المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > أبعاد السياسة الصينية تِجَاه منطقة المغرب العربي
أبعاد السياسة الصينية تِجَاه منطقة المغرب العربي
- يونيو 13, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
تشهدُ منطقةُ المغرب العربي تنامِيًا لافتًا في الحضور الصيني، إبَّان السنوات القليلة الماضية، في إطار استراتيجية “مبادرة الحزام والطريق”، التي تهدف إلى توسيع النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي للصين في مناطق حيوية خارج نطاقها الإقليمي، وتبرز دول المغرب العربي (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا) كمنطقة جذْبٍ رئيسية لبكين؛ نظرًا لما تتمتع به من موقعٍ جغرافيٍّ فريدٍ يربط بين البحر المتوسط وإفريقيا جنوب الصحراء من جهة، وبين أوروبا والعُمْق الإفريقي من جهة أُخرى، فضْلًا عن غناها بالموارد الطبيعية، وتنوُّع أسواقها، وحاجتها الماسَّة إلى تطوير البِنْيَة التحتِيَّة والطاقة والخدمات اللوجستية.
بالرغم من ذلك، لا يُقْرَأُ هذا التوسُّع الصيني من زاوية اقتصادية فقط، بل يحملُ أبعادًا سياسية واستراتيجية أعمق، في ظلِّ مساعٍ صينيةٍ واضحةٍ لمنافسة القوى الدولية التقليدية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظلَّت لعقودٍ الفاعلَ الأبرزَ في شمال إفريقيا، سواء عبْر الحضور العسكري غير المباشر، أو من خلال دعم الأنظمة الحليفة، أو النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي، كما يتقاطع هذا الدور مع مصالح قوى غربية أخرى كروسيا الطامحة لتعزيز وجودها في شمال إفريقيا، ومع نفوذ الاتحاد الأوروبي الذي يسعى للحفاظ على عُمْقِه الاستراتيجي في جواره الجنوبي.
وفي ظلِّ هذا المشهد المُعقَّد، تزداد أهمية دراسة الأبعاد الاستراتيجية للدور الصيني وأهدافه وآلياته المتعددة، في إطار سعيها لتعزيز دورها في منطقة المغرب العربي، ومزاحمة النفوذيْن “الأمريكي والأوروبي” بها.
الأهداف الصينية في منطقة المغرب العربي:
تسعى الصين من خلال تعزيز تعاونها المتزايد مع دول منطقة المغرب العربي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المتشابكة ذات الطابع الاقتصادي والجيوسياسي والأمني؛ بما يتماشى مع إستراتيجيتها الكُبْرَى لإعادة صياغة موازين القوى على المستوى الدولي وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية التقليدية، وتتبلور تلك الأهداف في النقاط الآتية:
تعزيز النفوذ الاقتصادي الصيني: يأتي هذا الهدف في مُقدَّمة أولويات الصين عبْر فتح أسواق جديدة أمام منتجاتها واستثماراتها، بالإضافة إلى توسيع وجود الشركات الصينية في مجالات البِنْيَة التحتِيَّة والطاقة والاتصالات والصناعات التحويلية، وتشمل مشاريع، مثل “ميناء الناظور غرب المتوسط بالمغرب وميناء الحمدانية بالجزائر”، وكذلك مشاريع الطاقة الشمسية والرقمية في “تونس وموريتانيا” كجزء من هذه الاستراتيجية الواسعة لزيادة السيطرة على سلاسل الإمداد الإقليمية.
هدف جيوسياسي: تسعى بكين لتأمين موطئ قدمٍ استراتيجي في منطقة تحمل أهميةً جوهريةً تربط بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط؛ مما يتيح للصين موازنة النفوذ الأمريكي والأوروبي التقليدي في المنطقة، ويدعم مبادرة “الحزام والطريق” باعتبارها مسارًا حيويًّا يربط شرق آسيا بالساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط.
الأمن والإستراتيجية: تهدف الصين كذلك إلى ضمان استقرار البيئة المحيطة باستثماراتها وحماية مشروعاتها من المخاطر الأمنية المتزايدة، خاصَّةً بالنظر لنموِّ التهديدات المرتبطة بالإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المُنظَّمة التي قد تُؤَثِّرُ سَلْبًا على جدْوَى هذه المشروعات؛ خصوصًا تلك الواقعة بالقُرْب من مناطق الساحل والصحراء.
الدعم في السَّاحات الدولية: من بين الأهداف غير المعلنة لبكين، تبرز رغبتها في الحصول على تأييدٍ سياسيٍّ من دول منطقة المغرب العربي في السَّاحات الدولية، ويكتسب هذا التأييد أهميةً خاصَّةً فيما يتعلق بالقضايا الحساسة، مثل “ملف تايوان والسياسات الصينية في بحر الصين الجنوبي وحقوق الإنسان”؛ حيث تسعى الصين إلى توسيع نطاق الدول التي تدعم مواقفها داخل الأمم المتحدة والمنظمات العالمية.
وعليه، تتسم الأهداف الصينية تِجَاه المغرب العربي بالشُّمُولية والترابُط؛ فهي لا تقتصر فقط على الفوائد الاقتصادية المباشرة، بل تضُمُّ أبعادًا استراتيجيةً مُتِّسِعَةً تهدف إلى إعادة تشكيل النظام الدولي؛ لتعزيز مكانة بكين كقوة عُظْمَى ناشئة تواجه النفوذ التقليدي الغربي.
أبعاد الإستراتيجية الصينية في منطقة المغرب العربي:
تتجسَّدُ الإستراتيجية الصينية في منطقة المغرب العربي في عِدَّة أبعاد “سياسية، اقتصادية، وأمنية”.
البُعْد السياسي والدبلوماسي:
تسعى الصين عبْر استراتيجيتها السياسية والدبلوماسية في منطقة المغرب العربي، إلى تعزيز علاقاتها مع الدول المغاربية بشكلٍ منهجيٍّ ومتعدد الأبعاد، على الرغم من أن علاقاتها مع المنطقة كانت حديثةً نِسْبِيًّا، فإن بكين قد حقَّقت إنجازاتٍ كبيرةً في فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ، من خلال آليات دبلوماسية متعددة.
زيارات رفيعة المستوى: شَهِدَتْ السنواتُ الأخيرةُ زيادةً ملحوظةً في الزيارات الرسمية من الصين إلى دول المغرب العربي، وذلك ضِمْن جهود بكين لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، وأهمّ هذه الزيارات كانت تلك التي قام بها الرئيس الصيني “شي جين بينغ” إلى المغرب، في نوفمبر 2024، والتي مثَّلَتْ نقطة تحوُّلٍ مُهمَّة للعلاقات الثنائية بين البلدين.
خلال هذه الزيارة، تمَّ الاتفاق على تعزيز التعاون في مجالات البِنْيَة التحتِيَّة، خصوصًا تطوير الموانئ وشبكات السِّكَك الحديدية، بالإضافة إلى دعْم مشاريع تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية؛ مما يبرز طموح الصين لجعْل المغرب بوَّابةً استراتيجيةً نحْو القارة الإفريقية.[1]
كما أجرى وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” جولةً، شَمِلَتْ “تونس والجزائر وموريتانيا” في أوائل 2024؛ حيث التقى مع كبار المسؤولين، وتباحثوا حول قضايا الأمن الإقليمي وضرورة دعم سيادة الدول المغاربية، كذلك تمَّ افتتاح “أكاديمية تونس الدبلوماسية” بدعم صيني؛ مما يعكس اهتمام بكين بتعزيز وجودها الثقافي والدبلوماسي بالمنطقة.[2]
دبلوماسية القمم والمنتديات: نظَّمت الصين عدة قِمَمٍ متعددة الأطراف خلال الأعوام الماضية، أبرزها القمة “الصينية – العربية” التي انعقدت بالرياض، وحضرها الرئيس التونسي قيس سعيد ونظيره الجزائري “تبُّون” والرئيس الموريتاني ولد الغزواني، وقد اعتُبرت هذه القمة حَدَثًا دبلوماسيًّا رائدًا يجمع الدول العربية عامة ودول المغرب العربي بشكلٍ خاصٍّ؛ حيث تعزز هذه اللقاءات التعاون السياسي والثِّقَة الاستراتيجية مع الأطراف المعنِيَّة.
مُنْتَدَى التعاون “العربي – الصيني”؛ أُنْشِئَ منتدى التعاون “العربي – الصيني” في عام 2004؛ ليكون بمثابة منصَّة لتعزيز العلاقات بين الصين والدول العربية بشكلٍ عامٍ، ودول منطقة المغرب العربي بوجهٍ خاصٍّ.
يعتمد المنتدى على آليات، مثل “الاجتماعات الوزارية”؛ ليكون نقطةً دبلوماسيةً رئيسيةً على مستوى الوزراء والمسؤولين، وشَهِدَ اللقاء “التاسع في تشنغدو 2023، والعاشر في بكين مايو 2024″، حضور وزراء خارجية المغرب العربي، والذي ساعد في تقوية التعاون بين الجانبيْن في مجالات متعددة.[3]
تمَّ تنظيم الدورة الثانية والعشرين لـ”محاضرة الصين” بتونس بشأن التعاون “الصيني – الإفريقي” في فبراير 2025؛ بهدف تقوية الروابط الأكاديمية والدبلوماسية بين البلديْن وتقديم خطابٍ فكريٍّ حول النماذج التنموية المشتركة بالتنسيق مع المعهد “الصيني – الإفريقي”.[4]
اتباع سياسة محايدة تجاه أزمات المنطقة: تلتزم الصين بسياسة الحِيَاد وعدم الانحياز التي تعزز علاقاتها مع دول المغرب العربي دون التسبُّب بإثارة حساسيات مع قُوى أخرى أو اصطفافات إقليمية.
ظَهَرَ ذلك جليَّا في موقفها بشأن الأزمة الليبية وقضية الصحراء المغربية على النحو الآتي:
الأزمة الليبية: بعد سقوط نظام الرئيس معمر القذافي، اتبعت الصين سياسةً حياديةً حَذِرَةً وتنويعًا دبلوماسيًّا واقتصاديًّا، بخلاف القوى الدولية الأخرى التي انخرطت في النزاع العسكري بالبلاد؛ فقد امتنعت الصين عن التصويت في مارس 2011، على قرار مجلس الأمن، الذي يُجِيزُ توجيه ضربات جوية بقيادة حلف شمال الأطلسي داخل الأراضي الليبية، وانتقدت تلك الضربات العسكرية وفرْض الحظْر الجوي على ليبيا.
هذه السياسة مكَّنَتْ بكين من تعزيز مصالحها الحالية والمستقبلية هناك؛ بغضِّ النظر عن الفصيل الذي يتولَّى الحُكْم حاليًا، خصوصًا فيما يتعلق بالدور المحتمل لها في إعادة إعمار ليبيا وتطويرها عبْر تقديم الدعم المالي والتِّقَنِي اللازم.[5]
قضية الصحراء الغربية: تتبنَّى الصين موقفًا محايدًا ومدروسًا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية؛ حيث تبتعد عن اتخاذ جانبٍ في النزاع القائم بين المغرب وجبهة البوليساريو؛ حِرْصًا على الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع كلا البلديْن، وعلى الرغم من أن بكين لا تعترف رسميًّا بـ “الجمهورية الصحراوية”، إلَّا أنها تؤكد في بياناتها الرسمية أهمية التوصُّل إلى حلٍّ سياسي يتفاوض عليه تحت إشراف الأمم المتحدة؛ لضمان استقرار المنطقة. [6]
يُلَاحَظُ أيضًا أن الصين تتبنَّى سياسة عدم التدخُّل، وتجتنب اتخاذ أيِّ إجراءات قد تُفسَّر كدعمٍ واضحٍ لأحد الأطراف على حساب الآخر؛ حفاظًا على مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية مع جميع الدول المغاربية.
البُعْد الاقتصادي:
يُعَدُّ الجانبُ الاقتصاديُّ من الأعمدة الرئيسية لاستراتيجية الصين نحْو منطقة المغرب العربي؛ حيث تعمل بكين على جعْل هذه المنطقة نقطةً محوريةً ضِمْن مبادرة “الحزام والطريق”، مستفيدةً من الموقع الاستراتيجي للدول المغاربية كمدخلٍ طبيعيٍّ إلى أوروبا وإفريقيا، في هذا السياق، عزَّزت الصين استثماراتها في مجالات البِنْيَة التحتِيَّة والطاقة والتكنولوجيا والصناعات التحويلية؛ مما يبرز توجهها لتعميق العلاقات الاقتصادية مع كُلٍّ من “المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا”.
في المغرب، أصبحت الصين اليوم واحدةً من أهمِّ الشركاء التجاريين خارج الاتحاد الأوروبي، وقد شهدت السنواتُ الأخيرةُ توقيع اتفاقيات واسعة النطاق عبْر عدة قطاعات، أبرزها مشروع “طنجة تيك” الصناعي الذي تُطوِّرُه شركات صينية كبيرة بالتعاون مع الحكومة المغربية، ويهدف إلى تحويل المغرب إلى منصَّةٍ صناعية وتكنولوجية إفريقية، كما تُسْهِمُ الصين بنشاطٍ في مشاريع تطوير ميناء الناظور غرب المتوسط، وتمتلك استثمارات في الطاقة المتجددة، خصوصًا تلك المتعلقة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الصحراء المغربية، يأتي ذلك دعْمًا لخطط التحوُّل الطَّاقي للمغرب، إضافةً لذلك؛ بلغ حجم التجارة بين الرباط وبكين نحو 9 مليارات دولار أمريكي العام الماضي، وسجَّلَتْ صادرات المغرب مستويات غير مسبوقة تقارب 1.3 مليار دولار.[7]
أمَّا الجزائر، فقد وقَّعت بكين والجزائر عام 2023، خارطة طريق جديدة؛ لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والنقل والصناعة، وازداد تدفُّق الاستثمارات الصينية إلى الجزائر، خاصَّةً في القطاعات، مثل البتروكيماويات وإنشاء البِنْيَة التحتِيَّة (كالطُّرُق والموانئ)، فضْلًا عن التنسيق لإطلاق مشروعات تنمية مناجم الحديد والفوسفات بالجنوب الجزائري؛ وهي موارد استراتيجية تهم الصين لضمان احتياجاتها الصناعية المتزايدة، وفي عام 2024، وصل حجم التبادل التجاري بين الجزائر والصين إلى حوالي 12,5 مليار دولار أمريكي.[8]
في تونس، تركَّزت الاستثمارات الصينية على تطوير الموانئ والخدمات اللوجستية، فضْلًا عن تقديم عروض لتمويل مشاريع في مجال الطاقة وتحديث بِنْيَة النَّقْل التحتِيَّة، كما وفَّرَتْ الصين لتونس فُرْصَة الاستفادة من التمويلات المُيسَّرة في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، وإن كان ذلك بشكلٍ محدودٍ مقارنةً مع جيرانها المغاربة، فيما يُقدَّرُ حجم التبادل التجاري بين تونس والصين بحوالي 1.8 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بينما بلغت عائدات صادرات تونس إلى الصين حوالي 217 مليون دينار.[9]
في ليبيا، ترتكز المشروعات الاستثمارية الصينية على إعادة إحياء مشاريع البِنْيَة التحتِيَّة والطاقة المتوقفة منذ عام 2011؛ حيث تسعى بكين لاستعادة استثماراتها السابقة التي قُدِّرَتْ بأكثر من 20 مليار دولار، خاصَّةً في قطاعات الإسكان والنفط، من ناحيةٍ أخرى، تُبْدِي بكين اهتمامًا واسعًا بالمشاركة في إعادة الإعمار وتطوير الموانئ الليبية ضِمْن مبادرة “الحزام والطريق”؛ لتعزيز ربط ليبيا بالأسواق الإفريقية والأوروبية، ومن الناحية التجارية؛ فتصدَّرت الصين قائمة البلدان المصدرة لليبيا خلال النصف الأول من العام 2024، وبلغت قيمة الصادرات الصينية إلى ليبيا نحو 1.5 مليار دولار من إجمالي 10.05 مليار دولار.[10]
أمَّا موريتانيا، فقد شهدت زيادة ملحوظة للانخراط الصيني في قطاعيْ “الصيد البحري، والمعادن”؛ حيث تولَّى الجانب الصيني اهتمامًا خاصًّا باستخراج خام الحديد والذهب، بجانب العمل على تطوير البِنْيَة التحتِيَّة للموانئ لدعم تصدير هذه الموارد إلى السُّوق الصينية، فيما وصل حجم التبادل التجاري بين موريتانيا والصين خلال عام 2024 إلى نحو 2.42 مليار دولار بزيادةٍ سنويةٍ قدْرُها 7.8% مقارنة بالعام السابق، مع فائضٍ لصالح موريتانيا بمقدار حوالي 340 مليون دولارًا، علاوةً على ذلك، وقد قدَّمت الصين لموريتانيا إعفاءً جُمْركيًّا كاملًا لجميع صادراتها منذ ديسمبر الماضي؛ مما يفتح آفاقًا أوسع لتعزيز تلك الصادرات.
بالإضافة لذلك، تستغلُّ الصين قدراتها المالية في تعزيز نفوذها الاقتصادي بالدول النَّامية، من خلال ما أصبح يُعْرَفُ في الأدبيات الغربية بـ”دبلوماسية الديون الصينية”، التي اعتمدت عليها لتوطيد علاقاتها مع موريتانيا، وبهدف الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع نواكشوط، وقَّع وزير الاقتصاد عبد السلام ولد محمد صالح، بنواكشوط مع السفير الصيني لي بيجن، في أغسطس 2023، بروتوكول اتفاق، بشأن إلغاء جُزْءٍ آخر من الديون المُسْتَحَقَّة للحكومة الصينية بقيمة 147 مليون إيوان؛ أيْ نحو 8 مليارات أوقية، سبق ذلك إلغاء بكين، في ٢٥ يناير 2022، جُزْءًا من ديونها المُسْتَحَقَّة لديها، بقيمة 160 مليون إيوان، أيْ ما يعادل حوالي 9.1 مليار أوقية قديمة، إضافةً إلى 5 ملايين إيوان في أكتوبر 2021.[11]
مبادرة الحزام والطريق: تُعَدُّ مبادرة “الحزام والطريق” أداةً رئيسيةً لتعزيز النفوذ الصيني في المغرب العربي؛ حيث انضمت دول المنطقة الأربع (المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا) بدرجات متفاوتة للمبادرة، في المغرب، تبرز أعمال كُبْرَى ضمن إطار هذه المبادرة، منها مشروع “مدينة محمد السادس طنجة-تيك” العملاق، وميناء الناظور غرب المتوسط، كمحاور رئيسية لربْط أوروبا بإفريقيا عبْر بِنْيَة تحتِيَّة حديثة بتمويلٍ صينيٍّ، وفي الجزائر شهدت مشروع ميناء الحمدانية الضخم في شرشال، الذي يُعَدُّ من أكبر المشاريع البحرية في إفريقيا، مع استثمارات صينية واسعة في الطاقة والبتروكيماويات، في تونس وموريتانيا؛ ركَّزت المبادرة على تحسين البِنْيَة التحتِيَّة، خاصَّةً في مجالات الاتصالات (هواوي) والمواصلات والطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من الطموحات الموجودة لهذه المبادرة، إلَّا أنها تواجه تحديات عدة، تتعلق بمخاوف “فخ الديون”، بالإضافة إلى المنافسة الغربية، ولا سيما ما يُظْهِرُهُ الاتحادُ الأوروبيُّ والولايات المتحدة عبْر إطلاق مبادرات مشابهة، مثل “الشراكة من أجل البِنْيَة التحتِيَّة العالمية”.
إقامة مشاريع في مجالات الطاقة: مع تصاعُد آثار الحرب “الروسية – الأوكرانية” التي أدَّتْ إلى ارتفاع أسعار الطاقة وما نتج عنه من تأثيرٍ سلبيٍّ على الاقتصاد الصيني الذي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الطاقة المستوردة، بدأت بكين بإبرام المزيد من الاتفاقيات مع دول المغرب العربي الغنِيَّة بالطاقة؛ فقد وقَّعت شركة النفط والغاز الجزائرية “سوناطراك” – التي أعلنت مطلع يناير 2022 عن خُطَطٍ لاستثماراتٍ تصل قيمتها إلى 40 مليار دولار خلال الفترة ما بين 2022 و2026؛ لاستكشاف وإنتاج وتكرير النفط، بالإضافة إلى التنقيب عن الغاز واستخراجه – اتفاقية مع شركة البترول والكيماويات الصينية “سينوبك”؛ بهدف الإنتاج المشترك للنفط في موقع بجنوب شرق الجزائر تبلغ قيمته حوالي 490 مليون دولار.
وفْقًا للمسؤول التنفيذي للشركة الجزائرية توفيق حكار، فإن مدة الاتفاق تمتد لـ 25 عامًا، ومن المُتوقَّع أن يُنْتِجَ – إجماليًّا – نحو 95 مليون برميل من الاحتياطي النفطي الخام.
وفي مايو عام 2022، أفادت الشركة الجزائرية، بأنها منحَت عقْدًا للصين بقيمة 520 مليون دولار؛ لتشييد مصنع لإنتاج ميثيل ثالثي بوتيل الإيثر، وهو مُرَكَّبٌ يُضَافُ إلى وقود السيارات لتحسين الأداء والجودة بَدَلًا من استخدام المركبات الرصاصية.[12]
البُعْد الأمني والعسكري:
بالرغم من الطابع الاقتصادي الواضح للوجود الصيني في منطقة المغرب العربي، إلَّا أن الجانب الأمني والعسكري يشهد تطوُّرًا ملحوظًا في إطار جهود بكين لحماية مصالحها المتزايدة وضمان أمْن مساراتها التجارية المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق”، وهو ما تجسَّدَ فيما يأتي:
في الجزائر، تعتبر الجزائر أبرز مجالات التعاون العسكري بين الصين ودول المنطقة؛ حيث حصل الجيش الجزائري – في السنوات الأخيرة – على طائرات مُسيَّرة هجومية من نوع “CH-4B” الصينية،[13] بالإضافة إلى عربات مدرَّعة ومعدَّات متطورة للمراقبة الإلكترونية، كما تعاون الطرفان في تدريبات عسكرية وتِقَنِيَّة تتعلق بالحرب السيبرانية والدفاع الجوي؛ مما يبرز أهمية الجزائر كشريكٍ أمنيٍّ للصين في شمال إفريقيا.
في المغرب، وعلى الرغم من وجود حَذَرٍ أكبر في التعاون العسكري مقارنة بالجزائر، فقد شَهِدَتْ العلاقات توقيع اتفاقيات في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمراقبة الأمنية، كما عزَّزَتْ القوات المسلحة المغربية ترسانتها العسكرية الجوية باقتناء طائرات مُسَيَّرة صينية من طراز TB-001))، التي تشتهرُ بلقب “العقرب ثنائي الذيل”، فضْلًا عن اقتناء الرباط لطائرات حربية من دون طيار من نوع “وينغ لونغ 2” Wing Loong II في أكتوبر 2023، تلاها مشاركة عددٍ من الجنود المغاربة لتدريبات مُكثَّفَة في الصين؛ من أجل إتقان تشغيل هذه “الدرونات” ذات الاستخدامات الحربية والعسكرية، من جانب آخر، أبْدت الصين استعدادها لتعزيز التعاون ضِدَّ الإرهاب؛ نَظَرًا للتحديات الأمنية التي تواجه الساحل والصحراء.[14]
أمَّا تونس وموريتانيا فاقتصرت جهودهما الأمنية بشكلٍ أساسيٍّ على تعزيز قدرات الشرطة والجهات الأمنية الداخلية، عبْرَ تقديم المعدَّات المتطورة لمراقبة الحدود البحرية والبرية؛ خَوْفًا من تسلُّل الجماعات المسلحة العابرة للحدود؛ إذ وفَّرَتْ بكين لتونس مساعدات عينية للمؤسستيْن “العسكرية والأمنية”؛ منها “طائرات الهيلوكوبتر، والدراجات النارية، والسيارات، وعربات الإسعاف” بالإضافة إلى الحماية المدنية وأجهزة الكشْف بالأشعة للمنافذ الحدودية، فضْلًا عن عدة تجهيزات أخرى وبرامج تعاون استفادت منها وزارات مختلفة.[15]