أيمن سلامة: تغيير موقف فرنسا بشأن ملاحقة نتنياهو مخالفة مبدأ أستوبل

إن تغيير فرنسا لموقفها فيما يتعلق بحصانة القادة والرؤساء، ودفعها بأن بعضهم يتمتع بحصانة تحول دون ملاحقتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، يمثل تناقضًا واضحًا مع المادة 27 من نظام روما الأساسي للمحكمة. هذه المادة تنص بشكل قاطع على عدم الاعتراف بأي حصانة بناءً على الصفة الرسمية، سواء كان الشخص رئيسًا أو مسؤولًا حكوميًا رفيعًا. هذا التغيير، الذي يتعارض مع المبادئ التي تأسست عليها المحكمة، يثير تساؤلات جدية حول التزام فرنسا بدعم العدالة الدولية ومبادئ القانون الدولي.

الموقف الفرنسي المتردد خلال إعداد نظام روما الأساسي عام 1998

منذ المراحل التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، أظهرت فرنسا ترددًا ملحوظًا فيما يتعلق بالتزاماتها بموجب النظام الأساسي. أثناء مفاوضات عام 1998، حاولت فرنسا، إلى جانب دول أخرى، التخفيف من حدة بعض الالتزامات، لا سيما فيما يتعلق بمبدأ عدم الحصانة. هذا التردد يعكس رؤية براغماتية تهدف إلى حماية مصالحها الوطنية أو حلفائها، وهو أمر يتناقض مع الهدف الأساس للمحكمة، المتمثل في مكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة عن الجرائم الدولية الخطيرة.

مخالفة مبدأ أستوبل

مبدأ أستوبل في القانون الدولي يمنع الدول من التراجع عن مواقف قانونية سبق أن تبنتها وأدت إلى إنشاء توقعات مشروعة لدى الأطراف الأخرى. فرنسا، بصفتها دولة طرفًا في نظام روما الأساسي، تبنت الالتزام بمبدأ عدم الحصانة المنصوص عليه في المادة 27. أي تراجع عن هذا الموقف لا يُعد فقط مخالفة للمبادئ التي ألزمت نفسها بها، بل يشكل تناقضًا صارخًا مع التوقعات الدولية بأن تكون فرنسا مناصرة للعدالة الدولية.

تراجع فرنسا عن موقفها يعكس نهجًا مكيافيليًا نفعيًا يُغلب المصالح السياسية على حساب المبادئ. هذا النهج يساهم في تقويض النظام القانوني الدولي ويشجع على الإفلات من العقاب، خاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم جسيمة ترتكب بحق شعوب محرومة من وسائل الحماية.

خصوصية الوضع الفلسطيني

في السياق الفلسطيني، يمثل هذا التغيير الفرنسي إهانة للعدالة الدولية، بالنظر إلى خصوصية معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال والحصار منذ عام 1967. جرائم الاحتلال الإسرائيلي، التي تشمل الاستيطان، الحصار، والاعتداءات المستمرة على المدنيين، تعد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. هذه الجرائم تستدعي المحاسبة، وليس التراخي أو تبرير الحصانة للقادة الذين قد يكونون مسؤولين عن ارتكابها.

تعزيز الإفلات من العقاب

إن الدفع بأن بعض القادة يتمتعون بحصانة يعزز الإفلات من العقاب، خاصة في الحالات التي تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. هذا التغير في الموقف الفرنسي يمنح الغطاء السياسي لبعض القادة المتهمين بارتكاب جرائم دولية، ويضعف دور المحكمة الجنائية الدولية كآلية دولية لتحقيق العدالة.

التأثير على الضحايا الفلسطينيين

بالنظر إلى خصوصية الحالة الفلسطينية، فإن التراجع الفرنسي لا يعني فقط دعمًا للإفلات من العقاب، بل يمثل أيضًا تجاهلًا لمعاناة شعب أعزل يتعرض لانتهاكات منهجية. الشعب الفلسطيني، المحاصر والمحتل، يعتمد على العدالة الدولية كوسيلة لتحقيق المحاسبة، وضمان الحد الأدنى من الحماية لحقوقه الأساسية.

خاتمة

تغيير فرنسا لموقفها بشأن الحصانة يعكس ازدواجية في المعايير، ويدعو إلى مراجعة جادة لدورها في دعم العدالة الدولية. مبدأ أستوبل، بصفته ضمانة لالتزام الدول بمواقفها القانونية السابقة، يُعد من المبادئ الأساسية لضمان استقرار النظام الدولي.

إن  مخالفة هذا المبدأ لصالح مصالح سياسية ضيقة تعكس توجهًا مكيافيليًا يُضعف الثقة في العدالة الدولية. وفي السياق الفلسطيني، يمثل هذا التغيير دعمًا للإفلات من العقاب وتجاهلًا لمعاناة ضحايا الجرائم الدولية، وهو أمر لا يخدم العدالة أو السلام، بل يُعزز مناخ الظلم وعدم المحاسبة.