المقالات
أي مستقبل تنتظره ليبيا بعد استقالة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي؟
- أبريل 17, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا “عبد الله باتيلي”، يوم الثلاثاء 16 إبريل، استقالته من منصبه، بعد أكثر من عام ونصف على تعيينه، مع تكليف نائبته “ستيفاني خوري” بمهام البعثة، وتأتي استقالة باتيلي بسبب فشله في إقناع الأطراف الليبية بالدخول في عملية سياسية تنتهي بإجراء انتخابات عامة، وعقب وصول جهوده إلى طريق مسدود.
وندد باتيلي في تصريح للصحافيين عقب تقديم إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، “بغياب الإرادة السياسية وحسن نية الزعماء الليبيين السعداء بالمأزق الحالي”، مردفا أن “الأمر محزن للغاية لأن معظم الشعب الليبي يريد اليوم الخروج من هذه الفوضى”. وقال باتيلي وهو أول إفريقي يتولى هذا المنصب، إن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا “بذلت الكثير من الجهود” خلال رئاسته التي استمرت 18 شهرا “، مشيرا إلى أن “الوضع تدهور في الأشهر الأخيرة”.
وفي المقابل اعتبر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، أن “استمرار الممارسات الخاطئة” من المبعوث الأممي المستقيل عبد الله باتيلي “قوضت جهود المصالحة والحوار بشكل كامل”، معربًا في الوقت نفسه عن ترحيبه بـتكليف نائبته ستيفاني خوري بمهام البعثة الأممية للدعم في ليبيا.
سلسلة من الفشل الأممي في حل الأزمة الليبية
بهذه الخطوة – التي كانت متوقعة- ينضم الدبلوماسي السنغالي عبد الله باتيلي إلى قائمة المبعوثين الأمميين إلى ليبيا الذين استقالوا، بعد سلسلة من المبعوثين السابقين، مثل “غسان سلامة”، و “يان كوبتيش”. ولم يحقق باتيلي -الذي يعد ثامن مبعوث أممي إلى ليبيا – أو من سبقه نتائج أو اختراقات كبيرة خلال ترؤسهم البعثة التي تأسست لتقديم الدعم السياسي للبلد في عام 2011.
فمنذ عام 2011، أُرسلت بعثة للدعم السياسي من قبل الأمم المتحدة، وكان أول مبعوث هو الأردني “عبد الإله الخطيب”، ثم جرى تعيين سلسلة من المبعوثين الآخرين، بينهم الإنجليزي “أيان مارتن”، واللبناني “طارق متري”، والإسباني “برناردينو ليون”، والألماني “مارتن كوبلر”، والذي سلم منصبه للبناني “غسان سلامة”، قبل أن يستقيل ويحل محله السلوفاكي “يان كوبتيش”، الذي استقال بدوره وسلم مهامه للأميركية ستيفاني وليامز، التي شغلت فترة شغور البعثة بصفتها مستشارة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة، قبل أن يُعين باتيلي.
وخلال السنوات الأولى، لم تحقق البعثة أي تقدم يُذكر في مهمتها، لكنها أصبحت لاحقاً قائدة لعملية حوار سياسي في عهد “ليون” نهاية عام 2014، الذي انتهى بتوقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015. ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق لم ينفذ رغم محاولات خلفه” كوبلر” تعديل البنود، وذلك بسبب تصاعد القتال وتدخل مليشيات اللواء خليفة حفتر، واستمرار توتر الوضع السياسي والأمني في البلاد.
هذه العقبات التي واجهها المبعوثون السابقون صعّبت مهمة “سلامة” أيضاً الذي بذل جهوداً انطلقت من اجتماع برلين في يناير 2020، في ثلاث مسارات، سياسية وعسكرية واقتصادية، وشارف خلالها على الاقتراب من عقد المؤتمر الجامع في مدينة غدامس الليبية بين جميع الأطراف الليبية، قبل أن يقوضه محاولة حفتر بالهجوم على طرابلس في إبريل 2019.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد أعلن تعيين عبد الله باتيلي مبعوثاً جديداً للأمم المتحدة في سبتمبر 2022، بعد فترة شغور استمرت تسعة أشهر بعد استقالة “كوبيتش”. وجاء هذا بسبب عدم توافق الدول الأعضاء في مجلس الأمن على مرشح محدد، وقد تولت الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز قيادة المهام خلال تلك الفترة. آنذاك، تمكنت وليامز من تمرير مشروع يهدف إلى توحيد السلطة التنفيذية في ليبيا، وذلك من خلال ملتقى سياسي جمع 75 شخصية ليبية، وقد اختار هذا الملتقى المجلس الرئاسي الحالي بقيادة محمد المنفي وحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
وتشبه الظروف التي أعلن فيها باتيلي عن استقالته ظروف استقالة سلامة وكوبتيش. فجميعهم أعلنوا فشلهم في تجاوز العقبات السياسية المتتالية التي تعترض مسار السلام في ليبيا. ومع ذلك، يبدو الشبه أكبر مع استقالة كوبتيش، حيث تولت الأميركية وليامز مهامه وقادت بصرامة عملية سياسية لمحاولة انهاء الانقسام السياسي الذي نشأ في ظروف مشابهة لظروف الانقسام الحالي.
تدخل أمريكي متزايد
برز النشاط الدبلوماسي الأميركي في المشهد الليبي مجدداً، حيث كان قد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيرش”، في 2 مارس الماضي، قراراً يقضي بتعيين الدبلوماسية الأمريكية “ستيفاني خوري” نائبةً للممثل الخاص للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خلفاً للدبلوماسي السابق الزيمبابوي “ريزيدون زينينغا”، الذي شغل هذا المنصب منذ 16 ديسمبر 2022. وأفاد مراقبون حينذاك بوجود ضغوط أمريكية وراء عملية الإطاحة ب” زينينغا” الذي نقل إلى بعثة الأمم المتحدة في الصومال، ولفتوا إلى أن تعيين “خوري” بمثابة مراوغة أمريكية للتحايل على المجتمع الدولي، لذلك تعقد واشنطن الآمال على “خوري” لتعزيز عملية مراقبة الملف الليبي والتحكم فيما تشهده الدولة الواقعة بشمال أفريقيا.
ويجدر بالذكر أن هذا النشاط الأمريكي في الملف الليبي يأتي متزامنا مع الحديث عن وجود خطة أميركية لتنظيم المجموعات المسلحة في غرب البلاد، وإنشاء حكومة تصريف أعمال موحدة منزوعة الصلاحيات لإنهاء الانقسام السياسي.
ويعكس اختيار “خوري” التي من المتوقع بأن ترأس البعثة الأممية بالإنابة خلال الفترة القادمة، رغبة أمريكية في تمرير العديد من سياساتها في ليبيا، وإفساح المجال من جديد أمام واشنطن كي تتحكم بمجريات الأمور في البلد، ومواجهة النفوذ الروسي الأخذ في التصاعد داخل ليبيا خلال الآونة الأخيرة، خاصة أن موسكو تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في إفريقيا، وتعمل على تعزيز وجودها العسكري داخل الأراضي الليبية التي ستكون بوابتها للتوغل داخل افريقيا عن طريق (الفيلق الروسي).
السيناريوهات المتوقعة بعد باتيلي
لم يستغرب النشطاء السياسيون في ليبيا الاستقالة التي تقدم بها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ولكن التساؤلات المطروحة هي إلى أين ستتجه العملية السياسية في ليبيا.
هذه الاستقالة كانت متوقعة بعد تكليف “ستيفاني خوري ” كنائبة له، حيث كانت كل المؤشرات تدل على هذا الأمر باعتبار أن باتيلي قدم كل ما يملك من أوراق. وكان قد طرح باتيلي فكرة المبادرة الخماسية ولم تتفاعل الأطراف الليبية معها بشكل إيجابي، وبالتالي لم يعد لديه ما يقدم، وهذا بدأ واضحا للأطراف الغربية مما جعلهم يتصارعون لتكليف نائبه له حتى تستلم مهام البعثة بالإنابة، وربما لا يستطيعون تكليف خوري بشكل مباشر لوجود الفيتو الروسي مثلما كان الحال مع الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز.
وفي الختام يمكن القول بأن العملية السياسية سوف تتغير بعد استلام “خوري” التي ستكون رئيسة البعثة بالإنابة، ولكن لا أحد يعي كيف سيكون التغير إيجابيا أم سلبيا، خاصة أن ليبيا تعيش حالة انسداد سياسي غير مسبوقة، وهذه الحالة هي بيئة خصبة لنمو أي تصعيد عسكري لفرض قواعد لعبة على الأرض وتشكيل تحالفات جديدة، ربما المشهد مقبل على العديد من الأحداث ما لم تكن هناك مبادرة سياسية عاجلة وفعالة وسريعة تلوح باللجوء للخيارات البديلة في حال عدم انخراط الأجسام السياسية الحاكمة في حوار سياسي شامل، وإذا لم يحدث هذا الأمر فإن هناك تهديد أكثر من أي وقت مضى في نشوب عمليات عسكرية تحديدا في العاصمة طرابلس.