المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > أمريكا تصنع السلام في القوقاز: وساطة ناجحة بين أرمينيا وأذربيجان تنهى عقوداً من النزاع
أمريكا تصنع السلام في القوقاز: وساطة ناجحة بين أرمينيا وأذربيجان تنهى عقوداً من النزاع
- أغسطس 11, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في تحوّلٍ لافتٍ لمسار النزاع المُزمن بين أرمينيا وأذربيجان، شهدت الساحة الدولية توقيع اتفاق سلامٍ برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوةٍ تعكسّ سعي واشنطن لإعادة تثبيت حضورها في ملفات القوقاز وتعزيز نفوذها في التوازنات الإقليمية. ويأتي هذا الاتفاقُ بعد عقودٍ من الصراع المحتدم حول إقليم ناغورنو كاراباخ، ورغم تعدد المبادرات السابقة إلا أن الرعايةَ الأمريكيةَ تمنحهُ طابعاً جيوسياسياً يتجاوز الإطار الثنائي ليَطالَ مصالحَ قوى إقليميةٍ ودوليةٍ بارزةٍ مثل روسيا وتركيا وإيران. وبينما يحمل الاتفاق وعوداً بإنهاءِ القتال وفتْحِ صفحةٍ جديدةٍ بين البلدين، تظلُ التساؤلاتُ مطروحةً بشأن قدرته على معالجة جذور الأزمة التاريخية وضمان استدامة السلام. ومن هنا يبرز السؤال الرئيسي: إلى أي مدى يمكن لاتفاق السلام الموقّع بين أرمينيا وأذربيجان برعاية الرئيس ترامب أن يحققَ تسويةً دائمةً للنزاع في ظل التحديات الإقليمية والدولية المحيطة بالقوقاز؟
أولًا: السياق التاريخي للنزاع الأرميني – الأذربيجاني على إقليم ناغورنو كاراباخ
شهدت العلاقاتُ الأرمينية – الأذربيجانية توتراتٍ وصراعاتٍ ممتدةً لعقودٍ، تتمحور بالأساس حول إقليم ناغورنو كاراباخ، المنطقة الأذربيجانية التي تقطنها أغلبية سكانية أرمنية وتُعرف بـ “آرتساخ”. وتعود جذور النزاع إلى الحقبة السوفيتية، حيث أُلحق الإقليم بجمهورية أذربيجان السوفيتية عام 1923 رغم المطالبات الأرمنية بضمّهِ إلى أرمينيا. ومع انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات، اندلعتْ حربٌ شاملةٌ بين باكو ويريفان (1992-1994) انتهت بسيطرة القوات الأرمينية على الإقليم وأجزاء من الأراضي الأذربيجانية المحيطة به.[1]
ورغم توقيعِ اتفاقٍ لوقْف إطلاق النار عام 1994 برعاية مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ظلَّ النزاع مجمّداً لكنه قابلٌ للاشتعال في أي لحظةٍ، وهو ما تجلّى في مواجهاتٍ مسلحةٍ متقطعةٍ كان أبرزها حرب 2020 التي أسفرت عن استعادة أذربيجان أجزاء واسعة من الإقليم بدعم عسكري من تركيا. وفي سبتمبر 2023 شنت باكو عملية عسكرية في إقليم ناغورنو كاراباخ، خلّفت مقتل ما لا يقل عن 200 شخصٍ وإصابة مئات آخرين، إضافةً إلى تهجير أكثر من 100 ألف أرميني، مما أضر بعلاقة يريفان بموسكو التي فشلت قواتها في حمايتهم.
وعلى الرغم من أن الجانبين أبديا رغبتهما سابقاً بالتوقيع على معاهدةٍ لإنهاء النزاع إلا أن خطواتٌ التقدم باتجاه التوصّل إلى اتفاقِ سلامٍ كانت بطيئةً نوعاً ما. وفي عام 2024 بدأت أرمينيا إعادة بعض الأراضي المتنازع عليها إلى أذربيجان، بما في ذلك عدة قرى غير مأهولة على طول الحدود المشتركة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في أرمينيا وأشعلَ احتجاجاتٍ في شوارع العاصمة يريفان. وظلت الخلافات حول الوضع النهائي لمنطقة ناغورنو كاراباخ وحقوق سكانه تمثّل محورَ التوترِ الأساسيِ بين البلدين حتى اللحظة.[2]
ثانيًا: اتفاق السلام الشامل بين أرمينيا وأذربيجان
استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 8 أغسطس 2025، قمةَ سلامٍ في البيت الأبيض جمعت بين الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” ورئيس الوزراء الأرميني “نيكول باشينيان”، في خطوةٍ تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الدولتين المجاورتين بعد صراعٍ دمويٍ استمر أربعةَ عقودٍ، وتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة الاستراتيجية. وخلال اللقاء وقّع الطرفان اتفاقيةَ سلامٍ تحت رعايةٍ أمريكيةٍ مباشرةٍ بشأن التسوية السلمية للنزاع بين يريفان وباكو، ونصَّ الاتفاقُ على وقف جميع العمليات القتالية بشكل دائم، واحترام سيادة كل منهما وسلامة أراضيهما، وإقامةِ علاقاتٍ تجاريةٍ ودبلوماسيةٍ.
وبموجب الاتفاق الجديد، ستحصلُ واشنطن أيضاً على حقوقِ تطويرِ حصريةٍ في ممر “زنغزور” الاستراتيجي عبر جنوب القوقاز، الذي يمر عبر أرمينيا ويربط أذربيجان بجيب ناخيتشيفان التابع لها غربا، ويُطلقُ عليه اسمُ “طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين”، فضلاً عن منح الجيش الأمريكي دوراً في حفظ السلام بالمنطقة، الأمرُ الذي يُعد بمثابةِ ضربةٍ قويةٍ لروسيا وإيران وتركيا، نظراً لمصالحهم الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
وإضافةً لاتفاق السلام، وقّعَ وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان بياناً مشتركاً في 9 أغسطس 2025، ينص على مطالبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بحل “مجموعة مينسك” التي فشلت في حل نزاع ناغورنو كاراباخ منذ 1994.[3]
ومن جانبه، أكد الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة نجحت أخيراً في تحقيق السلام بين أرمينيا وأذربيجان، معرباً عن تفاؤله بمستقبلٍ مستقرٍ ومزدهرٍ للمنطقة. كما تعهد ترامب برفْعِ العقوبات عن أذربيجان في مجال الدفاع، مشيراً إلى أن هذا القرارَ يحملُ أهميةً كبيرةً بالنسبة لباكو. وبدورهما، أعرب الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” ورئيس الوزراء الأرميني “نيكول باشينيان” عن التزامهما بتطبيق الاتفاق، وسط ترقّبٍ لعقْدِ المزيد من اللقاءات لتعزيز التعاون بين الطرفين.
وعلى الجانب الآخر، أثارَ نجاحُ ترامب بتوقيع هذا الاتفاق دعواتٍ واسعةً في صفوف مؤيديه لمنحه جائزة نوبل للسلام، إذ أكدت المتحدثة باسمه “كارولاين ليفيت” أنه “حان الوقت لدونالد ترامب ليحصل على جائزة نوبل للسلام”، مستشهدة بوساطاته السابقة بين دول عدة، رغم تعثّر جهوده في إنهاء حروبٍ أخرى مثل أوكرانيا وغزة. كما اتفق الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ورئيس الوزراء نيكول باشينيان، على توجيهِ نداءٍ مشتركٍ إلى لجنة نوبل لمنٍحِ الرئيس ترامب جائزةَ نوبل للسلام، ومؤخراً أعلنت إسرائيل وباكستان وكمبوديا أنها ترشح ترامب لنيل هذه الجائزة.[4]
ثالثًا: ردود الفعل الدولية حول اتفاق السلام
شهدَ اتفاق السلام الموقّع بين أرمينيا وأذربيجان برعاية الرئيس ترامب موجةً واسعةً من الترحيب الدولي، باعتبارهِ خطوةً هامةً نحو إنهاء عقودٍ من النزاع المسلح في إقليم ناغورنو كاراباخ، وفتح آفاقٍ جديدة للاستقرار الإقليمي. وفيما يلي أبرز ردود الفعل الإقليمية والدولية حول الاتفاق:
مصر: رحّبت جمهورية مصر العربية بالإعلان عن التوصل إلى اتفاقِ سلامٍ بين باكو ويريفان، معربةً عن تطلعها لأن يُسهمَ الاتفاق في فتْحِ آفاقٍ جديدةٍ للتعاون البنّاء بين البلدين، وترسيخ دعائم السلام والأمن والاستقرار في منطقة القوقاز، بما يحققُ مصالح شعبي أرمينيا وأذربيجان والإقليم بأسره، ويعزز من فرص التنمية والازدهار الإقليمي. كما تُثّمنُ مصر جهود الوساطة التي اضطلعت بها الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب في تيسير هذا الاتفاق، وتُعربّ عن تطلعها إلى أن تمتدَ الجهود الدبلوماسية الأمريكية البناءة في الوساطة إلى منطقة الشرق الأوسط على نحوٍ يُسهمُ في إقرار السلام والاستقرار في المنطقة.[5]
السعودية: أعربت الخارجية السعودية عن ترحيبها بالإعلان عن التوصّل إلى اتفاقِ سلامٍ بين أرمينيا وأذربيجان، في خطوةٍ وصفتها بأنها “تدشّنُ مرحلةً جديدةً من التفاهم والتعاون وترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة القوقاز”. كما أشادت المملكة بالدور الذي اضطلعت به واشنطن في رعاية هذا الاتفاق، مؤكدةً دعمَها لكل ما من شأنه أن يُسهمَ في إنهاء النزاعات وتعزيز فرص السلام والتنمية في المناطق المتوترة حول العالم.[6]
سلطنة عمان: رحّبتْ سلطنة عُمان باتفاق السلام المبرم بين باكو ويريفان، مشيدةً بالدور المحوري الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الأطراف في هذا السياق. وأعربت عن أملها في أن تُلهمَ هذه الخطوة تحقيق إنجازات مماثلة لحلِّ القضايا المختلفة، ومن أهمِها القضيةُ الفلسطينيةُ في الشرق الأوسط، عبر الحوار والوسائل السلمية، مع الاعتماد على منطق العدالة والحق الذي يُسهمُ في تعزيز الاستقرار والازدهار لسائر الدول والشعوب وجميع المناطق المتأثرة بالصراعات في العالم.
تركيا: أشادت تركيا بالتقدم المُحرز نحو إحلالِ سلامٍ دائمٍ بين أذربيجان وأرمينيا، معتبرة أن هذه الخطوة تمثّل فرصةً تاريخيةً لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة جنوب القوقاز، ومقدرة دور الإدارة الأمريكية في دعم هذا المسار.
إيران: رحبت وزارة الخارجية الإيرانية باتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان، لكنها حذرت من أي تدخلٍ أجنبيٍ في ظل حقوق التطوير الممنوحة للولايات المتحدة بالقرب من حدود الجمهورية الإسلامية، وشددت على أن أي تدخلٍ في هذا السياق من شأنه أن يزعزعَ الأمنَ والاستقرارَ في المنطقة.[7]
باكستان: رحّب رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، باتفاق السلام التاريخي الموقع بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا، مؤكداً أنه يمثّلُ عهداً جديداً للسلام والاستقرار والتعاون في جنوب القوقاز التي عانت عقوداً من الصراع والمعاناة الإنسانية، ومقدراً أيضاً الدور الأمريكي في تسهيل التقارب بين الجانبين والتوصل إلى اتفاق يفتحُ آفاقاً جديدةً للتجارة والتواصل والتكامل الإقليمي.
روسيا: أشادت موسكو باتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين أذربيجان وأرمينيا، لكنها حذرتْ من أن التدخلَ الخارجي قد يؤدي إلى تعقيد الوضع في جنوب القوقاز. وأكدت الخارجية الروسية على دعم موسكو لكافة الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، بما في ذلك الاجتماع الذي عقدته واشنطن، على الرغم من التصريحات السابقة الصادرة من أذربيجان وأرمينيا التي تؤيد إجراء محادثاتٍ مباشرةٍ دون وسطاء. مضيفةً أنها تأملُ في تجنّبِ “التجربة المؤسفة” التي قادها الغرب لحل الصراعات في الشرق الأوسط.[8]
اليابان: أعربتْ وزارة الخارجية اليابانية عن خالص تقديرها لجهود الوساطة الأمريكية حول توقيعِ اتفاقِ سلامٍ شاملٍ بين باكو ويريفان، راغبةً في أن يُسهمَ هذا الاتفاق في التوصل إلى سلامٍ دائمٍ وحلٍّ نهائيٍ للنزاع بين الجانبين، بما يحقق الاستقرار والازدهار لمنطقة القوقاز.
الاتحاد الأوروبي: رحّب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان، معتبراً إياه بمثابة اختراقٍ مهمٍ لإنهاء عقودٍ من الصراع، مشيداً بالطرفين وبالإدارة الأمريكية على هذا التقدم، وداعياً إلى التنفيذ السريع للخطواتِ المُتفقِ عليها، ومبدياً استعدادَه لمواصلة دعم عملية التطبيع وتقديم الخبرة اللازمة لتنفيذ الخطوات العملية التالية بالتعاون مع الشركاء الدوليين. كما أكدت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية “كايا كالاس” أن هذه الخطوة تمثّلُ مرحلةً حاسمةً نحو التطبيع الكامل للعلاقات، استناداً إلى الاعتراف المتبادل بالسيادة وسلامة الأراضي.[9]