المقالات
أية آفاق للوضع في مالي بالنسبة لطرفي الأزمة بعد سقوط مدينة كيدال؟
- مارس 25, 2024
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
بقلم السفير: محمد الصوفي
أطلقت حركة محلية تسمي نفسها “ماليون لا أكثر” نداء إلى السلطات من العمل فورا من وضع البلاد على طريق الحوار من اجل تحقيق المصالحة الوطنية بعد بسط الدولة لسلطتها على مدينة كيدال.
فكما هو معروف اتخذ الجيش المالي، بدعم كبير من مرتزقة مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، مواقعه يوم الثلاثاء 14 نوفمبر في بلدة كيدال، معقل الجماعات المتمردة الذي لم تطأه أقدام ممثلي السلطة المركزية منذ 11 عاما. ففي نهاية صبيحة ذلك اليوم غادر آخر المتمردين المدينة وبذلك يتحقق انتصار السلطات.
وعن طبيعة ما جرى على المستوى العسكري، كانت القوة الجوية – الطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة – هي التي أحدثت الفارق الامر مكَّن الجيش المالي من دخول المدينة دون قتال بعد عدة أيام من القصف المكثف، اضطرت قوات بسببه قوات الانفصاليين إلى التخلي عن مواقعها ومعقلها مع مواصلة القتال فلم يلقِ المتمردون أسلحتهم ويعدون بمرحلة جديدة من نضالهم.
ويشكل الاستيلاء على كيدال من قبل الجيش المالي ووكلائه الروس تحت قيادة فاغنر نجاحا لا يمكن إنكاره للسلطات الانتقالية المالية، الأمر الذي يثير سؤالا فوريا: ماذا بعد الآن؟ و بأية آفاق؟
فالآن و بعد أن سيطر الجيش المالي على كيدال، فسوف يكون لزاماً عليه أن على يحافظ عليها في مرحلة جديدة من حرب العصابات والهجمات المباغتة في بيئة معادية بشكل عام.
يُعتبَر ذلك رهانا صعبا خاصة وأن الموارد التي تم تخصيصها خلال الشهر ونصف الشهر الماضيين للسيطرة على كيدال هائلة: فبالإضافة إلى الموارد الجوية، غادرت مدينة غاوة أكثر من مائة مركبة محملة بالرجال والأسلحة في بداية شهر أكتوبر. ويعني الحفاظ على هذا المستوى من التعبئة أيضًا المخاطرة بتقليص الوجود العسكري في بقية الأراضي، وخاصة في الوسط، حيث لم يضعف التهديد الجهادي.
يحمل النجاح العسكري الذي حققته باماكو قيمة رمزية: فكيدال هي مهد كل حركات التمرد من أجل الاستقلال التي ميزت تاريخ مالي لعقود من الزمن. إذا كان انتصار الجيش مصدرًا كبيرًا للرضا بالنسبة للعديد من الماليين، فإنه يضع حدًا لثماني سنوات من المحاولات الشاقة لتنفيذ اتفاق السلام لعام 2015، ويخاطر بإيقاظ مطلب انفصالي كان من المفترض أن يضع له هذا الاتفاق حلاً نهائيًا.
والسؤال المطروح الآن ،في غمرة احتفاء السلطات و الشارع الشعبي بهذا الانتصار،هو عن العرض السياسي الذي يلزم باماكو تقديمه لتحقيق السلام الدائم في البلاد.
لقد تلقَت السلطات الانتقالية والقوات المسلحة التهاني من اغلب مكونات الطيف السياسي الذي طالب بالاستمرار ولكنه اشفع ذلك بضرورة العمل على تحقيق الاستقرار في البلاد فبدون ذلك ،حسب احد المتحدِّثين، لن نجح في وضع بلدنا على طريق الرخاء والتضامن والخروج من الأزمة المزمنة
ماذا عن المتمردين الأزواديين بعد مغادرتهم كيدال؟
من هم بالتحديد المتمردون الذين غادروا كيدال بعد هزيمتهم أمام الجيش المالي؟ وأين ذهبوا؟ وماذا بإمكانهم أن يفعلوا من الآن فصاعدا؟ تلك أسئلة يطرحها مختلف المراقبين والمتابعين للوضع في شمال مالي بعد تطورات الأسبوع الماضي فقد غادر المتمردون المجتمعون في ما يُعرف بالإطار الاستراتيجي الدائم من أجل السلام والأمن والتنمية، مدينة كيدال يوم 14 نوفمبر الحالي أمام زحف قوات الجيش المالي الرسمي مدعومة برجال مجموعة فاغنر الروسية.
يضم التحالف المعروف بالإطار الاستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية مكونتين أساسيتين هما اللتان حاولتا الوقوف في وجه الجيش المالي وأعوانه في مدينة كيدال. ويتعلق الأمر بمقاتلي الحركة الوطنية من أجل تحرير أزواد والمجلس الأعلى من أجل وحدة أزواد.
وبعد انسحاب هاتين المكونتين من كيدال في تحرك وصفوه بأنه انسحاب استراتيجي، توغلوا مباشرة في المناطق الشمالية فبعضهم وصل بالفعل لجبال اقرقار وهي سلسلة جبلية تقع بين كيدال وتساليت يبلغ ارتفاعها 700 م وهي منطقة معروفة لديهم لأنهم قد اختبأوا فيها ومارسوا انطلاقا منها نشاطهم في الماضي فهم يعرفون تضاريس المنطقة وخفاياها بشكل جيد وبالتالي يمكن أن يتخذوا منها معقلا أو ملجأ لفترة معينة.
لكن هنالك جناح آخر من المتمردين غادر مدينة كيدال دون أن يشارك في القتال متوعِّدا بمعارك في وقت آخر ويؤكد هؤلاء أنهم الآن في حالة إعادة تنظيم ورص للصفوف.
ولم يكن المقاتلون المتمردون هم وحدهم الذين غادروا كيدال أمام زحف الجيش المالي ورجال مجموعة فاغنر فقد فرَّ عشرات الآلاف من السكان المدنيين يقدر عددهم بنحو 50 ألف شخص نزحوا من مدينة كيدال وغيرها من مدن المنطقة مثل آنافيس وأكيلوك وتساليت وبلدات صغيرة أخرى وأغلبهم توجه إلى الحدود مع الجزائر ولكن أيضا إلى الحدود مع موريتانيا حسب المعلومات التي أوردتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وردًّا على نداء العودة الذي أطلقته السلطات المالية بعد السيطرة على مدينة كيدال ويقول ممثلو النازحين إن هؤلاء لا يريدون العودة لانعدام الأمن وأن الجيش المالي سيبطش بهم كما فعل في مرات سابقة في إشارة إلى سوء معاملة تعرض له السكان المدنيون منذ عدة عقود على يد الجيش المالي عند وصوله إلى بلدات كان المتمردون قد غادروها.
وقد طلبت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من السلطات الجزائرية السماح بالوصول إلى النازحين من أجل تقديم المساعدات الضرورية للأشخاص الذين يحتاجون لذلك بأعداد كبيرة في الظرف الحالي.
بعد استيلاء الجيش المالي وأعوانه من مجموعة فاغنر الروسية على مدينة كيدال ها هم المتمردون المنضوون في الإطار الاستراتيجي لحركات أزواد يعلنون بدورهم مواصلة النضال فقد قال المتحدث باسم الإطار الاستراتيجي لحركات أزواد إنهم لن يكتفوا فقط بمواصلة القتال بل سيُوسِّعون نطاقه فبالنسبة لهم دخلت الحرب مرحلة جديدة ستؤدي إلى توسيع نطاق المواجهات خارج كيدال بدلا من الأسلوب السابق منذ استئناف المواجهات مع الجيش المالي وأعوانه من مجموعة فاغنر قبل شهرين حيث كان المتمردون في الإطار الاستراتيجي لحركات أزواد يحصرون دفاعاتهم للمحافظة على المدن التي كانوا يسيطرون عليها في السابق وبقيت تحت أيديهم بعد توقيع اتفاق الجزائر سنة 2015 ولكن بعد مغادرتهم لكيدال مقرهم الرئيسي تحت ضغط القصف المكثف وهجوم الجيش المالي وأعوانه من مجموعة فاغنر وانسحابهم من هذه المدينة قرروا إذن توسيع القتال.
يقول أحد الكوادر السياسيين في الإطار الاستراتيجي لحركات أزواد وهو مكلف بالشؤون الدبلوماسية إن قواتهم انسحبت ولكنها لم تدمر ولم يلحق بها أي ضرر بالغ وإنهم يتوفرون على الأسلحة ونضالهم العسكري سيستمر ويتوسع من أجل تحرير كافة إقليم أزواد بولايتاه الخمس كيدال وتمبكتو وكاوه ومناكا وتاودنِّي حسب تعبيره الأمر الذي يعني دخول هذا الصراع مرحلة جديدة.
لكن المراقبين يتساءلون عن ما بإمكانهم أن يفعلوه في وجه قوة النار لدى الجيش المالي وأعوانه من المرتزقة الروس والمرجح لدى الخبراء هو أن يعتمدوا حرب العصابات والكر والفر من أجل تحريك الأرض تحت الجيش المالي وأعوانه بعد وصولهم إلى مدينة كيدال وغيرها من المواقع في شمال مالي. مع أن إمكانية أن ينظموا هجوما واسع النطاق ضد قوات الجيش وأعوانه أمر مطروح لكنه يتطلب تنسيقا وتحالفا مع الحركات الأخرى.
يبدو من الاستعراض السابق للآفاق و الأسئلة التي تطرحها بالنسبة لطرفي الصراع في الأزمة المالية أن تقديم الجديد لتعريك الوضع الراهن،كلٌّ في اتجاه مصالحه،هو الرهان الحقيقي في التطورات المستقبلية للازمة.