إعداد: منة صلاح
تعتبر نيجيريا من أهم الدول الأفريقية، باعتبارها الأكبر من حيث عدد السكان والاقتصاد، كما تصنف من الدول البترولية على الصعيد العالمي؛ إذ تحوي 2.6% من احتياطي النفط في العالم، وبالرغم من ذلك، يعيش أغلب سكانها تحت خط الفقر، ويعود ذلك إلى الكثير من التحديات التي يشهدها المشهد السياسي في نيجيريا؛ مثل الصراعات “الدينية، والسياسية”، التي لا تزال تعصف بالبلاد وانعدام الأمن والتصدعات داخل الحزب الواحد، والأزمة الاقتصادية وظاهرة سرقة النفط الخام، وأنشطة الجماعات الإرهابية والتنظيمات الإجرامية، فضلًا عن امتداد تداعيات “كوفيد – 19” والحرب الأوكرانية، وسوف نتطرق أيضًا إلى سُبل معالجة تلك القضايا.
أولًا: القضايا المُثارة في نيجيريا على الصعيد السياسي والأمني:
تعددت وتنوعت الملفات والقضايا التي تشغل المشهد السياسي في نيجيريا؛ مثل الصراعات “الدينية، والسياسية”، التي لا تزال تعصف بالبلاد، وانعدام الأمن، والتصدعات داخل الحزب الواحد، وأنشطة الجماعات الإرهابية، والتنظيمات الإجرامية، ويمكن تناول تلك القضايا على النحو الآتي:
أنشطة الجماعات الإرهابية:
بدأت أنشطة الجماعات الإرهابية، منذ عام 2009م، ممثلة في عناصر جماعة “بوكو حرام” في شمال شرقي البلاد، والتي خلَّفت أكثر من 40 ألف قتيل وأكثر من مليوني نازح، وذلك بالرغم من تعهدات الإرادات المتعاقبة بملاحقتها، كما أسست جبهات جديدة في وسط وشمال غرب البلاد، والتي تنشط فيها عصابات إجرامية تهاجم الرعاة والمزارعين في المناطق الريفية، وبالإضافة إلى ذلك، تقوم بعمليات خطف للحصول على فدية.
وأدت تلك العمليات إلى إجبار السلطات على إغلاق أكثر من 11 ألف مدرسة، بنهاية عام 2020م، ونتج عن ذلك زيادة معدلات نسب الأطفال غير الملتحقين بالمدارس إلى 18.5 مليون، عام 2022م، وذلك وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وبالإضافة إلى ذلك تصاعد نشاط جماعات إرهابية أخرى؛ مثل “تنظيم داعش”.
المطالب الانفصالية وتفاقم انعدام الأمن:
هناك جماعات انفصالية في جنوب شرق نيجيريا، بقيادة السكان الأصليين في إقليم بيافرا، وتقوم تلك الجماعات بأعمال عنف وفوضي؛ نظرًا لتهمشيهم على المستوى الفيدرالي، ويعتبر جنوب شرق نيجيريا من أكثر المناطق التي تم فيها استهداف رجال الشرطة وأفراد الأمن من قبل الانفصاليين، منذ عام 2021م، ويبدو من الواضح أن تدفق الأسلحة وضعف الجيش النيجيري، سمح للجماعات المسلحة بتكثيف هجماتها.
الانتماءات الدينية والعرقية:
تعتبر الانتماءات الدينية أداة هامة للتعبئة والخلاف في نيجيريا، منذ عام 1999م، وكان هناك أيضًا موازنة دقيقة؛ لضمان أن الرئيس ونائبه لا يشتركان في نفس الديانة؛ إذ يغلب المسلمون في الشمال، أما الجنوب يغلب عليه الطابع المسيحي، ولكن اختلَّ هذا التوازن عندما اختيار “بولا تينوبو” – وهو مسلم – من قلبية اليوروبا، “كاشيم شيتيما” – وهو مسيحي – من قبيلة الكانورية، لمنصب نائب الرئيس، وأدان ذلك الكثير من النيجيريين بما في ذلك الجمعية المسيحية في نيجيريا.
كما اقترنت الانتخابات الأخيرة باندلاع بعض الصراعات والنزاعات على أساس “ديني، وعرقي” في بعض المناطق النيجيرية؛ إذ تشهد البلاد عقب كل انتخابات رئاسية توترات؛ ناجمة عن إشكالية تناوب رئاسة البلاد بين “المسلمين، والمسيحيين”، بالإضافة إلى مشكلة الاندماج الوطني التي فشلت الحكومات النيجيرية المتعاقبة في إدارتها بنجاح؛ ما ساهم في تفاقم النزاعات والتوترات “العرقية، والطائفية” في البلاد التي بها أكثر من 600 مجموعة عرقية، بما يهدد النظام الفيدرالي ووحدة البلاد.
ثانيًا: القضايا المُثارة في نيجيريا على الصعيد الاقتصادي:
هناك الكثير من القضايا التي تشغل الساحة السياسية في نيجيريا على الصعيد الاقتصادي؛ مثل الأزمة الاقتصادية، وامتداد تداعيات “كوفيد – 19″، والحرب الأوكرانية، فضلًا عن ظاهرة سرقة النفط الخام، ويمكن تناول تلك القضايا على النحو الآتي:
تردِّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية:
لا يزال الاقتصاد يتعافى من تَبِعَات أزمة “كوفيد – 19″، والتي تسببت في الركود الثاني في البلاد، خلال خمس سنوات فقط؛ إذ بلغ معدل التضخم 21.5% ومعدل البطالة 33%، بنهاية عام 2022م، بالإضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، والتي ضاعفت معاناة المعيشة للمواطنين؛ إذ يعيش حوالي 40% من سكان البلاد تحت خط الفقر، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، في مارس 2022م، كما يفتقر السكان في نيجيريا – لا سيما في شمال البلاد – إلى التعليم، والوصول إلى البنية التحتية؛ مثل الكهرباء.
وتراجعت قيمة العملة النيجيرية (النيرة)، عام 2022م؛ بسبب سرقة النفط، وهي مشكلة مزمنة في جنوب نيجيريا؛ ما أدى إلى تراجع صادرات البلاد من النفط، بالإضافة إلى النقص في وقود السيارات في معظم أنحاء البلاد، منذ أواخر عام 2022م، وندرة العملات النقدية بعد تقديم الحكومة الفيدرالية للأوراق النقدية المُعاد تصميمها، في ديسمبر 2022م، كما قد يؤدي نقص الوقود إلى إعاقة الخدمات اللوجستية.
ظاهرة سرقة النفط الخام:
تنتشر ظاهرة سرقة النفط الخام على نطاق واسع؛ إذ فقدت نيجيريا؛ جرَّاء تلك الظاهرة مكانتها، كأكبر منتج للنقط في أفريقيا لصالح أنغولا في الرُّبع الثالث، من عام 2022م، فقد تفاقمت هذه الظاهرة خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما في إقليم دلتا النيجر؛ ما أدى إلى خفض الإنتاج النيجيري، عام 2022م، وخسارة نحو ملياري دولار سنويًّا.
ثالثًا: الأحداث السياسية الراهنة في نيجيريا:
تشهد نيجيريا الكثير من الأحداث السياسية، خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما منذ عقد انتخابات 2023م، وتولِّي “بولا تينوبو” رئاسة نيجيريا، وسنتطرق إلى أبرز الأحداث على النحو الآتي:
استقالة رئيس الحزب الحاكم النيجيري:
استقال الرئيس الوطني للحزب الحاكم في نيجيريا، السناتور عبد الله أدامو، من منصبه، بعد قرابة خمس شهور من قيادته للحزب، ولكن لم يتم إبداء أيِّ سبب في خطاب الاستقالة، الذي قدمه الرئيس، والذي صاحبه استقالة السكرتير الوطني للحزب، وقد تشير استقالة الرئيس إلى حدوث شرخ كبير في الحزب؛ ما قد يكون له تأثير على التعيينات الوزارية للرئيس والحكومة.
إعلان حالة الطوارئ بسبب نقص الغذاء:
أعلن الرئيس النيجيري، بولا تينوبو، حالة طارئ، بشأن الأمن الغذائي في البلاد، وعن اتخاذ تدابير حاسمة ذات أثر فوري؛ لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقض الغذاء، وأكَّد “تينوبو” أن حكومته ستطلق مجموعة من التدخلات الاستراتيجية لمواجهة هذه الأزمة، وتتضمن تخصيص بعض الأموال التي تم توفيرها، من خلال إلغاء دعم الوقود لتوفير الأسمدة والحبوب للمزارعين.
وخصَّصت منظمة الأمم المتحدة 15 مليون دولار؛ لمعالجة انعدام الأمن الغذائي في شمال شرق نيجيريا، وأشار المنسق الأممي إلى أن هذا التخصيص سوف يمكن الوكالات الإنسانية من تعزيز الوصول إلى المساعدات الغذائية والنقدية المناسبة للفئات الأكثر ضعفًا في المناطق المتضررة من الأزمات.
رابعًا: سُبل معالجة القضايا المُثارة في نيجيريا:
نظرًا لكثرة القضايا والأحداث التي تشغل الساحة السياسية في نيجيريا، يمكن اتباع مجموعة من الإجراءات لمعالجة أوجه القصور في الواقع النيجيري، وتتمثل فيما يلي:
تعزيز دور نيجيريا باعتبارها قائدًا إقليميًّا:
هناك مصلحة استراتيجية في بقاء واستقرار نيجيريا، ولعبها دورًا إقليميًّا في غرب أفريقيا، التي تواجه معظم دولها مجموعة من التحديات على جميع الأصعدة “السياسية، والاقتصادية، والأمنية”، ويتوقف ذلك على مدى قدرة نيجيريا على المضي قدمًا نحو تحسين أوضاعها الداخلية؛ ما ينعكس بالإيجاب على تعزيز دورها الإقليمي في المنطقة.
وقد تتمكن نيجيريا من تعزيز دورها الإقليمي أيضًا، من خلال لعب دور الوساطة في بعض أزمات المنطقة، خلال الفترة القادمة؛ نظرًا لأن هناك حالةً من الاضطراب السياسي والأمني تشهدها المنطقة، بما يؤثر بالسلب على أمن واستقرار دول المنطقة، فقد اندلعت عدة انقلابات عسكرية، منذ عام 2020م، في بعض الدول؛ ما يعزز مخاوف اتساع ظاهرة عدوى الانقلابات في دول المنطقة.
تعزيز حضور نيجيريا في سوق النفط الأفريقي:
وذلك باعتبار نيجيريا من أكبر منتجي النفط في القارة الأفريقية، فقد تتمكن نيجيريا من تعزيز دورها الإقليمي في القارة ككل المنطقة بشكل خاص، وإنعاش الاقتصاد الوطني، من خلال المشاركة في المشروعات الدولية الجديدة؛ الهادفة إلى ربط النفط الأفريقي بقارة أوروبا، عبر البحر الأبيض المتوسط؛ ما يعزز الدور النيجيري على الصعيدين “الإقليمي، والدولي”، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات النيجيرية مع القوى الدولية الفاعلة؛ ما ينعكس على ضخِّ المزيد من الاستثمارات الأجنبية في الداخل النيجيري، وانعكاسات ذلك على توفير فرص عمل للشباب النيجيري خلال المرحلة القادمة.
مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة:
تتصدر الأزمات الاقتصادية قائمة القضايا والملفات التي تشغل المشهد السياسي في نيجيريا، فلا يزال النمو الاقتصادي في البلاد بطيء خلال الفترة الأخيرة؛ لذا يجب تبنِّي سياسات اقتصادية سليمة وإصلاحات مالية وهيكلية، والدفع نحو المزيد من التخطيط الاقتصادي؛ بهدف معالجة المعضلات الاقتصادية الراهنة.
تعزيز المصالحة الوطنية:
تعتبر المصالحة الوطنية أحد أهم المخارج الآمنة التي اعتمدت عليها الكثير من الدول الأفريقية؛ للخروج من أزمتها الوطنية، كما تعتبر هدفًا منشودًا في ظل الأزمات، وهو ما تحتاج إليه نيجيريا للتغلب على الصراعات، سواء “الدينية، أو العرقية”؛ نظرًا لاحتوائها على عدد كبير من “الإثنيات، والديانات”؛ لذا هناك ضرورة لإصدار تشريعات وقوانين مساوية في الحقوق بين كافة الديانات والطوائف؛ لتوحيد صفوف الشعب النيجيري.
إجمالًا
يمكن القول: إن نيجيريا شهدت ولاتزال تشهد تحولات وقضايا تؤثر على مشهدها السياسي؛ إذ عانت من فترات ركود ومستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي وندرة الوقود المستمرة ومستويات عالية من سرقة النفط الخام، وتزايد مستويات الجريمة في الولايات الشمالية الغربية والوسطى، بالإضافة إلى التوترات الانفصالية في الجنوب الشرقي، بما يتطلب الدفع نحو تبنِّي استراتيجية شاملة وجادة، تتضمن العديد من السياسات التي يتم من خلالها التعامل مع الكثير من الملفات الضاغطة في العديد من القطاعات النيجيرية، كما أصبح لزامًا على الحكومات النيجيرية المتعاقبة صياغة أساليب التعامل مع الصراعات الدينية، ولا سيما الجماعات التي تلجأ إلى استخدام العنف؛ مثل جماعة “بوكو حرام”.