المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > آسيان ٢٠٢٥: قراءة تحليلية في مخرجات القمة
آسيان ٢٠٢٥: قراءة تحليلية في مخرجات القمة
- أكتوبر 29, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
 لا توجد تعليقات 

إعداد: أكرم السيد
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
انعقدت قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) السابعة والأربعون في العاصمة الماليزية كوالالمبور خلال الفترة من 26 إلى 28 أكتوبر 2025، في مرحلة دقيقة من التحولات الإقليمية والدولية. حيث جاءت القمة وسط تصاعد المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، واستمرار الأزمات الداخلية في بعض دول الرابطة وعلى رأسها ميانمار، إلى جانب الحاجة لتعزيز التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة في ظل تحديات اقتصادية متراكمة أثرت في مسار النمو الإقليمي.
في هذ ا السياق، تميزت القمة هذا العام بزخم سياسي واقتصادي كبير، تُرجم في إحدى وعشرين وثيقة ختامية شملت مجالات عدة كالسياسة والأمن والاقتصاد والبيئة وحقوق الإنسان والتعليم، مما جعلها قمة غزيرة من حيث حيث الانتاج والمخرجات. وقد عبرت هذه المخرجات عن طموح جماعي نحو “آسيان ٢٠٤٥” وهي رؤية إقليمية تسعى لتحويل الرابطة من تكتل إقليمي إلى قوة عالمية ذات تأثير اقتصادي واستراتيجي متوازن.
ومن هذا المنطلق، فإن ثمة حاجة لتحليل الأبعاد التي ركزت عليها القمة السابعة والأربعين في ضوء التحولات السياسية والاقتصادية والحقوقية التي تشهدها المنطقة، مع الإشارة إلى كيفية سعى آسيان من خلال وثائقها الختامية إلى إعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي وبناء نموذج أكثر استدامة للتعاون بين دولها الأعضاء وشركائها الدوليين:-
البعد السياسي: تثبيت مركزية آسيان وإدارة التوازنات الدولية
جاء الجانب السياسي في قمة آسيان السابعة والأربعين ليعكس إدراكا جماعيًا بأن الحفاظ على تماسك الرابطة ومركزيتها في النظام الإقليمي أصبح ضرورة لا خيارًا. حيث انعقدت القمة وسط بيئة إقليمية معقدة تتسم بتصاعد المنافسة بين القوى الكبرى، وتنامي الأزمات الداخلية في بعض دول الرابطة كما سبق الذكر، لذا، شكل البعد السياسي في مخرجات القمة محاولة لإعادة ضبط التوازن بين متطلبات الاستقرار الداخلي ومقتضيات التنافس الدولي في منطقة تشهد تحولات سريعة:-
1- التوافق “ذو النقاط الخمس” كإطار مرجعي للأزمة في ميانمار
أكد قادة آسيان في كوالالمبور أن “التوافق ذو النقاط الخمس” سيظل المرجعية الأساسية لحل الأزمة السياسية في ميانمار. ويقوم هذا التوافق على خمس ركائزوهي : وقف العنف، إطلاق حوار وطني شامل، تعيين مبعوث خاص للرابطة، إيصال المساعدات الإنسانية، والتواصل مع جميع الأطراف داخل البلاد.
وأعرب القادة عن قلقهم البالغ من استمرار تدهور الوضع الإنساني وغياب التقدم الفعلي في تنفيذ هذه البنود، مجددين دعوتهم إلى جميع الأطراف لوقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون تمييز. كما شددوا على أن الحل يجب أن يكون نابعًا من الداخل الميانماري، وأن الأزمة لا ينبغي أن تُضعف عملية بناء مجتمع آسيان أو تؤثر على قراراته الموحدة. ويعكس هذا التوجه تمسك الرابطة بمبدأ السيادة الوطنية، ورفضها لأي تدخل خارجي مباشر في شؤون الدول الأعضاء، علاوة على ذلك فإن أزمة كتلك هي بمثابة اختبار لدول آسيان على التعامل مع ما قد يطرأ فيما بعد من مشكلات سواء أمنية أو غيرها، وما إذا كانت آلياتها الداخلية ستنجح في حل أزماتها أم ستكلل بالفشل.
2- ميانمار كمحك لوحدة الرابطة ومصداقيتها
تحولت الأزمة الميانمارية إلى اختبار حقيقي لوحدة آسيان وقدرتها على إدارة أزماتها الداخلية دون انقسام. حيث أكدت القمة أن استمرار العنف يقوض صورة الرابطة كفاعل قادر على الوساطة، إلا أن الموقف الجماعي أظهر حرص القادة على اتباع نهج “الاستقرار عبر الحوار”، بدلًا من التصعيد أو فرض العقوبات. كما أبقت آسيان على مبدأ “التمثيل غير السياسي” لميانمار في اجتماعاتها، في رسالة واضحة بأن العضوية لا تُسقط، ولكنها تُعلق مؤقتًا لحين التزام الدولة المعنية بتعهداتها. بذلك، وضعت الرابطة معايير جديدة للعضوية تستند إلى الالتزام الجماعي بالسلام الداخلي والاستقرار الإقليمي.
3- الشراكات المتنوعة وتوازن العلاقات الدولية
سعت آسيان خلال القمة إلى توسيع شبكة شراكاتها دون الانحياز لأي محور دولي، وهو ما يمكن اعتباره تطبيقًا فعليًا لما يمكن وصفه ب “الحياد الإيجابي”. فقد أكد البيان المشترك مع الولايات المتحدة على التعاون في الأمن البحري والتنمية الاقتصادية والتكنولوجيا بما يعزز الازدهار المشترك، لكنه لم يحمل أي لهجة تصادمية تجاه الصين. وفي المقابل، أظهر البيان المشترك مع أستراليا حول منع النزاعات وإدارة الأزمات التزام الرابطة بالحوار كوسيلة للحفاظ على الأمن الإقليمي ومنع نشوب صراعات جديدة. وبهذا التوازن، حافظت آسيان على صورتها كوسيط نزيه يسعى لحماية مصالحه دون الانجرار إلى محاور سياسية متصارعة.
4- آسيان زائد ثلاثة: التعاون كوسيلة لتعزيز الدور الإقليمي
أكدت مخرجات القمة من خلال الإطار المعروف ب “سيان زائد ثلاثة” (الصين، اليابان، كوريا الجنوبية) على أهمية تعميق التعاون الاقتصادي والمالي، ولكن المعنى الأعمق لهذه الآلية هو سياسي بالدرجة الأولى. حيث أن تعزيز هذا الإطار يمنح آسيان قدرة أكبر على إدارة العلاقات داخل شرق آسيا من موقع القيادة لا التبعية، كما يعيد أيضا لها مركزيتها كمنصة توازن بين القوى الإقليمية الثلاث. وبذلك، تسعى الرابطة إلى أن تكون محور التنسيق الاقتصادي والسياسي في المنطقة، لا مجرد طرف تابع في معادلة النفوذ بين بكين وطوكيو وسول.
5- التحول الدفاعي الإيجابي كخلاصة الموقف السياسي
في ضوء تلك المواقف المشار إليها، يمكن القول إن آسيان تبنت ما يمكن تسميته ب “التحول الدفاعي الإيجابي”، أي الدفاع عن استقلالية قرارها وسياساتها من خلال الانفتاح على الجميع، والاعتماد على الحوار بدلا من الصدام. وهذا التوجه يعبر عن نضج سياسي متزايد لدى الرابطة، التي باتت ترى أن الاستقرار لا يتحقق بالانحياز أو العزلة، بل بإدارة التوازنات بعقلانية ومرونة. ومن ثم، تعكس القمة السابعة والأربعون تحولًا مهمًا في فهم آسيان لدورها: فهي لم تعد مجرد مظلة للتعاون، بل لاعب إقليمي يسعى لصياغة قواعد التفاعل في منطقة تشهد منافسة متصاعدة بين القوى الكبرى.
البعد الاقتصادي: التحولات الإقليمية وآفاق التكامل المشترك
لم يكن الجانب الاقتصادي في قمة آسيان السابعة والأربعين مجرد محور ضمن جدول الأعمال، بل مثل الركيزة الأساسية التي انعكست من خلالها رؤية الرابطة لمستقبلها حتى عام 2045. حيث أن التحديات التي فرضتها التغيرات في سلاسل الإمداد العالمية، وتنامي النزعة الحمائية، والتفاوت في معدلات النمو بين دول الرابطة، دفعت القادة إلى تبني مقاربة اقتصادية جديدة تقوم على تعميق التكامل الداخلي وتنويع الشراكات الخارجية، من أجل بناء اقتصاد إقليمي أكثر مرونة وقدرة على الصمود أمام الصدمات العالمية:-
1- الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة
أكد البيان المشترك الخاص بالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة أن آسيان تسعى لترسيخ موقعها كمركز للتجارة والاستثمار في القارة الآسيوية. حيث أعادت القمة التأكيد على أهمية هذه الاتفاقية، التي تضم إلى جانب دول آسيان العشر، خمس دول آخرين وهم الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، وهو ما يجعلها أكبر كتلة تجارية في العالم من حيث عدد السكان، باعتبارها أداة استراتيجية لمواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية. ورأت القمة أن نجاح هذه الشراكة يعتمد على تقليل الحواجز الجمركية، وتسهيل حركة السلع والخدمات، وتعزيز سلاسل التوريد بين دول الرابطة وشركائها، بما يحافظ على استمرار النمو في ظل حالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق الدولية. وبذلك، تعمل آسيان على ترسيخ دورها كمنصة اقتصادية قادرة على تحقيق التوازن بين مصالح القوى الاقتصادية الكبرى في المنطقة.
2- الأمن الغذائي ورؤية التنمية الزراعية حتى عام ٢٠٤٥
أبرزت القمة أهمية الأمن الغذائي باعتباره أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في دول الرابطة. حيث جاء إعلان الرؤية الخاصة بالغذاء والزراعة والغابات حتى عام 2045 ليطرح مفهومًا جديدًا للأمن الغذائي يربط بين الإنتاج المستدام والعدالة في توزيع الموارد. وقد أكد القادة أن تحقيق الاكتفاء الذاتي لا يتحقق فقط بزيادة الإنتاج، بل أيضًا بالحفاظ على الموارد الطبيعية، ومواجهة آثار التغيرات البيئية على الزراعة، ودعم البحث العلمي والتكنولوجيا في مجالات الزراعة الذكية. ويعد هذا الإعلان خطوة متقدمة نحو جعل آسيان نموذجًا في إدارة الموارد وفق مقاربة التنمية الخضراء.
3- الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي كقاطرة للنمو
كانت من أبرز مخرجات القمة “إعلان إنشاء شبكة آسيان للسلامة في الذكاء الاصطناعي”، الذي يعكس وعيًا مبكرًا بضرورة تنظيم استخدام التقنيات الحديثة ضمن ضوابط أخلاقية وقانونية. حيث شدد القادة على أن التطور التكنولوجي يجب أن يُدار بمسؤولية، لضمان حماية الخصوصية ومنع إساءة استخدام البيانات. كما ربطت القمة بين هذا التوجه ومجالات السياحة عالية الجودة وتطوير قطاع المعادن، إذ يُتوقع أن تُسهم التكنولوجيا في رفع كفاءة الخدمات السياحية وتحسين إدارة الموارد المعدنية. وهذا الربط بين التحول الرقمي والتنمية القطاعية يعبر بدوره عن سعي آسيان إلى تحقيق نمو متوازن ومستدام يقوم على الابتكار لا على الاستهلاك التقليدي للموارد.
4- خطة العمل مع الأمم المتحدة (2026–2030)
توجت القمة مخرجاتها الاقتصادية والتنموية بإطلاق خطة عمل مشتركة مع الأمم المتحدة تمتد حتى عام 2030، وتهدف إلى دمج أهداف التنمية المستدامة في السياسات الإقليمية لدول الرابطة. وتشمل هذه الخطة محاور تتعلق بالقضاء على الفقر، وتحسين التعليم، وتعزيز المساواة، وتقوية البنية التحتية الخضراء. كما تمثل إطارًا عمليًا للتعاون بين آسيان والمنظمات الدولية في مجالات التمويل الأخضر والتحول الرقمي الشامل. ومن خلال هذه الشراكة، تضع الرابطة نفسها ضمن المسار العالمي نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات وأكثر عدالة اجتماعية.
يمكن القول إن القمة السابعة والأربعين دشنت مرحلة جديدة من التنمية في آسيان، تقوم على تنمية واعية، أي المزج بين النمو الاقتصادي والاعتبارات الاجتماعية والبيئية. حيث أن الرابطة لم تعد تركز فقط على زيادة معدلات التجارة والاستثمار، بل تسعى لبناء نموذج اقتصادي يوازن بين الابتكار والمسؤولية، وبين العولمة والانتماء الإقليمي. وعليه، تفتح قمة كوالالمبور صفحة جديدة في مسار آسيان نحو تحقيق رؤيتها المستقبلية “آسيان 2045″، التي تستهدف تحويلها إلى كتلة اقتصادية عالمية متماسكة قائمة على الشمول والاستدامة.
البعد الحقوقي والبيئي والإنساني
برز البعد الحقوقي والإنساني في القمة السابعة والأربعين باعتباره أحد أهم محاور التحول داخل آسيان، إذ لم تعد القضايا الحقوقية تُطرح كموضوعات هامشية، بل كجزء أساسي من رؤية الرابطة لمستقبلها. فقد أظهرت مخرجات القمة توجهًا متزايدًا نحو إدماج قيم العدالة والمواطنة وحماية البيئة في السياسات التنموية، في إطار ما يمكن وصفه بالتحول من التنمية الاقتصادية إلى التنمية الشاملة للإنسان:-
1- الحق في بيئة آمنة ومستدامة
أقر القادة إعلان آسيان بشأن الحق في بيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة، والذي مثل سابقة في تاريخ الرابطة من حيث ربط المسألة البيئية بحقوق الإنسان. وهذا الإعلان لا يتعامل مع البيئة كملف منفصل، بل كحق أصيل من حقوق المواطن، وكمسؤولية جماعية تتطلب التعاون بين الدول الأعضاء. فهو يؤكد على التزام الحكومات بتقليل الانبعاثات، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، بما يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على كوكب آمن للأجيال القادمة. وبذلك، انتقلت آسيان من مجرد تبني سياسات بيئية إلى إرساء حق بيئي له طابع قانوني ومعنوي داخل الإقليم.
2- الربط بين التنمية والحق في السلام
بالتوازي مع ما سبق، تبنت القمة إعلان تعزيز الحق في التنمية والحق في السلام، والذي شدد على ضرورة تحقيق توازن بين متطلبات النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.و يستند الإعلان إلى فكرة أن التنمية الحقيقية لا تُقاس بالناتج المحلي فحسب، بل بقدرة المجتمعات على تحقيق الأمن والعدالة والمساواة. وقد أكد القادة أن تحقيق السلام المستدام في المنطقة لا يمكن أن يتم إلا عبر توزيع عادل لثمار التنمية، ومعالجة التفاوتات بين الدول والمجتمعات. وهذا الربط بين التنمية والسلام يعكس نضجًا في الوعي السياسي داخل آسيان، ويمثل انتقالًا من الخطاب التنموي التقليدي إلى نهج حقوقي شامل.
3- الإعلام الرقمي والأمن المجتمعي
كانت من أبرز الجوانب المستحدثة في القمة، إعلان كوالالمبور بشأن الاستخدام الآمن والمسؤول لمنصات التواصل الاجتماعي، والذي جاء استجابة للتحولات التكنولوجية السريعة وتأثيراتها على الأمن المجتمعي. حيث يرى هذا الإعلان أن الفضاء الرقمي أصبح ساحة جديدة لصنع الرأي العام، لكنه في الوقت نفسه قد يتحول إلى مصدر تهديد للسلم الاجتماعي إذا غابت ضوابط الاستخدام. لذا، دعت آسيان إلى وضع معايير إقليمية للأمن الرقمي، وتعزيز التربية الإعلامية لدى الشباب، وتطوير آليات لمواجهة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. ويمثل هذا التوجه نقلة نوعية في فكر الرابطة، إذ يربط بين حرية التعبير والمسؤولية المجتمعية، ويضع أسسًا لأمن رقمي إقليمي متماسك.
4- الهوية الثقافية والتعليم كركائز للانتماء
أصدرت القمة إعلان ملاكا حول خلق القيمة للتراث الثقافي، الذي يعيد تعريف الثقافة كمورد اقتصادي وتنموي، لا كمجرد موروث رمزي. حيث يهدف الإعلان إلى تحويل حماية التراث إلى نشاط تنموي يُسهم في تعزيز السياحة المستدامة وتوفير فرص العمل، مع الحفاظ على الهوية الوطنية لكل دولة ضمن الإطار الإقليمي العام.
في هذا السياق، جاء إعلان قادة آسيان حول التعليم العالي ليؤكد على بناء رأس المال البشري باعتباره أساس أي مشروع تنموي ناجح. ويعكس ذلك توجهًا استراتيجيًا نحو الاستثمار في التعليم بوصفه بوابة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الانتماء الإقليمي بين الأجيال الجديدة.
من خلال هذه الإعلانات مجتمعة، تبلورت رؤية آسيان لإقليم أكثر توازنًا، حيث يُنظر إلى الحقوق البيئية والاجتماعية والثقافية كأبعاد متكاملة وليست منفصلة، علاوة على تبني الأبعاد الحقوقية، التي تجعل الإنسان في قلب السياسات العامة، وتحول المفاهيم الحقوقية إلى أدوات عملية لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار المستدام في جنوب شرق آسيا.
البعد الدولي وتنويع الشراكات
أبرزت قمة كوالالمبور 2025 أن دور آسيان في النظام الدولي تجاوز حدود الإقليم إلى فضاء أوسع يقوم على التفاعل مع القوى الكبرى والمؤسسات الدولية من موقع الشريك وليس التابع. حيث أكدت المخرجات المشتركة مع الشركاء الدوليين هذا التحول، حيث سعت الرابطة إلى ترسيخ مكانتها كمنصة للحوار والتعاون المتعدد الأطراف، تجمع بين مصالح متباينة في إطار من التوازن والانفتاح. بعبارة أخرى، يمكن القول على سبيل المثال أنه من خلال البيان المشترك مع اليابان بشأن تنفيذ رؤية منطقة المحيطين الهندي والهادئ، شددت آسيان على دورها المحوري في تشكيل الأمن الإقليمي مع الحفاظ على استقلالية قرارها بعيدًا عن الاستقطاب الدولي. أما البيان مع الهند حول السياحة المستدامة، فركز على ربط التنمية الاقتصادية بحماية البيئة والهوية الثقافية، بما يجعل التعاون مع نيودلهي نموذجًا لشراكة تنموية متوازنة.
وفي السياق نفسه، أكد البيان المشترك مع أستراليا حول إدارة الأزمات ومنع النزاعات الدور الأمني المتزايد للرابطة، بوصفها الطرف الأقدر على تفعيل آليات الإنذار المبكر والحوار الوقائي لاحتواء التوترات. وبالتوازي مع ذلك، مثلت خطة العمل المشتركة مع الأمم المتحدة (2026–2030) خطوة متقدمة نحو تحويل التعاون الدولي إلى شراكة مؤسسية تهدف إلى توطين أهداف التنمية المستدامة داخل دول الرابطة، من خلال دعم التعليم وتمكين الشباب وتمويل المشروعات الخضراء.
وعليه، ومن خلال هذا كله يمكن استنتاج رغبة آسيان في تعزيز وتنمية دورها كفاعل دبلوماسي مرن يجمع بين الواقعية السياسية من جهة والانفتاح الاقتصادي من جهة أخرى، ويقدم نموذجًا للتعددية القائمة على التنوع لا التصادم، وعلى التفاهم لا الإملاء.
إجمالًا
تمثل قمة كوالالمبور 2025 محطة هامة في مسيرة آسيان، إذ تجاوزت إطارها التقليدي كمنظمة إقليمية لتصبح تكتلًا يسعى إلى بناء رؤية عالمية متكاملة. فقد عكست مخرجات القمة إرادة سياسية واضحة في تحويل التحديات الإقليمية إلى فرص للتكامل، من خلال مقاربة تجمع بين الواقعية في إدارة الأزمات، والانفتاح في الاقتصاد، والمسؤولية في التعامل مع القضايا الحقوقية والبيئية. علاة على ذلك، ومع إطلاق رؤية “آسيان 2045″، تتجه دول الرابطة نحو ترسيخ نموذج تنموي وإنساني جديد يربط بين الأمن والاستدامة والتكنولوجيا والهوية الثقافية، و هذه الرؤية لا تسعى فقط إلى تعزيز مكانة الرابطة داخل الإقليم، بل إلى جعلها شريكًا فاعلًا في صياغة النظام الدولي المقبل.
وبشكل عام، أكدت قمة كوالالمبور أن التعاون الإقليمي لم يعد خيارًا سياسيًا أو اقتصاديًا فحسب، بل أصبح ضرورة وجودية تُمكِن دول جنوب شرق آسيا من الحفاظ على استقلال قرارها وتوازن علاقاتها في عالم تتزايد فيه التعددية وتعقيداتها.
المصادر:
1-47th ASEAN Summit and Related Meetings, Asean.org
