المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > إستراتيجية واشنطن في القرن الأفريقي: اعترافٌ محتملٌ بأرض الصومال مقابل موطئ قَدَمٍ عسكريٍّ
إستراتيجية واشنطن في القرن الأفريقي: اعترافٌ محتملٌ بأرض الصومال مقابل موطئ قَدَمٍ عسكريٍّ
- مايو 20, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: منة صلاح
باحث في وحدة الشؤون الأفريقية
في ظلِّ التحوُّلات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة القرن الأفريقي، تبرز أرض الصومال كفاعلٍ سياسيٍّ يسعى لإعادة رسم موقعه على خريطة العلاقات الدولية، مع تصاعُد اهتمام النخبة الجمهورية الأمريكية بها ومناقشات حول إمكانية الاعتراف مقابل امتيازات إستراتيجية، وتأتي هذه التطوُّرات في سياقٍ تنافسيٍّ بين القوى الكبرى؛ حيث تسعى واشنطن لتعزيز نفوذها في منطقة حيوية تطلُّ على ممرَّات مائية مهمة، وتجاور النفوذ الصيني في جيبوتي، وفي هذا الإطار، يلوح سيناريو تبادلي يمنح الولايات المتحدة موطئ قدمٍ عسكريٍّ في ميناء بربرة مقابل دعْمٍ دبلوماسيٍّ لأرض الصومال؛ ما قد يشكل نقطة تحوُّلٍ في مساعيها لنيل الاعتراف الدولي.
الجذور التاريخية للعلاقات بين الولايات المتحدة وأرض الصومال
تميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وأرض الصومال بتاريخ من التعاون الإستراتيجي برغم عدم الاعتراف الرسمي، فقد شكلت المصالح المتبادلة في مجالات الأمن والحكم الديمقراطي أرضية لعلاقات وُدِّيَّة بين الجانبين، وخلال السنوات الأولى انشغل أول رئيسيْن لأرض الصومال، عبد الرحمن علي فرح ومحمد حاجي إيغال، في تثبيت أركان الدولة داخليًّا، ومع أن “إيغال” زار الولايات المتحدة في عام 1998 إلا أن العلاقة ظلَّت محدودة التأثير.
وتغير هذا الوضْع في أعقاب الحرب الأمريكية على الإرهاب، حينما قدَّمت أرض الصومال بقيادة الرئيس “ريالي” نفسها كشريك للولايات المتحدة وإثيوبيا في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وفي يناير 2008، قام “ريالي” بزيارة مهمة إلى واشنطن، التقى خلالها مسؤولين كبار من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومجلس الأمن القومي؛ حيث ناقشوا سُبُل التعاون في قضايا الأمن والتنمية والديمقراطية.
وفيما بعد استضافت أرض الصومال وفْدًا من موظفي الكونغرس الأمريكي ضمَّ أعضاءً من لجان مؤثرة وقاموا بجولة في ميناء بربرة الإستراتيجي، كما زار الرئيس موسى بيهي واشنطن وقدَّمَ خلالها رؤية أرض الصومال كشريك ديمقراطي مستقر، وهو ما دفع بعض المشرعين الأمريكيِّين إلى اقتراح مشروع قانون “شراكة أرض الصومال” الهادف إلى تعزيز التعاون الثنائي، وشهدت مدينة هرجيسا زيارات لشخصيات نافذة مثل بيتر فام وتيبور ناجي الذين دعوا إلى تعميق العلاقات الأمريكية مع أرض الصومال[1].
في عهد إدارة ترامب الأولى (2017-2021)
حَظِيَتْ أرضُ الصومال خلال إدارة ترامب الأولى بقبول أمريكي غير مسبوق؛ إذ كان العديد من المسؤولين المعنيِّين بالشأن الأفريقي من المؤيدين للاعتراف بها، وفي الوقت ذاته، نجحت أرض الصومال في بناء قاعدة دعْم داخل الحزب الجمهوري سواء في الكونغرس أو بين المؤسسات السياسية المحافظة المُقرَّبة من الرئيس، وعلى الرغم من تبنِّي ترامب رسميًّا سياسة “الصومال الواحد”، فإن مجلس الأمن القومي التابع له أبْدى دعمًا ملحوظًا لاعتراف تايوان بأرض الصومال، كما اتخذ ترامب قرارًا بسحْب القوات الأمريكية من الصومال، وهو ما فسره كثيرون في أرض الصومال كمؤشرٍ على تحوُّلٍ محتملٍ في العقيدة الصومالية لواشنطن.
في ظل إدارة بايدن (2021-2025)
شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وأرض الصومال استمرارًا في التقدُّم خلال إدارة بايدن؛ حيث زار وفدٌ رسميٌّ من حكومة أرض الصومال واشنطن، والتقى بمسؤولين في الكونغرس والإدارة، كما تضمَّن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023، بنودًا لتعزيز التعاون مع أرض الصومال، وفي عام 2022، زار هرجيسا عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا والسفير الأمريكي لدى الصومال، ورغم هذه المؤشرات استمرَّ الديمقراطيون في إحباط سكان أرض الصومال؛ إذ واصلت الإدارة دعم الحكومة الفيدرالية الصومالية، وأعادت نشْر قوات أمريكية هناك، واستبعدت ممثلي أرض الصومال من قِمَمٍ دبلوماسية مهمة مع توجيه انتقادات علنية لحكومتها[2].
سياسة إدارة ترامب الثانية (2025–الآن)
في ولايته الرئاسية الثانية، أبْدى الرئيس دونالد ترامب اهتمامًا واضحًا بأرض الصومال؛ حيث أُجريت محادثات بين مسؤولين من الإقليم وإدارته؛ بهدف التوصُّل إلى اتفاق يقضي بتأجير ميناء بربرة ومهبط الطائرات القريب منه للولايات المتحدة، مقابل اعتراف رسمي باستقلال أرض الصومال، ورأت السلطات في الإقليم، أن إدارة ترامب بما تحمله من توجُّهات اقتصادية وسياسية محافظة، تُعدُّ فرصةً فريدةً لتحقيق طموحٍ طال انتظاره بالاعتراف الدولي، وجاء هذا التوجُّه في ظلِّ تصاعُد التوتُّرات الإقليمية وتنامِي النفوذ الصيني في أفريقيا؛ ما دفع إدارة ترامب إلى النظر في تعزيز وجودها في القرن الأفريقي عبْر شراكات جديدة، خاصَّةً مع كيانات مثل أرض الصومال، التي أبدت دعمًا واضحًا للمصالح الأمريكية ورفْضًا للهيْمنة الصينية[3].
الأساس القانوني والتاريخي لسعْي أرض الصومال نحو الاعتراف الدولي
تستند أرض الصومال في مطالبتها بالاعتراف الدولي إلى حِجَجٍ قانونية وتاريخية واضحة، فهي كانت محمية بريطانية سابقة، وقد منحتها المملكة المتحدة وضْعًا سياديًّا، في 26 يونيو 1960، قبْل أن تدخل في اتحاد مع الصومال لم يُصادق عليه البرلمان الصومالي، وفي أعقاب انهيار النظام الصومالي عام 1991، وتفكُّك الحكومة المركزية، أعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد، في 18 مايو من العام نفسه.
وتعود جذور هذا المسار إلى الحركة الوطنية الصومالية، وهي إحدى الحركات التمرُّدية العشائرية الرئيسية التي ساهمت في إسقاط الحكومة المركزية، وقد واجهت هذه الحركة قمْعًا عنيفًا من النظام الصومالي شَمِلَ عمليات قتْل جماعية في شمال البلاد بين عاميْ 1987 و1989، ومع سقوط النظام اندلع صراع عنيف على السلطة بين مختلف الميليشيات، ولم يهدأ إلا مع بروز السياسي محمد حاجي إيغال الذي عزَّز سلطته عبْر صفقات مع التجار ورجال الأعمال وانتُخب لاحقًا رئيسًا لأرض الصومال عام 1993، ومنذ ذلك الحين، واصلت القيادة السياسية تعزيز الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة[4].
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، حَظِيَتْ أرض الصومال باعترافٍ فِعْلِيٍّ من الاتحاد الأفريقي عام 2005؛ ما يُعزِّزُ مطالبتها بالاعتراف القانوني، وترى أرض الصومال أن اعتراف الولايات المتحدة بها سيكون متوافقًا مع المبادئ الدولية، لا سيما مبادئ تقرير المصير واحترام السيادة، ويُرسخ وجود دولة مستقرة وديمقراطية تلتزم بالسلام والتعاون الإقليمي.
نهْج حكومة أرض الصومال “هرجيسا” للحصول على الاعتراف الدولي
اتبعت حكومات أرض الصومال المتعاقبة نهْجًا دبلوماسيًّا غير رسميٍّ في سعيها للحصول على اعتراف دولي بسيادتها، وقد تمحور هذا النَّهْج حول بناء تحالفات إستراتيجية مع القوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القوة المهيمنة عالميًّا بعد الحرب الباردة، والمملكة المتحدة باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة، ويُعزِّزُ هذا التوجُّه وجود جاليات كبيرة من أرض الصومال في كلا البلدين؛ ما يُسْهِمُ في دعم الروابط السياسية والاجتماعية بين هرجيسا والعواصم الغربية.
وعلى الرَّغم من أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد نظرتا منذ فترة طويلة إلى أرض الصومال كشريك إستراتيجي، فإنهما تردَّدتا مرارًا في الاعتراف الرسمي بها، فقد تبنَّتا سياسة تُفضِّلُ تمكين الحكومة الفيدرالية في مقديشو ذات الشرعية الدولية الواسعة من استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي الصومالية، إلَّا أن هذه السياسة أصبحت موضع شكٍّ في السنوات الأخيرة، خاصَّةً في ظلِّ التحديات الأمنية التي تعاني منها مقديشو، في مقابل ما أظهرته حكومة هرجيسا من قدرة على الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني وإجراء الانتخابات الدورية، رغم ما واجهته من معارضة سياسية ومسلحة.
ومع تغيُّر التوازنات الدولية وصعود قوى عالمية جديدة تبنَّت إدارات أرض الصومال سياسة خارجية أكثر تنوُّعًا تهدف إلى تحقيق هدف واحد وهو نيْل الاعتراف الدولي، وتستضيف العاصمة هرجيسا اليوم مكاتب تمثيلية وقنصليات لدول عدة، من بينها “جيبوتي وإثيوبيا وكينيا وتايوان والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي”؛ ما يعكس نجاح الحكومة في بناء شبكة من العلاقات الخارجية المتنامية.
كما أقامت أرض الصومال علاقات غير رسمية مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تُعدُّ شريكًا تجاريًّا رئيسيًّا وتستقبل أعدادًا كبيرةً من المهاجرين من أرض الصومال، إضافةً إلى كوْنها وجهةً رئيسيةً لصادرات الماشية من الإقليم، وفي إطار التوسُّع الدبلوماسي الخارجي، أنشأت حكومة هرجيسا مكاتب تمثيلية في عددٍ من الدول؛ بما في ذلك “كندا والولايات المتحدة والنرويج والسويد والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا وتايوان”، ويُشارُ إلى أن العلاقة الوثيقة التي جمعت أرض الصومال بتايوان، منذ عام 2020، قد أثارت حفيظة الصين التي ترى في تايوان إقليمًا تابعًا لها؛ ما أضفى على سياسة أرض الصومال بُعْدًا رمزيًّا ودبلوماسيًّا إضافيًّا في مواجهتها للضغوط الجيوسياسية.
وفي خطوةٍ تصعيديةٍ بارزةٍ، وقَّعَ رئيس أرض الصومال المنتهية ولايته موسى بيهي، في الأول من يناير 2024، مذكرة تفاهم مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لتعزيز التعاون الثنائي، مشيرًا إلى أن إثيوبيا ستكون أول دولة تعترف رسميًّا بأرض الصومال، وقد تسبَّبت هذه الخطوة في توتُّرٍ كبيرٍ في العلاقات بين أديس أبابا ومقديشو، إلا أن موقف آبي لاحقًا شهد تراجُعًا؛ حيث تمكَّنَ من التوصُّل إلى مصالحة مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بوساطة تركية[5].
أهداف ومصالح الولايات المتحدة من الاعتراف بأرض الصومال
-
تعزيز السيطرة على الممرَّات البحرية الحيوية، يتمتع ميناء بربرة في أرض الصومال بموقع إستراتيجي على خليج عدن، ويوفر وصولًا مباشرًا إلى مضيق باب المندب، الذي يُعدُّ شُرْيَانًا حيويًّا للتجارة الدولية، خاصَّةً لنقل النفط بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ومن شأن وجود أمريكي دائم في بربرة أن يمكن واشنطن من مراقبة هذه الممرَّات الحيوية وتأمينها، لا سيما في ظلِّ التهديدات المتصاعدة من الحوثيِّين في اليمن.
-
موازنة النفوذ الصيني في شرق أفريقيا، تتزايد المخاوف الأمريكية من التوسُّع الصيني في القرن الأفريقي، خاصَّةً بعد إنشاء بكين قاعدتها العسكرية في جيبوتي، ويمكن أن يسهم الاعتراف بأرض الصومال في تقوية الشراكة معها كقوة موازنة للنفوذ الصيني ومنع احتكار الصين للبنية التحتية والطُّرُق التجارية الحيوية في المنطقة.
-
الوصول إلى الموارد الطبيعية والطاقة، تحتوي أرض الصومال على احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي لم تُستغل بعْد، ويُمثِّلُ الاعتراف بها فرصة إستراتيجية للولايات المتحدة؛ لتأمين مصدرٍ بديلٍ ومستقرٍّ للطاقة وفتْح الباب أمام شركاتها للاستثمار في عمليات الاستكشاف والإنتاج في بيئة سياسية مواتية ومستقرة نِسْبِيًّا.
-
دعم عمليات مكافحة الإرهاب والاستجابة للتهديدات الإقليمية، تتيح القاعدة الأمريكية المحتملة في بربرة قدرة عملياتية متقدمة للرَّدِّ على التهديدات الإرهابية، خصوصًا من قِبَلِ حركة الشباب في الصومال، ويمكن أن تشكل أرض الصومال نقطة انطلاق فعالة لتنفيذ عمليات عسكرية دقيقة؛ ما يُعزِّزُ الدور الأمريكي في حِفْظ الأمن الإقليمي.
-
تأمين سلاسل التوريد للمعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى النفط والغاز تزْخَرُ أرض الصومال بالمعادن الأرضية النادرة الضرورية لصناعات التكنولوجيا والدفاع والطاقة المتجددة، وتُمثِّلُ هذه الموارد هدفًا مهمًا للولايات المتحدة في إطار سعيها لتقليل الاعتماد على الصين في هذا المجال الحيوي.
-
مواجهة تهديدات الحوثيِّين وتعزيز الاستقرار الإقليمي، يُعدُّ التهديدُ الحوثيُّ المتزايدُ في مضيق باب المندب عاملًا إضافيًّا يُعزِّزُ أهمية وجود قاعدة أمريكية في أرض الصومال، التي يمكن أن تستخدم كنقطة دفاع متقدمة للحدِّ من تحرُّكات الحوثيين وتقليل أثرهم المزعزع في المنطقة.
-
تعزيز العلاقات الأمنية والتجارية في المنطقة، يفتح الاعتراف بأرض الصومال الباب أمام تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الأمن والاستثمار والبنية التحتية؛ ما يخلق بيئةً مواتيةً للشراكات الإستراتيجية الأمريكية في القرن الأفريقي، ويُسْهِمُ في استقرار المنطقة بشكلٍ عامٍ[6].