إعداد: وسام العربي
المقدمة:
تعيش تونس، كالعديد من الدول حول العالم، أزمة اقتصادية واجتماعية متعددة الجوانب، تتراوح بين التحديات الاقتصادية والسياسية، وتزداد تعقيدًا في ظل تفجُّر ملف المهاجرين الأفارقة وسط هذا السياق الصعب، وقد تزايدت حدة هذه الأزمة مع تفاقم التوتّرات الداخلية والضغوط الدولية، وفي ظل ارتفاع الأسعار والتضخم، وتدهور مستوى المعيشة، يشهد الداخل التونسي حالةً من القلق والتوتر، وسط مخاوف من إفلاس الدولة، وفي هذا السياق، يأتي تحدي المهاجرين الأفارقة غير النظاميين؛ ليُضاف إلى قائمة المشكلات التي تواجه البلاد، ومع تزايد حجم المهاجرين في تونس، والذين بلغت أعدادهم نحو 21 ألف مهاجر، تصاعدت التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجههم، وسط تزايد الاهتمام الدولي والانتقادات المستمرة من دول الاتحاد الأوروبي والجماعات الحقوقية للتعامل الداخلي مع الأزمة.
في هذا المقال، سنلقي الضوء على أزمة المهاجرين الأفارقة في تونس، نستعرض التحديات الداخلية التي تواجه البلاد وتأثيرها على الأزمة، بالإضافة إلى التطورات الدولية والضغوط التي تتعرض لها الحكومة التونسية من جانب الاتحاد الأوروبي، كما سنستكشف أيضًا عدة سيناريوهات محتملة لتسوية هذه الأزمة الشائكة، مع التركيز على حماية حقوق المهاجرين واللاجئين، وضمان استقرار المجتمع والأمن في تونس.
أبرز محددات الأزمة:
تزداد حدة أزمة المهاجرين الأفارقة في تونس مع مرور الوقت، بجانب تفاقُم التوتّرات والتحديات الداخلية التي تواجه البلاد؛ إذ تُعدُّ مدينة صفاقس مركزًا رئيسيًّا لتجمُّع المهاجرين الأفارقة غير النظاميين القادمين من جنوب الصحراء، ويستخدمونها كنقطة عبور في رحلتهم للهجرة إلى أوروبا، وقد اشتعلت نيران الأزمة، في 3 يوليو الجاري، بعد حادث مأساوي، تم فيه قتل مواطن تونسي على يد مهاجرين أفارقة، هذا العمل العنيف أثار غضب الجماهير؛ ما أدى إلى تصاعد الضغوط على السلطات للتصدي للمشكلة، في ظل مطالب دولية للسلطات التونسية بوضع حدٍّ لعمليات الطرد الجماعي لطالبي اللجوء الأفارقة إلى منطقة صحراوية نائية، قرب الحدود مع ليبيا؛ ما أشعل النقاش حول سياسات الهجرة وأثرها على اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين، وكانت السلطات التونسية قد بدأت عملية ترحيل واسعة المدى للمهاجرين الأفارقة، من مدينة صفاقس إلى الحدود التونسية الليبية، في 10 يوليو الجاري؛ حيث تمَّ تنظيم 4 قوافل يوميًّا لنقل ما يقرب من 1200 مهاجر غير نظامي، بالتنسيق بين إقليم صفاقس إلى الأقاليم الحدودية برًّا، بالتنسيق مع “ليبيا، والجزائر”، إلا أنه بالرغم من تلك الجهود، أكدت تقارير ومراقبون أن الوضع الإنساني للمهاجرين عند الحدود مع ليبيا مزرٍ، ويشهد نقصًا حادًّا في الموارد والدعم، وقد زاد هذا المشهد المأساوي من تصاعد الاهتمام الدولي، وزادت المخاوف بشأن حقوق الإنسان ومعاناة اللاجئين، والجدير بالذكر، أن عدد المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء في تونس، قد وصل إلى 21 ألف مهاجر، ويصل عدد من يمتلكون إقامة قانونية في تونس 7 آلاف، وتصل أعداد طالبي اللجوء السياسي 6 آلاف، أما عدد المهاجرين الغير نظاميين؛ فتبلغ أعدادهم 7 آلاف فرد، وفقًا للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومنذ بداية الأزمة حتى الآن، تتصاعد المواجهات والنقاشات حول سياسة التعامل مع المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في تونس؛ ما يجعل الوضع غير مستقر، ويُعزِّز الحاجة إلى تدخُّل حكومي فعَّال ومستدام لمعالجة هذه المشكلة الشائكة.
أسباب تزايد أعداد المهاجرين لتونس:
وفقًا لتقرير هيومان رايتس ووتش، فإن جنسيات المهاجرين الأفارقة بمدينة صفاقش ترجع لدول “ساحل العاج، والكاميرون، ومالي، وغينيا، وتشاد، والسودان، والسنغال”، أما عن أسباب تزايد أعداد المهاجرين، فيمكن تلخيصها كالآتي:
- البحث عن فرص اقتصادية: الفقر والبطالة في دول جنوب الصحراء؛ يدفع العديد من الأشخاص إلى الهجرة غير الشرعية؛ بحثًا عن فرص عمل أفضل في الدول المجاورة أو في أوروبا، فضلًا عن الفجوة الاقتصادية بين الدول النامية والدول الغنية، تعتبر محركًا رئيسيًّا للهجرة، خاصة إن كانت محاولات الهجرة رامية إلى ما هو أبعد من تونس، إلى أوروبا.
- الحروب والصراعات: النزاعات المسلحة والحروب في بعض الدول، مثل “السودان، والصومال، وإريتريا”، وغيرها من الدول الأفريقية، وما خلَّفته من تهجير الكثير من الأشخاص، الذين يحاولون البحث عن مناطق آمنة في الدول المجاورة أو في أوروبا.
- الاضطهاد وحقوق الإنسان: في بعض الأحيان، يتم التنكيل بالأفراد؛ بناءً على انتماءاتهم “الدينية، أو العرقية، أو الجنسية”، أو يتعرضون لاضطهاد سياسي في بلدانهم الأصلية، وفي هذه الحالات يمكن أن يكون الهروب الوحيد من هذه الظروف هو الهجرة غير الشرعية.
- التغيرات المناخية والجفاف: التغيُّر المناخي يؤدي إلى الجفاف وتدهور الأمن الغذائي في بعض الدول الأفريقية، والذي يعتبر أيضًا محركًا للهجرة.
- شبكات الهجرة غير الشرعية: توجد شبكات متخصصة في تهريب الأشخاص عبر الحدود بطرق غير شرعية، هذه الشبكات تستغل الرغبات اليائسة للأشخاص الذين يرغبون في الهجرة والبحث عن حياة أفضل.
أما عن مواقف الدول الطاردة من أزمة اللاجئين؛ فهناك تباين بين الاستجابة وطرح الحلول من جهة، والتجاهل من جهة أخرى، فعلي سبيل المثال؛ أعلنت سفارة ساحل العاج بتونس، إيواءها لـ 55 مواطنًا، فضلًا عن إجلاء 500 مواطن في مارس الماضي، وعلى النقيض من ذلك؛ فقد تجاهلت السلطات المتنازعة في السودان قضية اللاجئين، عازمين استكمال المناورات والمعارك، والجدير بالذكر، أن عدد لاجئي حرب السودان قد كسر حاجز ٣ ملايين لاجئ.
أزمة اقتصادية طاحنة وضغط أوروبي:
تفجرت قضية المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في تونس، في خضم انعكاسات سلبية للبلاد على مستوى الاقتصاد والسياسة والمجتمع؛ ما يزيد من معاناة التونسيين مع ارتفاع الأسعار والتضخم وتدهور مستوى المعيشة، وتتسبب الأزمة في مخاوف من إفلاس الدولة التونسية، وفي ظل رهن المساعدة الدولية من صندوق النقد والبنك الدولييْن تنفيذ إصلاحات مستدامة؛ قد تؤدي إلى تدهور اجتماعي، تزداد فيه أزمة المهاجرين الأفارقة صعوبة وتعقيدًا، وتنعكس تأثيراتها سلبًا على حياة التونسيين، وعلى المستوى الدولي، تلقت تونس انتقادات متواصلة من دول الاتحاد الأوروبي؛ بسبب تعاطيها مع المشكلة، في ظل مخاوف أوروبية من إطلاق تونس الممر للاجئين لعبور الحدود الأوروبية؛ ما خلَّف سجالات مستمرة بين الاتحاد الأوروبي والرئيس التونسي، قيس سعيد، بشأن القضية، فضلًا عن تنديد المؤسسات الحقوقية الكبرى بتعاطي الحكومة التونسية مع الأزمة، كما تثير الأزمة تساؤلات عن تداعيات الاتفاق المزمع مع الاتحاد الأوروبي على السياسة والاقتصاد، ففي ظل تواصل الرفض الرسمي من جانب الرئيس التونسي، أن تكون تونس حارسًا لحدود الدول الأخرى، والتي تبعها زيارة مسؤولي الاتحاد الأوروبي لتونس، الزيارة التي عرضت فيها رئيسة المفوضية الأوروبية، تقديم نحو 900 مليون يورو؛ لدعم الاقتصاد التونسي، فضلًا عن 150 مليون يورو، تقدم بشكل فوري لدعم الميزانية، في حال تم التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يعقد الاتفاق الدبلوماسي المرتقب بين “تونس، والاتحاد الأوروبي”، مع تحسن أو تراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مع بقاء ملف المهاجرين الأفارقة مشكلة طاحنة، قد تؤثر في الاستقرار والأمان في البلاد؛ لذا فإن تحقيق التوازن بين حقوق المهاجرين واحتياجات المجتمع التونسي سيكون تحديًا كبيرًا يجب التعامل معه بحكمة وتفهم.
سيناريوهات محتملة لتسوية أزمة اللاجئين:
التعاون الإقليمي والدولي:
يعتمد تحقق هذا الأمر على مرونة النظام التونسي بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة، والتنسيق المتبادل فيما يتعلق بجهود مكافحة الاتجار بالبشر وشبكات تهريب المهاجرين بين الدول، وتوفير دعم اقتصادي لتونس؛ لمواجهة أزمتها الاقتصادية الحالية، يتضمن السيناريو أيضًا، تحسين ظروف الاستقبال والإقامة للمهاجرين واللاجئين، وتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية لتحسين معيشتهم، وفقًا لما ستسمح به تونس من تدخل دولي لتوفير المساعدات الإنسانية لمناطق تمركز اللاجئين.
الحل الداخلي:
يتركز هذا السيناريو على التدخل الحكومي الداخلي للتعامل مع أزمة المهاجرين الأفارقة، ويشمل ذلك اتخاذ سياسات أمنية واقتصادية للتصدي للاتجار بالبشر، ومنع تدفق المهاجرين غير النظاميين، وتشمل هذه السياسات أيضًا تقديم الدعم والمساعدة اللازمة للمناطق التي تعاني من تجمع المهاجرين، مثل صفاقس، وتحسين البنية التحتية، وتوفير فرص عمل؛ للتخفيف من الضغوط الاقتصادية، مع تقنين أوضاع اللاجئين الغير نظاميين.
الحل الشامل والمستدام:
يعتمد هذا السيناريو على تبنِّي حلٍّ شاملٍ ومستدامٍ لأزمة المهاجرين في تونس، بما يتضمن تنسيق الجهود بين “الحكومة التونسية، والاتحاد الأوروبي، والدول المجاورة”؛ للتعامل بشكلٍ شاملٍ مع القضية، يشمل الحل التركيز على مكافحة أسباب الهجرة غير الشرعية، مثل “الفقر، والبطالة، والصراعات في دول جنوب الصحراء، وتوفير فرص العمل، والتعليم للشباب في تونس والدول المجاورة”، مع مراعاة الحقوق الأساسية لهؤلاء المهاجرين.