراجع دور حزب الله في لبنان”[1]، ومن ضمن التحديات التي تواجه النفوذ الإيراني في العراق حاليًا:
1- المطالبات بحل الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران؛ تزايدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة الضغوط فيما يخص ملف التخلص من المليشيات المسلحة التي تعمل من خارج سلطة القائد العام للقوات المسلحة العراقية وتنشط تحت ما يُعرف بـ”المقاومة الإسلامية”، وخاصةً الحشد الشعبي العراقي؛ حيث:
-
ترددت أنباء عدة حول وجود ضغوط على المرجعية الدينية الشيعية الأعلى في العراق علي السيستاني، لإصدار فتوى بحل الحشد الشعبي، على غرار فتوى “الجهاد الكفائي” التي تأسس على إثرها لمواجهة تنظيم الدولة “داعش”، وأصدرها هو نفسه عام 2014، وينعكس ذلك في زيارتي ممثل الأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، للسيستاني في نوفمر وأواخر ديسمبر 2024.[2]
-
كشف زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، يوم 2 يناير الجاري، أن العراق تلقى رسالة تحذيرية من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، تطالب بتفكيك المليشيات والفصائل المسلحة غير النظامية في بغداد.[3]
-
وفي ضوء ذلك؛ أصدر علي السيستاني، في نوفمبر 2024، بيانًا دعا فيه إلى حصر السلاح بيد الدولة، ومن هنا جاء مقترح بتفكيك بعض المليشيات ودمج البعض الآخر ونزع سلاح البعض الثالث.
ولكن الفصائل الموالية لإيران ترفض بشدة هذا المقترح، وتحديدًا حزب الله العراقي وحركة النجباء وسيد الشهداء؛ إذ صرح قيادي في كتائب النجباء، بأن “لن يستطيع أحد لا داخل ولا خارج العراق حل الحشد الشعبي، لن يتم حل الحشد الشعبي إلا بدماء العراقيين”، فيما أكد المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي، أن “فصائل المقاومة العراقية لن تتخلى عن سلاحها، مهما كلف الأمر، هذه مسألة منتهية ولا يجب نقاشها بأي حال من الأحوال”.[4]
2- عودة ترامب في ولاية رئاسية جديدة؛ وهو معروف بعدائه الشديد لإيران وأذرعها الإقليمية في المنطقة، ولذلك من المرجح أن يتخذ الرئيس الأمريكي الجديد مجموعة من الإجراءات العقابية والضاغطة ضد ركائز النفوذ الإيراني في العراق، تتراوح بين فرض عقوبات على الفصائل المسلحة التابعة لطهران وعلى رأسها الحشد الشعبي، والسماح لإسرائيل بتوجيه ضربات محدودة على مناطق تلك الفصائل، لتصفية النفوذ الإيراني في البلاد.
3- اهتزاز ثقة الجماعات العراقية في إيران؛ مع الخسائر المتتالية التي تكبدتها طهران في مناطق نفوذها وخاصةً في لبنان وسوريا، وتراجع دورها بشكل ملحوظ، قررت العديد من الميليشيات والأحزاب العراقية المدعومة من إيران، تبني سياسة النأي بالنفس عن الصراع الإيراني الإسرائيلي، والتخلي عن دعم طهران في المواجهات مع إسرائيل، كما أوقفت المقاومة الإسلامية في العراق ضرباتها على تل أبيب منذ 24 نوفمبر 2024، وذلك بغرض الحفاظ على قوتها ومكاسبها داخل العراق، وتجنب تلاقيها ضربات موجعة من إسرائيل كما حدث في باقي دول محور المقاومة الإيراني.
ويُذكر في السياق ذاته؛ أن هناك تقارير عدة أفادت بفرار قادة ميليشيات بارزين إلى إيران، مثل زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، والقيادي البارز في كتائب سيد الشهداء أبو علاء الولائي، وتعكس هذه الخطوة اهتزاز ثقة هذه القيادات بقدرتها على الاستمرار داخل العراق، وبقدرة طهران على حمايتهم.[5]
4- ضغوط على النفوذ الإيراني في إقليم كردستان العراقي؛ يواجه نفوذ طهران في هذا الإقليم عدة تحديات، حيث أولًا؛ تزايد الاستقطاب في إقليم كردستان العراق بين حزب كردستان العراق؛ الأقرب والأكثر تداخلًا مع النفوذ التركي، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني المدعوم من إيران، خاصةً وأن الإقليم مُقدم على تشكيل حكومة محلية جديدة، وهو ما يعني أن نفوذ إيران يواجه منافسة تركية محتدمة.
وثانيًا؛ العلاقة الوثيقة التي تربط بين أكراد العراق وبعض الأحزاب الكردية السورية المعارضة، والتي تهدد النفوذ الإيراني في العراق، إذ رحب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، بسيطرة المعارضة على السلطة في سوريا، فيما استقبل وفدًا من أكراد سوريا لتوحيد مواقفهم، وتنظيم العلاقة مع النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع.[6]
5- صعود النفوذ السني على حساب القوى الشيعية؛ مع رحيل الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام السُنية على السلطة، إلى جانب تعزز حالة الرفض الشعبي للمليشيات الشيعية وخاصةً الحشد الشعبي العراقي، تُثار مخاوف إيران من أن تحاول القوى السُنية استغلال اللحظة في تغيير ميزان القوى بالمنطقة، ولهذا؛ ينظر القادة الشيعة في العراق إلى صعود التيار السُني إلى الحكم في سوريا، على أنه مهدد لهم قبل إيران ذاتها.
ثانيًا؛ العراق في قلب التوازنات الإقليمية:
تفرض التطورات الإقليمية الحالية على العراق معضلة حقيقية تتمثل في كونه بات في قلب صراع النفوذ المحتدم بين القوى المختلفة في المنطقة؛ وخاصةً الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وتركيا، حيث:
1- العراق والصراع الأمريكي الإيراني؛ من المرجح أن يكون العراق هو محور سياسة الضغط الأمريكي حيال إيران بعد تولي دونالد ترامب مهامه الرئاسية رسميًا، حيث سيحاول ترامب تقويض النفوذ الإيراني في العراق، وإنهاء وجود المليشيات المسلحة الموالية لطهران، وبالتالي تحويل إيران من دولة مهيمنة إلى دولة مؤثرة في العراق، وذلك من خلال عدة آليات؛ وهي:
-
الآلية العسكرية؛ حيث اتخاذ إجراءات صارمة ضد الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، مثل استهداف قادة الخط الأول ومناطق تمركز معسكرات تلك المليشيات، ومنع نقل الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي العراقية إلى الجماعات المرتبطة بطهران في سوريا.
-
الآلية الاقتصادية؛ من المتوقع أن يعاني العراق من تبعات العقوبات الاقتصادية التي سوف يفرضها ترامب على إيران، حيث كشف زعيم تيار الحكمة المنضوي ضمن الإطار التنسيقي عمار الحكيم، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تنوي منح العراق استثناءًا جديدًا لاستيراد الغاز الإيراني، والذي سينتهي في مارس 2025، وذلك بغرض تضييق الخناق على طهران التي تستفيد كثيرًا من العراق في ملف الطاقة.[7]
-
الآلية الأمنية؛ لا تزال القوات الأمريكية، وعددها نحو 2500 جندي أمريكي، متواجدة في العراق ضمن قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وكان من المفترض أن تنسحب تلك القوات بحلول سبتمبر 2025، على أن تبقى بعضها في منطقة كردستان العراق حتى أواخر سبتمبر 2026، ولكن الآن وبعد زيادة المخاوف من عودة داعش إلى المشهد مجددًا، على خلفية الأوضاع السورية، فإنه بات إخراج القوات الأمريكية من البلاد أكثر صعوبة وأبعد عن تنفيذه حاليًا.[8]
2- العراق والصراع الإيراني الإسرائيلي؛ قد يكون العراق هو المحطة المقبلة التي ستحارب فيها إسرائيل النفوذ الإيراني، باعتبار أن بغداد آخر معقل لمحور المقاومة، وأنها الذخيرة الأهم لطهران، التي ستعيد من خلال بناء مواردها المالية والسياسية والعسكرية من جديد بعد أن فقدت لبنان وسوريا.
ولذلك تتجهز تل أبيب لسيناريو التصعيد بينها وبين طهران عبر الجبهة العراقية، إذ تراقب حكومة نتنياهو، تحركات الميليشيات الإيرانية في العراق وتبني لنفسها بنك أهداف من القادة ومخازن الأسلحة والصواريخ، لضربهم عندما يحين الوقت.
ولكن يبدو أن الولايات المتحدة تحاول عرقلة الزج بالعراق في مواجهة مفتوحة ومباشرة بين إيران وإسرائيل؛ إذ ترددت أنباء تشير إلى أن واشنطن فاوضت إسرائيل، التي ترغب في إكمال مهمة القضاء على محور المقاومة الإيراني، حتى لا تستهدف العراق، وفي المقابل؛ طلبت إسرائيل إيقاف عمليات الفصائل الإيرانية ضدها، أي أن واشنطن تريد حماية العراق بصفقة جديدة، يكون ثمنها تحجيم النفوذ الإيراني في البلاد.
3- العراق والنفوذ التركي؛ مع سقوط الأسد وتراجع النفوذ الإيراني، برزت تركيا على أنها القوة الإقليمية التي ستحل محل إيران في الشرق الأوسط الجديد الآخذ في التشكل، وهو ما اتضح في الحالة السورية، إذ سارعت أنقرة لتعزيز نفوذها في دمشق على حساب طهران، وهذا الأمر يثير مخاوف إيران بأن توسع تركيا نفوذها أيضًا في العراق على حسابها، استنادًا على العلاقات الاقتصادية والأمنية التي تربط تركيا والعراق.
وفي ضوء ذلك؛ يتحرك العراق إقليميًا ودوليًا بهدف إقامة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف والفواعل سواء كانت إقليمية أو دولية، فضلًا عن اتباعه سياسة “النأي بالنفس عن جميع أزمات المنطقة”، وذلك من خلال القيام بمجموعة من التحركات الدبلوماسية النشطة؛ والتي بدأت في 14 ديسمبر الماضي بزيارة قائد القيادة الوسطى الأمريكية إلى بغداد، تلتها زيارة غير معلنة لوزير الخارجية الأمريكي وزيارة وزير الدفاع الألماني، وانتهت بجولات مكوكية قام بها السوداني، شملت الأردن والسعودية وإيران.
ثالثًا؛ مستقبل النفوذ الإيراني في العراق:
بالرغم من حجم التحديات التي تواجه النفوذ الإقليمي الإيراني في العراق، إلا أنه من غير المرجح أن تتحرر بغداد من السيطرة الإيرانية في القريب العاجل، نظرًا لأن نفوذ طهران في الساحة العراقية يرتبط بوجود أساس أيدولوجي وطائفي وعسكري يتمثل في الفصائل المسلحة الموالية لها، ومن العوامل التي قد تحفظ الوجود الإيراني في العراق:
1- تمسك إيران ببقاء الحشد الشعبي؛ والذي يُعد عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجية الإيرانية لإيجاد موطئ قدم في العراق، ويُعتبر الحليف الأهم لطهران في مواجهة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، ولذلك تبدي إيران تمسكًا شديدًا بالحشد، وتحث الحكومة العراقية على حماية هذه القوة وعدم التفريط في مكتسباتها السياسية والعسكرية.[9]
وقد اتضح ذلك خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى طهران في الـ8 من يناير الجاري، ولقاءه مع المرشد الإيراني علي خامنئي، والذي دعا إلى الحفاظ على الحشد الشعبي وتقويته بشكل أكبر، وإنهاء الوجود الأمريكي في العراق، واصفًا إياه بأنه “غير قانوني ومخالف لمصالح الشعب والحكومة العراقيين”.[10]
ويبدو من دعوة خامنئي أن طهران تحاول الحفاظ على ما تبقى لها من أذرع في المنطقة، عبر دفع الحكومة العراقية للحفاظ على بقاء مليشيات الحشد الشعبي دون تفكيك، في مقابل التعهد بعدم إقحام الحشد في سياق الضغط على المصالح الأمريكية في العراق خلال المرحلة القادمة، حتى لا يؤدي ذلك إلى وضع الحكومة العراقية بموقف صعب في مواجهة الولايات المتحدة.
2- العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين إيران والعراق؛ حيث تُعد العلاقات الاقتصادية واستمراريتها مصلحة مشتركة للدولتين؛ فالعراق يحتاج إمدادات الغاز الإيرانية التي يعتمد عليها في توليد الكهرباء، بينما تحتاج إيران، العراق لأنها السوق الإقليمي الوحيد الذى تتجاوز عبره العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إذ بلغ حجم التجارة بين العراق وإيران في العام 2024، إلى ما يزيد عن 12 مليار دولار.[11]
وفيما يخص ملف الغاز؛ فإنه لا بد من الإشارة إلى أن إيران توظف ملف الغاز من أجل تحقيق عدة مكاسب سياسية في العراق، وتوسيع حجم نفوذها في البلاد والحفاظ عليه، والأهم من ذلك؛ لا تستطيع بغداد الخروج من الهيمنة الإيرانية على هذا الملف، وذلك نظرًا لعدة أسباب؛ منها:
-
يعتمد العراق بشكل كبير على إمدادات الغاز الإيرانية لمحطاته الغازية لإنتاج الكهرباء، كما أنه يستورد طاقة كهربائية من إيران لسد النقص الكبير لديه.
-
أدى توقف إمدادات الغاز الإيراني منذ أكثر من 40 يومًا لأزمة كبيرة في البلاد، حيث تسبب ذلك في تعطل عمل نصف المحطات الغازية في العراق، مما أدى إلى خروج قرابة 9 آلاف ميجاوات من الخدمة، وانخفاض ساعات تجهيز الكهرباء، الأمر الذي أثر على حياة المواطنين بشكل ملموس.[12]
-
رغم توجه العراق لعقد اتفاق مع تركماستان لتوريد 20 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في أكتوبر 2024، إلا أنه لا يخلص بغداد من قبضة طهران في هذا الملف، نظرًا لاحتياج العراق إلى تمرير الغاز التركمانستاني عبر الأنابيب الإيرانية.[13]
-
توجه العراق إلى مصادر بديلة للطاقة بعيدًا عن إيران، يتطلب سقفًا زمنيًا طويلًا، فمثلًا؛ تستغرق عملية الربط الكهربائي مع السعودية 3 سنوات لتزويد العراق بأكثر من 1000 ميجاوات، فيما لا يحقق الربط الكهربائي مع الكويت أكثر من 500 ميجاوات، بينما يحتاج العراق إلى سنتين لتهيئة البنى التحتية لاستيراد الغاز المسال من قطر.[14]
3- اللعب على العامل الطائفي الشيعي؛ تُعد ورقة الشيعة من أهم العوامل التي تستند عليها طهران في تعزيز نفوذها في العراق، ويمكن أن تستغل إيران هذه الورقة في الوقت الراهن للحفاظ على وجودها في بغداد، وخاصةً بعد صعود قوة سُنية في سوريا.
وهذا يتضح من المخاوف التي تحاول إيران إثارتها حاليًا حول انعكاسات سيطرة هيئة تحرير الشام السُنية في سوريا على أمن الشيعة العراقيين؛ ويُستدل على ذلك من تصريح القيادي في الحرس الثوري الإيراني محسن رضائي بأن “هناك 11 ألف عنصر في سوريا يخططون لاحتلال مدن عراقية”[15]، والترويج لفكرة أن “الأضرحة الشيعية في سوريا باتت دون حماية”، ومن ثم؛ يروج الخطاب الإيراني لفكرة حماية الشيعة من خطر محتمل من السُنة، من أجل تأمين نفوذ أكبر في العراق.
4- استغلال المخاوف العراقية الحالية من عودة تنظيم داعش؛ مع التطورات الأمنية التي تشهدها سوريا حاليًا، تصاعدت المخاوف العراقية بشأن اقتراب الخطر الداعشي من حدود العراق، وذلك من خلال مخيم الهول؛ وهو أحد مخيمات اللاجئين الذي يضم عددًا كبيرًا من عائلات وأطفال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ويقع على المشارف الجنوبية لمدينة الهول في محافظة الحسكة شمال سوريا بالقرب من الحدود السورية العراقية.
وتتعزز هذه المخاوف مع استمرار الهجوم التركي على قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مما قد يؤدي إلى هروب عناصر تنظيم داعش المحتجزين في مخيم الهول وتوجهها إلى العراق. وتحاول إيران استغلال هذا الوضع من أجل الترويج لفكرة ضرورة الحفاظ على بقاء الحشد الشعبي دون تفكيك، نظرًا لأنه لعب دورًا رئيسًا في هزيمة داعش سابقًا، واستمرار الحشد يعني بقاء النفوذ الإيراني في بغداد.
5- القوة التي تتمتع بها قوات الحشد الشعبي؛ تأسس الحشد الشعبي في 13 يونيو 2014، بعد فتوى أصدرها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وذلك على خلفية اجتياح تنظيم داعش للعديد من المناطق العراقية في هذا التوقيت، وكان الهدف الرئيسي لتأسيسه هو دعم الجيش العراقي في التصدي لهذا التهديد الإرهابي، ولكن سرعان ما أصبح الحشد الشعبي جزءًا أساسيًا من الهيكل الأمني العراقي، ثم تحول إلى قوة سياسية مؤثرة بشكل كبير في المجتمع العراقي.[16]
ويُعد الحشد الشعبي حاليًا قوات نظامية عراقية، وجزءًا من القوات المسلحة العراقية، تأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، وذلك بعد أن صادق مجلس النواب العراقي في نوفمبر 2016 على قانون دمج الحشد الشعبي بالقوات المسلحة.
إضافة إلى ذلك، تُخصص لهذه القوات ميزانية سنوية تُقدر بنحو 2.88 مليار دولار، لدعم عدد يتراوح بين 234 ألف إلى 350 ألف مسلح، وهذا الحجم الكبير للتمويل والقوة يجعل الحشد الشعبي لاعبًا رئيسيًا في المشهد العراقي، لا يمكن إزاحته من الصورة بسهولة.[17]
6- استقلال الفصائل المسلحة عن الحكومة المركزية؛ تمارس إيران نفوذًا كبيرًا على الفصائل المسلحة العراقية التي تدعمها ماليًا وتسليحيًا، مما يجعلها المتحكمة في قرارات هذه الفصائل، كما يمنح هذه الفصائل استقلالية نسبية عن قرارات الحكومة المركزية، ويجعل ولاءها لطهران أقوى من ولائها للحكومة العراقية.
يُضاف إلى ذلك؛ لا توجد أدوات قانونية فعالة لمحاسبة الجماعات الموالية لإيران أو منعها من اتخاذ قرارات تتعارض مع مصالح العراق الوطنية، كما تتمتع هذه الفصائل بتمثيل سياسي داخل البرلمان، يجعل من الصعب على الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة ضدها دون إثارة أزمات سياسية داخلية، وبالتالي ليس في إمكان الحكومة العراقية أن تتخلص من أذرع طهران حتى ولو أرادت ذلك.[18]
رابعًا؛ ملاحظات ختامية:
– يقع العراق حاليًا في مفترق طرق حساس للغاية؛ وهو إما أن يخرج من محور المقاومة الإيراني وينأى بنفسه بعيدًا عن العقوبات الاقتصادية الضاغطة والضربات الأمريكية والإسرائيلية، وإما البقاء رهينة للنفوذ الإيراني والحفاظ على بقاء الفصائل المسلحة الموالية لطهران وأهمها الحشد الشعبي.
– إذا استمرت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على العراق، فقد يواجه خيارًا صعبًا بين الاستمرار في دعم الحشد الشعبي أو الانصياع للمطالب الغربية بتفكيكه، وفي حال رفض الحكومة العراقية هذه الضغوط، يمكن أن يتدهور الوضع بشكل أكبر، مما يجعل العراق مهددًا بأن يصبح ساحة جديدة للصراع الإقليمي والدولي، تمامًا كما حدث في سوريا.
– يتمركز العراق في قلب التوترات والتوازنات المتضادة في الشرق الأوسط، وبالتالي؛ فإن الحل الأمثل الذي يجب أن تتبعه الحكومة العراقية حاليًا؛ هو تبني سياسة قائمة على التوازن بين الولايات المتحدة وإيران، وعدم خسارة أى من الحليفين نظرًا لأهميتهما بالنسبة لملفي الاقتصاد والأمن العراقيين.
– لا يمكن لإيران أن تتقبل بسهولة خسارة نفوذها في العراق، ولذلك ربما تقرر التخلي عن الفصائل المسلحة العراقية والقبول بتقليص نفوذها العسكري في بغداد، في مقابل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية في العراق.
المصادر:
[1] تصدعات في العراق بسبب زلزال سياسي في سوريا: تراجع النفوذ الإيراني، موقع السوري اليوم، 1/1/2025، متاح على الرابط: https://syrian-today.net/ar/opinion/1030/%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D8%B9%D8%A7
[2] مصادر: ضغوط خارجية على السيستاني لإصدار فتوى بحل الحشد الشعبي في العراق، عربي بوست، 7/1/2025، متاح على الرابط: https://arabicpost.net/%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%
[3] السوداني يحمل «الصندوق الأسود» إلى طهران، الشرق الأوسط، 3/1/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8
[4] ما الذي يخشاه العراق بعد سقوط الأسد؟، عربي بوست، 26/12/2024، متاح على الرابط: https://arabicpost.net/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D
[5] مصادر: ضغوط خارجية على السيستاني لإصدار فتوى بحل الحشد الشعبي في العراق، عربي بوست، مرجع سابق.
[6] مصطفى العبيدي، الدرس السوري يجدد دعوات التغيير والإصلاح في العراق، صحيفة القدس العربي، 11/1/2025، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%
[7] أحمد الدباغ، ما خيارات العراق في استيراد الغاز بعيدا عن إيران؟، الجزيرة القطرية، 12/1/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/ebusiness/2025/1/12/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D
[8] أمل إيران وحلفائها في إخراج القوات الأميركية من العراق يقترب من التبخّر، صحيفة العرب اللندنية، 25/12/2024، متاح على الرابط: https://alarab.co.uk/%D8%A3%D9%85%D9%84-%D8%A5%D9%8A%D8%B
[9] تداعيات الحشد الشعبي في العراق “بين ضغوط أمريكا وإيران وآفاق المستقبل”، موقع الأخبار، 8/1/2025، متاح على الرابط: https://rojnews.news/ar/?p=209097
[10] إيران والعراق يشتركان في «هاجس» سوريا، الشرق الأوسط، 8/1/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%
[11] يحيي الكبيسي، العلاقات العراقية الإيرانية بعد زلزال سوريا، القدس العربي، موقع العروبة 22، 3/1/2025، متاح على الرابط: https://ourouba22.com/article/4636-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D
[12] حامد الزبيدي، “الغاز السياسي” الإيراني يخنق العراق، الحرة الأمريكية، 10/1/2025، متاح على الرابط: https://www.alhurra.com/iraq/2025/01/10/%D8%A7%D9%84%D8%BA%D
[13] أحمد الدباغ، ما خيارات العراق في استيراد الغاز بعيدا عن إيران؟، مرجع سابق.
[14] حامد الزبيدي، “الغاز السياسي” الإيراني يخنق العراق، مرجع سابق.
[15] بغداد بعد دمشق… أسئلة «اليوم التالي»، الشرق الأوسط، 14/12/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%
[16] تداعيات الحشد الشعبي في العراق “بين ضغوط أمريكا وإيران وآفاق المستقبل”، موقع الأخبار، مرجع سابق.
[17] السوداني في طهران: مستقبل الحشد الشعبي بين الضغوط الأميركية والنفوذ الإيراني، موقع رياليست عربي الكردي، 11/1/2025، متاح على الرابط: https://arabic.realtribune.ru/opinion/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%
[18] مكافحة الإرهاب ـ عوامل الحد من اِنخراط الفصائل العراقية في سوريا، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 18/12/2024، متاح على الرابط: https://www.europarabct.com/%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%A